نتائج قرار ترامب العكسية

إنّ هذا الجهد الذي بذله ترامب على مدى أشهر ربما يذهب أدراج الرياح بمجرد إصداره لقرار نقل السفارة إلى القدس، حيث تجد هذه الدول نفسها منزوية معزولة عن وسطها الخارجي لا بل معزولة عن شعوبها كذلك.

لقد أطلق ترامب رصاصة الرحمة ولكنه أخطأ الاتجاه فقد أطلقها عن غير قصد على المحور الذي كان يشكّله في المنطقة العربية وهو ما يُطلق عليه "محور الاعتدال" في مواجهة إيران

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل، قد يرتد على أميركا وإسرائيل ويأتي بنتائج عكسية:

1-إعادة إنتاج الشعور القومي الديني لدى الشعوب العربية والمسلمة: لقد أطلق الرئيس دونالد ترامب رصاصة الرحمة ولكنه أخطأ الاتجاه. فقد أطلقها عن غير قصد على المحور الذي كان يشكّله في المنطقة العربية وهو ما يُطلق عليه "محور الاعتدال" في مواجهة إيران. هذا المحور الذي سعى من ورائه ترامب إلى صرف أنظار الشعوب العربية والإسلامية في منطقة الشرق الأوسط عن جرائم العدو الإسرائيلي الجائرة وإطلاق العنان للإعلام والقنوات التلفزيونية للتحدث بشكل صريح عن تطبيع للعلاقات بين الدول العربية وإسرائيل والإدعاء بأن إسرائيل لم تقتل ولم تعتد على أي أحد.

إنّ هذا الجهد الذي بذله ترامب على مدى أشهر ربما يذهب أدراج الرياح بمجرد إصداره لقرار نقل السفارة إلى القدس، حيث تجد هذه الدول نفسها منزوية معزولة عن وسطها الخارجي لا بل معزولة عن شعوبها كذلك.

بإصدار مثل هذا القرار تمّ إعادة الشعور القومي والإسلامي لدى شعوب المنطقة فخرجت مناهضة لسياسات التطبيع مع إسرائيل وضد جرائم العدو الصهيوني كما كانت من قبل. رافضة لكل أشكال التطبيع وأشعلوا مواقع التواصل الاجتماعي كذلك، داعية إلى انتفاضة عربية وإسلامية فلسطينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

2- قتل الفتنة الطائفية: مع بدء الحرب في سوريا انقسمت المواقف بين الدول العربية والإسلامية، فوقفت إيران في جانب ووقفت كل من قطر، السعودية وتركيا وغيرها من الدول في جانب آخر. وكانت آمال إسرائيل والولايات المتحدة هي نشوب حرب طائفية تغرق بها المنطقة لسنوات عديدة وبالتالي يتم صرف النظر عن جرائم العدو الصهيوني ويتم خلالها احتلال فلسطين كاملة وبمسجدها الأقصى. وبدأ الحديث عن حرب طائفية قادمة عندما فشل المشروع الأول حرب طائفية تقف إيران والعراق وسوريا في صف وتقف قطر والسعودية وتركيا في الصف المقابل. أما اليوم ومع صدور قرار نقل السفارة قد تنتهي هذه الفتنة إلى غير رجعة. فوقفت الشعوب العربية والإسلامية جميعها جنبا إلى جنب نابذة الفتنة الطائفية والمذهبية صفاً واحداً خلف المسجد الأقصى.

3- إعادة انتاج محور المقاومة وقطر الشريك الرئيسي فيه: قطر التي عانت من أشقائها العرب ومن حصار خانق لم تغيّر من سياساتها تجاه الفلسطينيين وتجاه الأقصى، بل كانت فلسطين هي محور عملها واهتماماتها الرئيسية وقضيتها الأولى والأخيرة. إن القمة الإسلامية الأخيرة التي تمّ عقدها في تركيا ساهمت إلى حد كبير بإعادة إنتاج محور المقاومة ضد إسرائيل فوقفت الدول التي كان لديها مشاكل مع بعضها البعض بشأن القضية السورية، وقفت صفاً واحداً لدعم الشعب الفلسطيني.

وقفت كل من إيران وتركيا والأردن وقطر وغيرهم الكثير من الدول معاً ضد عدو مشترك. في ذات الوقت قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إنه يؤيد انتفاضة جديدة ضد قرار ترامب الذي أعلن فيه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، محذراً من عواقب هذا القرار الذي وصفه بأنه "وعد بلفور ثانٍ" وأنه منكرٌ عظيم وظلم تاريخي كبير للمقدسات.

كل هذا التعاون بين هذه الدول تكلل باتصال هاتفي أجراه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني مع قائد كتائب عز الدين القسام وقائد سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة حيث أعرب فيه عن استعداد بلاده لتقديم الدعم الشامل لقوات المقاومة الفلسطينية وأعرب كذلك عن استعداد سائر فصائل جبهة المقاومة في المنطقة عن الدفاع عن المسجد الأقصى.