خفايا صفقة جهاز كشف المتفجّرات المُزيّف
جهاز فكرته الأساس أتت من جهاز لاقتفاء أثر كرات لعبة الغولف قيمته 20 دولاراً فقط، تتم صناعة نسخة معدّلة منه والادّعاء بكونه جهاز كشف متفجّرات بتكلفة 250 دولاراً فقط، تعلن الشركة المصنّعة للجهاز عن سعر بيعه ب 16,000 دولار، فتشتريه الحكومة العراقية بسعر يتراوح بين 40,000 و 60,000 دولار حيث تم التصريح أن هذا المبلغ هو لتغطية نفقات التدريب وقطع الغيار والعمولات أيضاً؟!
تكتشف السلطات البريطانية فساده سنة 2010 فتحاكمه في محاكمة تبيّن خلالها بالدليل القاطع إن الجهاز عبارة عن صفقة احتيال دنيئة لا أكثر.
تصدر المحكمة قرارها سنة 2013 بالسجن عشر سنوات للمحتال (James McCormick) لجريمة لم تحصل على الأراضي البريطانية وسط صمتٍ مطبَق من المسؤولين والسياسيين والإعلاميين العراقيين، والغريب عدم إثارتهم لموضوع الجهاز واستمرارهم باستخدامه حتى الآن؟!
في الوقت الذي نشرت فيه صحيفة النيويورك تايمز (The New York times) الأميركية تقريرها الخاص بزيف عمل الجهاز بتاريخ 3 تشرين الثاني/ نوفمبر2009 كانت الحكومة العراقية قد اشترت (1500) جهاز. أعلمت صحيفة النيويورك تايمز السيّد عقيل الطريحي المفتّش العام في وزارة الداخلية بمعلوماتها حول الجهاز وكان قد صرّح بالقول للصحيفة الأميركية بأنه سيبدأ تحقيقاته بالأمر.
استمر العمل بالجهاز وزيادة شرائه وتعميمه على جميع نقاط التفتيش الأمنية في العراق بالرغم من نشر خبر اعتقال مدير شركة (ATSC) وهي شركته الخاصة بتصنيع هذا الجهاز بتهمة الاحتيال بصناعة جهاز مزيّف وعديم الفائدة كلّف خسائر في الأرواح وقد تمّ نشر خبر الاعتقال في شهر نيسان/ أبريل 2010 من على قناة البي بي سي (BBC) البريطانية وفي الكثير من الصحف البريطانية.
قبلها وتحديداً في شهر كانون الثاني/ يناير2010 أصدرت الحكومة البريطانية قراراً بمنع تصدير الجهاز بعد أن قام بفحصه خبراء وتبيّنوا من عدم فعّاليته وقد نشرت صحيفة الأندبندت (The independent) البريطانية الخبر بتاريخ 23/1/2010.
في نفس التاريخ 23/1/2010 تنشر صحيفة النيويورك تايمز (The New York times) الأميركية خبراً حول تهمة الاحتيال بجهاز كشف المتفجّرات لشخص بريطاني واحتجازه للتحقيق معه.
في شهر حزيران/ يونيو 2010 قامت الشرطة البريطانية بمداهمة شركات لها علاقة بتصنيع الجهاز وقد قامت شبكة البي بي سي (BBC) البريطانية بنشر الخبر بتاريخ 8/6/2010.
يبثّ تلفزيون البي بي سي (BBC) البريطاني تقريراً من عشر دقائق للصحافيين (Caroline Hawley & Meirion Jones) بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2013 يوضحان فيه زيف عمل الجهاز وصفقته الفاسدة.
في شهر نيسان/ ابريل وشهر أيار/ مايو 2013 يتصدّر عناوين شبكة البي بي سي البريطانية وصحيفة الديلي ميل (Daily Mail) البريطانية خبر محاكمة (James McCormick) صاحب فكرة الجهاز، ومدير الشركة المُصنّعة له، وحتى وقت إصدار المحكمة قرارها القاضي بحبسه عشر سنوات بتهمة الاحتيال.
تنشر صحيفة الغارديان (The guardian) البريطانية تقريراً بتاريخ 6 حزيران/ يونيو 2014 تحت عنوان (لماذا تستمر بلدان باستخدام جهاز كشف متفجّرات مُزيّف تمّ شراؤه من مُدان محكوم عليه بالسجن).
اللافت للانتباه عدم استخدام الأميركيين ولا البريطانيين ولا أية شركة أمنية أجنبية هذا الجهاز لوضوح عدم فعّاليته، ولعدم ثقتهم بالجهاز أصلاً. فقد أعلن الجيش الأميركي وتقنيون في هذا الاختصاص أن الجهاز هو عديم الفائدة.
في ما نشرته شركة (ATSC) وهو اسم الشركة المصنّعة للجهاز في ترويجها لجهاز كشف المتفجّرات المزعوم أن باستطاعة هذا الجهاز أن يكشف حتى الكميات الصغيرة جداً من المواد المتفجّرة عن طريق بطاقة الكترونية توضع في الجهاز، وباستطاعتها أن تلتقط إشارة أي شيء من كمية صغيرة من المتفجّرات إلى فيل كبير. هذا نص ما نشروه في الترويج للمنتَج الخاص بهم.
