خفايا التلويح الروسي بمحورية دوره في سوريا قبل مؤتمر الأستانة؟
ما يزال صداها يرّن في أذان البعض من السوريين لما حملته من المفاجأة والاستغراب من الحليف الشرس، حيث وجّه لافروف رسالة واضحة بأن التدخّل الروسي حال دون سقوط مؤكّد للعاصمة السورية دمشق بين أيدي المجموعات المسلّحة، وأن وجود مستشارين إيرانيين والآلاف من عناصر المقاومة الإسلامية اللبنانية لم يكن ذا قيمة لولا التدخل الحاسم للقوات الروسية.
وفي سبيل دَحض المزاعم السابقة، فلا بدّ من التذكير بأن روسيا أخذت الملف بيدها، وأوكلت لنفسها مهمة ضمان الدولة السورية مقابل ضمان تركيا للمجموعات المسلّحة المعارضة التي تستخدمها كأداة حسب ما تُمليه مصلحتها، وهو أمر لم تعارضه طهران، بل كان موقع إيران طرفاً وليس مراقباً لأن أغلب الحركات المقاومة التي تقاتل في الأراضي السورية تتبع لإيران بغضّ النظر عن حضورها الشرعي بطلب من الحكومة السورية، لذلك لم يكن حضور إيران كطرف عبثياً، ولا لمقاسمة روسيا النفوذ في الضغط على الحكومة السورية التي لها تحفّظاتها حيال ما يجري، بل كان لإيران أيضاً أدواتها ومصالحها التي لا يستطيع حتى الروسي إنكارها ولا تجاهلها لينغلق الباب بذلك على المتمسّكين بالاتهام السابق كتفسير ضعيف للتصريح الروسي. أمّا بخصوص ما أعلنه أحد المسؤولين في وزارة الخارجية التركية في الأيام الأولى لإعلان الاتفاق أن "إيران مُنزعجة من التقارب التركي ـ الروسي بشأن سوريا"، فهذا أيضاً قابل للتشكيك ويقع في خانة الترّويج الأيديولوجي للصبغة الجديدة التي يتّخذها الدور التركي، فالمُضحك المُبكي ما صرّح به هذا المسؤول أنّ بلاده "تنتظر من طهران استخدام نفوذها في المنطقة بشكل بنّاء، بما يخدم إرساء سلام دائم في المنطقة، وخاصة في ما يتعلّق بمساهمتها في حماية هدنة وقف إطلاق النار في سوريا وبدء المرحلة السياسية"، وهنا فقط تتجلّى جدلية المُضحك المُبكي لا سيما بالنسبة إلى السوريين الذين يعيشون في سوريا ويذوقون الويلات من كل جانب، فهنا فقط نذكّر بالدور التركي سواء بالإمداد بالسلاح أو السماح للمسلّحين باستخدام حدود تركيا، وتدريبهم، وتقديم دعم لوجستي كاملاً، وصولاً إلى قتال الأكراد عدوّهم اللدود داخل حدود سوريا وحتى في ظلّ اتفاق وقف إطلاق النار السابق علة مؤتمر أستانة، فالسوريون المحتكّون بالواقع يعلمون جيداً أن دعم تركيا لم يتوقّف لحظة، ولذلك إن ضرب الدور الإيراني خطوة استراتيجية تركية خبيثة تسعى من خلالها إلى إيجاد شرعية وغطاء لدورها الجديد في الأزمة السورية الذي جاء بعد انتكاسات مُخزية ومُخيّبة للآمال مُنيَت بها تركيا. لقد أتى ما صرّح به أندريه ستيبانوف المحلّل السياسي الروسي في شؤون الشرق الأوسط ليفضح المستور حيث اعتبر أنّ موسكو تمتلك الكثير من الأدوات اللازمة للضغط دولياً واقليمياً لإنجاح مؤتمر أستانة – حسب تعبيره – وهنا كانت الحقيقة تكمن ببقية الحديث ألا وهو: لإنجاح مؤتمر أستانة حسب الخطّة الروسية التي تضمن مصالحها وتفوّقها من دون إثارة المُتكالبين على سوريا من الدول الكبرى التي لم تغضبها روسيا لغاية اليوم بشكل مقنع، والدليل ضربات إسرائيل لسوريا وصواريخ أس 400 تتفرّج وتصفّق، وهنا إن جل ما نريد التنبيه إليه هو خطّة القيادة الروسية المستقبلية بشأن مؤتمر أستانة من حيث ضم دول جديدة للاتفاق، وكذلك المراحل القادمة، فالرئيس الأسد تكلّم عن مؤتمر أستانة وأشار إليه بكونه مخصصاً لتثبيت وقف إطلاق النار، ولكن عندما سُئل عن الحل