أردوغان والمسافة بين تركيا و"إسرائيل"
الجملة الخطابية عند أردوغان مؤخّراً، كانت مُحمّلة بموقف مُضاد لقرار ترامب في إعلان القدس عاصمة ل"إسرائيل"، سواء قبل الدعوة للقاء التعاون الإسلامي أو بعده. في رسالته إلى ترامب، وفي خطابه في منظمة التعاون الإسلامي، يعتبر أردوغان أن القدس خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن لأية دولة تحديد مصير مدينة ما زالت تحت الاحتلال، الأمر الذي يُعتبر انتهاكاً أخلاقياً وضميرياً، قبل أن يكون انتهاكاً قانونياً، كما أنه "عقاب للفلسطينيين الذي يطالبون بالسلام".

"إذا صادف ذات مرة وسمعت مطرباً تركياً، سوف تعتقد للوهلة الأولى بأنك تستمع لموسيقى عربية مألوفة، لكن سرعان ما تُدرك في الواقع أنك لا تفهم ما تسمع. وهذا ما تبدو عليه السياسات التركية بالنسبة للعرب، فللوهلة الأولى نظنّ أننا فهمنا وأنها قريبة منا، ولكن سرعان ما نكتشف، إنها مليئة بالألغاز، ومن المستحيل استيعابها، ومن الصعب شرحها ".
هذا الوصف الذي افتتحت به إحدى الإصدارات الدورية المصرية "السياسة الدولية" قبل ما يُقارب عشرين عاماً، في إشارة إلى صعوبة فهم الموقف التركي، عن قُربه أو بُعده عن العرب والمسلمين، وعن قُربه أو بُعده عن "إسرائيل". ولربما ما زال هذا الغموض يكتنف شعور وتفكير العرب إلى يومنا هذا، هل تركيا في الصف العربي الإسلامي، تماماً ؟ هل العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع "إسرائيل" والناتو هي مجرّد براغماتية سياسية أم أن العكس هو صحيح ؛ والبراغماتية هي لعبة التعامُل التركي مع العرب والمسلمين؟
الجملة الخطابية عند أردوغان مؤخّراً، كانت مُحمّلة بموقف مُضاد لقرار ترامب في إعلان القدس عاصمة ل"إسرائيل"، سواء قبل الدعوة للقاء التعاون الإسلامي أو بعده. في رسالته إلى ترامب، وفي خطابه في منظمة التعاون الإسلامي، يعتبر أردوغان أن القدس خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن لأية دولة تحديد مصير مدينة ما زالت تحت الاحتلال، الأمر الذي يُعتبر انتهاكاً أخلاقياً وضميرياً، قبل أن يكون انتهاكاً قانونياً، كما أنه "عقاب للفلسطينيين الذي يطالبون بالسلام".
وبالنسبة ل "إسرائيل"، نذكر أن العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية – التركية انتعشت بعد انتكاسة سنوات بسبب أحداث سفينة مرمرة. عادت هذه العلاقات كي تنتعش؛ بعد اعتذار بنيامين نتنياهو لأردوغان، ودفع تعويضات لعائلات الشهداء عام 2016م. الآن مع إعلان ترامب الذي لم تؤيّده إلا الحكومة الصهيونية، تعود هذه العلاقات السياسية للتوتّر؛ ومن ذلك تصريحات تركية مؤخّراً بإنشاء سفارة تركية في القدس الشرقية، وتصريحات متعلّقة بوصف إسرائيل كدولة إرهاب ودولة احتلال، ورد إسرائيلي يدين الإرهاب التركي ضد الكرد.
