يقظتان ومصيران: نهضة أوروبا ونهضة العرب
هل ترتبط الثورات بالنظريات السياسية؟ وكيف يمكن قراءة ثورتي محمد علي في مصر وأحمد باي في تونس، وتنظير الطهطاوي وخير الدين التونسي لهما؟
تعني كلمة "النهضة" في اللغة انبعاثاً ويقظة من سبات تاريخي. إنها ولادة جديدة في أصلها اللاتيني (renaissance). فاللفظة اللاتينية natus تعني ولادة نور الحياة، والبادئة re تفيد الإعادة والعودة إلى حالة سابقة (1)، لكن من دون تكرار أو تقليد، بل بابتكار وتجديد.
أما "النهضة" أوروبياً فتعني العودة إلى التقاليد العقلية النقدية اليونانية والرومانية التي وأدتها عصور الظلام (2)، وهي تندرج ضمن تحقيب العصور: ظلام، نهضة، أنوار، حداثة، ما بعد حداثة إلخ.. حيث نلاحظ اختلاف مجالات ذلك التحقيب. ذلك أنّ لكلّ عصر سماته ومجالاته ومقاييسه، وبالتالي محدّداته، ومن ثمّ تنوّع العلوم التي تدرس هذه أو تلك من المـراحل. وغني عن البيان أنّ هذا الجنس من التحقيب ليس الوحيد، إنما هناك أجناس أخرى أيضاً.
و"النهضة" كذلك مفهوم فلسفي من حيث الدلالة على العقل والنقد والتحرّر والحرية. إنها حدث وحدوث بالمعنيين النظري والعملي، لذلك يتشابك في نحت معالمها الاقتصاد والسياسة والثقافة والعلم والفلسفة والفنون والآداب، وهو ما يعني الجدّة والإبداع والقطيعة مع ماضٍ مُكرّر قديم وتقليدي، ولكي ينهض شعب/أمة، يجب أن تتوفّر له أسباب نهوضه، ويحدث هذا في زمان ومكان محدّدين، أي ضمن التاريخ ومن خلاله.
وإذا كانت الفلسفة تنظر في سائر المعارف مُخضعة إياها إلى التحليل والنقد ولا تستثني ذاتها من ذلك، فهي تعود على ذاتها تحليلاً ونقداً، وهذه سمة من سمات الفكر النهضوي أيضاً. إذ لا نهضة من دون امتلاك هذه القدرة، أي إنّ الفكر النهضوي معنيّ بفحص ذاته في كل حين لكي يتجدّد، ولا يمكنه القيام بذلك إذا لم يكن فلسفياً بهذا القدر أو ذاك. لا نهضة من دون فلسفة.
من هنا فإنّ النهضة تفترض نقد المفاهيم والمصطلحات والأطروحات التقليدية الرائجة وتأسيس أخرى مكانها، والغاية هي فتح السبيل أمام تحرير العقل بالعقل نفسه. فالعقل يعود على نفسه محطّماً أغلاله، وهذا ينعكس على المجتمع الذي كان في الأصل منبع ذلك المطلب، ومن هنا تلك العلاقة الديالكتيكية بين النهضة والمجتمع الذي ولد وتترعرع فيه.
عادة، يُؤرخ أوروبياً للنهضة بما جرى فيها من حركة فكرية وأدبية وفنية وعلمية واقتصادية على مدى قرنين، هما القرنان الــ 15 والــ 16 من دون التغاضي عن بواكيرها التي هي أبعد من ذلك. ففي عمق ظلام العصور الوسطى كانت هناك ملامح نهضوية، كما هي الحال مع صاحب "الكوميديا الإلهية"، دانتي أليغييري، الذي عاش بين القرنين الــ 13 و الــ 14 (1265- 1321)، أي قبل ابن خلدون (1332 - 1406)، الذي لا تخفى ملامح الفكر النهضوي في ما كتبه.
وقد كانت مجالات النهضة متنوّعة. فعلى الصعيد الاقتصادي مثّلت بدايات تكوّن الاقتصاد الرأسمالي فتطوّرت المعاملات المالية والتجارة والحرف، أي أنها كانت بمثابة إعلان أوّلي عن موت الإقطاع اقتصادياً، حيث حلّ زمن المانيفاكتورة الرأسمالي محلّ زمن الإنتاج الاقطاعي وترك الريع العقاري شيئاً فشيئاً المجال أمام العمل المأجور.
وكانت الاكتشافات الكبرى ومنها اكتشاف القارة الأميركية من قبل كريستوف كولومبوس الذي اعتمد خرائط إيطالية لا تخفى صلتها بالجغرافي العربي الإدريسي (3)، الذي عاش ردحاً من حياته في صقلية قبل ذلك بــ 3 قرون في كنف الملك النورماني روجر الثاني، بعد انكفاء العرب إلى أفريقيا ومغادرتهم البرّ الإيطالي بعد حروب عاصفة وطاحنة.
