تحرّكات الاتحاد الأوروبي من منظور سوري: دبلوماسية استباقية أم بحث عن دور؟
في خضمّ محادثات (جنيف 3) طالب بشّار الجعفري رئيس وفد الحكومة السورية الشرعية بمسؤولية الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي (فيديريكا موغيريني) بإعادة فتح سفارات دول الاتحاد المغلقة في دمشق في محاولة من الحكومة السورية لتفنيد الإدّعاءات الغربية بخصوص الأوضاع الداخلية في سورية.
قام الاتحاد الأوروبي الذي يشهد تناقضات داخلية حيال الأزمة السورية بالتخفيف من العقوبات المفروضة على سوريا من أجل تقديم المساعدة لسكان البلاد. وجاء ذلك في بيان مُشترك صدر عن رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو والمفوضة العليا للشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون.ومما جاء في البيان: أنَّ الاتحاد الأوروبي يقترح عدداً من الخطوات الهادفة إلى دعم العملية السياسية في سوريا والتي من شأنها أن تؤدّي إلى تسوية الأزمة ومنع زعزعة الاستقرار في المنطقة والتركيز على الوضع الإنساني ومساعدة السُكّان.وأكد الاتحاد الأوروبي في البيان على ضرورة تأييد التسوية السياسية، وضمان نقل المساعدات الإنسانية إلى كافة المناطق، ومعالجة قضية مشاركة المقاتلين من دول الاتحاد الأوروبي في النزاع والتحضير لإعمار سوريا في مرحلة ما بعد النزاع. وصدر هذا البيان في وقت اجتمع فيه وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ لمناقشة الوضع في سوريا وخطوات الاتحاد بهذا الخصوص إلى جانب مسائل أخرى.اليوم يأتي سرّ الانفتاح الأوروبي على دمشق في ما تمّ مناقشته وهو التعاون على الحدّ من تدفّق اللاجئين السوريين إلى حدود أوروبا، الفكرة رماها وزير خارجية إيران محمّد جواد ظريف على طاولة الأوروبيين مروراً، من دون أن يخوض في التفاصيل التي تركها للطرف الأوروبي، ناصحاً الذهاب إلى السوريين للاستماع إليهم مباشرة من الحكومة السورية، ملخّص الطرح هو أن يقوم الأوروبيون بدعم المناطق التي تُسيطر عليها الحكومة السورية والتي تتمتّع بأمان وبهدوء نسبي لتكون ملاذاً آمناً للاجئين وينزح إثنان من كل ثلاثة أشخاص إلى مناطق السيطرة الحكومية.رفع الحصار الذي تفرضه الدول الأوروبية على سوريا منذ العام 2011 هو جوهر المطلب السوري للتعاون، بالإضافة إلى تقديم دعم للحكومة السورية أو للاجئين عبر آلية مُتّفق عليها تُعزّز بقاء هؤلاء في المدن السورية التي تسيطر عليها الحكومة.إن كان تدفّق اللاجئين السوريين من تركيا إلى أوروبا ورقة ضغط بيد حكومة العدالة والتنمية على الدول الأوروبية لإقناعها بضرورة إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية في الشمال لاستيعاب اللاجئين السوريين والحدّ من انتقالهم إلى حدود أوروبا.ومع اقتراب المعارك الكبرى في مناطق مأهولة تخشى الدول الأوروبية من عمليات لجوء كبيرة من هذه المناطق القريبة للحدود التركية تزيد أعباء استقبالهم، لذلك تسعى تلك الدول إلى استباق تلك الأحداث الميدانية بضبط حركة اللاجئين، وقد يكون التفاهم مع الحكومة السورية من أنجع تلك الترتيبات.مع تزايد أعداد اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية الذين أصبحوا يشكّلون عبئاً على الاتحاد الأوروبي، ومع ازدياد واتساع خطر التنظيمات الإرهابيّة المُتمثّلة بـداعش الذي لم يقتصر خطره على منطقة الشرق الأوسط إنما تجاوز الحدود، وأصبح خطراً على الأمن القومي العالمي بعد العمليات الإرهابية الأخيرة التي طاولت كل من أفريقيا وأوروبا، أصبح من الضروري على جميع الدول التي تُدرك خطر تنظيم داعش الإرهابي التنسيق والتعاون مع الجيش والقيادة السورية للوصول إلى فعّالية أكثر في محاربة الإرهاب، الأمر الذي يتطلّب توحيد القوى، وهذا ما أكّد عليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافرورف، مضيفاً "إننا ننظر إلى ردّ فعل الدول الأوروبية".فما هي دوافع التحرّك الدبلوماسي الأوروبي في هذه المرحلة بالذات، وماذا بإمكان العواصم الأوروبية القيام به في ظلّ استئثار اللاعبيَن الأميركي والروسي بالأدوار الأولى عسكرياً ودبلوماسياً في الأزمة السورية؟إن الأدوار القيادية المهيمنة للأميركيين والروس في سورية توازيها أدوار ومصالح قوى إقليمية مؤثّرة في أطراف النزاع، ولذلك فإن الأوروبيين سيحتاجون دائماً إلى العمل مع الأطراف الأخرى لتكون فعّالة.الأوروبيون يمكنهم مثلا" دعم حلول وسط بشأن مستقبل الحل السياسي لسوريا. إن أوروبا يمكنها أيضاً "تقديم دعمها لإنعاش وإعادة بناء سوريا بعد انتهاء الحرب، وهي عملية ستتطلّب وقتاً وموارد ضخمة".إن قيام الأوروبيين بدور فعّال ومؤثّر في سوريا يحتاج إلى وحدة موقف وإرادة قوية من الأوروبيين بهذا الصدد وبأن يضعوا أصدقاءهم وحلفاءهم الأميركيين والروس أمام مسؤولياتهم الأساسية.