"العدالة والتنمية" المغربي بين الدين والسياسة
حزب العدالة والتنمية كبقية التنظيمات العقائدية والراديكالية الأخرى، تسلق شجرة الحكم لا لينزل عنها من جديد وهو مثلها تماماً، مستعد لبذل الغالي والنفيس للبقاء في الحكم وللاستمرار في السلطة. لكن الحزب يعاني من إشكاليات حقيقية تفرضها فرادة النظام السياسي المغربي من جهة، والبنية الداخلية للحزب من جهة أخرى.
-
الكاتب: يوسف سعداني
-
المصدر: الميادين نت
- 8 اب 2016 18:40
حزب العدالة والتنمية كبقية التنظيمات تسلق شجرة الحكم لا لينزل عنها
إن قراءة أداء "حزب العدالة والتنمية" المغربي، تستدعي وضع الأمور في سياقها الأاوسع، أي دراسة الحزب كجزء من نوع خاص من الإسلام الحركي المتمثل في حركة الأخوان المسلمين، عمادها الاشتراك في نفس أدبيات الممارسة السياسية واعتماد نفس البنية التنظيمية، التي تمزج بين السياسي والدعوي، مع مركزية العمل التربوي في أوساط الشباب واليافعين لحشد الاتباع والمؤيدين.
ومنذ تأسست حركة الإخوان المسلمين على يد رائدها الأول حسن البنا، وهي تسعى للوصول إلى الحكم والتمكين، ثم مضى عليها ثمانية عقود طوال قبل أن تحقق ذلك، مارست خلالها كل أنواع الممارسات السياسية الممكنة. من العمل الدعوي الى العمل الخيري، ثم العمل السري المسلح، وصولاً إلى الممارسة السياسية المتلبسة. إلا أن كل محاولاتها تلك فشلت، وانتظرت سنة 2011 وموجة "الربيع العربي" – الدمار العربي – لتحقق أمنيتها الغالية القديمة تلك. فوصلت إلى الحكم عبر الرئيس المعزول محمد مرسي في مصر، ثم حركة النهضة في تونس، وكذلك حزب العدالة والتنمية في المغرب.
أما الأردوغانية السياسية فقد سبقت الجميع إلى الحكم سنة 2003، وفي البلدان التي غاب عنها الاستقرار شكلوا فيها كتائب مقاتلة، كلواء التوحيد بحلب السورية الذي انحل بموت قائده عبد القادر صالح "الحاج مارع"، وكتائب كثيرة في ليبيا خصوصاً في بنغازي وطرابلس، فضلاً عن مقاتلي حزب الإصلاح في اليمن، أما حركة المقاومة الإسلامية حماس فتبقى لها خصوصيتها وفرادتها لأسباب كثيرة، أهمها مركزية قضية فلسطين وتصويبها البندقية لعدو العرب والمسلمين.
راكمت الحركة تجربة غنية في العمل الحركي الإسلامي، ولجأت إلى أكثر الأساليب تأثيراً في الشباب المسلم، وهي الدعوة التي جعلت من التربية الدينية وسيلة لحشد الأتباع والمؤيدين من شباب المسلمين. هذه التربية الدينية الكثيفة والموجهة هي التي سمحت للحركة بالاستمرار أولاً، ثم خوض معارك نضالية طاحنة ثانياً، من دون أدنى تمرد أو تململ من هؤلاء الشباب. فالحركة أصرت على تجييش الشباب بخطابها المعهود، واعدة إياهم بالنصر والتمكين، فكانت النتيجة ذلك الكم الهائل من الضحايا والمعتقلين، والمنفيين والمطاردين، ولكن يحق للقارئ التساؤل ما مصدر هذه التبعية؟ وهذا الإيمان الراسخ بالجماعة وخياراتها السياسية؟
يؤدي التوجيه والارشاد الديني المركز من طرف قيادات حركية وفقهية بعينها، إلى إسباغ نوع من القداسة على كل رأي يصدر عن تلك القيادات، فالتربية والتنشئة الحزبية هي عملية بناء مستمر ومتدرج للفرد وقناعاته. عملية يتم بواسطتها بناء شخصية الفرد لا على أساس قداسة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة – و هو ما يقدسه كل مسلم – بل على أساس الفهم والتأويل الخاص بالجماعة وعلمائها.
وكأي عملية تربوية دينية وسياسية موجهة، يتم إسباغ صفات التقوى والورع ونكران الذات على الزعامات والقيادات من المربين، وهو حق مكفول لكل معلم على متعلميه. لكن هذه التربية ليست ككل تربية وهذه الدعوة ليست ككل دعوى. فالداعي يدعوا الناس إلى الله لا إلى نفسه والمربي يبني وينمي شخصية وخصال تلاميذه ليستقلوا بذواتهم لا ليجعل منهم أتباعاً ومؤيدين. ثم إن الولوج القسري للشباب واليافعين الى السياسة من بوابة قداسة الدين وطهرانية التنظيم، يحول القرارات الحركية والسياسية إلى قرارات مقدسة لا تناقش، ولا يطعن في صوابيتها إلا عدو للإسلام والتجربة الإسلامية. وهذا ما يفسر قلة الاحترام والنظرة الدونية والاحتقار التي يبديها أنصار هذه الحركات اتجاه الخصوم والمعارضين.
