عبد المهدي بين الفتح وسائرون
إن الظروف السياسية الراهنة وطبيعة التحالفات بتراكيبها المعقّدة وما أفرزته العملية الانتخابية من نتائج مُتقارِبة بين الكتل الكبيرة المُتنافسة، أدت بالنتيجة إلى خلق فجوة واضحة بين ما نصّ عليه الدستور العراقي في المادة ( 76_أولاً) وما بين إرادة الكتل السياسية وتوافقاتها المقيتة بشأن الآليات المُتّخذة لتشكيل الحكومة بعد تعسّر الإعلان عن الكتلة البرلمانية الأكثر عدداً، ما أسهم بخلق حكومة ضعيفة هزيلة بأسسٍ رملية لا تقوى على مُقارعة رياح التحديات العاتية.
لم تنفك الكتل السياسية وعلى وجه الخصوص الكبيرة منها منذ تكليف عبد المهدي برئاسة الحكومة وحتى اللحظة عن تبجّحها بالانصياع التام لإرادة الواقع ومتطلبات المرحلة، بإطلاق يد رئيس الحكومة في اختيار كابينته الوزارية بكل أريحية، وإتمام برنامجه الحكومي وفق رؤيته الخاصة.. إلا أن هذا الادّعاء لا يعدو عن كونه تصنّعاً ومحاولة يائسة للتناغُم ووتيرة الامتعاض الجماهيري الشديد تجاه الطبقة السياسية الحاكمة، نتيجة للتراجُع الكبير الذي يشهده العراق على كافة المستويات والأصعدة وامتصاص الانزعاج والتوتّر الشعبي وإيهامهم بزهد المناصب والتخلي عن الاستحقاقات الانتخابية، لأجل النهوض بواقع البلد وتقويم اعوجاجه، في حين أن الكتل السياسية ذاتها التي طالما صدّعت رؤوسنا بتخليها عن المناصب وزهدها في المكاسب، تجدها اليوم تقف حجرة عثرة أمام إكمال تشكيل الحكومة وإتمام كابينتها الوزارية، فعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة أشهر على تكليف عبد المهدي برئاسة الوزراء وحكومته لا تزال عرجاء تعاني الأمرّين، نتيجة للصراع الحاصل في ما بين الكتل السياسية وعلى رأسها الفتح وسائرون.
ما كان على رئيس الوزراء أن يتّخذ موقف الحياد والوقوف على التل مُترقّباً مُنتظراً حسم النزاع الدائر بين الكتل السياسية حول المناصب الوزارية، من دون أن يكون له موقف جاد وصريح وحازِم حيال ما يجري من صراع ومساومات كتلويه، تسبّبت بتعطيل كابينته الوزارية طيلة الأشهر السبعة الفائتة، وأن يكون أكثر صراحة ووضوحاً في تحديد الأسباب ومُحاصرتها وإعلانها في مؤتمراته الصحفية الأسبوعية، وإلزام المُتخاصمين وإحراجهم بسقفٍ زمني مُحدَّد غير قابل للتمديد لحسم مواقفهم والإتيان بمرشّحيهم كفرصةٍ أخيرةٍ لفضّ النزاع، وفي حال تعذّره ليس أمامه إلا الذهاب نحو خيارين إثنين فقط؛ إما الاتجاه نحو إدارة الوزارة الشاغِرة بالوكالة، أو اختياره المرشّحين بنفسه حسب معيار المهنية والكفاءة بعيداً عن الأمزجة السياسية والانتماءات الحزبية.. إلا أن هذا الخيار يتطلّب حنكة سياسية بالغة ودراية عالية لتمريره في وسط سياسي عالي التوتّر بمركباته غير المُتجانسة، وذلك من خلال سياسة الاحتواء والاتكاء على الكتل المعتدلة والمُتّزنة في البرلمان بعد إنصافهم وتبديد شعورهم بالتهميش والإقصاء، وإعادة ترتيب خارطة التحالفات السياسية من جديد، ما سيُفضي بطبيعة الحال إلى إحداثِ توازنٍ نوعي في قبّة البرلمان يوازي بحجمه الكتل الأخرى المُتناحِرة...