الرهان على العلاقة بين العروبة والإسلام في ظل استهداف الهوية العربية
لم يعمل الدين الإسلامي على تغييب وإلغاء القوميات، والجنسيات، أو القبائل والعشائر، والأوطان، من حيث وجودها ولا من حيث انتساب الإنسان لتلك القوميات، والجنسيات أو القبائل والعشائر، والأوطان وما أكثر الأدلة الشرعية الدالة على ذلك.
-
-
المصدر: الميادين نت
- 8 اب 2016 21:30
بين الفضاء المحلي الضيق وبين الفضاء الإسلامي الواسع بزغ المجال القومي
لم يمنع المرء من أن يقول عن نفسه بأنه عربي أو فارسي أو
رومي، أو يمني أو شامي، أو قرشي أو خزرجي، كما لم يمنعه من التعبير عن الحب
والحنين لما ألفه من أوطان وديار. فهذا وارد، والشارع أقره ولم يلغه، ولا توجد
حاجة للاستدلال على مشروعية ذلك إذ أنه من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة. لا يجادل
فيها اثنان، وفي هذا الصدد، ومما لا يجوز هنا فهو أن ننتقص دور العرب كعنصر
ضروري لنصرة قضايا الإسلام وعقيدته، حيث ارتبط مصيرهم بمصير هذا الدين عزاً
وذلاً، عزاً إن نصروه، وذلاً إن خذلوه وتخلوا عنه، ومما جاء في الحديث في فضل
العرب: أحبوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نور في الإسلام، وإن فناءهم ظلمة في
الإسلام، ولقد علق كثير من أخصائيي الحديث على هذا الحديث بالقول إن كان قد ضعف
سنده فمتنه صحيح لأن مجمل نصوص الشريعة تدل على صحته ومن ذلك ما جاء في فضل الشام
وأهله، وأن كلاً من الإسلام والعروبة جوهران متكاملان ومن الخطأ تماماً أن
نفصلهما، ولا أدري إذا كان من الصحيح أن أشبههما بالتوأم السيامي، حيث إنهما
ملتصقان ببعضمها البعض ومن المميت ومن الخطر أن نقوم بفصلهما عن بعضهما، هذا
الجوهر المزدوج، العروبة والإسلام عبارة عن وجهان لعملة واحدة ومن الخطأ محاولة
تمييز العروبة عن الإسلام أو تمييز الإسلام عن العروبة، وهذا للأسف سيئة أو مطب
وقع فيه بعض المفكرين في فترة معينة من أوائل هذا القرن، إلا أنَّ أغلب المفكرين
المسلمين وأغلب المفكرين العرب وأغلب المفكرين العرب المسلمين يصرون على هذا
التلاحم، يصرون على هذه اللحمة، فعلى مدى تاريخي طويل كانت العروبة، وكان الإسلام،
مجرد(جغرافيا ثقافية) يتحرك فيها العربي والمسلم بين بيئات محلية مختلفة نسبياً
ولكنها متناغمة عموماً حيث العروبة والإسلام هوية واحدة وإن كانت مزدوجة البعد،
ومع بزوغ عصر النهضة العربية الثانية انطلقت خطاباتها الكبرى، ولأكثر من قرن، إما
من فضاء إسلامي واسع على منوال جمال الدين الأفغاني، حيث شكَّل الفضاء الإسلامي
نقطة ارتكازه الأساسية، وإما من فضاء محلي يصعب الادعاء بأنه (وطني) اللهم سوى في
مصر كما كان الأمر لدى رفاعة الطهطاوي، ثم لدى الجيل الثاني من دعاة النهضة
العربية على منوال طه حسين ومحمد حسنين هيكل ولطفي السيد وغيرهم.
وبين الفضاء
المحلي الضيق وبين الفضاء الإسلامي الواسع بزغ المجال (القومي) للمرة الأولى في
الخطاب النهضوي لعبدالرحمن الكواكبي، في سياق بحثه عن عقلانية عربية متحررة من
الجبرية المكتسية بالنزعات الصوفية الغيبية، ومن الاستبداد السياسي وضغوطه
القاهرة، ووجدت دعوة الكواكبي أثرها، بعد عقود من انطلاقها، في ضمير الفكر العربي
الذي بلغ تألقه النظري في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين متمدداً من الشام في
المشرق العربي إلى مصر في القلب العربي عبر مدرسة الشرق، ثم بلغ ذروة تجسده العملي
في الحركات القومية الناصرية والبعثية التي تمكنت من شغل الفضاء السياسي
والإيديولوجي، وصياغة حس الاتجاه العربي في الربع الثالث من القرن العشرين
تقريباً، قبل أن يدخل في طور الأفول ما بين نهاية الستينيات وانتصاف السبعينيات،
وربما يختلف الكثيرون حول التاريخ الدقيق لبداية انكساره، ودوافع هذا الانكسار، غير
أن التأريخ له بهزيمة حزيران/ يونيو 1967 واحتلال إسرائيل القدس الشرقية مع الضفة
وغزة وسيناء والجولان، ومن هنا كانت بداية الشرخ الذي شجع البعض على القول بفصل
العروبة عن الإسلام، وكانت أيضاً بداية الانكسارات التي تتالت على القومية العربية
والتي شجعت الكثيرين على القول بأفول نجم القومية العربية والقوميين دون أخد الدور
الذي لعبته (المتغيرات الدولية) ويمكن أن تلعبه بأي وقت بشكل يقلب المعايير رأساً
على عقب ، هذا من جهة.
