اللاجئون السوريون في الأردن.. أزمات العمل والسكن والتعليم

 بين الحين والآخر تتحدّث جهات رسمية أردنية عما شكّله تدفّق اللاجئين السوريين من ضغوط مُتزايدة على ميزانية الحكومة ومواردها، فضلاً عن تأثر قطاعات الصحة والتعليم والبنية... في جميع أنحاء المملكة، وفي مقدمها العاصمة عمَّان ومحافظتا إربد والمفرق اللتان تستضيفان أكثر من ثلاثة أرباع اللاجئين السوريين، بحسب منظمة العمل الدولية.

الواقع أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تُقدّر عدد اللاجئين المُسجلين في الأردن حالياً بـ659 ألف لاجئ، فيما قدّرت الحكومة الأردنية في 2017 أن ثمة 643 ألف لاجئ سوري إضافي غير مُسجلين. هؤلاء ربما لم يخطّطوا لإقامة طويلة الأمد في الأردن أو لا يعرفون طُرق التسجيل أو لا يستطيعون الوصول إلى مراكز التسجيل بسهولة، أو ربما يخشون الطرد والاضطهاد على يد النظام السوري. العدد الإجمالي للاجئين متوازن نسبياً من حيث الجندر، ويشكّل الشباب دون الثامنة عشرة من العمر نحو نصفهم، فيما 30 في المئة من الأسر ترأسها نساء.. رغم ذلك يواجه اللاجئون السوريون تحديات اقتصادية واجتماعية ضخمة، خصوصاً في مجال الحصول على المأوى والتعليم والرعاية الصحية والعمل. وحتى قبل اندلاع الأزمة، كان الأردن يواجه أصلاً تحديات تنموية جمّة، بما في ذلك نقص المياه وجمود النمو الاقتصادي (الذي يُقدّر متوسّطه بـ2.6 في المئة سنوياً منذ عام 2011).   

حقيقة لقد أظهرت سياسة الحدود المفتوحة التي انتهجها الأردن بين 2011 و2014، التزامه توفير ملاذ آمن للسوريين. لكن في تلك المرحلة، أدّى القلق الأمني إلى إغلاق تدريجي للحدود أمام حركة العبور، مع زيادة القيود المحدودة على حركة اللاجئين السوريين. فمعبر جابر مُغلق منذ 2015، إثر سيطرة متشدّدين عليه من الجهة السورية. وأدّى هجوم انتحاري على حاجز الجيش في الركبان في حزيران (يونيو) 2016، وقيل إن تنظيم الدولة الإسلامية قد نفّذه، إلى إغلاق معبريْ الركبان والحدلات. ومذّاك، لم يُفتح أي منهما أمام اللاجئين عدا في حالات نادرة.

في هذه الأثناء، لا يمكن للاجئين المقيمين في المخيمات مغادرتها إلا إذا «كفلهم» كفيل، وتحديداً قريب أردني في سن الخامسة والثلاثين وما فوق. غير أن نظام «الكفالة» كان في البداية مرناً؛ وكان في وسع اللاجئين الذين يريدون مغادرة المخيمات من دون قريب أردني، الحصول على بطاقة من وزارة الداخلية تكون جسرهم إلى خدمات عامة متنوّعة، من ضمنها الرعاية الصحية والتعليم. واستمر الوضع على الحال هذه إلى عام 2015 حين بدأت السلطات الأردنية في تطبيق نظام «الكفالة» تطبيقاً صارماً، قبل إلغائه برمته. وعوضاً عنه، بادرت الحكومة إلى إجراء «تحقق مدني» يقتضي من اللاجئين السوريين التسجيل من جديد والتقدّم للحصول على بطاقة خدمات بيومترية جديدة من وزارة الداخلية.

  الواقع أنه وفق دستور الأردن الصادر عام 1952 ومذكرة التفاهم مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المُبرمة في 1998، يتعيّن على الأجانب، بمن فيهم اللاجئين، حيازة إجازة عمل للحصول قانونياً على وظيفة. غير أن شرط حيازة رخصة عمل هو الحصول على بطاقة سارية المفعول من وزارة الداخلية. وعليه، بلغ معدل البطالة، في 2015، في أوساط اللاجئين السوريين 61 في المئة. ويحمل حوالى 10 في المئة من اللاجئين السوريين العاملين رخصة عمل، فيما البقية يعملون من دون أوراق رسمية.

