العراق ولعبة المحاور الأميركية

هناك الكثير من الأسئلة تُخيّم حول موقف العراق من تلك التغيّرات والتطوّرات الإقليمية، ليبدو صانع القرار العراقي في حيرة من أمره، حيث أن الرفض الشعبي للوجود الأميركي في العراق، وما يسبّب هذا التواجد من تدخّلات ولها علاقة مباشرة بالتأثير على مواقف العراق، فضلاً عن المشاكل الاقتصادية المرتبطة بحال عدم الاستقرار السياسي.

العراق ولعبة المحاور الأميركية.

في إطار السياسية الأميركية الرامية إلى إحداث تصدّعات في طبيعة التحالفات القائمة بين دول الإقليم، وإجبارها على الاصطفاف ضمن محاور، وذلك بناءً على القاعدة الأميركية التي تقول" مَن لم يكن معنا فهو ضدنا"، يجد العراق نفسه في قلب صراع المحاور الإقليمية والدولية، حيث أن لعبة المحاور هي سياسة اعتمدتها الإدارة الأميركية لإجبار دول العالم على الانجرار إليها والخوض في غمار جزئيّاتها، وهذا يأتي بطبيعة الحال، ضمن إطار التطوّرات الاقليمية والدولية، والتحوّلات السياسية وتداعياتها على طبيعة التحالفات القائمة أساساً بين دول المنطقة، إضافة إلى جُملةٍ من المتغيّرات التي طرأت على المستويين السياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي فرض ثوابت على بعض دول الإقليم تُجاه طريقة التعاطي مع المستجدّات الطارئة التي عصفت في المنطقة، ضمن هذا المشهد، يبدو أن العراق سيكون محور الصراع الإقليمي – الدولي القادم، فما بين واشنطن وحلفائها في المنطقة، وبين إيران وسوريا اللتين تربطهما بالعراق جغرافية تكاد تكون واحدة، هناك بيئة خصبة لنمو تجاذبات اقليمية ودولية على أرض العراق، خاصة مع حال عدم الاستقرار السياسي، التي لا تزال مشهداً ثابتاً في يوميات العراق السياسية.
بناءً على التطوّرات المُتسارِعة التي شهدتها المنطقة مؤخراً، والتي جاءت كنتيجة للمتغيّرات التي شهدها الشأن السوري، ومواقف دول المنطقة من الحرب على سوريا، فضلاً عن تداعيات الانسحاب الأميركي، ونقل القوات الأميركية من سوريا، وإعادة انتشارها في العراق، إضافة إلى تحرّكات وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وجولته الشرق أوسطية، وما تمخّض عنها من نتائج مُعلنَة وغير مُعلنَة، هناك الكثير من الأسئلة تُخيّم حول موقف العراق من تلك التغيّرات والتطوّرات الإقليمية، ليبدو صانع القرار العراقي في حيرة من أمره، حيث أن الرفض الشعبي للوجود الأميركي في العراق، وما يسبّب هذا التواجد من تدخّلات ولها علاقة مباشرة بالتأثير على مواقف العراق، فضلاً عن المشاكل الاقتصادية المرتبطة بحال عدم الاستقرار السياسي، والتي كانت ولا زالت الشغل الشاغِل للعراقيين، تضعه ضمن خيارات معقدّة ومُتشابكة، لكن الثابت لدى غالبية أطياف الشعب العراقي، هو العمل على إخراج القوات الأميركية من الجغرافية العراقية، والرفض أن يكون العراق مُنطلقاً لأيّ عدوان على دول الجوار، لتأتي بعد ذلك جُملة الحلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتداعيات محاربة الإرهاب، حيث أن الوجود الأميركي يُعتبر عامل تهديدٍ مباشر للسيادة العراقية، وذلك بالتوازي مع البحث الأميركي المستمر لتفعيل عوامل ضغط تُجاه دول الجوار العراقي.
عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سوريا، وقوله صراحة" نريد إبقاء قواتنا في العراق لمراقبة إيران"، أصبح هناك إجماع من قِبَل جميع القوى العراقية على إخراج القوات الأميركية من العراق وإنهاء وجودها في البلاد، وهذا يطرح تحديات جمّة مرتبطة بالاتفاقية الأمنية العراقية ـ الأميركية، المعروفة بإسم "صوفا"، وأيضاً إلغاء القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي المُبرَمة بين بغداد وواشنطن، ومن خلال البحث في ردود الأفعال بين الكتل السياسية العراقية داخل البرلمان العراقي، اتفقت أكبر كتلتين في البرلمان العراقي واللتان تشكّلان الأكثرية البرلمانية على إخراج القوات الأجنبية، فقد اتفق تحالف "فتح" برئاسة هادي العامري، وتحالف "سائرون" بقيادة مقتدى الصدر، على إخراج القوات الأميركية من العراق، إضافة إلى أن جميع الكتل السياسية رافِضة للوجود الأميركي غير الشرعي وعازمة على إقرار قانون إخراج القوات الأجنبية من البلاد وعدم انتهاك السيادة العراقية.
ضمن الوضع الجديد الذي سيكون ذا صبغة توافقية سياسية عراقية، سنشهد تحوّلاً مفصلياً في تاريخ العراق السياسي في حال تم إقرار هذا القانون، لكن في المقابل هل ينجح العراق بالتملّص من سياسة المحاور التي فرضتها واشنطن في المنطقة؟، فبحكم فرضيات الواقعية السياسية، ستكون مسؤولية صعبة للغاية على رئيس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي"، بصفته الزعيم السياسي الذي تحدّث مراراً عن بقاء القوات الأميركية في العراق لفترة محدودة، هو المسؤول حالياً عن المطالبة بطرد جميع القوات العسكرية الأجنبية، لاسيما الأميركية من الأراضي العراقية.
الإعلان الأميركي عن إبقاء القوات الأميركية في العراق لمراقبة إيران، وإبقاء تأثيرات الاستراتيجية الأميركية التي تُشكل عامل ضغط على الإقليم، شكّل في جزئياته استهدافاً مباشراً لسيادة العراق، وتفكيكاً واضحاً لطبيعة التحالفات التي اتخذها العراق ضمن سياسة المحاور، فالإعلان الأميركي سيؤدّي ضمن مسار سياسي وربما عسكري، إلى العمل على تهيئة الظروف لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق، والذي بات ضرورة من أجل وضع حدٍ للنفوذ الأميركي وتأثيراته المباشرة على تحالفات العراق، يُضاف إلى ذلك، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقوم بتوجيه إهانات متعمّدة للعراق والعراقيين، وقد بدا ذلك واضحاً إبان الزيارة السرّية التي قام بها ترامب لقاعدة "عين الأسد"، وبالتالي فَسّر الساسة العراقيون بأن هذه الخطوة ما هي إلا ترجمة حقيقية لنوايا واشنطن تُجاه العراق، والسعي الأميركي للزجّ بالعراق ضمن سياسية المحاور الأميركية، والتي ستؤثّر حتماً على مستقبل العراق السياسي، إضافة إلى وضع إسفين في تحالف العراق مع سوريا وإيران.
في المُحصّلة، لا شك بأن مكانة العراق الاستراتيجية والاقليمية تضعه ضمن قائمة الأهداف الأميركية، وبالتالي فإن التوجّهات الواضحة للإدارة الأميركية تسعى جاهدة للسيطرة على مفاصل العراق السياسية والعسكرية، بُغية العبَث بأمن دول الجوار، لكن في المقابل، وبالنظر إلى عاملين أساسيين أحدهما طبيعة علاقات العراق مع سوريا وإيران، والتحالفات الاقتصادية في ما بينهم، فضلاً عن الترابط الاستراتيجي والانخراط في حلف مقاوِم، والآخر وحدة الرؤى العراقية بإخراج القوات الأميركية وإحباط خططها المستقبلية، هما عاملان سيجعلان من مهمة واشنطن إقصاء العراق من محوره المقاوِم غاية في الصعوبة.