كيف سترد إيران على الهجمات الإرهابية

لذلك الرد الأهم والأدق إستراتيجياً قد تمّ بالفعل، على لسان نائب قائد حرس الثورة الإسلامية في إيران العميد حسين سلامي ، الذي قال "إن المواجهة الحقيقية لإيران هي مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي".

يظهر في الصورة اللواء قاسم سليماني وقيادات الحرس الثوري الإيراني

مع بدء مجلس الأمن القومي الإيراني بحث كيفية الرد على حادثة الهجوم الإرهابي التي حدثت على الطريق بين مدينتي خاش و زاهدان في محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران و التي أودت إلى استشهاد 27 شخصاً، عقب إستهداف تعرّضت له حافلة لحرس الثورة الإسلامية مساء يوم الأربعاء 13 شباط.

بكل تأكيد أن المصلحة الإيرانية العليا تقتضي الرد الحاسم، على الأقل لتخفيف وتيرة النشاط المعادي، ولكن ما المتوقّع عن كيفية الرد الذي على ما يبدو سيكون حاسماً وقاسياً جداً إستناداً للنبرة الدبلوماسية الإيرانية غير المعهودة تجاه النظام السعودي والنظام الإماراتي، وإتهام الإستخبارات الباكستانية بالضلوع بتدريب و تسهيل عمل المجموعة الإرهابية التي نفّذت الحادث الذي كان أيضاً أرهابيوها من الباكستانيين؟

فحسب ما أشار قائد القوّة البرية لحرس الثورة الإسلامية العميد محمّد باكبور إلى أن الإعتداء الإرهابي الأخير في منطقة سيستان وبلوشستان لم يكن عملاً نوعياً، بل هو عبارة عن حركة عشوائية تمثّلت بتفجير سيارة مفخّخة في طريق الترانزيت. الأمر الذي يشي بأن الهدف كان إحداث عمل أمني يوقع أكبر قدر ممكن من الضحايا، من دون وجود أهداف أمنية وعسكرية مباشرة مرتبطة بهذه العملية.

لذلك الرد الأهم والأدق إستراتيجياً قد تمّ بالفعل، على لسان نائب قائد حرس الثورة الإسلامية في إيران العميد حسين سلامي، الذي قال "إن المواجهة الحقيقية لإيران هي مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي". فحقيقة الأهداف وراء هذه العملية لم تخف على صُنّاع القرار الإيراني و قيادته، إن أهم ما يُرجى من هذه الإستفزازت على الصعيد الإستراتيجي هو زجّ إيران بحرب إستنزاف مع السعودية ، بتجترار وقائع الحرب التي قادها "صدّام حسين" بدعم دول الخليج و النظام الأميركي كما دأب النظام الأميركي ومن معه بمحاولات متكرّرة لتحقيق ذلك، على الصعيد الأمني تارة و على صعيد إثارة النعرات الطائفية تارة أخرى التي كان إعدام الشهيد الشيخ النمر أحد فصولها.

أما بالنسبة إلى الرد التكتيكي فهناك بُؤر صراع تستطيع إيران الردّ بها على هذه الإستفزازات من إدلب، مروراً بشرق الفرات نزولاً إلى اليمن ، كما أن ردها داخل بلوشستان غير مستبعد ولا أعتقد بأن الحكومة الباكستانية ستعترض عليه ترويضاً للحركات الإنفصالية للقوميين البلوش الذين يُضمرون العداء لباكستان وإيران على حدٍ سواء، والذين يمتلكون الأذرع في بلوشستان جنوب أفغانستان أيضاً. فما صرّح به وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي فقط لتخفيف التصعيد الدبلوماسي للحيلولة دون تطوّر المشهد لأكثر من هذا سياسياً ، وبها أيضاً رسالة للداخل البلوشي أن علاقاتنا مع إيران غير مرتهنة بحوادث عرضية كهذه، وبها رسالة ثانية مهمة أيضاً وهي التعاون مع الجهاز الأمني و الدولة الباكستانية ستحميكم من مغبّة هجوم إيراني عليكم. أما حسب ما ذُكر نقلاً عن "مصدر مطّلع" داخل إيران بأن تعمد إلى إستهداف الأماكن التي لها علاقة مباشرة بالهجمات الإرهابية من مصارف أو فنادق في السعودية أو الإمارات، هذا أمر مخالف للمنطق وبعيد كل البعد عن سياسات إيران الأمنية  والعسكرية فبكل تأكيد أن طبيعة الرد لها ضوابط وحدود ضمن قواعد إشتباك تضمن عدم خوض حرب مع أي طرف يتصرّف كوكيل عن النظام الأميركي كان هذا الطرف عربياً أو غير عربي.

أما الحقيقة الكاملة خصوصاً في ما يخص تعاون جهاز الإستخبارات الباكستاني مع جهازيّ النظام السعودي والإماراتي لتنفيذ التفجيرات الإرهابية فهو على عكس ما قيل في بعض التحليلات من أن هناك دوراً جديداً تلعبه الإستخبارات الباكستانية.

منذ حوالى العشر سنوات، أهداني زميل بريطاني كتاباً جلبه معه من بلده يحوي مذكرات "كيلي جونسون" رئيس عمليات ما يُعرف بـ (Skunk Works) أو ما يُعرف أيضاً بالمنطقة الواحدة و الخمسين (Area 51) وبهذه المذكرات، التي تحوى كواليس سباق التسلح العسكري وعمليات جهاز الإستخبارات الدفاعية (الإستخبارات العسكرية عندنا) بين الإتحاد السوفياتي  والنظام الأميركي وما رافقها من سباق علمي على تصنيع السلاح وخصوصاً الرادارات و عمليات التجسّس الجوية ، أكّد في معرض مذكراتة أن باكستان و تركيا كانتا قاعدتين أساسيتين لعمليات التجسّس الجوية التي تقودها الإستخبارات المركزية الأميركية بالتعاون مع الإستخبارات الدفاعية وبعض المنتخبين من سلاح الجو. فالتعاون والتشارك موجودان بشكل عملي وقيد أجندة متفق عليها من بدايات الحرب الباردة ، وهي ليست وليدة اللحظة أو من زمن قريب كما أن واجهة التعاون من الممكن أن تكون الإستخبارات السعودية و الإماراتية وهي بكل تأكيد بإيعاز من الإستخبارات الأميركية لأنها الوحيدة التي لها مصلحة بإستغلال الصراع القومي الموجود في هذه المنطقة الإستراتيجية الغنية بالموارد الطبيعية مثل الغاز الطبيعي، النفط، الفحم، النحاس، الكبريت، الفلورايد والذهب إقتصادياً، كما أنها في موقع مهم عسكرياً  وأمنياً لإيران و باكستان وعلى حدود أفغانستان الذي يجعل هذه المنطقة رخوة أمنياً ويمكن إستغلالها حسب "أطلس الصراعات العرقية"، الذخر الإستراتيجي الحقيقي للنظام الأميركي لحروبها بالوكالة. وهو الأمر الذي لا يخفى على متابع ولا يخفى على صنّاع القرار الإيراني.

ختاماً، الرد الإيراني سوف يعالج كل ما ذُكر أمنياً ولمصلحة إيران و باكستان و سيكون أساسه ما قال نائب قائد حرس الثورة الإسلامية العميد حسين سلامي "إن المواجهة الحقيقية لإيران هي مع الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي". فإيران دولة تستطيع التخطيط، ولها جرأة التنفيذ ولكن لن تستبدل النتائج التكتيكية الآنية بالخطة الإستراتيجية العظمى بإستفزازات من هذا النوع.