 كثير من السوريين عملوا في قطاع البناء أو غيره من الوظائف قصيرة الأمد، وفي عام 2015، كان متوسّط دخل اللاجئ السوري الشهري 296 دولاراً، أي أقل من الحد الأدنى للراتب في الأردن البالغ 310 دولارات. ونظراً إلى محدودية فرص العمل المتاحة أمام اللاجئين، يقول نحو 20 في المئة منهم إن أموال المساعدات من منظمات غير حكومية هي مصدر دخلهم الرئيس. ولذا، ليس مفاجئاً أن يكون حوالى 82 في المئة من أسر اللاجئين السوريين تحت خط الفقر.

بالعودة إلى العام 2016، وكجزء من وثيقة عقد بين الاتحاد الأوروبي والأردن، زاد الاتحاد الأوروبي من إمكان حصول الحكومة الأردنية على المنح والقروض الميسّرة وسهّل وصول صادراتها إلى السوق الأوروبية، فيما بادرت الحكومة الأردنية إلى اتخاذ خطوات ملموسة لزيادة فرص عمل اللاجئين السوريين، وتيسير دخولهم إلى سوق العمل النظامي. وقد شملت هذه الخطوات إلغاء رسوم رخص العمل وإثباتات الضمان الاجتماعي من قبل أصحاب العمل، والفحص الطبي الذي تتطلبه شروط الحصول على رخص العمل. ورمت خطوتان إلى تقليص الكلفة المالية المرتفعة عن اللاجئين وزيادة فرص وصولهم إلى بعض قطاعات العمل. حينها، كانت كلفة رخصة العمل توازي شهراً إلى شهرين من متوسط الدخل، بحسب القطاع. وقد وفّر ذلك على اللاجئين قدراً من المال، لكن مشاركتهم في القوى العاملة لم ترتفع بالقدر المتوقّع، ولم تُذلّل عقبات أخرى أمام الحصول على رخصة عمل، مثل مساهمات الضمان الاجتماعي المرتفعة.

لا ينكر أحد ما أقدم عليه الأردن من اختيار تشييد مخيمات لاجئين للسوريين. لكن من بين إجمالي اللاجئين المُسجلين في الأردن، يعيش 21 في المئة فقط في المخيمات، إذ يتوزع معظمهم على مخيمات الزعتري، والأزرق، و«المخيم الإماراتي» في الزرقاء. غالباً ما يوصف مخيم الزعتري، حيث يقيم نحو 80 ألف لاجئ، برابع أكبر مدينة أردنية، وأحد أكبر مخيمات اللاجئين في العالم. لكن حوالى 20 في المئة من السوريين يقطنون في أقنان الدجاج، والمرائب، والخيم؛ و1 في المئة منهم يعيشون في تجمعات خيم غير رسمية.

قد يُعتبر الاكتظاظ السكاني مشكلة رئيسة، إذ تقول نصف عائلات اللاجئين السوريين إنها تتشاطر السكن على الأقل مع عائلة أخرى من أجل تحمّل أعباء الإيجار. وبحسب استطلاع صادر في 2014 عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يبلغ متوسط ما يدفعه اللاجئون السوريون مقابل الإيجار 206 دولارات شهرياً، أو ثلثي دخلهم الشهري. ويفتقر ثلث الأسر إلى عقود إيجار. وعليه، واجه نحو 25 في المئة ممن شملهم الاستطلاع الطرد.

في حين أن ما فاقم المشكلة ارتفاع أسعار الإيجارات. ففي شمال الأردن تضاعف سعر الإيجار مرتين وحتى أربع مرات، إثر تدفق اللاجئين السوريين. وعلى ما هي الحال في لبنان، فاقم هذا الارتفاع التوترات بين السوريين والأردنيين، وهي كانت متوترة أصلاً بسبب شحّ المياه وتراكم النفايات. ومنذ عام 2011، تدنّت موارد المياه كثيراً، مع تبليغ 40 في المئة من الأسر الأردنية و29 في المئة من الأسر السورية، عن وجود شحّ في المياه في عام 2015.

