الأسير المُحرّر محمّد التاج: داخل السجون معركة من أجل التحرّر

ولِدَ محمّد التاج في السعودية في 17تشرين الأول/ أكتوبر1972 نتيجة نزوح والديه في سنة1967، ودرس في مدارسها الإبتدائية إلى أن توفى والده، الذي كان يعمل معلماً. ومن ثم انتقل مع عائلته إلى الأردن ودرس في مدارسها إلى أن عاد إلى الوطن في عام 1989 وفور عودته انخرط بالانتفاضة عام 1987، واعتُقل خلال الانتفاضة وبقي في السجن لغاية سنة 1992 على خلفيّة الانتماء لجبهة التحرير الفلسطينية.

وبعد التحرّر واصل نشاطه لحين اندلاع انتفاضة الأقصى إلى أن تمّ اعتقاله في سنة 2003 وحُكِم عليه بالسجن 16 عاماً، وأثناء الاعتقال تعرّض لمرض التهاب رئوي نتيجة الضرب بالغاز المسيّل للدموع والهراوات في غرفة مغلقة، ومورِست بحقه سياسة الإهمال الطبي المُتعمّد على مدار عشر سنوات إلى أن تحوّل المرض إلى تليّف رئوي مُزمن هدّد حياته بالخطر، ما أجبر سلطات الاحتلال للإفراج عنه بتاريخ 18 نيسان/ أبريل  2013 وبعد الإفراج عنه بعامين تمكّن من إجراء عملية زراعة رئتين وقلب والزواج وتكوين أسرة من طفل وطفلتين.

فهذا الأسير المُحرّر عانى ويلات العذاب والإهمال الطبي الذي كاد أن يفتك في حياته لولا الإفراج عنه والعلاج في الخارج، مع العِلم أنه مازال يعاني من سياسة الإهمال الطبي المُتعمّد. وفي ما يلي النصّ الكامل للمقابلة:

السؤال الأول: ما هو هدف سلطات الإحتلال من وراء سياسة الإهمال الطبي بحق الأسرى بشكل عام والأسرى المُصابين بأمراض مُزمنة أو خطيرة بشكل خاص؟

تسعى مصلحة السجون الصهيونية إلى مضاعفة معاناة الأسرى وتحويل حياتهم إلى جحيم داخل الأسْر، ضمن سياسة العقاب الدائم والمتواصل للأسرى ، ولا تنفكّ عن التخطيط والتفكير في ابتداع أساليب من شأنها قهر الأسرى ومضاعفة معاناتهم ، ومن ضمن هذه الأساليب اتّباع سياسة الإهمال الطبي المُتعمّد بحق الأسرى.

السؤال الثاني: هل تقوم قيادة الحركة الأسيرة بدورها في التصدّي لسياسة الإهمال الطبي المُتعمّد؟

لقد تمكّنت الحركة الأسيرة من تحويل واقع الأسْر المرير إلى منارة للعِلم والفكر ومدرسة للصمود، حيث خاضت الحركة الأسيرة العديد من الاضرابات المفتوحة عن الطعام من أجل تحقيق الإنجازات وانتزاع الحقوق من مصلحة السجون الصهيونية. وكان دوماً المطلب الأهم في كافة الإضرابات توفير العلاج اللازم للأسرى ونقل الأسرى المرضى إلى المشافي الخارجية، وما أن يتمّ التوصّل لاتفاقٍ مع مصلحة السجون الصهيونية  على توفير العلاج اللازم للأسرى ، حتى تحاول جاهدة بعد فترة قصيرة التنصّل من اتفاقها مع الأسرى. إن سياسة الإهمال الطبي تُعتَبر من أهم السياسات التي تضاعف معاناة الأسرى ليس المرضى فقط بل عائلاتهم وزملائهم الذين يعيشون معهم في الأسْر، ما يجعل الحركة الأسيرة في نضال مستمر من أجل مُحاربة هذه السياسة والقضاء عليها.

السؤال الثالث: إلى أين وصلت حوارات ممثّلي الحركة الأسيرة مع إدارة السجون في ما يتعلق بتقديم العلاج المناسب للأسرى المرضى؟

لقد تمكّنت الحركة الأسيرة من إجبار مصلحة السجون الصهيونية على نقل حالات عديدة من الأسرى المرضى إلى المشافي الخارجية لتلقّي العلاج اللازم ونقل عدد آخر إلى ما يُسمّى عيادة سجن الرملة رغم بؤسها. ولكن طالما بقيت سياسة الإهمال الطبي قائمة  بعدم تقديم العلاج للأسرى المرضى في مراحله الأولى حتى يتفاقم المرض ويصبح مزمناً ، تبقى الحركة الأسيرة في نضال مستمر من أجل معالجة هذا الملف.

