الشرعية، هاشتاغ على وقع الانقلاب في تركيا
بالرغم من تفاوت الآراء حول أسباب الانقلاب في تركيا، واتفاق بعض شيوخ الافتاء على تحريم الانقلاب التركي أكثر من الاتفاق على أن قتال اسرائيل حلال، إلا أن جزءأ كبيراً من الشعب العربي أثبت مدى الشرخ الواضح سياسياً وطائفياً فيما بينه والولاء الأعمى للحلفاء الخارجين أكثر من الوطن. فكان الذعر العربي من "سقوط" تركيا أكبر من الذعر تجاه سقوط الأقصى وبقاء عكا وحيفا بيد الاحتلال الاسرائيلي.
ازدحمت وسائل التواصل الاجتماعي بالهاشتاج العربي المضاد للانقلاب والمؤيد لما سماه البعض بـ"الشرعية" كمرادف لأحداث مصر، ليضحى الهاشتاج الأكثر استخداماً هو "تركيا" و"مع الشرعية" للإعراب عن مدى القلق والحزن الشديد عن ما قد تؤول إليه تركيا في حالة خروج إردوغان من المعادلة الدولية والإقليمية. إن الجمهورية التركية بحسب الدستور هي دولة ديمقراطية علمانية، ويعتقد الكثير بأن ما وصلت اليه تركيا من تطور وانفراج مالي وسياسي واقتصادي هو نتيجة لاستلام الرئيس طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية للحكم، وأن كل ما سبقه كان خراباً وبمجرد رحيله هو سقوط للنظام السياسي ونواة الدولة التركية. قد تكون تجربة الدول العربية في ما سمي ب"الثورات" و"الربيع العربي" قد جعلت المواطن يأخذ اتجاهاً مضاداً لأي تغيير على أرض الواقع. ولكن إن تعمقنا في السياسة الخارجية التركية يمكننا فهم الاستراتيجية التي تتخذها القيادة التركية، فهي تعلن ولاءها للمعسكر الغربي أمام العالم بانضمامها لحلف شمال الأطلسي وخدمة المصالح الأميركية في المنطقة. فيما تستغل الولايات المتحدة الوجود التركي لتضع قوة اقليمية مضادة لايران في مجال ايران الحيوي. يحاول العديد من أنصار الاخوان المسلمين الترويج للتقدم التركي والتطور الذي حققته في فترة قليلة في حين تنبذ وتنقم على التطور الايراني باعتباره خطة فارسية للسيطرة على المنطقة العربية، وأن المشروع التركي هو سلاح وسيف التحرر من الفساد والذل العربي، متناسيين أن ما يناشدون تركيا لتقف في وجهه هو حليفها الاستراتيجي. استطاع الانقلاب أن يخدم إردوغان على الصعيد الاعلامي، فأظهرت العديد من وسائل الاعلام والوكالات أن الانقلاب هو مؤامرة على النجاح والمشروع الاسلامي التحرري القادم، في حين لم تظهر ما سبب الخروج المفاجئ للضباط وما سبب الهدوء السريع للانقلاب، ولا يمكننا التغاضي عن الدور الأميركي السريع والرسائل المبطنة التي وصلت لأردوغان بسرعة لاشعال الانقلاب، لا سيما بوجود قواعد عسكرية أميركية والتي تعتبر من كبرى القواعد العسكرية للأطلسي في المنطقة، وهي "قاعدة إنجرليك الجوية" التي تضم نحو 1700 جندي أميركي، وتتمركز بها 36 مقاتلة من طرازات مختلفة، ويمكن زيادتها في حال الحرب بأعداد كبيرة. وتجرى في القواعد التركية عمليات توسع عسكرية مهمة بتمويل أميركي في الوقت الحالي، بما يمكن من حشد أعداد هائلة من القوات والمقاتلات في "وقت الحاجة". وهنا يمكننا القول بأن الانقلاب العسكري بغض النظر عن أسبابه لم يكن ليحقق سوى الأهداف الأميركية نظرا للحماية الأميركية الضخمة والمكثفة لتركيا والحلفاء الاستراتيجيين لتركيا في المنطقة، سواء إسرائيل أو السعودية ودول الخليج. فإن نظرنا إلى الدول التي تعاني من الدمار والشرذمة هي دول تقف في وجه الولايات المتحدة واسرائيل في الأساس، وتركيا من أهم الحلفاء لتلك الدول. وما يلفت النظر هو الثورة العربية على وسائل التواصل الاجتماعي ضد الانقلاب والهتاف إأردوغان، فيما وقف الشعب التركي في وجه فكرة الانقلاب بحد ذاتها، فكانت الرسالة الإعلامية العربية تروج أن الشعب التركي خرج ليهتف ويقف في صف إردوغان، من دون ذكر خروج العديد من قادة المعارضة التركية مثل فتح الله غولن الذي عارض الانقلاب وطلب من الشعب التركي الوقوف في وجه الانقلاب العسكري. ان الدرس الذي يمكن للعرب تعلمه من الحدث والشعب التركي هو الوقوف في صف واحد ضد أي خطر قد يداهم أراضيهم بغض النظر عن الانتماء السياسي، والوقوف يد واحدة في وجه الطائفية والكره للحفاظ على قوة وازدهار البلاد. ولكن للأسف لم يكن للشأن التركي سوى تقسيم المقسم ووقوف العرب التلقائي في صفين متناحرين منهم من يؤيد الانقلاب وآخر ضده وكأن الشأن التركي هو شأن عربي بحت.