في هذا الاطار العام ينتمي حزب العدالة والتنمية المغربي، إلى الخلفية الفكرية والأيدلوجية نفسها للإخوان المسلمين. وتعمل هيئاته الحزبية على نفس القواعد وتؤسس نشاطها على المبادئ والاركان ذاتها. حيث نجد تفسير كل هذا اليقين بالحزب وسياساته وقياداته، كما نعثر على المبرر لكل تلك النظرة الدونية للمعارضين والمنافسين السياسيين. فضلاً عن سبب إيمان المناصرين والاتباع بكل المعارك السياسية التي يخوضها الحزب، سواء كانت رابحة أو خاسرة، عادلة أو ظالمة، إضافة إلى اعتمادهم المنطق التبريري والذرائعي في الدفاع عن الحزب وسياساته كيفما كانت الاحوال والظروف.
بنى حزب العدالة والتنمية المغربي برنامجه الانتخابي سنة 2011 على محورين رئيسيين أحدهما محاربة الفساد، والثاني تحقيق النهضة التنموية والتقدم الاقتصادي بالبلاد. وذلك من خلال محاربة كل أشكال اقتصاد الريع والانتفاع الانتهازي من مقدرات الاقتصاد المغربي من جهة، من خلال تعزيز الحكامة الجيدة وتقوية التنافسية الاقتصادية من جهة أخرى. إلا أن واقع الحال كان غير ذلك تماماً، فبعد أن وعد الحزب بتحقيق نسبة 7% نمو سنوي، ها هي أكثر التوقعات الرسمية تفاؤلاً تتوقع تحقيق نسبة 1.5 % كنسبة نمو هذا العام. أما محور محاربة الرشوة والفساد، فكان الإخفاق فيه أكبر من سابقه. فلا يزال منطق "الاقطاع" والاستفادة الاحتكارية هو السائد والمسيطر في ضرب كامل لمبادئ المنافسة الاقتصادية الحرة، والتي تعد اللبنة الأساس في جلب الاستثمارات، وتعزيز ثقة المستثمرين الاجانب والمحليين. ناهيك عن الفشل في ملف التشغيل ومحاربة البطالة، حيث أن الحزب لم يتورع عن الالتزام التام بتوجيهات صندوق النقد الدولي، التي كان لها تأثير سلبي كبير على الطبقة المتوسطة ومستوى معيشتها، كإصلاح أنظمة التقاعد (رفع سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة بدلاً من 60، مع زيادة نسبة مساهمات المنخرطين وتخفيض رواتب المتقاعدين)، وإلغاء نظام الدعم عن المواد الأساسية (صندوق المقاصة) الخاص بالمواد الغذائية والمحروقات.
وهنا يصبح التساؤل منطقياً، إذا كان هذا واقع الحال فعلى ماذا يبني الحزب فعالية عمله الحزبي وقوة ممارسته السياسية؟
تلعب حركة التوحيد والاصلاح دوراً محورياً في رفد الحزب بالأتباع والمؤيدين باعتبارها الذراع الدعوي للحزب الذي يهتم باستقطاب الشباب وتأهيلهم، للانخراط في صفوف الحزب وهيئاته لا على أساس سياسي، بل على أساس دعوي عقائدي أساسه احتكار الحقيقة والثقة العمياء بالقيادات، بما يتنافى مع أبسط أدبيات العمل السياسي المسؤول المبني على العقلانية والاختيار الواعي للسياسات والانتماءات، موظفين بذلك أحاديث وآيات نزلت في أهل الكفر والنفاق لا في أبناء الوطن الواحد والدين الواحد في سطو فج على دين اللهو تغرير فاضح بالشباب من المناصرين والمؤيدين.
حزب العدالة والتنمية كبقية التنظيمات العقائدية والراديكالية الأخرى، تسلق شجرة الحكم لا لينزل عنها من جديد وهو مثلها تماماً، مستعد لبذل الغالي والنفيس للبقاء في الحكم وللاستمرار في السلطة. لكن الحزب يعاني من إشكاليات حقيقية تفرضها فرادة النظام السياسي المغربي من جهة، والبنية الداخلية للحزب من جهة أخرى. فالنظام الانتخابي المغربي لا يخول أي حزب الحصول على الأغلبية المطلقة لوحده، ما يجعله يدخل في تحالفات مع أحزاب كان يراها ويصورها لأتباعه على أنها فاسدة مفسدة. ومن جانب آخر فالحقل الديني هو تحت الرئاسة الروحية للملك باعتباره حسب منطوق الدستور أمير المؤمنين. أي يتحول الحزب بموجب ذلك الى فاعل هامشي في الحياة الدينية للمغاربة. هذه التناقضات فرضت عليه صرف انتباه مؤيديه عن ما جمعهم أصلاً به ولأجله وهو المرجعية الإسلامية وإقامة الحكومة الإسلامية بالمغرب، إلى السعي خلف البقاء في الحكم والنفاذ إلى مفاصل القوة في النظام ومراكز النفوذ بالدولة. وهو ما لا يستقيم إلا بانجازات حكومية، تستهدف الفئات الاجتماعية التي ينتمي إليها مناصروه ومؤيدوه. أي الخزان الانتخابي للحزب، وهنا يبرز تناقض وإشكال آخر، أي الاصطدام بفئة رجال المال والأعمال وأعيان النظام من النافذين، فأي إجراء يستهدف الأغلبية المسحوقة والمغلوبة على أمرها يعني بالضرورة المس بمصالح الفئات النافذة والمهيمنة والتأثير على امتيازاتها ومكتسباتها، وهو ما قد يشكل تهديداً وجودياُ للحزب ومشروعه الوليد.