نيفين بويز تستكشف تشكّل الأرض تحت الماء
تحاول بويز الغوص في عالم الطين حيث يستوطن في الفكر البشري هاجس من الطين وللطين يعود العالم بمخلوقاته، ويوم وُلِد آدم وحوّاء من الطين.
70 خزفية من السيراميك تعرضها الفنانة اللبنانية نيفين بويز في "غاليري تانيت" ببيروت، في محاولة بحث عن سرّ تشكّل الأرض، ووجهتها البحث عن الجواب تحت الماء.
تنطلق بويز من فرضية أن العالم ظل مُغطّىً بالمياه ملايين السنين قبل أن تبدأ اليابسة بالظهور فوق سطحه. لذلك آثرت أن تعطي عنواناً لأعمالها "تحت الماء تشكّلت الأرض" (Under Water the Earth Takes Shape).
قطاع الطين والفخار والسيراميك مترامي الاتساع، ومتعددّ الاتجاه، ومع بويز، محاولة لتشكيل الطين بالتفاعل مع الذات عبر اليد والأصابع؛ محاولة تلمّس إمكانية اكتشاف العالم بالماديّ الملموس، وفي الوقت عينه، تلمّس معنى الخلق، والإبداع بعيداً من التقنيّات الحديثة.
تحاول بويز الغوص في عالم الطين حيث يستوطن في الفكر البشري هاجس من الطين وللطين يعود العالم بمخلوقاته، ويوم وُلِد آدم وحوّاء من الطين.
تمزج بويز بين توقها إلى الإبداع باليد التي تعجن الطين، وتعطيه المعاني التي تراودها، وتطبخه ليخرج من بين يديها قطعة فنية تحمل احتمالية الإجابة عن هاجس التساؤل إن كان العالم تشكّل تحت المياه.
تتجلى معاني التساؤل في تصنيع الفخار والسيراميك بأشكال على صلة بالبحار وقعر المحيطات، مربوطة بعوالم البحر الشاسعة واللامتناهية العناصر والأشكال، الكبير منها والصغير. عالم تحت الماء وفيه النبات والحيوان والصدفيّات، مثله مثل مكوّنات سطح الأرض، وتصنيف عناصرها ولو تغيّرت الأشكال بين المَدَيَيْن.
في أعمال بويز أشكال كثيرة وأحجام متفاوتة تتماثل مع التنوّع الهائل في الطبيعة والنظام البيئيّ، وتُوَفِّق فيه بين الرائج، العاديّ من عناصر الحياة، وتَخَيُّل التكوين المائي. من أعمالها، وعاء كإسفنجة يحصدها الصيادون في الأعماق، منخورة بثقوب متفاوتة الاتساع، لكنها قد تشكّل صحن ضيافة، أو حاجة إلى الحياة العامة، وهذا الوعاء المنخور بكثرة، يحمل معنَيَيْن، التكوّن البحري، والغرض الضروري للاستعمال اليومي في الحياة، كأنها تربط بين الانسان وبداياته، وبينه وبين اللانهاية.
بعض المعروضات متطاولة بتباسق، وبعضها عَرْضيّ، وكثيرة منها صغيرة الحجم، كالأصداف الصغيرة، وأخرى أصداف كبيرة، لؤلؤية السطح، بُنيّة الظهر.
الأشكال في تنوّع كبير، والألوان متنوّعة في نطاق لا يُبعِدها كثيراً عن معنى البحار، والمياه التي منها انبعثت الحياة.
من يشاهد المعرض يرى أن هذا الشكل من الفن يخبر ببلاغة قصّة العالم أفضل بكثير من أي شخص آخر، وإن مشاهداته هي وسائل حقيقية، ووسط يمكن أن تُكْتَشف عبره الحقائق الملموسة للمادة، وعناصرها.
فنّ بويز يوحي بأنها تسلّحت بلغات فنيّة متعدّدة، وأن بإمكانها ضبط تقنيات الأشياء المتعلقة بوسطها المفضل "السيراميك" كفنٍّ للأرض والنار، عبر التشكيل والتجفيف والصقل وآخر المسار الطبخ.
كتبت الناقدة الفنية كليمانس كوتار هاشم أن "أعمال الفنانة بويز تثير التساؤل حول أعجوبة الحياة، وتدعونا إلى التفكير فيها، في كلّها المتكامل، التراجيدي منها، والرائع، والمثير للاهتمام، وفوق ذلك كله، تشجّعنا للتنصّت باهتمام، وتحسّسٍ للنبوءات الكامنة في الماء"، مضيفةً "تُشْعِرنا أيضاً بسرعة عطب كوكبنا، وأنظمته البيئية، ما يوقظ الحاجة إلى مواجهة الأزمة البيئية المهدّدة بحسّ اللامسؤولية العالمي الكارثي، "آملةً أن "يتسلّح العالم بالوعي حفاظاً على ما تبقى من جمالات الأرض".
إثر تخرجها حاملة درجة الماسترز في الفنون الجميلة من "مدرسة أوكسفورد للتصميم"، دخلت نيفين بويز في مروحة واسعة من الوسائط الفنيّة مع مرور السنوات على تخرجها، وانطلقت رحلتها الفنية من الرسم، فالحفر (etching)، والتصميم الداخلي، وتصميم البورسلان الدقيق، بلوغاً إلى توقها لتصنيع السيراميك باليد حيث ظلّت تجاهد لتعبر عن قدرة تحويل الأرض الأم، وكذلك الطبيعة البشرية.
في عام 2017، نالت بويز جائزة خيار الجمهور في صالون الخريف في "متحف سرسق للفنون المعاصرة" في بيروت، وذلك على نُصبين ضخمين عاليين لها من السيراميك.
وفي عام 2018، عرض "غاليري ربيز" في بيروت نصوبها السيراميك، وأعمالاً مُعلّقة لها على الجدران في معرض إفرادي بعنوان "أصداء الأرض"، إضافة إلى معرض أبو ظبي الفنيّ. وشاركت في معرض التصميم في بيروت عارضة فيه سلسلة من أعمالها المعنونة "من الوحل إلى الذهب" عام 2018 و"طربوش" عام 2019.
قدّمت بويز عدداً من أعمالها إلى مؤسسات خيرية واجتماعية وفنية لبنانية وعالمية، ومنها ما كان لمصلحة لبنان. تُعْرَض ابتكاراتها في عواصم عالميّة مثل لندن، والقاهرة، ودبي، وباريس، وبيروت، ونيويورك، وسواها.