اللاجئون السوريون.. مسؤولية مَن؟

من التهم الباطلة التي يوجّهها الإعلام المغرض للنظام السوري كونه سبب تلك الأمواج البشرية التي تخرج من مدنها وقراها السورية، لتتوجّه إلى مناطق كثيرة من العالم ابتداء من الدول العربية، وانتهاء بالدول الأوروبية وغيرها من دول العالم. وهو يتفنّن في تصوير مظلومية تلك الأمواج، موجّهاً أصابع الاتهام دائماً إلى الدولة السورية ومؤسّساتها، وخصوصاً جيشها.. وكأنه هو الذي قام بطرد أولئك المواطنين من غير محاكمة، ولا أية إجراءات قانونية أو أخلاقية.

وكل هذا كَذِب وزور، ولعب بالعواطف، ولا يمكن للعقل الذي يحترم نفسه أن يصدّقه.. ذلك أن كل أولئك الذين يفرّون من طاحونة الحرب القاسية، كانوا ـ وبإقرارهم وشهادتهم ـ ينعمون قبلها بأمن واستقرار كبيرين، وكانت لهم وظائف وحياة عادية كسائر الشعوب.. وما حصل لهم لم يكن سوى وليد تلك الفتنة التي دبِّرت بليلٍ لسوريا، لتحوِّلها من دولةٍ ذات سيادة إلى دويلاتٍ تابعةٍ للشيطان الأكبر وأذنابه وأذياله.

ولذلك فإن استقراء أحوال أولئك اللاجئين، والتعرُّف على سبب ما حصل لهم، لا يخرجهم عن هذه الأصناف الثلاثة، التي يمكن اكتشافها بسهولة من خلال القرآن الكريم:

الصنف الأول: المستضعفون الذين لا طاقة لهم بمواجهة الإرهاب الذي حلّ ببلادهم، ولم يتمكّنوا في نفس الوقت من الدخول إلى مدن سوريّة أخرى، ولذلك اضطروا إلى الخروج إلى الدول المجاورة أو غيرها، حتى يأمنوا على أنفسهم، وهؤلاء معذورون في ذلك.. وقد أشار إليهم القرآن الكريم في مواضع منها قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء: 75]

فهذه الآية الكريمة تذكر أن من أسباب خروج أولئك المستضعفين هو كون القرية قرية ظالمة.. وبما أن أولئك المستضعفين كانوا يعيشون حياة عادية قبل أن يحلّ ما حلّ بهم.. فالظلم الطارئ عليهم لم يكن بسبب الدولة التي تحكمهم، وإنما بسبب الإرهابيين الذين تولّوا ذلك.

إما مباشرة، بممارسة العنف والظلم والقتل لسكان تلك القرى والمدن، مثلما تدلّ على ذلك المشاهد الكثيرة التي يبثّها الإعلام المغرِض نفسه، والذي نرى فيه الإرهابيين يقومون ببثّ الرُعب في نفوس السكان، ليتركوا بيوتهم وأملاكهم؛ فيقوموا هم بالاستيلاء عليها.

أو بطريقةٍ غير مباشرة، وذلك عن طريق التترّس والتحصن بهم في مواجهة الجيش السوري، ليستفيدوا من ذلك بأمرين: أولهما حماية أنفسهم، والثاني تشويه الجيش السوري، باعتباره يقتل المدنيين، وينسون أنه لولاهم، ولولا احتلالهم لتلك المناطق، لما أطلق الجيش السوري طلقة واحدة، ولما هدم بيتاً واحداً، كما كان دَيدَنه قبل هذه الحرب المعلنة.

