معركة إدلب لا تتوقّف بناء على موقف تركيا

لكن ومع وصول التعزيزات العسكرية، يبدو واضحاً أن معركة إدلب ستُبنى على معادلة الحكمة السياسية والخبرة العسكرية.

عين الجيش السوري على إدلب والخطط العسكرية باتت جاهزة في انتظار إعلان ساعة الصفر

تطوّرات ميدانية مُتلاحقة رسمت مساراً تصاعدياً خلال الأشهر الماضية، من الغوطة الشرقية لدمشق إلى الجنوب السوري حيث الإنجازات الإستراتيجية وصولاً إلى إدلب حيث يواصل الجيش السوري حشد قواته تمهيداً لهجوم قريب، لكن ومع وصول التعزيزات العسكرية، يبدو واضحاً أن معركة إدلب ستُبنى على معادلة الحكمة السياسية والخبرة العسكرية.

هذه المعادلة رُسمت على مبدأين، الأول هو التفاوض والتسويات وفيها ما يفرضه الأمر الواقع لجهة العملية السياسية المحكومة بمبادئ يلتزم بها كل الفاعلين على الأرض ( أستانا )، إضافة إلى جغرافيّة إدلب وطبيعة الجسد الإرهابي فيها، أما المبدأ الثاني فهو الخيار العسكري حيث أن عملية تحرير إدلب تختلف في مساراتها السياسية والميدانية عن مجمل عمليات التحرير التي جرت في الجغرافية السورية، فالقرار الاستراتيجي للدولة السورية حدّده الرئيس بشّار الأسد، و هو أن الجيش السوري سيتوجّه إلى إدلب، على اعتبار أن مصالح الدولة السورية الأمنية والقومية والسيادية فوق كل مصلحة ولا يمكن المساومة على هذه المُعطيات، وبالتالي فإن الدولة السورية قد حسمت أمرها في ما يخصّ العمل العسكري، مع إبقاءئا الباب موارباً أمام التسويات والتي ستكون السيادة السورية عنوانها.

"هل تحرير إدلب مُرتبط بالتفاهُمات الروسية التركية ؟"

الجيش السوري يستعد لتحرير محافظة إدلب من الإرهاب، فالكل بات يعلم بأن هذه المحافظة تحتوي على عدد هائل من بقايا التنظيمات الإرهابية التي أنتجتها منظومة العدوان على سوريا، والرهان على هذه التنظيمات لا يزال مستمراً من قِبَل أعداء سوريا ، في مقابل القرار السوري بالقضاء على الإرهاب، لكن القيادة العسكرية السورية تُدرك طبيعة المواجهة العسكرية في إدلب، وتُدرك أيضاً الخطر المُحدق بالمدنيين في إدلب جرّاء الوجود الإرهابي، الأمر الذي طالبت به الدولة السورية المدنيين من أجل الضغط على الفصائل الإرهابية للدخول في المُصالحات الوطنية.

في المقلب الآخر، عين الجيش السوري على إدلب والخطط العسكرية باتت جاهزة في انتظار إعلان ساعة الصفر، بالتوازي مع تفاهمات يجري التباحُث بشأنها بين موسكو وأنقرة على قاعدة المُصالحة لكن بتوقيت دمشق، وتجنيب هذه المنطقة العمل العسكري، روسيا تعتبر أن تحرير إدلب حق للدولة السورية وجيشها، وترى موسكو بهذا الصدد أن خيار الحوار السياسي وارد جداً، لأن هناك جزءاً مسلحاً من المعارضة السورية يشارك في مفاوضات أستانا، وبالتالي يجب الفصل بين القوات التي تريد الحل السياسي وتلك التي ترفض الحوار مثل النصرة وداعش، وهنا يأتي الدور التركي، حيث أن تركيا من المُحتّم عليها أن تقوم بالفصل بين هذه الفصائل، وهذا حقيقة ما جرى الاتفاق عليه خلال زيارة لافروف إلى أنقرة ولقاء نظريه التركي أوغلو، مع التأكيد الروسي بأن الجيش السوري جاهز لضرب كل المواقع الإرهابية في إدلب.

من الممكن أن يكون تعويل دمشق على التفاهمات الروسية التركية كبيراً لجهة الحل السياسي، لكن قوة الموقف السوري ستفرض إيقاعا يُجبر تركيا على الإسراع باتخاذ خطوات إيجابية في فرز المسلّحين وعزلهم ، مع إغلاق الحدود بشكل كامل وقطع خطوط إمداد الفصائل المسلّحة .

" هل تتجرّأ تركيا وتساند عسكرياً أدواتها في إدلب ؟ "

تأويلات وتحليلات كثيرة ترافق المسار السياسي والعسكري في إدلب ، حتى ذهب البعض إلى توقّع أن تدخل تركيا في مواجهة مع الجيش السوري، نظراً للنقاط التابعة للجيش التركي والتي تتوزّع على تخوم محافظة إدلب من العيس شمالاً مروراً بمورك جنوباً، وانتهاءً بمناطق تقع في ريف المحافظة الغربي على الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية، لكن في مقابل هواجس البعض بالتدخّل العسكري التركي، يستبعد البعض الآخر إقدام تركيا على هذه المُغامرة التي ستكلّفها كثيراً، حيث أن القيادة التركية تعلم بأن دمشق اتخذت كافة الاحتياطات ودرست كافة السيناريوهات، ولهذا تمّ تأجيل معركة إدلب حتى تحرير كل الجغرافية السورية، الأمر الذي سيسمح للجيش السوري بزجّ قواته ذات الخبرة القتالية العالية في معركة إدلب في حال كانت هناك مساندة تركية للفصائل الإرهابية، وعليه فإن تركيا تدرك تماماً بأن أية مغامرة ستكون وبالاً عليها وستصل نيران الجيش السوري إلى داخل الحدود التركية.

" في المُحصّلة "

بين الحكمة السياسية والخبرة العسكرية سيكون مشهد الانتصار السوري كبيراً في إدلب، ففي حال رفضت تركيا وبيادقها الإرهابية الحل السياسي المبني على رؤية دمشق، فعندئذ لن يكون سوى الخيار العسكري الذي تُخبره جيّداً الفصائل الإرهابية المجتمعة في إدلب، فاليوم وبكافة المُعطيات السياسية والعسكرية، تسير الدولة السورية وجيشها إلى نصر مؤزِر ليس في إدلب فحسب، بل سيصل صوت المجنزرات السورية إلى مسامع الأميركي في قواعده أينما وجدت في الجغرافية السورية.