تحرير إدلب .. نهاية أحلام إردوغان

حديثٌ وإقرارٌ دولي وأممي كبير حول أهمية وضرورة "الحل السياسي" وبأنه السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في سوريا، لكنه لا يعكس بالضرورة صدق وحقيقة نوايا ومُخطّطات غالبية الأطراف المشاركة فيها.

حديثٌ وإقرارٌ دولي وأممي كبير حول أهمية وضرورة "الحل السياسي" وبأنه السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في سوريا، لكنه لا يعكس بالضرورة صدق وحقيقة نوايا ومُخطّطات غالبية الأطراف المشاركة فيها، والتي ترى وتُقرّ بهزيمة الإرهاب على مساحة 98% من الأراضي السورية، وتدرك إنها على مشارف انتهاء معارك الوكيل الإرهابي، وعلى بُعد خطوةٍ واحدةٍ من افتتاح معارك الأصيل المباشرة، أو التسليم بانتهاء الحرب وبانتصار سوريا والرئيس الأسد وروسيا ومحور المقاومة مجتمعاً.

عتبة الإنتقال من حروب الوكيل إلى حروب الأصيل.. ويأتي سعي الدولة السورية، وبعض الأطراف الإقليمية والدولية، لإنهاء الحرب العسكرية عند هذا الحد من الصراع، فيما يسعى البعض الاّخر لإطالة مرحلة حروب الوكيل بهدف تأخير أو تفادي حروب الأصيل، والتأسيس لمرحلة الحرب السياسية التفاوضية بقوّةٍ واقتدار، وعليه تُعتبر معركة تحرير إدلب الحد الفاصل وعتبة الانتقال من حروب الوكيل إلى حروب الأصيل المعقدة الخطرة والمرشّحة بشكلٍ أو باّخر لتتحوّل إلى حرب اقليمية وعالمية غير مُرحَّب بها من قِبَل الجميع.

ماهيّة الحل السياسي.. وعلى جميع الأحوال، لا بد لجميع الدول المنخرطة في الحرب من أن تتّكئ على حصاد المرحلة الأولى على الرغم من استحالة تحويل الهزيمة العسكرية إلى نصرٍ سياسي، إذ لن يتمكّن أعداء سوريا من إقناع شعوبهم بحربٍ خارجيةٍ على الدولة السورية، بعد سنوات اعتمادهم على الإرهاب والإرهابيين ودعم الخوذ البيضاء وما سُمّي زوراً بالمعارضة المسلّحة المعتدلة، فهذه الأكاذيب فقدت بريقها ولمعانها وأصبحت غالبية الشعوب تدرك حجم الفظاعة التي قامت بها حكوماتها عبر الوكيل، ما استدعى عودة الحديث والتهديد بالملفين الإنساني والكيماوي المُستهلَكين وسط تصاعد أصوات أحزاب المعارضة الألمانية التي تطالب بعدم المشاركة في أيّ تدخلٍ عسكري في سوريا ودعوة زعيم حزب الشعب الجمهوري في تركيا نظام إردوغان للاعتراف "بانتصار الأسد في معركة الداخل" وبالحوار مع الدولة السورية، في وقتٍ أكد فيه وزير الخارجية الفرنسي "انتصار الأسد في المعركة العسكرية لكنه سيُهزم سياسياً"، الأمر الذي يؤكّد أن الحل السياسي ليس سوى تكتيك حربي ترى فيه غالبية الدول مصالحها وتفضّل الانتقال إلى الحروب السياسية والاقتصادية بعد هزيمتها وفشل مراهنتها على جيوش الإرهاب الوكيلة.