نعم قد يتمتع السوريون بخدمات تعليم ورعاية صحية أكثر من المأوى. ففي مقدور أولاد اللاجئين السوريين ارتياد المدارس الرسمية مجاناً، لكنهم مُلزمون بحيازة وثيقة إثبات طلب لجوء وبطاقة خدمات وزارة الداخلية. إلى ذلك، تختلف نوعية التعليم. ففي العام 2013، سمحت وزارة التعليم لبعض المدارس بافتتاح دوام إضافي لاستقبال عدد أكبر من أطفال اللاجئين السوريين، لكن نوعية التعليم في مناوبات بعد الظهر عادةً ما تكون متدنية، ذلك أن المدرّسين في هذه المناوبات أقل تدريباً. وفي وسع أطفال اللاجئين السوريين، الذين يفتقرون إلى الوثائق المطلوبة لارتياد المدارس الرسمية، الحصول على التعليم عبر برامج غير رسمية، غالباً ما تديرها منظمات غير حكومية أو مؤسسة خيرية دينية الطابع. غير أن الشهادات التي ينالها التلاميذ في هذه المرافق غير معترف بها ولا يتمّ اعتمادها، ما يمنعهم من التسجيل في المدارس العامة الرسمية في المستقبل أيضاً.

الواقع أنه يتابع نحو 62 في المئة من أكثر من 330 ألف طفل من اللاجئين السوريين المُسجلين في الأردن، التعليم في المدارس العامة الرسمية. لكن كما هي الحال في لبنان، تكون معدلات التسرّب المدرسي مرتفعة؛ ففي 2017، قدّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن 68 في المئة من المتسرّبين من التعليم سبق لهم التسجيل في المدارس. وعموماً، تُعزا النسب المرتفعة للغياب عن المدرسة والتسرّب إلى غلاء كلفة التعليم، والتنمّر، والتمييز، والعنف المدرسي، وطول المسافة إلى المدرسة، والحاجة إلى القيام بالأعمال المنزلية. ومع تقدّم أطفال اللاجئين في السن، تميل نسبة حضورهم المدرسي إلى الانخفاض. ويعود ذلك جزئياً إلى حسبانهم ألا فائدة تُرتجى من التعليم في وقت هم في حاجة ماسة لدعم عائلاتهم اقتصادياً.

الحقيقة أنه في مرحلة التعليم العالي، فقط ثمانية في المئة من اللاجئين ما بين الثمانية عشرة والرابعة والعشرين مسجلون في الجامعات. وتشمل العوائق التي تحول دون ارتياد الجامعة مصاعب اجتياز امتحانات المرحلة الثانوية الرسمية، وكلفة التعليم الجامعي المرتفعة، ومقتضيات إجادة اللغة الإنكليزية، وحيازة شهادات مرحلة التعليم ما قبل الجامعي أو شهادة التعليم الثانوي، الصادرة عن برامج تعليم رسمي. ومن دون شهادة جامعية، يواجه اللاجئون السوريون عوائق إضافية في التنافس على الوظائف، فيتعاظم اعتمادهم على المساعدات، ويملكون أموالاً أقل للإنفاق على الرعاية الصحية الباهظة والسكن.

يبقى أن هذه الحقوق، ومنها الحق في السكن والعمل والتعليم العام وحرية التنقل والإغاثة والمساعدة العامة. علاوةً على ذلك، بدأ الأردن بتقييد نطاق حماية اللاجئين السوريين، وألغى تقديم الرعاية الصحية لهم، وحدّ من حرية تنقلهم. والواقع أن غياب الإطار القانوني لاتفاقية الأمم المتحدة، أثار نقاشات في المجتمع الأردني الرسمي والقطاع الإنساني.. لتنتهي قصة معاناة وتبدأ أخرى. فإلى أين تسير قافلة اللاجئين السوريين في دول الجوار؟