الأزمة الإقتصادية بين تركيا والسعودية

هذه الجريمة الدولية أسقطت جميع الأقنعة عن الحُكّام الطُغاة والدكتاتوريين والقامعين للقلم الحر والصوت الصحفي المسموع. وقد أثبتت التجارب السابقة النهاية المأسوية لمثل تلك العصابات المنظّمة في قلب الأجهزة الأمنية والإستخباراتية في الدولة. كما أن العلاقات الدبلوماسية لن تعود لمجراها الطبيعي بعد ارتكاب تلك الحماقة من بعض الأغبياء من دون تقدير نتائجها عليهم وعلى شعبهم. ووفقاً للقانون الدولي فالعِقاب سيطال الجميع لأن الجريمة ارتُكِبَت داخل قنصلية سعودية في دولةٍ أجنبيةٍ لمواطنٍ أميركي ولو أنه من أصلٍ سعودي.

قضية خاشقجي تفتح الباب أمام بوادر أزمة دبلوماسية ممكن أن تتحوّل إلي أزمةٍ إقتصادية بين ثلاث دول معنية

تشهد وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية اليوم إهتماماً كبيراً ونقاشاً حاداً وجدلاً قانونياً حول اختفاء الكاتب والصحافي في جريدة واشنطن بوست "جمال خاشقجي". هذا الاعتقال أو الاغتيال يفتح الباب أمام بوادر أزمة دبلوماسية ممكن أن تتحوّل إلي أزمةٍ إقتصادية بين ثلاث دول معنية ومتورّطة في هذه القضية الدولية.

إن القانون الدولي هو المُنظِّم للعلاقات الدولية وفقاً للعُرف الدبلوماسي الحامي لجميع المصالح بين الدول، منها السياسية والإقتصادية وتبادل المعلومات والوثائق الإدارية الشخصية. إلا أن دخول المواطن "الأميركي المُقيم" والسعودي الأصل جمال خاشقجي القنصلية السعودية في تركيا من دون الخروج منها مع غياب تحقيق دولي مستقل لكشف جميع التفاصيل حول الأحداث بالدخول وبالخروج، أو بالعودة إلى الولايات المتحدة الأميركية مع عدم كشف جميع أرشيف الفيديوهات، يفتح الأفاق نحو تدهور كلّي للعلاقات الدولية بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا من جهة وبين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية من جهة أخرى.

إن العالم اليوم يتابع أخطر قضية دولية تمسّ حرية التعبير والقلم الحر وتضرب الصحافة الدولية في صميم حقوقها ومبادئ احترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة والرأي الحر المستقل. لم توجد إلى حد الآن أدلّة للاغتيال كذلك لا توجد أدلّة حول جثّة الصحافي الأميركي أو مكان تواجده بحيث ستصبح هذه القضية رأياً عاماً دولياً وخاصة منها منظمات الصحافة الأميركية والهيئة المُديرة لجريدة واشنطن بوست الناشرة لمقالات جمال خاشقجي.

إذاً القضاء الأميركي سيفتح تحقيقاً دولياً وسوف تتضامن جميع المنظمات الدولية الراعية للصحافة العالمية خاصة منها التابعة لمنظمة الأمم المتحدة مع الضحية خاشقجي، وستُحبِط محاولة طًمْس مسرح الجريمة وفضح تلك العملية القذرة. هذه الأزمة الدبلوماسية من أبرز نتائجها تضرّر المصالح الإقتصادية والتجارية خاصة وأن أصابع الاتّهام الأولية تتّجه نحو وليّ العهد محمّد بن سلمان آل سعود، خاصة وأنه يرغب في خلافة والده بأية طريقة من الطُرق.

لكن القادم سيكون كارثياً حول مستقبل ذلك الشاب الطامِح لولاية العهد بحيث أصبح ملف ذلك الصحافي الضحيّة سياسياً على مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب شخصياً. إن أساليب الترهيب والتخوين والاغتيالات المُنظّمة التي تقوم بها بعض الأجهزة الفاسِدة والإجرامية في المملكة العربية السعودية تجاه الصحافيين أو الناقدين لمسار "الحُكم" وليس جوهر "النظام" بالأقلام الحرّة يُعدُّ في مضمونه جريمة دولية لا تُغتَفر. أما بخصوص العرش الحاكِم والدكتاتوري والرجعي فيجب شطبه بصفةٍ نهائيةٍ من الحُكم المستقبلي وقَطْع الطريق أمام العابثين بأرواح المواطنين الأبرياء وتحويل أوطانهم إلى سجونٍ ومعتقالات لقتل وقمع حرية التعبير والصحافة الحرّة.

