خمسُ ساعات في ضيافة السنوار

خمس ساعات متواصلة مضت من دون أن نشعر وبسرعة، حضرت اللقاء وزملائي، وبدأ الرجل يتحدّث عن قضايا محورية مهمّة في الشأن الفلسطيني بإسهاب، وبكل جرأة وشجاعة وصدق وبساطة ووضوح، من دون تكليف أو تجميل للصورة، يسرد الأمور على حقيقتها، ويضع النقاط على الحروف.

يحيى السنوار - رئيس حركة حماس في غزة

حين دقّت عقارب الساعة الخامسة من مساء الأربعاء 29 آب/أغسطس، دخل يحيى السنوار قائد حركة حماس في قطاع غزّة القاعة الكبرى بمكتبه في مدينة غزّة مُستضيفاً ثلاثين من نخبة الكتّاب والمحلّلين السياسيين في القطاع بعد اختفائه عن الأنظار عدّة أشهر، موجّهاً التحية والمُعايدة للحضور.

خمس ساعات متواصلة مضت من دون أن نشعر وبسرعة، حضرت اللقاء وزملائي، وبدأ الرجل يتحدّث عن قضايا محورية مهمّة في الشأن الفلسطيني بإسهاب، وبكل جرأة وشجاعة وصدق وبساطة ووضوح، من دون تكليف أو تجميل للصورة، يسرد الأمور على حقيقتها، ويضع النقاط على الحروف.

ما سمعته الحديث المباشر من قائد وطني كبير كالسنوار، ينمّ عن مسؤولية عالية لهذا القائد وصدق وانتماء للوطن وللقضية رغم تكلفتها الكبيرة، فلا شيء عنده أغلى من الحرية للوطن والعيش بكرامة للمواطن، خطابه خطاب الحريص على شعبه وقضيته العادلة.

بدأ القائد السنوار حديثه في علاقة حركته بقوى المقاومة الفلسطينية وفصائل العمل الوطني والإسلامي، وقال إنها تشهد علاقات متينة وتزداد قوّة يوماً بعد يوم لاسيما حركة الجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية والتي نطمح لأن تصل العلاقات ومستوى التنسيق إلى أعلى الدرجات خدمة لشعبنا وقضيتنا.

أما في موضوع المُصالحة الفلسطينية فقال إنها وصلت بعد الجولة الأخيرة التي شهدت توقيع اتفاق تشرين أول/أكتوبر 2017 انتكاسة حيث خَطط لها متنفّذون في جهاز المخابرات منذ اللحظة الأولى خطّة لوأدها ونجحوا في ذلك، وأشار إلى أن الرؤية السياسية للحل والخروج من عُنق الزجاجة تتثمل في رفع العقوبات التي تفرضها السلطة على غزّة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتشكيل مجلس وطني توحيدي يفرز لجنة تنفيذية تعبّر عن نبض الشعب والمشروع الوطني الفلسطيني، وانتخابات تشريعيةٍ ورئاسيةٍ ومجلس وطني، كما أشار إلى أن من يواجه ويرفض صفقة القرن لا يفرض العقوبات على غزّة، ويمنع الجماهير من الخروج يوم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ويمارس التنسيق الأمني مع الاحتلال في مخالفة واضحة لقرارات المجلس الوطني والمركزي الأخيرة.

السنوار خلال اللقاء كرّر تأكيده أن الحصار الإسرائيلي سيُكسَر قريباً عن قطاع غزّة، وأن حركته لن تقبل بتجويع أهلها، وأن حماس مع فصائل المقاومة قرّرت أن تحقّق حياة كريمة للمواطن الفلسطيني في غزّة وتكسر الحصار وفق معادلة حرية غزّة مقابل الهدوء ، وأن لدى حركته من القوّة التي تُربك حسابات الاحتلال وتُطيح مستقبل قياداته.

في موضوع الحصار حسم السنوار الأمر وقال إنه بعد أسبوعين من الآن سيتضّح مستقبل التهدئة وفي منتصف أكتوبر من العام الجاري سيشعر المواطن في غزّة بالتغيير الإيجابي حال نجحت هذه الجهود.

المهم في موضوع التهدئة أنها بلا ثمن سياسي، وهذا ما أكّده السنوار في حديثه نافياً عزم حماس إقامة دولة في غزّة، وقال مَن يتّهمنا بالانفصال أو إقامة دولة في غزّة أقول له، نحن نقبل مرحلياً القبول بدولة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 على مَضَض وذلك دعماً للإجماع الوطني، فهل يمكن أن نقيم دولة في غزّة؟ نحن نريد فلسطين من بحرها إلى نهرها.

