مستقبل إيران وباقي دول الاتفاق النووي

تناقلت وكالة تنسيم حول الشروط السبعة التي وضعها الإمام الخامنئي على الدول الأوروبية لبقاء واستمرارية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الاتفاق النووي، والتي جاءت بغالبها بصيغة الفرض بالشكل الذي يوحي أن انسحاب أميركا عزّز ولم يضعف موقع إيران، كما يحمل إشارات خفيّة بأن إيران تملك من نقاط القوّة ما يخوّلها للتلاعُب بالأطراف بناءً على المستور الذي لم تصرّح به عبر العمد لإظهار انسحاب إيران في حال عدم موافقه الأوروبيين سيكون كارثة عليهم، في حين هناك محاولة لخلق حال مُبهَمة مفادها أنّ إيران ليست خاسِرة ولا متضرّرة بالمقدار الذي تتوهمون، من أبرز الشروط على أوروبا أن تتعهّد بألا تطرح قضية البرنامج الصاروخي الإيراني، والنفوذ الاقليمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يجب على أوروبا ضمان بيع النفط الإيراني بالمقدار الذي تريده إيران وعليهم شراءه، يجب على المصارف الأوروبية ضمان المعاملات التجارية مع إيران.

كما رأينا إن الشروط تطالب بأمور حسّاسة وخطيرة بأن معاً ويكفي التدقيق بها لاستشعار مدى الأهمية التي تتمتع بها، والمهم بالأمر هو السؤال الحاضر بأذهان المُراقبين والمُتمثّل ب: هل ستوافق الدول الأوروبية على الشروط الإيرانية؟

يعود سبب طرح هذا التساؤل إلى الاعتقاد أن الدول الأوربية لا تقدر على تنفيذ الشروط الإيرانية أو بالأحرى سيكون رفضها لأسباب ذاتية أكثر من أخذها بالحسبان الطرف الأميركي، لا سيما أن الأوروبيين، كما قال السيّد خامنئي: "إن الأوروبيين التزموا الصمت حيال الانتهاكات الأميركية للاتفاق النووي خلال العامين الماضيين"، ما يدفع للبحث في هذه المسألة.

من الملاحظات المبدئية: أن الشروط السبعة جاءت ضامِنة لعدم المساس بالعُمق الاستراتيجي لإيران الذي وضّح ماهيته الخامنئي بقوله: إن "الوجود في المنطقة ودعم الدول من الجمهورية الإسلامية هو عُمقنا الاستراتيجي" ليتّضح من قول الخامنئي والشروط السبعة أنّ ملف الصواريخ الإيرانية، ونفوذها الاقليمي، العُمق الاستراتيجي لإيران، وطلب شراء الأوروبيين للنفط الإيراني في حال تشديد الخناق الاقتصادي على إيران من قِبَل أميركا .. وغيرها هي بالمجمل عُمق إيران الاستراتيجي ؛ الذي جاءت الشروط السبعة وفقاً له وعلى أساسه بنفس الوقت، ما يشير إلى بُعد التخطيط الإيراني البعيد المدى لحماية مرتكزات الأمن القومي الإيراني، ويعكس من جهةٍ أخرى أن الحلول الآنيّة التي تُعالج مشاكل الوقت الراهِن ولا تأخذ بعين الاعتبار الوضع المستقبلي لإيران هو أمر مُستبعَد عن العقلية الإيرانية.

تعتبر القوى الأوروبية الاتفاق النووي أفضل فرصة لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ، وهي بالنسبة لمن يخشى من دولة صاعدة كإيران كحل مناسب، والمفترض بما أن أميركا تخشى على الكيان المحتل من القوّة الإيرانية أن توافق على هذا الخيار، ولكن ما حصل هو انسحاب أميركا من الاتفاق مقابل إعادة فرض عقوبات اقتصادية على إيران، وهذا تصرّف غريبٌ نوعاً ما يدفعنا للتشكيك به، والتساؤل عن مصداقيته.

