إلى أمير... أو ملك هناك.. ألم يعلم بأن الله يرى؟
تقول مصادر مطلعة ومؤكدة إن وزير خارجية قطر حمد دعا المرحوم محمد حسنين هيكل لعشاء في أحد مطاعم باريس وهناك أكد له أن النظام السوري وبشار الأسد سيسقطان في خلال أسابيع. فرد عليه هيكل من "لا يعرف الأسد وقوة الجغرافيا والشعبية والتاريخ التي تحصنه لا يعرف ماذا يقول وفي ماذا يفكر
وداعا - غير مأسوف عليه لـ"درع الفرات".. وإن كان السلطان
"أردوغان" لازال يحلم (وهناً على وهن) بالموصل وحلب. وداعاً لدعاة الحرب
بالوكالة من أجل الأوهام وإن فرحوا للعدوان الأميركي على سوريا والضربة الصاروخية على
مطار الشعيرات.ولدعاة "المعارضة الذين يصرون على شرط تنحي بشار الأسد"
للمصالحة وهم مجرد صناديق مثقوبة من الأسف بتعبير الشاعر السوفيتي "سوليجينستين". ثم وداعاً لكل بغاة الربيع الدموي وما كانوا يأملون منه سراً وعلانية.كل ما في
الأمر أنهم جميعهم اشتروا لأنفسهم جهنم وبئس المهاد، وأضاعوا أموال شعوبهم في حرب
هم ليسوا أهلاً لها ولما تدروه عليهم من ويلات بعد صفاء السماء من الغيوم وظهور ما
كان يحضر في الخفاء بمباركة إسرائيل. بالتأكيد، حين تسقط القيم والمبادئ، تستيقظ
خلفها الأحكام الجاهزة. وحين يجرّ الواقع إلى"الفوضى الخلاّقة" تأخذ
ببؤسها وحرائقها كل الطرق الموصلة إلى التأصيل للمواقف والمبادئ – وبالتالي- تبدو
عورات صانعيها أهم إنجاز في حياتهم. ما ينطق به من أوجاع الأمن القومي العربي
اليوم شبيه بحاصل ما مضى من أوجاع أيام الاستعمار. نعم، حين يصير بعض الحكام العرب
مجرد "طيور موظفة" -بتعبير "شيسرون"الروماني لسياسات مستهجنة
وضد مصالح شعوبهم تبدو مواقع قصورهم المحصّنة بالإسمنت المستورد مجرد ورشات للغبار. ما يحدث اليوم، إن على مستوى الجامعة العربية أو على مستوى مجلس التعاون الخليجي
أكثر دموية من الدماء التي تسيل في الشوارع، أكفانها تغطي المتسولين بالأموال
العربية والمؤامرات الداخلية. وتبدو أيضاً أرخص من زجاجات الويسكي التي يشربها بعض
الأعراب في قصور كتبت عليها آيات من الذكر الحكيم زوراً.
إذن...
دعني أقول لك وأرجو أن أكون مخطئاً، وأظن وليس كل الظن إثم تعرف رأيي
في الأحداث الجارية وفي ما يتصارع من أجله الطغاة في الوطن العربي من
بعض الحكام، وبالتحديد من جماعة مجلس التعاون الخليجي. لست أدري، إن كنت أنت
مطلعاً على الحقيقة في ما كشف عنه النقاب أم لا؟ مع أن كل شيء أصبح ينطق بسيئات هي
أقرب إلى الخيانة العظمى من أي منطق آخر، فالذين يحتضنون الإرهاب في معسكرات هم -
بالتأكيد- لها وارثون ومند العصر الجاهلي، والمزوّدون إياه بالمال والسلاح هم
أيضاً معروفون وعلى مسافة قريبة من الجاهلية، إن لم تكن الجاهلية بحدّ ذاتها. صحيح
هناك تناقضات في المواقف و تبريرات للبعض فيها إلا أنها تبقى مركز الانطلاق لفهم
ما يمكن أن يكون أو تؤول إليه الأمور، فالسياسة اليوم مرهقة بالمغالطات ومشوهة
بالأكاذيب والتلاعب بمصالح الأمم. لقد صار المبدأ المتداول بين ساكني القصور
وصانعي الفساد فيها فاضحاً وفاحشاً، حتى علماء دين تمّ توريطهم في هذه المهمة
القذرة، إذ لم يعد بإمكان الفكر المحايد والنقد البناء المحايد أيضاً أن يتقلدان
المواقع الأمامية في تفسير الأحداث، بل صارت الأخبار الإعلامية المفبركة هي الأهم
في اتخاذ القرار وصنعه.
