كيفورك مراد يستجمع ذكريات الوطن السوري

عناصر معرض السوري كيفورك مراد، مروحة واسعة من الأشياء والصور الواقعية، الحقيقية التي تتصل بفكرة الهجرة، كالزورق، والحنين.

  • كيفورك مراد
    كيفورك مراد

تحت وطأة الغزوات الدائمة والحروب المتتالية التي عاشها المشرق العربي لآلاف السنين الخالية، ولا يزال، سكنت الهجرة في إنسان هذا المشرق، وأصبحت خليّةً وراثيّةً من خلاياه. لا يستطيع إنسان في المشرق العربي نسيان تاريخ أجداده المستوطن في ذاكرته وهم يحملون حقائبهم ويرحلون بحثاً عن أمان وسلام.

منهم من لا يعود وإذا عاد مرة أو أكثر، أحيت العودة ذاكرته، وأعادتها مفعمة بالحنين، والشوق الذي لا ينتهي ولا تنفصل عنه طوال حياته.

يتفاعل كلّ إنسان مع تاريخ هجرته بطريقة خاصة، فمنهم من أسس مجلات ودوريات حمّلها ذكرياته، وكلّ ما خلّفه وراءه من أشياء وصور، ومنهم من بعث رسائل الدفء المتشوّقة للعودة، يضمّنها شجون هجرته، ومنهم من رسمها كمن يحمل أمتعته، ويحشوها في محافظِهِ قدر ما طالت يده لأنه يريد أن يظلّ موطنه معه، طالما لم يعد قادراً على البقاء فيه.

  • من معرض كيفورك مراد في
    من معرض كيفورك مراد في "تانيت"

من هؤلاء الأشخاص الفنان السوري، كيفورك مراد، الذي أراد أن يعيد تشكيل بلده في رحيله الطويل، فلملم أجزاءه، وعناصره، وصُوَر حياته، وحشرها في لوحات على طبقات، وفي بعض تجهيز، مؤلفاً مجموعة من الأعمال الفنية المختلفة الأحجام والألوان وأساليب التعبير ومكث في ضيافة غاليري "تانيت" في بيروت معرضاً حاملاً عنوان "وطن مُتَخَيَّل" أو "وطن خيالي" (Imaginary Homeland).

عناصر المعرض مروحة واسعة من الأشياء والصور الواقعية، الحقيقية التي تتصل بفكرة الهجرة، كالزورق، والحنين: كل ما يمت بصلة للذاكرة، من أشخاص، وأشياء، اضطر أن يكدّسها أشكالاً وألواناً فوق بعضها، طبقات طبقات لعل اللوحة تستطيع استيعاب كل الأفكار والأشياء التي أراد الاحتفاظ بها تخفيفاً عن نفسه وطأة الرحيل والانسلاخ.

بعض الأعمال ازدحمت فيها تخيّلات مؤثّرة منها زراعة بلاده، وجنى عرق أهلها، وقُدِّمت هذه الأعمال في سلسلة من 24 لوحة صغيرة ملوّنة تعكس شعور علاقة الإنسان بالأرض، تُكرم في جانب منها دورات الحصاد، والجنى، مُظهرةً كيف تُلهم الأرض الفنان، وكيف يساعدها الإنسان على الازدهار، واكتملت بلوحتين كبيرتين تحت عنوان: زمن الحصاد.

القطن والكتان من أهم زراعات بلده، فكانت مادة الصور من الأكريليك على القطن أو الكتان، أو زيتيات مزدانة بألوان زاهية. 

وتحضر العمارة الحلبية في أعمال مراد، لتعرّف بها، وفي ثناياها علامات البلى والجهد والحنان، وإعادة تخيّل منازل الطفولة التي هُجرت أو حُوّلت. أشكال أبنية مستوحاة من المباني التاريخية في حلب، رموز لما يدوم: دفء المطبخ، وانسياب الخط القديم، وراحة تهويدة (Lullaby) عفا عنها الزمن. 

بعض الأعمال مستمدة من قصة أسطورية لقديس عاش يوماً ما على قمة عمود قرب حلب، يُعتبر مجنوناً في حياته وقديساً في مماته، ويُعرف بالتراث المسيحي بالقديس سمعان الذي أصبح عموده مزاراً كما في كلّ الأمكنة الأخرى المماثلة، وجد الفنان فيه رمزاً للصمود والطقوس والإيمان.

من جهة أخرى، يُوسّع عملان تركيبيان رئيسيان نطاق المعرض: أحدهما يُكرّم المهاجرين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط بحثاً عن الأمان، والآخر يتأمّل في نشأة اللغة والثقافة – فالفن، بنظر مراد، يتحمّل مسؤولية توثيق الزمن - حتى تتمكّن الأجيال القادمة من فهم معنى العيش والحلم والصمود. 

  • من أعمال كيفورك مراد
    من أعمال كيفورك مراد

ترافق المعرض مع عرض سمعي بصري من 20 دقيقة، وضعه مراد بالتعاون مع الموسيقي كِنان عظمة، تضمّن تجلّيات انطباعية عما يعرف بـــ "الثورة السورية" وتداعياتها، فيما يعتبرانه توثيقاً لبعض عناصر التاريخ السوري الحديث، وانعكاسه في عواطفهما بطريقة شبه تجريدية. 

يذكر أنّ كيفورك مراد من مواليد القامشلي ويقيم حالياً في نيويورك. هو رسام وفنان فيديو، عُرضت أعماله المتحرّكة والبصرية الحيّة في أنحاء عديدة من العالم، خصوصاً الولايات المتحدة ودول أوروبية.

أعماله الفنية موجودة ضمن المجموعة الدائمة لمعهد العالم العربي في باريس، ومتحف سبورلوك.

له عمل ضخم بعنوان "رؤية عبر بابل"، انضمّ إلى المجموعة الدائمة لمتحف الآغا خان في تورنتو عام 2023. 

  • من أعمال كيفورك مراد
    من أعمال كيفورك مراد

كما حاز جائزة مؤسسة روبرت بوش عام 2016، وأنتج الفيلم القصير "أربعة فصول من أجل سوريا". وهو عضو في فرقة طريق الحرير منذ عقدين. 

عرضت أعماله في الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، بما في ذلك معرض جمعية آسيا الثلاثي عام 2020، ومتحف سبورلوك، إلينوي (2020)، ومعرض باريس للفنون (2019)، ومتحف روز للفنون، بوسطن (2017)، ومعرض كلود ليمان، باريس (2016)، ومعرض كوتشلينج في برلين (2019)، ومساحة طبري للفنون، دبي (2019).

اخترنا لك