من جهة ثانية لقد ساهمت حركات الإسلام السياسي منذ بداية ظهورها بانفصال العلاقة بين الإسلام والعروبة كخطة منهجية في حربها الأيديولوجية القائمة على الانغلاق على النفس والاعتكاف إلى الماضي، ومحاربة ما تم نقله عن الغرب عبر الاحتكاك الحضاري في الوقت الذي تعمل فيه لخدمة أهدافها العسكرية والسياسية الضيقة، وهذا ما يتم اليوم ضمن ما يسمى ”الربيع الغرب - إعرابي”، وإذا أخذنا بعين الاعتبار التصادم الذي حصل بين التيار السلفي والقومي ممثلاً في مصر في عهد جمال عبد الناصر سنستدل على سبب العداء السلفي ومصلحته من إظهار العلاقة وكأنها منفصلة أو من إظهار القوميين العرب وكأنهم أعداء الدين الاسلامي ومخالفين للخصوصية العربية، على الرغم من أننا وجدنا في أغلب أدبيات مفكري التيار السلفي من غير المسيسين من يقر بشرعية هذه العلاقة، والسبب الذي نريد أن ننوه إليه في هذا الصدد هو مصلحة الطرف الخارجي من حدوث الانشقاق العروبي – الإسلامي الذي تشكّل قواه كلاً من القوميين والإسلاميين، فلا يخفى على أحد مصلحي الغرب الأوروبي من إضعاف الدول العربية لحساب ومصلحة الكيان الإسرائيلي، وأن ما يقف في وجهها هو فقط الحاجز الايديولوجي العروبي الإسلامي، لتتضح بذلك المصلحة في شق الصف العربي وتشطير كثير من المجتمعات العربية إلى كتلتين شبه متعادلتين رمزياً وعملياً، إحداها حداثية وإن ظلت فوقية تضم التيار القومي، واليساري المتداع والليبرالي، والأخرى سلفية تجسدها التيارات الإسلامية في شتى نزعاتها المعتدلة والمتطرفة، وصولاً إلى تلك التيارات العدمية التي تلتحف بمعطفها، حيث نشأت بين الكتلتين حالة فيزيائية نادرة الحدوث في المجتمعات الإنسانية، تقوم على التماثل في القوة، والتضاد في الاتجاه ما أعاق عملية تكوين «كتلة تاريخية» متجانسة في الوعي والحركة على نحو صار معه المجتمع العربي المعاصر، على تباينات محلية فيه، فاقداً ما يمكن تسميته «حس الاتجاه» بالمعنى التاريخي أمام عمق الانقسام وجذريته.
وختاماً نؤكد أن الحضارة الإسلامية قامت طيلة أربعة عشر قرناً من الزمان على دِعامتين: هما الإسلام والعروبة، في حين كان الإسلام مضمون هذه الحضارة وشخصيّتها، فكانت العلاقة بين الإسلام والعروبة علاقة تكامُليَّة بلا تناقُض.
وللتذكير لا بد من الموقف الحضاري التاريخي الذي وعاه الرئيس السوري بشار الأسد عندما أدرك ونوه إلى محاولة الغرب لفصل العروبة عن الاسلام، حيث وجّه دعوة فيما سبق لرجال الدين المعتدلين لممارسة دور أساسي في تكريس المفاهيم الصحيحة في مواجهة المصطلحات الخاطئة التي يكرسها الغرب أخذاً إياها من الحضارة العربية الاسلامية لضرب رسالتها الحضارية مستخدماً أدوات لا تفقه ما يحدث، ومن هنا كانت أهمية الرد الثقافي على الحرب العالمية على الإسلام الدعوي كما أتى به الرسول الأعظم (ص) لأن من أخطر ما تتعرض له منطقتنا والعالم الإسلامي عموماً محاولات الغرب ضرب العقيدة والايديولوجيا في المجتمع العربي من خلال التغيير التدريجي للمصطلحات.
ولقد أكد الأسد صراحة على أهم مثال على محاولة فصل العروبة بمفهومها الإنساني والحضاري لا العرقي عن الإسلام لأن ذلك من شأنه أن يخلق حالة من عدم الاستقرار على المستويين السياسي والاجتماعي عبر آفة الإسلام السياسي. والسبيل الوحيد لمواجهة التطرف والإرهاب لا يكون فقط عبر إدانتهما وتفنيدهما بل من خلال ترسيخ مبادئ الدين الصحيح المعتدل القائم على الأخلاق والفهم العميق للإسلام ومن خلال تجديد الفكر الديني بما يتماشى مع تطور المجتمع عبر استخدام العقل والمنطق والحوار المنفتح على الآخر والمبني على أساس الإقناع لا التخويف.