وثيقة جنيف 2003 تؤسِّس لصفقة ترامب
من يتذكَّر وثيقة جنيف 2003 ويقارنها بما أُعلن عنه في ما يعرف بـ"صفقة القرن" 2020، لا يجد فوارق تُذكر، ويصبح من السهل القول إنّ الصّفقة امتداد للوثيقة، ما يضع أوساطاً عديدة تعلن معارضتها لصفقة ترامب في موقع محرج أو متناقض على أقلّ تقدير.
حتى لا يتَّهمنا أحد بتخريب ما يسمى بالوحدة الوطنيّة التي أُعلن عنها وانهارت مراراً وتكراراً، فما من وحدة بين خطّ القتال والمقاومة وخط الأوهام والتسويات.
في ما يلي تفاصيل التفاصيل عن وثيقة جنيف 2003 ومحطّاتها وأبرز موقّعيها. وما على أيّ باحث أو قارئ سوى مقارنتها بـ"صفقة القرن"، التي قلنا، ولا نزال، إنها ليست مشروع مبادرة أو اتفاقية، بل استراتيجية عمل ومسارات متعددة، ترافقت مع اتفاقية أوسلو ومعاهدة وادي عربة.
وترجمات ذلك في حقول سياسية واقتصادية وأمنية، عنوانها العام إعادة هيكلة ما تبقى من الضفة الغربية والأردن، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وجغرافياً، وتوفير البنى والشروط الموضوعية للتصفية النهائية الميدانية للقضية الفلسطينية.
على امتداد العام 2003، جرت سلسلة من المداولات واللقاءات بين مسؤولين من الكيان الصهيوني ومسؤولين فلسطينيين وأردنيين. وكان من أبرز المشاركين من الكيان الصهيوني، يوسي بيلين والروائي عاموس عوز، في مقابل شخصيات فلسطينية وأردنية، في مقدمتهم عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه.
لم تقتصر هذه المداولات على جنيف، بل امتدَّت إلى البحر الميت وفنادقه المفضّلة لمثل هذه الخلوات، بحسب ملاحظة الروائي عوز، الذي حاول، كما فعلت ابنة موشي ديان، تعميم التطبيع من خلال الأدب.
وبحسب جريدة "الوحدة" الأردنية الدورية (العدد 110 تشرين الثاني/نوفمبر 2003)، فقد أعرب مروان المعشر، وزير الخارجية الأردنية آنذاك، وأول سفير للأردن في تل أبيب، عن تقدير بلاده لهذه اللقاءات.
أما أبرز البنود التي تضمَّنتها الخطة، وفق الجريدة الأردنية المذكورة (العدد 111 بتاريخ كانون أول/ديسمبر 203، والعدد 120 بتاريخ أيار/مايو 2004)، فهي:
1- دولة فلسطينية منزوعة السلاح، بحيث ترتبط الضفة مع قطاع غزة بممرّ تحت الحماية الإسرائيلية.
ففي المادة 3 من الوثيقة، تعترف "إسرائيل" بدولة فلسطين فور قيامها، كما تعترف الأخيرة بـ"إسرائيل" فوراً، وتكون دولة فلسطين المذكورة دولةً منزوعة السلاح، مع سيطرة برية وبحرية وجوية إسرائيلية تشمل الممر المذكور.
وينصّ البند 4 من المادة 7 على ما يلي:
أ- دولة فلسطين بموجب البند 1.
ب- المناطق في "إسرائيل" التي يتم نقلها إلى فلسطين من خلال تبادل الأراضي (المثلث).
ج- دولة ثالثة.
د- دولة "إسرائيل".
هـ - الدول المضيفة.
كما ستشكّل مفوضيّة دولية جديدة لتنفيذ البند "ج".
أما البند "د"، فسيظلّ خاضعاً لما يُسمى بالقرار السيادي الإسرائيلي.
2- تعترف الدولة الفلسطينية بيهودية الدولة وبالمستوطنات اليهودية التي أُقيمت حول القدس.
3- بالنسبة إلى قضية اللاجئين (المادة 7 من الوثيقة)، يُنسف حقّ اللاجئين في العودة تماماً من خلال ما يلي:
أ- يكتسب بند التعويض الأهمية الأولى في هذه المادة، إذ يؤكّد حق اللاجئين في الحصول على تعويض عن لجوئهم وفقدانهم للممتلكات، كما يقرّ الطرفان بحقّ الدّول التي استضافت اللاجئين في الحصول على تعويض مزدوج للأفراد والدول.
ب- سيكون الخيار (5) خاضعاً للقرار الخاصّ بالدول المضيفة. وسيتمّ ذلك في سياق تنفيذ مشاريع لإعادة تأهيل مكثّفة لتجمعات اللاجئين، وتُعطى الأولوية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
4- تبقي "إسرائيل" وجوداً عسكرياً في غور الأردن، ولا تمانع بإشراك قوى متعدّدة الجنسيّة.
5- تُستخدم تعابير، مثل جبل الهيكل، ما يضفي "شرعيةً" على المزاعم اليهوديّة في القدس.
6- تلزم الوثيقة الطرف الفلسطيني بالعمل على استصدار قرار من الأمم المتحدة يلغي كلّ قرارات الأمم المتحدة السابقة المتعلّقة بحقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها حقّ العودة.
7- تعتمد النسخة الإنجليزيّة من الوثيقة.
في المحصّلة، إنَّ القاسم المشترك الأعظم بين وثيقة جنيف ومداولات البحر الميت 2003 و"صفقة القرن" 2020، هو إطلاق العدّ العكسيّ لتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، واستبدال التناقض الرئيسي التناحريّ مع العدوّ الصهيوني، ليتشكّل تناقض ثانويّ وهميّ مع إيران بديلاً منه، وبناء جبهة رجعية صهيونيّة (شرقية) بديلاً من الجبهة الحقيقية للصراع العربي الصهيوني.
كما يلاحظ أيضاً إغلاق كلّ ملفات الحلّ النهائيّ لصالح العدو، وخصوصاً حقّ العودة والقدس وأراضي غور الأردن وما يعرف بالمنطقة "ج".