مرة أخرى دعني أقول لك إن ثمة مواقف أوجه الشبه فيها واضحة بين الحرب
الإعلامية التي تقودها مجموعة المرتزقة، وبين مجموعة صانعي القرار في ما يعرف
زوراً بمحور المعتدلين، وقد وفرت لها تركيا بإجرامها الواضح والفاضح كل إمكانات
اللعب على أراضيها، بل هناك دلائل واضحة تشير إلى أن هذه الحرب الإعلامية هي
الموجه الرئيسي للأزمة التي تتم فيها العمليات الإجرامية بناء على معطيات
استخبارية مفبركة، ومن المؤكد أنه لا علاقة للإصلاح في ما يدور اليوم من حروب ضد
مجموعة من الدول العربية المعرضة للتلاشي بعد الانفجار. وهي الأهم بمواقفها الصلبة
تجاه الفعل الخارجي في الوطن العربي. إن منطق الأخذ بالمبررات المزورة انطلاقاً من
مفهوم الإصلاح هو منطق للتغطية على ما يطبخ داخل الدهاليز، والحقيقة أن هذا الأمر
بالنسبة لسوريا والجزائر وإيران والمقاومة هو مجرد نفخ في الرماد، ذلك أن الوعي
الحاصل فيها على المستوى الشعبي والنظام هو وعي لا يمكن افتراض التسلل من خلاله
إلى أمور ليست مرفوضة فحسب بل هي مذمومة إلى حد اعتبارها صادرة عن أناس فقدوا الحس
البشري فضلاً عن الحس الأخلاقي والديني وبالتأكيد، فإنني لا أريد أن أكون خلف
الأحداث طالما أن الأحداث هي التي تفسر بعض الحقائق على الأرض، رغم أنها اليوم
أحداث مفبركة لا تحركها قوة التاريخ، ولكن تضغط عليها قوة الجغرافيا.
إذن، كلنا يدرك - أيها الأمير أو الملك - أن قطر حاولت، وتحاول
باستمرار أن تلعب دوراً أكبر منها إما على مستوى الجغرافيا أو على مستوى التاريخ.
فقطر بالنسبة لسوريا هي مجرد شارع من شوارعها، هذا على المستوى المادي، أما على
المستوى التاريخي فهي لا تساوي حجراً من أحجار التاريخ السوري خاصة في مجال الصراع
والمقاومة ضد إسرائيل وغيرها.
تقول مصادر مطلعة ومؤكدة إن وزير خارجية قطر حمد دعا المرحوم محمد
حسنين هيكل لعشاء في أحد مطاعم باريس وهناك أكد له أن النظام السوري وبشار الأسد
سيسقطان في خلال أسابيع. فرد عليه هيكل من "لا يعرف الأسد وقوة الجغرافيا
والشعبية والتاريخ التي تحصنه لا يعرف ماذا يقول وفي ماذا يفكر.. وتكرر السيناريو
نفسه على لسان الأمير نفسه بوجود الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي كقوة إثبات على
ادعاءات الأمير. إذن كان الكل يخطط وكان الكل يصدق أوهامه وفي النهاية سقط الكل
وبقي الأسد وشعبه..وبقي محور الممانعة.
لكن المشكلة من وجهة نظري – على الأقل - هي أن دول مجلس
التعاون باستثناء سلطنة عمان تحاول أن تفك عزلتها في التاريخ على حساب باقي الدول
العربية، تريد أيضاً ألا تبقى أسيرة للتناقضات التي تحكمها بسبب الفراغ البشري
والجغرافي والدستوري، وإذا استثنينا السعودية من الفراغ الجغرافي باعتبارها أكبر
دولة في مجموعة الخمس فإنها واقعياً تريد أن تكرّس مبدأ الأرض لآل سعود وحدهم،
والمذهب الوهابي التكفيري المصدر الأساس الوحيد في العالم الإسلامي السني، وتدعي
بلاهة أنها تقوده!!