سيدني الفورد (Sidney Alford) وهو أحد كبار الخبراء الرائدين في مجال المتفجّرات يصرّح لبرنامج (NewsNight) الذي يبثّه تلفزيون البي بي سي (BBC) البريطاني بالقول:
(خلال فحص البطاقة التي تثبّت في الجهاز تبيّن أنها ليس لها أية علاقة على الإطلاق بالكشف عن الـ (TNT). كما لا يوجد معالج رقمي، ولا توجد ذاكرة رقمية، ولا توجد أية طريقة لخزن المعلومات. إن هذه البطاقة عبارة عن علامة بلاستيكية لا تساوي بنسين أو ثلاثة بنسات.
طبعاً إن البطاقة الألكترونية التي يتكلّم عنها (سيدني الفورد) هي التي يعمل الجهاز من خلالها!!
نشرت صحيفة الأندبندنت البريطانية (The Independent) بعددها الصادر في تاريخ 23 كانون الثاني/ يناير 2010 ما قاله (سيدني الفورد) بالنّص.
يصرّح اللواء ريتشارد جي روي (Richard J Rowe) أحد كبار الضبّاط في الجيش الأميركي بالقول: "لا أعتقد أنه توجد عصا سحرية باستطاعتها كشف المتفجّرات، إذا كانت موجودة فكلنا سنستخدمها. لا توجد عندي ثقة إنها تعمل".
وقد نشرت صحيفة الأندبندت (the independent) تصريحه بنفس العدد سالف الذكر.
كل هذا الشريط من الأخبار والضجّة حول هذا الجهاز المزيّف، ولكن الحكومة العراقية ومسؤوليها الأمنيين ومستشاريها والبرلمان العراقي ووسائل الإعلام العراقية تجاهلوها، واستمر العمل بالجهاز حتى وقت كتابة هذه السطور في تموز/ يوليو 2016؟! وبعد فاجعة تفجير شارع الكرادة الدامي.
وتأتي الصدمة إن هذه الشركة المصنّعة للجهاز قد دفعت لها الحكومة العراقية بزعامة (نوري المالكي) مبلغ مقداره 85 مليون دولار لشراء (800 جهاز في العام 2008) و(700 جهازالعام 2009).
وزيادة في الركوس بوحل هذه الصفقة الفاسدة، فقد أعلنت عمليات بغداد المسؤولة عن الملف الأمني في العاصمة العراقية عن صفقة شراء 100 جهاز آخر في شهر تشرين الثاني/2009 وقد تم تعميم استخدامها على السيطرات الأمنية متجاهلين التقارير البريطانية والأميركية حول هذا الجهاز المُزيّف.
كان اللواء جهاد الجابري وهو مسؤول دائرة مكافحة المتفجّرات في وزارة الداخلية من المدافعين عن عمل هذا الجهاز، وقد صرّح لصحيفة الأنتدبنت (The independent) البريطانية بتاريخ 23/كانون الثاني/2010 قائلاً:
(في ما لو كان سحراً أو علماً، الشيء الذي يهمني أنه يكشف المتفجّرات. أنا لا أُعِر اهتماماً لما يقولون. أنا أعرف عن القنابل أكثر مما يعرفه الأميركيين. في الحقيقة أنا أعرف عن القنابل أكثر من أي شخص في العالم).
لكن المفاجأة تأتي عندما صرّح أحد عمّال الشركة التي أنتجت كاشف المتفجّرات المزعوم لصحافي في النيويورك تايمز بأن الكل داخل شركة (ATSC) يعرف أنه لا يوجد شيء داخل هذا الجهاز!
يقصد إنه مجرّد غلاف لا يحتوي في داخله أي شيء!
وصرّح بالقول أيضاً إن تكلفة صنع الجهاز هي ٢٥٠ دولاراً فقط.
وقد كشفت صحيفة النيويورك تايمز بتقريرها سنة 2009 ووفقاً لسجلاّت الكشف الخاصّة بالحكومة العراقية بأن تكلفة الجهاز المُصدّر إلى العراق تتراوح بين 40,000 و 60,000 دولار للجهاز الواحد بالرغم من أن شركة (ATSC) قد روّجت للجهاز على أن سعره 16,000 دولار، ولكن تمّ التصريح من قِبَل الجانب العراقي على أن هذا المبلغ هو لتغطية نفقات التدريب وقطع الغيار والعمولات أيضاً؟!
جهاز فكرته الأساس أتت من جهاز لاقتفاء أثر كرات لعبة الغولف قيمته 20 دولاراً فقط، تتم صناعة نسخة معدّلة منه والادّعاء بكونه جهاز كشف متفجّرات بتكلفة 250 دولاراً فقط، تعلن الشركة المصنّعة للجهاز عن سعر بيعه ب 16,000 دولار، فتشتريه الحكومة العراقية بسعر يتراوح بين 40,000 و 60,000 دولار حيث تم التصريح أن هذا المبلغ هو لتغطية نفقات التدريب وقطع الغيار والعمولات أيضاً؟!
الغريب في صفقة جهاز كشف المتفجّرات الفاسد هو أن وسائل الإعلام البريطانية والأميركية قد أولت جلّ اهتمامها لفضح هذه الصفقة الفاسدة، وعمل تقارير صحفية أشرت إلى بعضها في هذه المقالة، وسط عدم اهتمام كافٍ من أصحاب هذا الشأن وأقصد بهم العراقيين؟!