ماذا يعني تغيير سلوك إيران في المنطقة؟
محاولات أميركا إخضاع إيران أو إسقاط نظامها، بكل الخطط المطروحة عندها، لدى مجلس أمنها ستبوء بالفشل الذريع، وستخرج إيران منتصرة على غطرسة غاشمة، تهيب منها أغلب دول العالم.
لا شك أن التغييرات الجذرية التي أحدثتها الثورة الإسلامية الإيرانية، بنجاحها الباهر، في قطع دابر الاستكبار الغربي بزعامة أميركا وبريطانيا من إيران، والذي امتدّ ليصل مداه إلى خارجها، تأثيراً في طلائع الشعوب الإسلامية، المنخرطة في العمل الإسلامي، والتي لم تتوقّع يوماً – رغم النصوص الصريحة والواضحة قرآنية ونبوية - أن تكون إيران صرحاً إسلامياً عتيداً، يشعّ منه الدين الحنيف بكل شفافية، وتصل أفكاره الثورية ومبادؤه الأساسية، في بناء نظام حكم إسلاميّ دستوراً ومجالس شورى وصيانة وقيادة، يقدّم فيه نموذجاً - جديراً بالاحترام والتقدير- إلى أنحاء العالم، ليطرح الإسلام المّحمّدي الأصيل، هذا الدين القيّم من جديد، في شكله المُتناسق الحالي، نظام حُكم عتيد، بإمكانه أن ينافس نُظم الحُكم الحالية، ويتفوّق عليها.
تغييرات استمرت في أدائها الفكري العميق، لمفاهيم عديدة في الإسلام، لم تكن مكتملة وناضجة في عقول قادة وزعماء الحركات الإسلامية، في البلاد العربية خصوصاً والإسلامية عموماً، والتي كانت حكوماتها ولا تزال تأتمر بأوامر أميركا ودول الغرب، وتنضوي تحت سياساتهم طاعة وتنفيذاً، وإن خالفت تلك السياسات مصالح الشعوب، فلا يهمّ طالما أن رضا أميركا هو المطلوب.
لقد شكّلت إيران في ثوبها الإسلامي، المناقض تماماً لنظامها الدكتاتوري البائد، والذي أعلن منذ خطوتها الأولى بنظامها الجديد، أن أميركا وكيانها الصهيوني، عدوّان لدودان للإسلام المُحم!دي: (إن أشد عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)، وعلى المسلمين أن يأخذوا ذلك في الحسبان، ويتخلّصوا من الهيمنة الأميركية وتوابعها، كما فعل الشعب الإيراني بقيادته الربّانية الحكيمة، ومن هنا بدأ صراع خفّي بين إيران، بما تحمله كلمة الإسلام من معنى حقيقي وعميق، وأميركا زعيمة الحلف الصهيوني العالمي، فكانت العقوبات، والحصار، والحرب العسكرية بالوكالة، ومؤامرات العمل على إسقاط النظام باغتيال كوادره وعلمائه، وكانت وسائل الإعلام العالمية المُسيطَر عليها من طرف اللوبي الصهيوني، صاحبة أكبر نصيب في الدعاية الإعلامية المُغرضة، التي لم تترك فسحة لإيران الإسلامية، للظهور بمظهرها الحقيقي المُشرّف، البعيد عن التطرّف ومُعاداة الشعوب.
ورغم كل هذا التجييش والتحريض والتشويه والتآمر، مضت الجمهورية الإسلامية في إيران مستعينة بالله ومتوكّلة عليه، مؤمنة بأن طريق الحق الذي سلكته، بقيادة العالِم الربّاني الإمام الخميني رضوان الله عليه، هو الاختيار الأمثل، الذي رضي به قوم سلمان المُحمّدي، فكانت التوفيقات الإلهية، عناوين نجاحات أدمغة وسواعد الشعب الإيراني، المؤمنة بحُسن خياراتها، وصواب منهجها، ما زاد من صدمة أعدائها وتزايد غيظهم - مع أذنابهم وعملائهم- عليها.
أعداء إيران وعلى رأسهم أميركا مرتبكون اليوم، ماذا يفعلون لوقف هذا التطوّر السريع لشعب آمن بالإسلام شريعة و منهاجاً، وعملاً بمقتضى ذلك الإيمان الصادق بكل جدّ وتفان، وتمكّن في ظرف وجيز من جني ثمار جهوده المُضنية وتضحياته الكبيرة؟
أميركا التي لم تترك سبيلاً لعرقلة إيران وعزلها اقليمياً وإفشال مشاريعها التنموية والتحرّرية وخنق فكرها الإسلامي الشمولي ومنعه من الانتشار، يأتي أحد أركان نظامها ليقول كلاماً مناقضاً لسياسات بلاده حيال إيران، فقد أجاب وزير دفاعها (ماتيس) رداً على سؤال طرحه أحد الصحفيين في ندوة صحفية عقدها، مفاده إذا "كانت إدارة الرئيس (دونالد ترامب) استحدثت سياسة، لتغيير النظام الإيراني أو دفعه للانهيار".