وبالتالي مبدأ القبض على السلطة إلى أبعد الحدود!! إلا أن التناقض
الذي يحكمها مازال موزعاً بشكل يطغى على وظائف تلعب بها أهواء الأمراء وأشياعهم،
في حين تبقى الأغلبية على الهامش، أو حتى خارج التاريخ، ثم إن الفكر الوهابي الذي
تستند إليه أضحى خارج حركة التجديد الديني بل خارج حركة التاريخ ذاته مع أن
التجديد من مهمات الفكر الإسلامي ومطلوب شرعاً.
ولكن قد تقول لي ما دخل هذا كله والجامعة العربية هي التي عزلت سوريا
وفرضت عليها الحصار. هذا صحيح وفي غاية الموضوعية، لكن من الذي يسير الجامعة
العربية العمياء هذه، وكيف تصنع فيها القرارات؟ إذا أجبنا على هذا السؤال نكون قد
دخلنا صلب المعادلة التي تحاول اليوم كل من قطر والسعودية والإمارات تحويلها إلى
مجال آخر غير المجال السياسي الذي أنشئت من أجله. مجال تفتيتي لها ولصالحها. مجال
بالتأكيد لا يلعب المنطق فيه بقدر ما تلعب فيه الغرائز، فالرشوة عندهم وشراء الذمم
صارت ضمن التوجه السياسي لهم، وهذا من أمد بعيد. في حرب العراق مثلاً، قدمت
السعودية رشوة لروسيا حتى لا تعارض في مجلس الأمن الدولي الحرب ضد العراق، وهي
رشوة بمليارات الدولارات، وخلال الأيام الماضية قدمت رشوة لأميركا لضرب سوريا
بمائتي مليار دولار، وقبلها بسنوات قدمت ملايين الدولارات بأمر أميركي لتدريب
مرتزقة بقصد قتل العالم الشيخ محمد حسين فضل الله في لبنان عام 1985. وحتى لما
تعرض حسني مبارك للإطاحة، قدمت السعودية وقطر والإمارات أموالاً في شكل "مساعدات"
من أجل ألا يسقط مبارك وحكمه، وإلى الآن تلعب السعودية بالمال لتمكين دعاة الفكر
الوهابي من البروز على الساحة السياسية المصرية والجزائرية!!
في الجامعة العربية وأثناء إحالة ملف ليبيا إلى مجلس الأمن
قدمت السعودية التهاني لعمرو موسى وما يتبع التهاني أهم، وقبله قدم سعد
الحريري وبإيعاز من السعودية أموالاً لأطراف تعمل ضد مصالح لبنان حتى لا تتم
المصالحة بين اللبنانيين ويفك لغز المحكمة الدولية ضد لبنان ومن هو وراءها. لكن
حين سقطت ورقة التوت التي حاول أمير قطر أن يتغطى بها مع وزير خارجية تركيا في
زيارتهما الأخيرة للبنان (قبل الحرب على سوريا) ظهر جلياً أن الدور الإقليمي قادم
على سوريا باعتبارها اللاعب الوحيد في المنطقة ضد سياسة البترول مقابل الاستقرار،
أو ضد سياسة الاحتواء المزدوج لمنطقة تلعب فيها أميركا لمصالحها ومصالح إسرائيل،
فكان لا بد إذن من الالتفاف على الجامعة العربية وجعلها منطلقاً لتثبيت "الفوضى
الخلاقة". بدأ الالتفاف في ليبيا ثم سوريا وحتى الجزائر كانت مبرمجة. وكتاب
أحمد داود أوغلو "العمق الاستراتيجي" أو"المجال الحيوي" شاهد على
دور تركيا مع غيرها في هذه المأساة، وليس بعيداً من هذا فإن ساركوزي والذي كلف
بالحرب على ليبيا وتبنى مشاريع قرارات ضد ليبيا وسوريا واللاحقين المفترضين من
بعدهما لم يكن يتحرك خارج الدائرة المفصلية لقطر والسعودية، لقد وعد بصفقة لم تحلم
بها فرنسا في تاريخها. صفقة سلاح وصفقة بترول وإعادة لفرنسا إلى ما ضاع منها
بالحروب إن هي واصلت السير في الطريق المرسوم لها، كما وعدت تركيا بدور أساسي في
خارطة الشرق الأوسط الجديد بإزاحة إيران وسوريا من الواجهة، واجهة الممانعة لتكون
بالتالي لاحقاً بوابة الشرق لأطراف عدة لها مصالحها وحساباتها في المنطقة، وهنا
أشير إلى أن رئيس وزراء لبنان السابق تمام سلام قال لأحد زواره
"إن اردوغان طلب منه فتح حدود لبنان – مثل الأردن - أمامه للتوجه
بـ"الدواعش" منها إلى سوريا، ولكن رئيس الوزراء اللبناني السابق رفض ذلك
بقوله " لبنان ينأى بنفسه".