ومن بين أعلام النهضة الفلسفية في أوروبا، البريطاني، فرانسيس بيكون، مؤسس المنهج التجريبي، والمتمرّد على المنطق الأرسطي، وكذلك بودان في فرنسا صاحب مفهوم السيادة، وفي ألمانيا التوسيوس صاحب السياسات، وفي الفنون الإيطاليون ليوناردو دا فنشي، ورافائيل، ومايكل إنجلو، وفي الأدب الهولندي إراسم، صاحب كتاب "مديح الحماقة"، الذي تضمّن نقداً حاداً للمؤسسة الكنسية، والبريطاني شكسبير، والإسباني سرفانتس، وفي علم الفلك البولوني كوبرنيكوس، الذي انتزع الأرض من ثباتها لتصبح كوكباً يدور حول نفسه وحول الشمس، موجّهاً أولى الطعنات لتمركز الإنسان حول ذاته وأوهامه عن الكون وموقعه فيه، وهو ما عبّر عنه عالم النفس سيغموند فرويد (4) ببراعة لاحقاً. فالنرجسية البشرية المجروحة غدت أضحوكة، وكان لا بدّ من الاعتراف بذلك على رؤوس الأشهاد والتخلّص من تعالٍ فقد مبرّرات وجوده.
أما في الفكر السياسي فكان الإنكليزي توماس مور، مؤسس الاشتراكية الخيالية، في كتابه "اليوتوبيا"، الذي قضى على يد الكنيسة وهُشّم جسده إرباً وقطع رأسه، وكامبنيلا الذي نحا المنحى اليوتوبي ذاته في إيطاليا، والإسباني بارتلومبة دو لاس كازاس الذي يعدّ أوّل من فضح الاستعمار الأوروبي للشعوب والأمم المضطهدة منادياً بتمكينها من حقوقها كاملة.
وفي الإصلاح الديني نجد جوردنو برونو الذي تمرّد على معتقدات الكنيسة وتقاليدها فأحرق حيّاً في روما، حيث الساحة التي يقوم فيها اليوم تمثاله، والألماني جوهانس غوتنبرغ مخترع آلة الطباعة منتصف القرن الــ 15، مما ساعد على انتشار القراءة والكتابة والترجمة والانبعاث الجديد للموروثين اليوناني والروماني في شتى الميادين، فضلاً عن ذلك كان استعمال اللغات المحكية بدلاً من اللاتينية، مما قرّب الأفكار النهضوية من عموم البشر في تلك القارة التي كانت تعيد اكتشاف نفسها بنفسها (5).
هذه النشأة الأوروبية للنهضة تفسّر بالتاريخ، أي أنها مرتبطة بمحدّدات موضوعية يتشابك فيها الاقتصادي والسياسي والمعرفي والعلمي، ولا علاقة لها بالمفاضلة بين الشعوب والأمم، فقد كانت حدثاً موضوعياً تهيّأت لأوروبا أسبابه، وكانت له بواكيره العربية.
وكان لذلك صداه ومفاعيله في أطراف الأرض المختلفة، ومن هنا كونيّته، ولم يحدث ذلك سلماً فقط بل حرباً أيضاً. فقد كان للغزوات الاستعمارية تأثيرها في هذا المجال من حيث الصدمات التي أحدثتها الجيوش الغازية، بنظمها وأفكارها وتقنياتها، لذلك هناك حديث عمّا فعلته حملة نابليون لاحقاً في مصر والمصريين بالنسبة إلى نشأة النهضة لدى العرب.
النهضة العربية
وإذا صحّ هذا أوروبياً فإنه لا يصحّ عربياً إلا جزئياً. فقد ظلت النهضة لدى العرب مُتسربلة بالميثولوجي، وفيّة للعثمانيين في جانب منها على الأقل، مما يعني استمرارية العصر الوسيط فيها وتعايشه معها. بل قد يكون ذلك العصر أرقى منها في بعض جوانبه التنويرية وبالأخص فلسفة وأدباً وسياسة، من حيث تملّك ناصية العقل وروح النقد والاستقلال السياسي (الكندي، إخوان الصفا، الفارابي، ابن رشد، المعري، الجاحظ، التوحيدي)، ولكن هذا لا يُنقص من قيمتها، فقد كانت لها هي الأخرى محدّداتها الموضوعية.