يبقى السؤال الأهم في ما يتعلّق بتركيا و"إسرائيل"؛ كيف يُمكن أن يتعايش موقف سياسي بهذه النبرة مع عضويّة الناتو، واتفاقية عسكرية مع "إسرائيل"، وتبادُل تجاري عالٍ معها؟ من سيحمل الآخر أو يذوّبه؛ هل ستنهي السياسة الاقتصاد والأمن المشترك؟ أم يحمل الاقتصاد السياسة في أزماتها وينعشها مجدّداً؟ أم أن الخطاب السياسي إلى هذا الحد مقبول إسرائيلياً أصلاً، ويتفّهم محيط أردوغان الإسلامي والعربي، ولا سيما أن "إسرائيل" قبلت إيصال مساعدات تركية لقطاع غزّة سابقاً، وبعد أحداث مرمرة؟
سابقاً ، التقى بيرات البيرق ، صهر الرئيس أردوغان، ووزير الطاقة التركي، نظيره الإسرائيلي للحديث عن المشاريع الضخمة لأنابيب الغاز بين تركيا و "إسرائيل"، وبحث الطرفان عن علاقة "ربح – ربح". "إسرائيل" تجد سوقاً جديدة تصدّر إليها، وتصل أوروبا عبرها، وتركيا تنوّع من وارداتها من الغاز الطبيعي وتقلّل من الاعتماد على الغاز الروسي. كما أنه حتى خلال سنوات أزمة مرمرة، كان التبادُل التجاري بين "إسرائيل" وتركيا ينمو سنوياً، من 2.4 مليار عام 2010م إلى 4.5 مليارات عام 2014م إلى 5.6 مليارات عام 2015م، وقد تزايد الاعتماد التركي على إسرائيل خلال الأزمة السورية كترانزيت للبضائع التركية المصدّرة إلى الأردن والخليج . التبادُل التجاري المباشر بين الأتراك والإسرائيليين كثيف هو الآخر، فتركيا تصدّر ل"إسرائيل" معادن، ومنسوجات، وسيراميك ومطاط، وبلاستيك، وتستقبل منها صناعات كيماوية، وأجهزة كهربائية وغيرها.
يقول الأكاديمي التركي، أحمد قاسم "لقد حمل التنسيق الأمني والصفقات العسكرية المشتركة العلاقة السياسية التركية – الإسرائيلية، والآن ستحملها المصلحة الاقتصادية المشتركة والتبادل التجاري".
الناتو ينظر إلى تركيا وإسرائيل كديمقراطيتين وحيدتين في محيط غير ديمقراطي، ويحاول تعزيز العلاقات بينهما دائماً ، بما في ذلك الاتفاقيات العسكرية الكبرى، والتنسيق الأمني والاستخباراتي، الذي اتفق على العديد من القضايا وصلت حدود أذربيجان.
التشابُك الحالي في السياسة والاقتصاد والأمن في العلاقات التركية – الإسرائيلية لن يُخرِج على المدى المنظور إلا نغمة "غير مفهومة" أو غير إيقاعية، لم يحدث أن تشابك نظام مع الكيان الصهيوني اقتصادياً وعسكرياً، وعاداه تماماً سياسياً. قد يكون من المغامرة التنبّؤ بتحوّلات راديكالية في الموقف التركي من الكيان الصهيوني والناتو، ولكن من الممكن التنبّؤ بموقف مُحافِظ أكثر منهما، ولا سيما مع تجاهل المصالح التركية في ما يتعلّق بالمسألة الكردية، وهذا الموقف المُحافِظ لا يمكن له أن يتجاوز حدود انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية، وحدود الالتزام بقرارات " الشرعية الدولية"، والبحث عن تسوية وصفقة سلام.
قبل تعليق تركيا عضويّة الناتو أو الانسحاب منه، و إلغاء الاتفاقيات العسكرية مع الكيان الصهيوني ووقف التنسيق الأمني معه، وتراجع نسب التبادل التجاري، ليس هنالك أكثر من الموقف المُحافِظ، الذي قد يخدم بعض الشيء، ولكنه بالتأكيد لا يُعبِّر عن تحوّلات راديكالية يأملها الكثيرون.