السياسي أجاب بأن الحل السياسي يتطلّب أطرافاً موحدّة. وهنا الجميل بالموضوع أن أعداء الدولة والشعب السوري مبعثرون تحت أحذية أسيادهم الخارجيين. الدليل على كلامي ما أشارت بعض المصادر إليه أنّ التطمينات تضمّنت تعهدات روسية بتوسيع دائرة المشاركين من الفصائل المعارضة، والدول الاقليمية الأخرى المعنية بالملف السوري، وأن لا إيران ولا تركيا بإمكانهما تجيير الاتفاق حسب مصالحهما. لعلّ التجاهل الروسي للدور الإيراني الذي تزامن عملياً مع بداية الأزمة السورية لغاية اليوم من جهة، وللأيديولوجيا التي تعتنقها إيران التي ماتزال متأثّرة بمبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية ناهيك عن انقسامهم – كما يدّعون- إلى محافظ وإصلاحي متحرّر، فبحسب نهج الإصلاحيين أنهم لا يعارضون الانفتاح على الدول الاقليمية ومن بينها المتخاصمون معها، فكيف انزعجوا هاهنا من مبادرة روسيا إلى إرسال إشارات إيجابية للسعودية، ومن ثم ترسيم محمّد علوش المرشّح طرفاً رئيسياً في مفاوضات أستانة. وهنا للتعريض نذكر أن السعودية دولة معادية ومنذ بداية الأزمة السورية لغاية الآن تهاجم سوريا علناً بشكل أقرب للمباشر، وإن عدم حضورها يعني أن الأزمة لن تنتهي والقتال سيستمر بفعل الدعم السعودي للأدوات الإرهابية في سوريا، ما يعني أن هذا التصرّف الإيراني الذي يختلف عن تصرّفاتها البراغماتية السابقة يُشير إلى أن إيران تُخبّئ شيئاً ما حيال الوضع في سوريا، ولعل الجواب الأقرب في ظلّ الانزعاج الإيراني من الزعامة الروسية التي قدّمت الكثير لسوريا – من باب الحرص لحماية مصالحها في سوريا – يصبّ في خانة الانزعاج على تقاسم النفوذ رغم أن الطرفين الروسي والإيراني ضمن مصالحه إلى حد بعيد. في هذا الصدد نذكر ما قاله المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي لوكالة فرانس برس؛ الأمر الذي يؤكّد اختلاف وجهات النظر أيضاً حول التكتيك المُتّبع، حيث قال "ينبغي في المرحلة الراهنة الإبقاء على الإطار الثلاثي، وأيّ توسيع يمكن أن يزيد مخاطر الفشل. سياستنا تقضي بعدم إضافة بلدان أخرى في هذه المرحلة". كردٍ إيراني على تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إنه يعتقد أنّه من الصواب دعوة إدارة الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب - الذي تولّى منصبه رسمياً الجمعة- إلى محادثات السلام في أستانة. اليوم تحاول إيران تأكيد وتثبيت دورها وهويّتها في الأزمة السورية بما في ذلك الجهود المبذولة لحلّها بما يحقّق لها مكانة وتفوقاً دولياً من جهة، وفي الجهة الأخرى تسلّمت روسيا دفّة القيادة للأزمة السورية وستحاول إنجاحها بالقوة لو تطلب الأمر والدليل تتابع تحذيرات وزير الخارجية الروسية لمن يسعون إلى إفشال مؤتمر أستانة، فوجّه رسالة إلى فرنسا من دون ذكرها بالإسم، مُحذّراً بأن بلاده لن تسمح بذلك، وقال إن لديه معلومات عن أن بعض الدول الأوروبية تبحث تقويض محادثات السلام السورية لأنها شعرت بأنها هُمّشت منها، ولذلك كله وفي وسط استخدام الثقل الروسي لإنجاح مؤتمر الأستانة ضمن الأهداف المُحدّدة ، فإنه حتماً سيخرج بنتائج عظيمة ستكون بداية نهاية الأزمة السورية لتبقى مفرزات هذه الأزمة تحت طائلة المعالجة، وبذلك تعود سوريا، ولكن إلى ذلك الوقت، هناك سؤال نتركه للقرّاء...كيف ستثبت سوريا قيادة وشعباً موقع واستقلالية القرار السياسي السوري في ظلّ هذا التبنّي الرحيم والوصاية الحنونة الدولية على المعناج السورية (الأزمة)؟