وقد راج التأريخ للنهضة عربياً بالصدمة التي أحدثتها الحملة الفرنسية على مصر، أي تلك العملية العسكرية الواسعة التي قادها نابليون بونابرت عام 1798، بعد نحو عقد فقط من اندلاع الثورة الفرنسية، في توسّع معلوم الأهداف من حيث خدمة الرأسمالية الفرنسية التي اجتازت بنجاح نهضتها وولجت حداثتها وأضحت عينها مشرئبه إلى الآفاق بحثاً عن الموارد والأسواق، في صراع مكشوف ليس فقط مع الشعوب النائمة على وسادة ماضيها التليد، وإنما أيضاً مع الإنكليز الذين سبقوها إلى الشرق المترامي الأطراف من بلاد العرب حتى الهند والصين، في الوقت الذي كانت فيه السيطرة العثمانية على البلاد العربية تتهاوى مقتربة من نهايتها بعد فقدان "الرجل المريض" كل أمل له في الحياة.
وبرغم أهمية تلك الصدمة فإنها لا تفسّر لوحدها نشأة النهضة عربياً. إذ يتوجّب أيضاً الالتفات إلى العوامل الداخلية في الاقتصاد والسياسة والثقافة. فقد كان لانتفاض المصريين غداة تلك الحملة ضدّ الحاكم العثماني خورشيد باشا سنة 1805 قيمته وأثره. حيث نجح المنتفضون في طرده ليتولّى محمد علي باشا السلطة، وهو الذي يُنظر إليه باعتباره أول حاكم مصري ولّاه الشعب السلطة، ومعه ينفتح باب سيرورة تاريخية جديدة، ليس فقط من تاريخ مصر وإنما البلاد العربية وخاصة مشرقها.
ويقول محمد عزة دروزة عن ذلك المنعطف التاريخي الذي ارتسمت ملامحه بعد ذلك شيئاً فشيئاً: "وفي تشرين من عام 1831 م، 1247 هـ ، بدأت حركة محمد علي باشا ضد الدولة العثمانية، وكانت متمثّلة بالحملة العسكرية التي سيّرها براً وبحراً نحو بلاد الشام بقيادة ابنه إبراهيم باشا" (6)، مبيّناً أنّ غاية محمد علي كانت توحيد مصر وبلاد الشام وفرض استقلالهما عن الدولة العثمانية، بما يذكّر بمديح كارل ماركس له بالقول إنه: "الرجل الوحيد الذي كان قادراً على إحلال رأس حقيقي محلّ العمامة التركية الفخمة" (7)، وإنّ مصر في زمنه كانت "العنصر الحيوي الوحيد في الإمبراطورية العثمانية" (8) بسعيه إلى تحديث مصر عبر بناء صناعة وتحرير الفلاحين والحد من نفوذ الإقطاعيين وإدخال زراعة القطن وتوحيد السوق ونشر العلم وبناء المدارس وإرسال بعثات تعليمية إلى أوروبا، وحروبه الجريئة ضدّ العثمانيين التي أوصلت قواته إلى الأناضول وفتحت أمامه الطريق إلى إسطنبول (9).
وتتمثّل معضلة محمد علي في أنه أثار رعب الدول الأوروبية التي تحالفت ضده دعماً للعثمانيين من جهة، وأنه من جهة ثانية لم يكن ثورياً بل إصلاحياً، فقد استند إلى الأجهزة القديمة للدولة لإحداث تغيير من داخل البنى السائدة ففشل في النهاية.
وبالعودة إلى إرسال البعثات إلى أوروبا لتعلّم جديدها، فقد برز منها اسم رفاعة رافع الطهطاوي (1801 - 1873) الذي سيدشّن تلك النهضة في الأفكار (10) ومعه كتابه الأشهر "تخليص الابريز في تلخيص باريز"، وفي صلة به استيقاظ رغبة الأخذ عن الآخرين والاقتداء بهم، على نحو يمكن القول معه إن ديالكتيك العلاقة بين أفكار الطهطاوي وأعمال محمد علي تفسّر النهضة في مصر أو بعضاً من وجوهها على الأقل.
وغير بعيد من ذلك زمنياً وجغرافياً، كان أحمد باي في تونس، الذي حكمها بين سنتي 1837 و1855 وهو من ألغى الرقّ سنة 1846، مُمهّداً لصدور أول دستور عربي سنة 1861 في عهد محمد الصادق باي، وفي كنفهما عاش خير الدين التونسي (1820 - 1890) صاحب كتاب "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" (11)، الذي ظل على ولائه للدولة العثمانية، من دون إغفال إصلاحاته، مثل تأسيس المدرسة الصادقية ومكتبة العبدلية ومناداته بالحكم الدستوري. واللافت أنه مثله مثل الطهطاوي سافر إلى باريس لكن في مهمة غير علمية بل سياسية في محاولة لاسترجاع مال نهبه وهرّبه وزير سابق.