إن الثورات العربية ضدّ الجلاّد والظالِم انتصرت في وجه مصّاصي الدماء وكشفت للعالم كله بشاعة تلك الأنظمة الإرهابية والفاسدة التي تتغذّى بدماء الشهداء بتعلة معارضين أو إرهابيين، لذلك من واجب دول العالم الحر أن تأخذ موقفاً حازماً تجاه أمثال تلك العصابات التي نصَّبت نفسها بنفسها حكّاماً لدول اغتصبت إرادة شعوبها وزجّت بالأقلام الحرّة وصوت الصحافي المُدافِع عن حقوق المظلومين، والكاشِف لمؤامرات العابثين مثل الملك سلمان آل سعود وإبنه.

الصحافة العالمية وخاصة منها الأميركية وإدارة دونالد ترامب تطالب بتوضيحات وبتسجيلات مرئية وصوتية حول اختفاء الصحافي الأميركي جمال خاشقجي. بالتالي الحرب الدبلوماسية ستتصاعد ضدّ المملكة العربية السعودية وجميع الصحافيين ووسائل الإعلام الأميركية الآن ستسعى بجميع وسائلها للوصول للحقيقة وإلى إعادة تصوير الأحداث الإفتراضية للاعتقال أو للاغتيال أو للاختفاء. فنتيجة التحقيق ستقضي بالضربة القاضية على عرش المملكة العربية السعودية وستخلع كرسي وليّ العهد محمّد بن سلمان للأبد. إن تركيا وفقاً للسيادة الترابية وتواجد القنصلية على أراضيها عليها بتقديم الحقيقة للرأي العام العالمي "مَن قتل خاشقجي وحطّ دمه علي عتبة القنصلية". إذ أن الرئيس ترامب وجّه تهديده بابتزاز السعودية مالياً وتجارياً وإقتصادياً والضغط على حكّام المملكة العربية السعودية إذا لم تقدّم له الأرشيف الكامل بجميع تفاصيله منذ دخول الصحافي الأميركي في واشنطن بوست القنصلية السعودية وعدم خروجه منها، وحول تردّد سيناريو قتله و"تقطيعه ووضعه في أكياس" وحمله لحكّام "آل سعود".

هذه الجريمة الدولية أسقطت جميع الأقنعة عن الحُكّام الطُغاة والدكتاتوريين والقامعين للقلم الحر والصوت الصحفي المسموع. وقد أثبتت التجارب السابقة النهاية المأسوية لمثل تلك العصابات المنظّمة في قلب الأجهزة الأمنية والإستخباراتية في الدولة. كما أن العلاقات الدبلوماسية لن تعود لمجراها الطبيعي بعد ارتكاب تلك الحماقة من بعض الأغبياء من دون تقدير نتائجها عليهم وعلى شعبهم. ووفقاً للقانون الدولي فالعِقاب سيطال الجميع لأن الجريمة ارتُكِبَت داخل قنصلية سعودية في دولةٍ أجنبيةٍ لمواطنٍ أميركي ولو أنه من أصلٍ سعودي.

إن نتائج هذه الجريمة ستتحوّل إلى الجانب الإقتصادي والمصالح المشتركة بين ثلاثة أطراف في هذه الجريمة الدولية المنظّمة، التي ممكن أن تتحوَّل إلى محكمة الجنايات الدولية وجَلْب "آل سعود" للمحاكمة الدولية والتي لها تأثيرات سلبية تجارياً ومالياً على السعودية بعيدة الأمد. بالتالي إذا ثبتت جريمة القتل وطريقتها البشعة من طرف وليّ العهد محمّد بن سلمان، فإن مستقبله السياسي قد انتهى بصفةٍ كليةٍ لأن ملف القضية حالياً متواجد على مكتب الرئيس الأميركي المُطالِب بأكثر تفاصيل وكشفها للإعلام وخاصة لصحيفة واشنطن بوست. احتمال أن الأزمة الإقتصادية ستشمل الحصار الإقتصادي أو دفع المزيد من الأموال كتعويضات للصحافة الأميركية. أيضاً عقوبات الإدارة الأميركية من الممكن أن تضع حكومة آل سعود على القائمة السوداء الإرهابية والتي تضرّ مباشرة بالمعاملات المالية السعودية في الأسواق المالية العالمية وأيضاً بالمصالح التجارية السعودية مع بقيّة دول العالم.