طغى خلال اللقاء مع السنوار الحديث عن ترسانة المقاومة العسكرية لحركة حماس وحركات المقاومة الفلسطينية في غزّة وقدرتها على الردع والتأثير، وهو يهدف من وراء حديثه بالدرجة الأولى توجيه رسائل تهديد للعدو والصديق والوسيط، وأكّد إن حركة حماس لن تذهب إلى الحرب وحال فُرِضت عليها ستؤلم العدو الإسرائيلي بقوّة، واستفاض السنوار في الحديث عن قوّة حماس العسكرية، وقال إنه في اللحظة التي تُفرض عليها المواجهة ستدافع عن شعبها وستجعل صافرات الإنذار تدوّي في تل أبيب وضواحيها ستة أشهر متواصلة ، وقال إن هذه رسالة تهديد وصلت لقادة الاحتلال بشكل مباشر عبر أحد الوسطاء.

أما رسالة التهديد الأبرز التي بعث بها السنوار للاحتلال فكانت، أن من سيأخذ قرار الحرب على غزّة من قادة الاحتلال سيصبح لعنة عند الشعب الإسرائيلي.

الملف الأصعب لدى قادة الاحتلال هو تبادل الأسرى وأشار إليه السنوار إلى أنه مُجمّد حالياً، ويتوقّع حدوث حراك فيه قريباً، شريطة أن يدفع الاحتلال الثمن، وهو حرية الأسرى الفلسطينيين من سجونه.

طمأن السنوار النخبة السياسية حول علاقة حماس بحلفائها محور المقاومة، إيران وحزب الله وسوريا فقال إن العلاقة مع جبهة الممانعة والمقاومة في إيران وحزب الله ممتازة، هناك تواصل وتنسيق مشترك، ومع سوريا العلاقة تتعافى وتتحسّن كثيراً.

الرسالة الأهم في نهاية لقاء السنوار والتي حمّلنا إياها للشعب الفلسطيني في قطاع غزّة هي "أخذنا قراراً، الحصار سيُكسر بعزّ عزيز وبذلّ ذليل، ويجب أن يعيش شعبنا حياة كريمة".

أمام هذا المشهد وبعد لقاء قائد وطني كبير مثل يحيى السنوار فرسائلي التي أؤكّد عليها للمرحلة القليلة المقبلة على النحو التالي:

1.أستطيع القول إن المقاومة بألف خير ولا خوف عليها، قادتها متمسّكون بالحقوق والثوابت، وقادة حماس والمقاومة لا يدّخرون وسيلة إلا ويعملون بها لتعزيز صمود المواطن الفلسطيني، وحماية شعبها وتوفير حياة كريمة له من دون تقديم أية تنازلات لأطراف، كما أنهم حريصون على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية.

2.من يمتلك السلاح والقوّة يمتلك القرار بالتهدئة، وإن استمرار شيطنة المقاومة والجهود التي تقوم بها تحت ذريعة الانفصال وصفقة القرن ما هي إلا إصرار على استمرار الحصار وتنكّر واضح لحقوق الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة.

3.مقبلون على فترة حاسمة في تاريخ الصراع مع المحتل، وحماس إلى جانبها قوى المقاومة قادرين على حماية المشروع الوطني الذي أضاعه فريق أوسلو على مدار أكثر من عشرين عاماً.

4.لا أفق قريب لتحقيق المصالحة الفلسطينية واقعاً عملياً بعد أن وصلت لطريق مسدود، بعد الرد السلبي الذي أرسلته حركة فتح للقاهرة قبل أيام.

5.حماس والفصائل ذاهبة لتثبيت وقف إطلاق النار عام 2014م ومحصّنة بالاجماع الوطني، ورفع الحصار وتوفير حياة كريمة لشعبها ففرَص نجاح تثبيت التهدئة لا زالت قوية، وحماس وقوى المقاومة ليس لديها رفاهية من الوقت ولا يمكن الارتهان لحسابات هنا وهناك.

6.بتقديري أية عقوبات جديدة ستتّخذها السلطة الفلسطينية على قطاع غزّة، سيزيد من عزلتها، وستكون هذه الإجراءات العقابية سبباً رئيساً في انحسار وتراجع دور السلطة الفلسطينية في قطاع غزّة.