تركيا ومعركة إدلب.. من الواضح أن تركيا لا تريد تأخير معركة إدلب فقط، بل تسعى لمنعها بهدف الإبقاء على مشروعها الاستعماري ومخطّطها القديم – الجديد في قضْم وابتلاع أراضٍ جديدة في العُمق السوري ... لذلك يستميت إردوغان في الدفاع عن التنظيمات الإرهابية في إدلب، ويشرف على توحيدها في ما يُسمّى "الجبهة الوطنية للتحرير"، ويحاول طمأنة بعض المجتمع الأهلي هناك بأن قواته قادرة على منع الجيش السوري من اقتحام المحافظة، الأمر الذي دفع الوزير وليد المعلم لصفعه وتذكيره بأن "إدلب محافظة سورية"، إذ لطالما اختبأ وتذرّع بدوره الضامن وتحدّث عن محاولة إقناع "جبهة النصرة" بحل نفسها، واستقدم عشرات الأطنان من الأسلحة والاّليات والمدرّعات خلال الـ 48 ساعة الماضية وبما يفوق مجموع القدرة التسليحية الموجودة بيد كافة المسلّحين بأضعاف، ووعد بعدم وقوفه متفرّجاً على ما وصفه ببحيرة الدم و"الكارثة" الإنسانية المتوقّعة في معركة إدلب وموجة اللاجئين الجديدة التي ستصل إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا، في محاولةٍ منه لكسب الوقت ولابتزاز الأوروبيين، وراح – بحسب رويترز- يجزل العطاء لفصائل "الجيش الحر" عبر منحهم الجنسية والمال والسكن.

تركيا في القمّة الثلاثية.. والتي جمعت الأسبوع الماضي رؤساء الدول الضامِنة الثلاث روسيا وتركيا وإيران في طهران ، وسارع فيها أردوغان إلى طلب "وقف إطلاق النار" في إدلب، لكن الرفض الروسي – الإيراني عكس حقيقة الموقف السوري أيضاً، وأوقف جموح المُنافق التركي الذي أراد ابتزاز نظيريه بقوله :"إنها الفرصة الأخيرة"، وبحسب أجواء اللقاء والتصريحات المُعلَنة والمُسرّبة، تبيّن أن الرئيس بوتين نظر بازدراء للدور السيّىء الذي لعبه إردوغان وسلوكه في القمّة والذي اجتهد بتمثيله التنظيمات الإرهابية أكثر من كونه أحد الدول الضامنة، الأمر الذي  يدفعنا للسؤال عمّا إذا كانت مواقفه جزءاً مدروساً للعودة إلى الحضن الأميركي؟

ومن اللافت أن يأتي المطلب التركي "وقف إطلاق النار" بعدما أنهت الدولة السورية القضاء على الإرهاب على غالبية الأرض السورية ... وإذ يبدو مطلبه غريباً وغامضاً  للبعض، فأن يبقى الإرهاب حراً مسيطراً على بعض الجغرافيا السورية، فهذا يشكّل سابقةً لا مثيل لها في تاريخ الحروب! كما يأتي وسط أجواء لا توحي بحُسن العلاقات والتوافقات الروسية -الأميركية، والتهديدات الأميركية والفرنسية والبريطانية، والتعويل على استعادة الملفين الكيماوي والإنساني المُزيّفين والمُنحازين ضدّ الشعب السوري، ووسط تحرّكات وزيارات واتصالات مُكثّفة لكافة الأطراف، وإعلان تركيا موافقتها على إدراج جبهة النصرة والفصائل التابعة لها على لوائح التنظيمات الإرهابية كـ "هيئة تحرير الشام".

من دون شك فإن كافة المُعطيات السياسية والميدانية المتعلّقة بإدلب والمواقف الإقليمية والدولية المحيطة بها، تبدو معقدةً وصعبة، ولا يمكن التعويل والموافقة على أية هدنة وأي اتفاق لا يضمن عودة إدلب إلى سيطرة الدولة، ويبقى اتفاقاً  بلا معنى ومُسخّراً  لخدمة المشروعين الأميركي والتركي على الأراضي السورية، إذ لا يبدو أن أردوغان راغب وقادر على فصل إرهابيي جبهة النصرة عن باقي الفصائل المسلحة، خصوصاً  بعد سنوات رعايته ودعمه اللامحدود ولأكثر من سبع سنوات.