إن الدونية التي لاحقت الجامعة العربية في السنوات العشر
الأخيرة رغم اعتراض دول عليها هي في الأصل سباق من أجل توقيف خطة الارتكاز لدول
الممانعة والتي باتت المنطقة تقف عليها كشاهد حضاري وسياسي متميز، ممثلة بإيران
وسوريا والعراق والمقاومة في لبنان، خاصة بعد أن لعبت إيران دور المحرك للمشاعر ضد
الغرب كله وبعد بروز حاد للشعور القومي وبشكل فياض إلى الواجهة في أغلب الدول
العربية بعد نجاح المقاومة اللبنانية وسقوط نظرية الردع الأحادي الإسرائيلي وظهور
مفهوم الردع المتوازن. لكنّ هناك سؤالاً مهماً يبدو لي، هو لماذا وافقت جل الدول
العربية في الجامعة على قرارات تدميرية، وغير قانونية، وغير أخلافية ضد سوريا
وقبلها ليبيا؟ سؤال يبدو لي ذا شقين
أولاً إذا نظرنا إلى الخارطة السياسية التي عليها البلدان
العربية نجدها اليوم في أسوأ بنيان من الضعف الاقتصادي بسبب أزمة البترول التي
خلقتها السعودية بالاتفاق مع أميركا، هذا الضعف استغلته قطر بفائض المال لديها
وقامت بشراء الكثير من الأصوات بما فيها صوت الأمين العام للجامعة العربية. فلنأخذ
السودان مثالاً، رئيسه عمر البشير مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، والجامعة
العربية والاتحاد الإفريقي رفضا تطبيق الأمر بالتوقيف لكنه هدد من طرف قطر
والسعودية برفع الغطاء عنه وعدم استقباله في أي دولة عربية إن هو رفض أو اعترض على
ما يصدر في الجامعة العربية من قرارات ضد سوريا. أما مصر فقد كانت تعيش الحالة
نفسها التي تعيشها سوريا وبالتالي كان موقفها ضعيفاً، وبقي لبنان على موقفه الشجاع
إلى جانب العراق والجزائر. إن منطق توريث الأنظمة والحكام هو منطق مجموعة دول
الخليج، وإن منطق العبث بمصير الأمة العربية هو منطق خليجي ليس إلا، وإن افتعال
الضغوط الخارجية هو أيضاً نتاج سياسة الحكم السلالي والوراثي معاً في منطقة
الخليج. لكن الحقيقة هي أن اللعبة كلها قائمة ضد إيران وإسقاط سوريا حتماً هو
إسقاط لإيران تتبعهما روسيا. لكن هذا المنطق يبدو لي جاء متأخراً، فإيران اليوم هي
المحرك الأساس للأحداث في المنطقة شاء من شاء وأبى من أبى، وهي بالتالي القوى
الإقليمية الجديدة، وستكون الوحيدة لاحقاً، فقد خرجت من الحصار بحصار الآخرين ممن
هم ضدها وأوجدت ثقوباً في سياسة الغرب وإسرائيل.