السؤال الرابع: ماهي الادّعاءات التي تتحجّج بها إدارة مصلحة السجون لامتناعها عن تقديم العلاج المناسب للأسرى المرضى في سجونها؟

دوماً تسعى مصلحة السجون الصهيونية إلى المُماطلة في علاج الأسرى المرضى تحت حِجج وذرائع واهية، أهمها أن الأسير المريض ليس مريضاً وأنه يعتقد واهماً أنه مريض ما يؤدّي إلى تدهور الحال الصحية للأسير المريض إلى مرحلة صعبة ، وحينها تبدأ المُماطلة أيضاً في نقل الأسير المريض إلى المشافي الخارجية على اعتبار أنه يوجد اكتظاظ في المراجعين للمشافي الخارجية، وأنهم ينتظرون الدور وتبقى الحركة الأسيرة تمارس كل أساليب الضغط حتى تتمكّن من نقل الأسير المريض إلى المشافي الخارجية.

السؤال الخامس: ماهي الخطوات التي تقوم بها الحركة الأسيرة ضدّ إدارة السجون عندما يستشهد أسير مريض؟

حالات عديدة من الأسرى المرضى استُشهدت داخل السجون الصهيونية نتيجة هذه السياسة المتعمّدة، ما استوجب على الحركة الأسيرة دخول إضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام وتصعيد المواجهة مع مصلحة السجون، وأحياناً كانت تتطوّر الأمور إلى درجة قمع الأسرى بالغاز المسيّل للدموع والهراوات كردٍ على تصعيد الأسرى واستنكارهم لهذه السياسة التي أدّت لاستشهاد زميلهم في الأسر.

السؤال السادس: هل يُعتبر مشفى سجن الرملة صالحاً لتقديم العلاج المناسب للأسرى المرضى؟

ما تُسمّى عيادة سجن الرملة هي أشبه بقسم عزل عبارة عن أربع غرف متقابلة، يوجد بها أكثر من 17 أسيراً مريضاً من الحالات الصعبة كأمراض السرطان والقلب والرئتين والكبد الوبائي، وحالات عديدة من المُقعدين وغيرها ولا يتلقّون سوى المُسكّنات لتخفيف آلامهم والمماطلة في نقلهم للمشافي الخارجية كل سنة تقريباً ما يجعلهم ينتظرون تاريخ استشهادهم بصبرٍ وثبات.

السؤال السادس: هل يُعتبر مشفى سجن الرملة صالحاً لتقديم العلاج المناسب للأسرى المرضى؟

لقد بذلت هيئة شؤون الأسرى جهداً كبيراً عبر محامييها إلى جانب الضغوط التي تمارسها الحركة الأسيرة من أجل توفير أطباء اختصاصيين على حساب هيئة شؤون الأسرى من أجل متابعة وعلاج الأسرى المرضى، لكن مصلحة السجون الصهيونية ترفض هذا المطلب لاعتباراتٍ أمنية حسبما تدّعي، بالإضافة إلى السعي الدائم لهيئة شؤون الأسرى عبر محامييها إلى تقديم الالتماسات والتوجّه إلى المحاكم من أجل الحصول على قرار بالإفراج عن الأسرى المرضى ، ولكن ترفض المحاكم الصهيونية الإفراج عنهم إلا في حالات ضئيلة يكون فيها الأسير المريض في المراحل الأخيره من حياته وفعلاً يستشهد الأسير المريض بعد أيام قليلة من الإفراج عنه.

السؤال الثامن: هل تقوم السلطة الفلسطينية بمسؤوليتها على المستوى القانوني والدولي تجاه ملف الإهمال الطبي المُتعمّد الذي أدّى إلى زيادة عدد الأسرى الشهداء ؟

تسعى السلطة الوطنية الفلسطينية على رفع قضايا الإهمال الطبي المُتعمّد، والتي أدّت إلى استشهاد العديد من الأسرى المرضى بالدلائل والبراهين إلى رفع شكاوي إلى محكمة الجنايات الدولية باعتبارها جرائم حرب يحاسب عليها القانون الدولي. ولكن هناك ضغوط عديدة دولياً وعربياً تمارس على السلطة الوطنية الفلسطينية لعدم رفع هكذا شكاوي، ما يتطلّب من السلطة عدم الاستجابة لهذه الضغوط والتوجّه فوراً لمحكمة الجنايات الدولية وتعرية ومحاسبة مُجرمي الاحتلال على جرائمهم.

السؤال التاسع: هل تقوم المؤسّسات التي ترعى شؤون الأسرى الفلسطينيين، ومؤسّسات حقوق الإنسان بدورها في متابعة ملف الأسرى المرضى؟

يحاول العديد من المؤسّسات المعنية بشؤون الإنسان والمهتمة بشؤون الأسرى المرضى على وجه الخصوص برفع الشكاوى والالتماسات عبر المحاكم الصهيونية، من أجل الإفراج عن الأسرى المرضى، ولكن كما ذكرت سابقاً تواجه هذه الدعاوى بالفشل إلا في حالات الموت المُحقّق، كما أن هذه المؤسسات تبذل جهداً عظيماً من أجل توفير بعض احتياجات الأسرى المرضى مثل الكرسي المتحرّك بعد عناء وضغوط كبيرة تُمارَس على مصلحة السجون الصهيونية من أجل الاستجابة لهذا المطلب الإنساني.