تركيا مع بدء المعركة.. يبدو واضحاً وجلياً تخوّف أردوغان من بدء المعركة، ويعلم بأنه سيُمنى بهزيمة أحلامه ومشروعه في سوريا، وستنتقل الفوضى والإرهاب إلى الداخل التركي الذي يعجّ بالإرهابيين، بالتوازي مع الإنهيار الاقتصادي والهبوط القياسي للعملة التركية، ناهيك عن حال القمع والاستبداد التي يمارسها أردوغان في الداخل التركي ومحاصرة الناس ، بالتأكيد هي أمورٌ تشي بمجملها بإمكانية حصول ما كان مخططاً  لتركيا، وقد تُدخلها في النفق المظلم الذي لن ينتهي إلاّ بتقسيمها ... يبدو أن أردوغان قد وضع نفسه وبلاده ما بين أن يربح تقسيم وابتلاع سوريا أو أن يقع في فخّ تقسيم تركيا، وعليه نراه يطلق التصريحات النارية  ويتشدّق بأن بلاده "لن تقف مع المُتفرّجين"، وأن " العالم كله سيدفع الثمن".

واشنطن ومعركة إدلب.. يبدو أن واشنطن سعت لتفخيخ الأجواء ما قبل معركة إدلب بما فيها أجواء قمّة طهران وحاولت التأثير على قراراتها، إذ أشعلت مدينة القامشلي بجريمة الاعتداء السافر لمرتزقة أسايش - "قسد" على عناصر الأمن العسكري السوري، وأشعلت النار على طريق المقاومة من طهران إلى دمشق في العراق وتحديداً في البصرة، ومحاولاتها لنسف التقارُب الروسي – التركي والاتصال الهاتفي لوزير الدفاع الأميركي بنظيره التركي بعد القمّة مباشرة، وعلى المقلب التركي.. قام أردوغان بتغيير النائب العام الذي يحقّق مع القس الأميركي المُحتجَز في تركيا، فالوضع أصبح خطيراً ولا بد من أن إردوغان قد شعر بالبرد بعيداً وحيداً عن حُضن ترامب "الدافئ"، فالديون التركية وصلت إلى 438 مليار دولار، وإطلاق سراح القس سيقرّب المسافات مع واشنطن على حساب تباعُدها مع موسكو التي رفضت "وقف إطلاق النار" في إدلب على أهميته بالنسبة للغازي التركي الذي يريد حماية الإرهابيين هناك.. الأمر الذي استدعى تصريحاً روسياً  على لسان غينادي غاتيلوف لينفي الخلاف والتباعُد مع تركيا بقوله أنه ليس بالضرورة أن تتطابق تماماً  المواقف الروسية والتركية.

مواقف دولية.. تسعى موسكو لاحتواء كافة ردود الأفعال الدولية والأطراف المعنية، وتقدّمت باقتراح عقد جلسة لمجلس الأمن تتم فيها مناقشة نتائج قمّة طهران لمجلس الأمن، على هامش تهديدات جون بولتون الذي تحدّث باسم واشنطن ولندن وباريس حول جهوزيتهم لتوجيه ضربات "ردٍ أقوى بكثير" (مما سبق في 2017) إن أقدمت دمشق على استخدام السلاح الكيماوي.. بالتوازي مع كشف وزارة الدفاع الروسية عن وصول فرَق تصويرٍ شرق أوسطية وأميركية إلى بلدة جسر الشغور لتصوير هجومٍ كيميائي مزعوم، ليُصار إلى استخدامه ضد دمشق وتنفيذ التهديدات المُسبَقة وشنّ عدوانٍ مُبيَّت جديد.

