نظام التعاقد في التعليم المغربي ومسألة الطرد
رغم تطبيق المغرب لسياسة التوظيف بالعقدة والتي فتحت الباب لما يُقارب الخمسين ألف منصب عمل، إلا أن عدد المُعطّلين عن العمل والحاصلين على شواهد جامعية في المغرب لا يزال كبيراً جداً.
قام المغرب بتجريب نُظم وبرامج مختلفة في حقل التعليم، سنترك الخوض في المناهج الدراسية لمقال آخر، وسنحاول مقاربة سياسة تشغيل المدرّسين والأساتذة في هذا المقال لنركّب جزءاً من الصورة حتى نتم باقي أجزاءها كي تكتمل بشكل يجعل النقد بيّناً لا مُلتبساً.
منذ خريف سنة 2016، اتّبع المغرب سياسة التوظيف بالعقدة في قطاع التعليم، هذا القطاع الذي كان ولا يزال الأمل الأخير الذي تُبنى عليه أحلام أبناء الفقراء في هذا الوطن، سياسة التوظيف بالعقدة بالنسبة للدولة المغربية نافذة جديدة لفكّ أزمة البطالة لديها بشكلٍ ترقيعي كالعادة، فيكفي أن نعرف أن العقدة توقّع لمدة عامين، وأن هذا الشكل من التوظيف يخوّل للأكاديمية التي توقّعها مع الأساتذة الموظفين بموجبها في قطاع التعليم، بفسخها بجرّة قلم، لنفهم أن كل الأفواج (ما يقارب 50 ألف أستاذ وأستاذة) وعددها ثلاثة لحد الآن، مُهدّدة بشكلٍ واضحٍ في خسارة مناصبها، والأكثر من ذلك كونها أي الأفواج الثلاثة مُهدّدة بالسقوط مجدّداً في براثن البطالة. تريَّث لا تطرح رأيك البديهي، لا يُعقل أن تطرد الدولة المغربية 50 ألف أستاذة وأستاذ، خاصة إذا علمنا أن المغرب يعاني من نقص أطر مهول في هذا القطاع ، ولديه خصاص في المدرّسين والمدرّسات يصل حسب البعض لما يفوق المائة ألف، إذن فمسألة طرد جميع هؤلاء الأساتذة بموجب عقود تبدو خيالية، لنفترض أن هذا صحيح، ولنقل فقط أن طرد البعض منهم مُمكن، ومسألة طرد البعض منهم ليست مُمكنة وحسب بل جار بها العمل منذ بداية الاشتغال بهذه السياسة في التوظيف، لنفهم الأمر أكثر وبشكل أبسط سنلقي نظرة أوسع على واقع الحال.
الأساتذة الموظفون بموجب عقدة وقضية البطالة
رغم تطبيق المغرب لسياسة التوظيف بالعقدة والتي فتحت الباب لما يُقارب الخمسين ألف منصب عمل، إلا أن عدد المُعطّلين عن العمل والحاصلين على شواهد جامعية في المغرب لا يزال كبيراً جداً، ويتزايد كل عام، وقد بلغ عدد المُعطّلين عن العمل أصحاب الشواهد في السنوات الأخيرة ما يفوق مائتي ألف مُعطّل ومُعطّلة، هذه المُعطيات تغيّر منحى استنتاجنا الأول الذي قلنا فيه بإطلاقية لا علمية بالمرة، استحالة طرد جميع الأساتذة الموظفين بموجب عقدة، والذين كما سبق وذكرنا لا يتجاوزون الخمسين ألفاً، فبوجود عدد مضاعف لهم بأربعة مرات أو أكثر من دون عمل يمكن أن نفترض أن تقوم الدولة المغربية بطرد جميع هؤلاء الأساتذة الموظفين بموجب عقدة، واستبدالهم بجيش المُعطّلين، سيطرح السؤال البديهي الثاني، ما دام العمل بموجب عقدة يتم بشكل مباراة مفتوحة، فلا شيء يجعل هؤلاء الأساتذة الموظفين بموجب عقدة يخشون على مناصبهم، فما داموا قد استطاعوا النجاح مرة فيمكنهم فعل ذلك مرة أخرى، فلماذا يخشون هذه السياسة؟
معلوم أن الحاصلين على الشواهد هم في الغالب أبناء الجامعات، وهم مدركون جيّداً أن نظام العقدة ليس في صالح أي واحد منهم، غير أنهم وكما يدّعون انخرطوا في هذا الشكل الغريب من التوظيف لغياب أي بديل أمامهم يضمن لهم لقمة العيش، لأن استحالة الحصول على عمل في المغرب أصبحت هل الشيء المطلق الوحيد في هذه الألفية، ولأنهم في الغالب أبناء الجامعات يعرفون جيّداً أن المنظومة المغربية في كل المجالات التي تخضع لنظام الامتحانات تندرج ضمن نظام الكوتا، ولأجل ذلك هم مؤمنون إيماناً مُطلقاً أيضا أنه في غياب إدماج صريح في سلك الوظيفة فهم مهدّدون على الدوام بخسارة وظائفهم المزاولة تحت نظام العقدة، هنا سنختلف مع بعضنا البعض، ونطرح أسئلة كثيرة جداً لها علاقة وطيدة بموضوعنا الأساس ـ تدّني مستوى التعليم بالمغرب.
خمسة أسئلة مهمة
كيف يُعقل أن يمارس أستاذ أو أستاذة عملهما على أكمل وجه؟ وكيف سيلقّنان المعرفة؟ وكيف سيربّيان الأبناء؟ وهما يفكّران دائماً في منصبهما المالي ووظيفتهما المهدّدة بالزوال مهما اختلفت طريقة حدوث ذلك، وإن كانت في الغالب لا تعدو أن تكون جرّة قلم.
كيف نريد من شاب أو شابة في مُقتبل العمر وريعان الشباب أن يعملا من أجل تحسين مستوى أبناء الشعب المغربي معرفياً؟ وكيف نريد منهما أن يهتما بهم قبل أي شيء، وأن يجعلا أولويتهما هؤلاء الأبناء، وهما يريان أن فرصتهما في عيش الحياة بشكل رغد يتمكّنان فيها من السياحة والأكل وعيش المظاهر المُبتغاة من قِبَل الشباب المغربي ككل ستذهب مع الرياح إن لم يستغلا عامي العقدة لفعل ذلك.
كيف يمكن أن يتقدّم المغرب وخاصة في قطاع التعليم، ونحن نعلم بل رأينا أن المغرب من أجل تطبيق سياسة التوظيف بالعقدة في نسختها الأولى، سمح بولوج مَن هم دون الأهلية المعرفية والتكوينية ودون المستوى المطلوب لتوافره في الأستاذ أو حتى في الحاصل على الإجازة فقط كي يمر نظام التوظيف بالعقدة؟
أليس الأجدر بالدولة المغربية من أجل مصلحتها المحضة أن تعمل على بقاء قطاع التعليم عموميا، وأن تحافظ على الوظيفة العمومية ولو في قطاع التعليم لوحده، وأن تجعل المزاولين لمهنة التدريس موظفين دائما لديها غير مهددين بالطرد كي تضمن على الأقل استمرار تصدير قطاع التعليم للأطر التي ستحتاجها الدولة مستقبلا وهي التي تسابق الزمن من أجل الوصول لركب الدول المتقدمة كما تقول هي عن نفسها؟