البغدادي بديلاً عن بن لادن...
ظهر الممثّلون الجُدُد من رَحم إرهاب تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم أبو محمّد الجولاني زعيم تنظيم النصرة، لكن قوّة تحالفات المحور المناوئ للمخطّطات الأمريكية إستلزم تعدّد التنظيمات الإرهابية وضرورة مُمارسة نشاطاتها بصورة أكثر إجرامية، ظهر وجه آخر المدعو أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم داعش وقد أحَسَن المُخرج في إنتقاء الإسم في منطقة مُتعدّدة الطوائف والأديان
نقطة الإنهيار تلك أوجَبَت على الولايات المتحدة إتّخاذ قرارات مصيرية لجهة حسم هيمنتها على العالم من دون مُنازِع. وكما كانت الحرب العالمية الثانية ضرورة لخلقِ مجالات حيوية للزيادة السُكّانية وللصناعة الألمانية، شكّلت الحرب على الإرهاب ضرورة لكي تتمكّن واشنطن من السيطرة على الشرق الأوسط، وكما إصطنعت ألمانيا في سبتمبر 1939م من "هَجَمَات بولندية" قام بها جنود ألمان بلِباس جنود بولنديين على قرى ألمانية حدودية ذريعة لخوض الحرب، إتّخذت واشنطن من هَجَمَات 11 سبتمبر ذريعة لاجتياح أفغانستان والعراق.
كانت الحرب على أفغانستان عام 2001م فرصةً لتُحدّد واشنطن المدى الأقصى الذي تطمح إلى السيطرة عليه في الشرق الأوسط، وكان من شأن الحرب على العراق أنّ تمنحها عُمقاً إستراتيجياً في المنطقة، إضافةً إلى السيطرة على النفط، وكانت الخطوة التالية إسقاط النظام في إيران وسوريا أو تطويعهما حتى تستكمل السيطرة على الشرق الأوسط، وهَدَفَ الإنقلابان اللذان دعمتهُما في جورجيا وأوكرانيا إلى حماية أجنحة جبهتها فيهما، إذ كان المشروع الأمريكي يبغي السيطرة على الشرق الأوسط من المُحيط الأطلسي إلى حدود الصين لتحقيق جُملة أهداف أبرزها: عزل أوروبا عن أفريقيا، العمل على إخراج روسيا من البحر المتوسّط، منع الصين من بلوغ أفريقيا.
لم يكن النصر الأمريكي في أفغانستان والعراق حاسماً، فالنمط الجديد من الحرب اللامتوازنة الذي اعتمدته الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة ضدّ الإتحاد السوفياتي تعلّمته القوى الأخرى وطبّقته لعرقلة المشروع الأمريكي. إذّ دعمت إيران وسوريا المقاومة العراقية وجعلت الإحتلال مُكلفاً لواشنطن، خشية انتقال نار الحرب إليهما. روسيا أيضاً - المُستهدَفة أيضاً في المشروع الأمريكي - دعمت إنقلابات مُضادّة حاصرت الرئيس "ميخائيل ساكاشفيلي" في جورجيا وأفضَت إلى إعتراف روسيا في أغسطس 2008م باستقلال أوستيا الجنوبية وأبخازيا.
ردّت واشنطن في ما بعد وأزاحَت "فيكتور يوشينكو" عن السُلطة في أوكرانيا. لكن النتيجة كانت أنّ الوضع في أفغانستان ليس في الشكل المطلوب أمريكياً، وباكستان وضعها لا يُطمئِن، وإيران تُمدّد نفوذها وتستعصي على بيت الطاعة الأمريكي، وأوكرانيا ظهرت فيها بوادر إنفصال بعض المُقاطعات وضاع القرم لصالح الروس.
أمام قِلّة الخيارات بات الوضع الأمريكي في الشرق الأوسط شبيهاً بوضع هتلر عقب معركة ستالينغراد، فكما أنّ هذا الأخير فَقَدَ أمله في الوصول إلى قلب آسيا فالمُحيط الهادئ بعد استسلام جيشه على ضِفاف نهر الفولغا، وعى الأمريكيون أنّ مشروعهم الإستراتيجي للشرق الأوسط الأكبر حتى حدود الصين بات صعب المنال، ولكن كما حاول هتلر في معركة "كورسك" تثبيت وضعه في أوروبا الشرقية بِغاية الحفاظ على دورٍ قيادي عالمي؛ أدركت واشنطن أيضاً أنّ عليها تثبيت الحدود الدنيا لهذا الشرق الأوسط الذي تريده عبر إبقاء سيطرتها على الجزيرة العربية والعراق وسوريا ولبنان والأردن، ومن أجل ذلك كان عليها خوض معركة حاسِمة في مواجهة القوى المناوئة تُعيد خلط الأوراق من جديد.
من هنا كان لابدّ لواشنطن من أنّ تستخدم ورقة الإرهاب من جديد لتغيير خريطة الشرق الأوسط، وكأننا شعوب بلا ذاكرة. وبعد عقود طويلة انتهى دور شخصيّة بن لادن المُملّة، وتم تصفيته في مايو 2011م. كان لابدّ من وجود شخصية جديدة تؤدّي الدور الذي أدّاه بن لادن، إذّ أنّه من دون هذه الفزّاعة تصبح الحرب الأمريكية على الإرهاب على المِحكّ ومن دون غطاء.
ظهر الممثّلون الجُدُد من رَحم إرهاب تنظيم القاعدة، وعلى رأسهم أبو محمّد الجولاني زعيم تنظيم النصرة، لكن قوّة تحالفات المحور المناوئ للمخطّطات الأمريكية إستلزم تعدّد التنظيمات الإرهابية وضرورة مُمارسة نشاطاتها بصورة أكثر إجرامية، ظهر وجه آخر المدعو أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم داعش وقد أحَسَن المُخرج في إنتقاء الإسم في منطقة مُتعدّدة الطوائف والأديان. إذ وضعت هذه التنظيمات مُخطّط الفوضى الخلاّقة موضِعَ التنفيذ وأزالت الحدود السياسية من طريق العولمة، وأعطت مبرراً وغطاء (حصان طروادة) لاستمرارية الحرب الأمريكية في المنطقة.