لقد ساهمت وسائل الإعلام وتصريحات البعض، البابا فرنسيس والمبعوث دي مستورا والسيّد لوكوك وغيرهم في رسم صورة مروّعة لتحرير إدلب خاصة ما يتعلق بالمخاوف الإنسانية، وبذلك منحت بعض الأطراف الفرصة لاستنباط غطاء سياسي – "أخلاقياً " لمواقفها العدائية من دمشق، فأطلقت واشنطن وبريطانيا وفرنسا وتركيا تهديداتها وضغوطها التي استدعت تأخير بدء العملية العسكرية السورية – الروسية، على أمل إقناع المجتمع الدولي بصوابية وضرورة العملية من خلال جلسة المناقشة الأممية!

براءة الحل السياسي على المحك.. يبدو أن "الحل السياسي" قد فقد براءته ومعناه الحرفي، وتبيّن أنه لكل طرفٍ فهمه وغايته ومسلكه لمتابعة الحرب، ومن المؤكّد أن التوافق الدولي الظاهري حول الحل السياسي في سوريا لم يرتق إلى حيّز القناعة ولا زال يقبع في خانة المُراوغة والخِداع وإعادة التموضع.. بعدما تأكّد للجميع أن مَن يتحدّثون عن الحل السياسي كاذبون ولا تتوافر لديهم الرغبة لمُعالجة أسباب الحرب على سوريا وملاحظة العدوان الوحشي الأميركي، الفرنسي، البريطاني والتركي المستمر وتواجده اللاشرعي على الأرض السورية!، بالإضافة للتداخل في بنية التنظيمات الإرهابية بما لا يدع مجالاً  للتفريق بينها، ويؤكّد خديعة تعدّد أسمائها وأصولها واعتدالها.

حسابات ما قبل معركة إدلب.. فالولايات المتحدة لا تزال تراوغ وتحاول كسب الوقت الذي بدأ بمُلاحقتها مع إعلان الرئيس روحاني أن تحرير مناطق شرق الفرات سيبدأ بعد الانتهاء من معركة إدلب ، بالإضافة إلى المواقف الثابتة والمُعلَنة للرئيس بشّار الأسد وكافة القيادات السورية حيال تحرير كل شبر ، الأمر الذي يُفسِّر مخاوف ومواقف ترامب من معركة إدلب وسخونة تغريداته وتعدّد وتنوّع ذرائع بقاء قواته في سوريا ، ويفسّر تصاعُد التمرّد الاقليمي التركي والسعودي، اللذان استطاعا فرض أجنداتهما عليه بعدما تأكّد ارتباط مصيرهما بمصير الحرب على سوريا، فمن السخافة بمكان رؤية إردوغان غداً في واشنطن بوساطة كويتية يبدو أن الكويت ستكون أكبر المموّلين للجيشين التركي والأميركي لمنع الجيش السوري من تحرير إدلب وإنهاء الحرب العسكرية ، وعليه تبقى معركة إدلب عاملاً  حاسماً  لتحديد مصير الرئيس ترامب وفوزه بولاية ثانية مع اقتراب الإنتخابات النصفية الأميركية.

إصرار الدولة والشعب السوري على تحرير إدلب.. على الرغم من كافة العراقيل والتهديدات ومسرحيات الكيماوي الإرهابية والتهديد الصريح بالعدوان الثلاثي والتركي، يبدو جلياً  إصرار الرئيس بشّار الأسد وكافة القيادات السياسية والعسكرية وملايين الشعب السوري لخوض المعركة وتحرير مدينة إدلب والشعب السوري المظلوم والمحاصَر فيها تحت سطوة الإرهاب ووحشية ما يُسمّى "المجتمع الدولي"، وها هو السفير السوري في الأمم المتحدة يؤكّد من خلال كلمة سوريا في جلسة مناقشة الوضع في إدلب وسوريا على أن "سوريا عازمة على تحرير إدلب وإعادتها على كنف الدولة ".. ويؤمن السوريون بأن نضج الحل السياسي لن يتأتّى إلاّ باكتمال الحل العسكري وطرد كافة الغُزاة من سوريا عبر المعارك السياسية التي يخوضها الجيش العربي السوري في الميدان، وتبقى معركة تحرير إدلب تتويجاً لانتصار سوريا على الإرهاب الوكيل بالرغم عن الأصيل.