رسالة إلى ناجي العلي... حنظلة يريدُ رفاقاً
بعد وفاتك بثلاث سنوات وشهر وخمسة عشر يوماً, ولِدتُ, فأسماني والدي على اسمك, كبرتُ مع هذا الاسم وكبرتَ معه في قلبي. لم يُفلح تقدير والدي بأن أُشبهك, فلم أرسم شيئاً في حياتي سوى بيت وشجرتَي سرو وفوقهم شمس, لوّنتهم بألوانٍ خشبيّةٍ باهتة, وحصلت بذلك على تقدير ضعيف في مادة الرسم أثناء دراستي الابتدائية.
لا كلام لديّ أنقله لك حيثما أنت راقدٌ في لندن, لا قدرة لي لوصف الحضيض الذي نقبع فيه, هدوء المكان الذي تنام فيه عظامك الآن, أفضل من صخب مخيّم عين الحلوة, حيث أوصيتَ أن تُدفن, هنا ستتوارد إلى تربتك أصوات أطفالٍ يموتون تحت القصف وحدّ السيف, أطفالٌ سوريّون هم بعمر حنظلة أو أصغر قليلاً, يقضون جوعاً وغرقاً, ينتظرون قدرهم البائس في المخيّمات, يُستثمَرون في أسواق السياسة وعلى "شيكات" المنظّمات الدولية, يبيعون العلكة في دول الجوار, ويمسحون زجاج السيارات الدافئة فيما ينامون على قطعةٍ باردةٍ من كرتون.
جيّدٌ أنّك لم ترَ إيلان نائماً على وجهه في شاطئٍ تركي, ولا عبدالله العيسى الطفل الفلسطيني الذي يكبر حنظلة بسنتين وهو يترجّى قاتليه أن تُنهَى حياته بالرصاص لا بالذبح.. يؤسفني إخبارك هنا, أنّه لم ينل حتّى أمنيته الأخيرة. كذلك عمران, الطفل الحلبي الذي مسح دمَ وجهِه بيده الصغيرة قبل أن يمسحها بمقعد سيارة الإسعاف بحركةٍ تحمل كلّ براءة الأرض. العشرات من الأطفال في هذا الشرق التعيس يصعدون إلى السماء يومياً, يديرون ظهرهم لوحشيتنا, تماماً كحنظلة.. ويرحلون. أعلم أنك لم تهب الموت يوماً, وفي كلّ رسمٍ من رسوماتك كنت تقترب منه طواعيةً, لاقيته في منتصف الطريق, وأنت في منتصف العمر, وبمسدسٍ كاتم للصوت كُتم صوتك إلى الأبد, لكن صداه ما زال يتردد بيننا حتّى اليوم, حنظلة الذي تركته وهو في العاشرة من عمره يرفض أن يكبر, وما زال عاقداً يديه خلف ظهره, لم يمدّهم ليصافح مُحتّلاً, كما يفعل الكثير من العرب اليوم.
أخالك بيننا اليوم, هل كانت روحك ستحتمل كلّ هذه النكسات والحروب والانقسامات؟ وأسأل نفسي عن ماذا كنت سترسم؟ هل كنت ستنشئ أيقونةً جديدةً لأطفال سوريا واليمن والعراق والسودان والصومال وليبيا, أظنّ ذلك.. فحنظلة الفلسطيني يريد رفاقاً يبددون وحشة صمته.