قال ماتيس: «لم يتم وضع مثل هذه السياسة.. نريدهم أن يغيّروا سلوكهم، في ما يخصّ عدداً من التهديدات، التي يمكن أن يشكلها جيشهم ومخابراتهم، ومن ينوبون عنهم ووكلاؤهم» ( نقلاً عن رويترز).
أميركا والغرب غاب عن سياساتهم الصدق، واتّسمت جميعها بالدهاء والخبث والكذب على شعوبهم وعلى العالم، فكل سياساتهم مُغالطات ودعايات زيف وبهتان، وهكذا هي السياسة عندهم، تثعلب وتذيّب بشري، مخادعة للشعوب الضعيفة، وغنماً لمقدّراتها، يرتكبون المخالفات الكبيرة، ويحرّضون على الأنظمة التي لا تستجيب لسياساتهم، وتتمرّد على أطماعهم، كما هو شأن إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية، وإذا كانت أميريا بحسب ما عُرِف عنها، ضالعة في محاولات قلب أنظمة الحكم في أميركا اللاتينية، فإن من المتوقّع جداً أن تكون لها مخطّطات وخيارات، تسعى للتخلّص من النظام الإسلامي في إيران، وقد فعل خيراً الإمام الخميني رضوان الله عليه، عندما قطع دابر طاقمها الدبلوماسي، وطرده خارج إيران بعد 444 يوماً من احتجازه، فطهرت عاصمتها منه نهائياً، ومن سفارة الكيان الصهيوني، ضريبة كل ذلك كبيرة ولكن لا بأس فلكل مكسب شعب حرّ تضحيات، وتلك سنّة الأحرار.
الغرب غير صادق مع إيران، فهو يحتضن بعنوان الحرية وحقوق الإنسان، جماعات إرهابية، كمنافقي خلق، ذات السّجل الأسود، في ارتكاب جرائم اغتيال سياسية داخل إيران، والتي تتّخذ من (أوفير سور واز Auvers-sur-Oise ) بضواحي باريس، مقراً رئيسياً لها، وتتلقّى الدعم من أميركا وفرنسا وبريطانيا وعملائهم من أعراب الخليج، ولا تزال هذه الدول ترى في هذه المنظمة الإرهابية، حليفاً معتبراً ضد النظام الإسلامي الإيراني، وهي الأكثر حقداً عليه منهم.
وحصل موقع (واشنطن فراي- بيكون The Washington Free Beacon) الإخباري الأميركي، على خطة تظهر أن البيت الأبيض يعمل على قلب النظام الإيراني، بدعم الحركات الشعبية في الداخل، من دون تدخل عسكري، ووفقاً للموقع المُقّرب من مسؤولي البيت الأبيض، تشير الخطة المكوّنة من ثلاث صفحات، والتي تم تسليمها إلى أعضاء لجنة الأمن القومي، إلى أن ترامب سيسعى لتغيير النظام في إيران، من خلال برامج ديمقراطية، من شأنها إحداث فجوة أكبر، بين الشعب الإيراني... والنظام الديني الحاكم في طهران، وقد قامت بإعداد هذه الخطة، مجموعة الدراسات الأمنية، التي تعرف بـ(Security Studies Group)، ولديها علاقات وثيقة مع مسؤولي الأمن في البيت الأبيض، بمن فيهم جون بولتون.
خيار دعم الحركات الانفصالية داخل إيران (كردستان/ بلوشستان) بعنوانه المزيّف ديمقراطية أميركا والغرب، من أجل إلهاء النظام عسكرياً في وضعه الداخلي، والعمل على استقراره إن حصل تمرّد من هذا النوع، وبالتالي إشغال القوّة العسكرية الإيرانية في صراعات داخلية، والعمل الأميركي على هذه الخطة، قائم منذ سنوات عديدة، وهكذا يبدو المنطق الأميركي مخادع وكاذب إلى أبعد حد، فكل ما فعلته إيران بدافع عقيدتها الإسلامية الدعوة إلى القطع مع الاستكبار العالمي، والضرب على أياديه العابثة، بثروات ومستقبل الشعوب العربية والإسلامية، والعمل على تقوية حركات مقاومة العدوّ الصهيوني في فلسطين ولبنان، وهذا ما تصنّفه أميركا إرهاباً خاصاً بكيانها الغاصب، الذي تريد فرض وجوده، ونشر هيمنته على المنطقة، وهذا ما ترفضه إيران رفضاً قاطعاً، وتحذّر الدول العربية من مغبّة الانجرار وراءه، رغباً أو رهباً، وهو شرف لها في كل ما قدّمته، ولا تزال تقدّمه، استجابة لواجب الأخوّة والتعاون الإسلامي، الذين يريد محقهما الغرب بكل ملحقاتهما.
محاولات أميركا إخضاع إيران أو إسقاط نظامها، بكل الخطط المطروحة عندها، لدى مجلس أمنها ستبوء بالفشل الذريع، وستخرج إيران منتصرة على غطرسة غاشمة، تهيب منها أغلب دول العالم، ووقفت أمامها إيران وحدها موقف البطولة والثبات والرجولة والمبادئ.