لكن العقول القاصِرة التي لا تفكّر، تستسلم لعواطفها وأهوائها، فتتّهم الجيش البطل الذي يحارب الإرهاب والعُنف والظلم، وتترك الظَلَمة، بل تدافع عنهم، مع أن الجيش السوري وحلفاءه لم يطبقوا في جهادهم للظَلَمة سوى ما أمر الله تعالى به في قوله في الآية السابقة: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً} [النساء: 75]

الصنف الثاني: المؤيّدون للإرهاب، والذين قاموا بحرب دولتهم، أو استضافوا الإرهابيين واحتضنوهم طمعاً في مكاسب يحقّقونها، ولكن بعد أن تبيّن لهم خواء جُعبتهم، وحقيقتهم المرّة، راحوا يفرّون من بلادهم، وقبلها من قراراتهم الخاطئة التي اتخذوها.

وهؤلاء مدانون في كل أحوالهم، وهم يتحمّلون كل ما حصل لهم.. لأنهم ظَلَمة لا مظلومين؛ فلولا وقوفهم مع الإرهاب، وحضانتهم له، لما استطاع أن يدخل إلى بلادهم وقراهم، والعبرة لهم في ذلك بتلك المدن التي لم يستطع الإرهابيون ـ رغم الجهود الكبيرة التي بذلوها ـ في الدخول إليها، مثل الفوعة وكفريا، تينك البلدتان الموجودتان في ريف إدلب الشمالي، والتي يُضرب المثل بصبرهما على مُعاناة الحصار الخانِق الذي فُرِض عليهما مدة طويلة، ومع ذلك لم يستسلموا رغم أنه لم يخلُ يوم واحد من قصفٍ أو قنصٍ أو محاولةِ اقتحام على المحاور المختلفة في محيط البلدتين.

ومثلهما نبل والزهراء الموجودتان في شمال حلب، واللتان تعرّضتا لحصارٍ طويلٍ بعد أن استولى الإرهابيون على غالبية الريف الشمالي في 2012.. ومع ذلك لم يستسلموا بل ظلّوا يقاومون إلى أن حقّق الله لهم النصر.

فهؤلاء هم المواطنون الحقيقيون الذين يمثّلون الشعب السوري البطل، وهم الجديرون بكل ذلك الثناء الذي ورد في النصوص المقدّسة على الصابرين المحتسبين المرابطين، وقد ورد في الحديث قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل).

وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان).

الصنف الثالث: الانتهازيون الذين كانوا يحلمون بالذهاب إلى أوروبا وأميركا وغيرها، مثلما يفعل الكثير في سائر دول العالم، وهؤلاء استغلّوا الفرصة، وصوّروا أنفسهم مظلومين حتى ينالوا حقوق اللاجئين السياسيين، مع أنهم لا لاجئون، ولا سياسيون، وإنما هم انتهازيون، وبراغماتيون لا يفكّرون إلا في أنفسهم ومصالحهم.

وقد شهدنا مثلهم في بلادنا أيام الفتنة في الجزائر، حيث كان الكثير يهرب إلى أوروبا تحت شعار اللجوء السياسي، وهو ليس سوى نوع من الفرار من أداء واجبه نحو بلاده في مواجهة العُنف والإرهاب، ونوع من التثاقل إلى الدنيا، وهؤلاء يُعتبرون من الفارّين من الزحف، لأن الأصل أن يقفوا مع جيش بلادهم في مواجهة الإرهاب.

ولا يُستثنى من هؤلاء إلا مَن خرج من بلده فاراً بنفسه، لا ليركن للدنيا، وإنما ليدافع عن بلده بالطرُق التي يستطيع، كما قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) } [الأنفال: 15، 16]

وهكذا نستطيع من خلال العودة لمصادرنا المقدّسة أن نتبيّن الأبيض من الأسود، وأن نمّيز بين الطيّب والخبيث.. لكن العقول المعطّلة للأسف تعرض عن هذه المصادر، وتلجأ إلى المصادر المدنّسة الممتلئة بالخُبث والزور والبُهتان، لتكمل الأدوار التي يقوم بها الأرهابيون ومَن يحرّكهم من شياطين الجنّ والإنس.