بعد الانسحاب، لم يتم فرض العقوبات الاقتصادية مباشرة، بل حدث أن تم تقديم رزمة من المطالب الأميركية حدّدها وزير خارجية أميركا "مايك بومبيو"، وتتضمّن القائمة 12 مطلباً، تدعو إيران إلى إجراء سلسلة واسعة من التغييرات في سياساتها العسكرية والاقليمية أو مواجهة "أقسى عقوبات في التاريخ" أي بالمُجمل إنّ أميركا تستهدف النهج السياسي للقيادة الإيرانية من وراء ضغوطاتها ، ومنها ورقة العقوبات التي يمكن تفاديها في ما إذا كانت إيران تشكّل امتداداً لحلف مستقبلي دولي اقليمي ضد أميركا وحلفائها عبر مساعدة حلفاء إيران لها، ولعلّ هذا مقاربة تحليلية للمساندة الصينية لإيران.  

قال الخامنئي: "إذا لم يستجب الأوروبيون لمطالبنا، فإن لإيران الحق في البدء بعملية نووية مُغلقة"، ولعلّ هذه ورقة ضغط رابِحة أصبحت تستمد قوّتها من التواجد الإيراني في مناطق متعدّدة في الشرق الأوسط بالشكل الذي أصبحت فيه مصدر رهبة بالنسبة لأعداء إيران، والواقعية في الطرح والخطاب السياسي الإيراني تجلّت عندما صرّح الخامنئي بأنّه لا يعوّل على الأوروبيين أو لا يثق بهم، أي أن سيناريو إخفاق الشروط السبعة وإخفاقها أمرٌ وارد عند ساسة إيران، وبالتالي لا بد منطقياً من البدائل. والمهم هنا هو تنوّع ونوعيّة أوراق الضغط في أيدي الإيرانيين التي ستكفل خضوع الأوروبيين لإملاءات إيران.

وفي محاولة للإجابة على مصدر القوّة التي تتكلّم بها إيران، فيمكن التأكيد على تعدّد أفرع ومصادر قوّة إيران في اللعبة الدولية ، والمُتجسّدة بنقاط توزّعها بالشرق الأوسط فهي عندنا في سوريا بطلبٍ شرعي وقانوني يُقلق أعداء محور المقاومة، ووجود حزب الله اللبناني، والحوثيين في اليمن، فضلاً عن برنامجها النووي وهنا تكتمل أركان معادلة القوّة الإيرانية خارجياً، وكل هذه ملفات مهمة تعطيها قوّة وتجعل مَن يتفاوض معها يُدرك جيداً أنه لا يتعامل مع دولة ضعيفة، إضافة إلى موقف الصين وروسيا الداعِم للاستمرار في الاتفاق النووي، ما يعطي إيران أوراق ضغط جديدة تعطي إيران مزيداً من القوّة، وبالنتيجة هناك تخمين بنسبة جيّدة جداً أن الأوروبيين سيوافقون على شروط الخامنئي السبعة، ما سيجنّبه في حال تحقق الضغوطات الداخلية التي يتم العمل على إيقاعه بها، وسيعطي هذا شرعية وترويجاً جديداً للتجربة الإيرانية الإسلامية الثورية.

إن حديث الانسحاب الأميركي تزامن مع مرحلة اتّسمت بشنّ حملات إعلامية شنيعة روّجت شائعات حول حرب إيرانية مع "إسرائيل"، حيث حدث أن قام العدو الإسرائيلي بتنفيذ العديد من الضربات العسكرية للقوات الإيرانية المتواجدة في سوريا، وعلى ما يبدو أن مثل تلك الحرب كانت فعلاً ستحدث لولا عدّة مُعطيات تحتاج للانفراد بدراستها غيّرت من حتمية حدوثها، فتوضّح للعلن أنّ الدور الأميركي في الحرب المُزمَعة على إيران كان يتمثّل بالشق الاقتصادي وإحداث ضغط اجتماعي إيراني داخلي، ولكن فرض الطرفين الإيراني والسوري صيغة جديدة للمعركة مع العدو غيّر من مخطّط تحرّكات أعداء محور المقاومة إلى مستويات أقل من الحرب المباشرة.