وقد كان خير الدين التونسي إصلاحياً توفيقياً أيضاً، موظفاً بدوره القديم لبعث الجديد، ولا شك أنه كان خاضعاً للحظة التاريخية التي عاشها، من دون نسيان أن تلك اللحظة كانت من بين ملامحها انتفاضة الفلاحين الفقراء بقيادة علي بن غذاهم الملقب بباي الشعب سنة 1864، الذي تحالفت ضده دول أوروبية بما يذكّر بالمثال المصري، دعماً للباي محمد الصادق، وقد لزم خير الدين إزاء تلك الانتفاضة الصمت وراح يتأملها منعزلاً في بستانه بعد استقالته سنة 1862 وانقطاعه عن ممارسة الوظيفة السياسية حتى سنة 1869. وفضلاً عن الكتب التي أشرنا إليها هناك مجلات وصحف صدرت في الوقت نفسه، وهي حافلة بالنصوص والمناظرات حول قضايا النهضة ومنها مجلة "الحاضرة" في تونس، و"العروة الوثقى" و"الجامعة" و"المنار" في مصر.
لقد انتهت تجربة محمد علي باشا إلى إخفاق تاريخي كما قلنا، من جراء عوامل شتى داخلية وخارجية توّجتها اتفاقية كوتاهية سنة 1833، التي كانت بمثابة إعلان نهاية النهضة مصرياً، ولم يختلف الأمر كثيراً تونسياً. فكانت النهاية المأساوية لانتفاضة الفلاحين مجسّدة في مصير قائدها علي بن غذاهم، الذي توفي بعد اعتقاله بـ 3 سنوات في سجن كئيب يحيط به الماء من كلّ جانب على أطراف العاصمة تونس، بينما عاثت قوات الباي المنتصرة بدعم أجنبي فساداً في طول البلاد وعرضها، سالخة جلود الفلاحين. وكانت الانتفاضة التونسية في قلب تلك السيرورة التاريخية، وبعدها بسنوات قليلة حلّت الكولونيالية الفرنسية بكامل جبروتها لتدفن النهضة الوليدة تونسياً أيضاً.
ورغم هذه الوقائع فقد كانت النهضة لدى العرب لحظة قطع وقطيعة بالمعنى الابستمولوجي، وإن جزئياً، مع التقليد، وهو ما ألمحنا اليه، ومن ثم دشّنت التأسيس الحقوقي للدولة، والمفارقة أنه كان هناك تقدّم في الأفكار وفشل في الممارسة، ومن هنا ذلك الانفصال الذي نتحدّث عنه وهو الذي تواصل بعد ذلك ولن يتوارى عن الأنظار إلا بتحقيق الوصل بين النهضة والثورة وتجسيد ذلك على مستوى العمل. من هنا أهمية القراءة على ضوء المثالين التاريخيين السالفين: محمد علي في مصر وأحمد باي في تونس عملياً، والطهطاوي وخير الدين التونسي نظرياً. وهذا معناه ارتباط النهضة بالثورة التي تنقل المجتمع من حال إلى حال مختلف نوعياً وجوهرياً، من حيث هي تغيير جذري في مجرى التاريخ.
وإذا كان مهماً لفهم النهضة لدى العرب وتأصيلها بينهم العودة إلى النهضويين السابقين، فإنه لفهم الثورة وتأصيلها أيضاً بينهم تجب العودة إلى ثورات المسحوقين المنسية عبر الأزمنة العربية المتتالية، والبحث ضمنها عما نجح منها وما فشل، ومن هنا السؤال عن الثورة العربية الحديثة وهل حصلت حقاً؟ أم هي ثورة مُجهضة مما جعل الحديث عن النهضة المجهضة مشروعاً. فالنهضة الفكرية والفنية والسياسية التي لا تتحوّل إلى وقائع ملموسة هي نهضة مجهضة. ومن هنا أهمية النظر إلى ما هو مجهض وفاشل ومهزوم على ضوء النصر والأمل والطموح والمستقبل.
المصادر والمراجع
1() البادئة هي المرادف العربي للفظ الفرنسي Préfixe
(2) عرّف سلامة موسى القرون الوسطى بقوله: "تطلق عبارة (القرون الوسطى) على فترة من الزمن تبلغ نحو ألف سنة، تبتدئ من سقوط الدولة الرومانية الغربية سنة 476 على يد الجرمان، وتنتهي بسقوط الدولة الرومانية الشرقية سنة 1453 على يد الأتراك، وبديهي أن هذا التحديد بالسنوات هو اصطلاح تاريخي فقط، وإلا فإن الواقع يثبت أن بذور القرون الوسطى ظهرت في الدولة الرومانية منذ القرن الأول للمسيح. كما أن هذه القرون لم تنته بسقوط القسطنطينية. ولكي ندرك مدى الرقي الذي يتمثل في النهضة أو النهضات الأوروبية يجب أن نعرف عمق الانحطاط الذي سبق هذا الرقي. أي يجب أن نعرف الهاوية التي هوى إليها الفكر البشري في القرون الوسطى. والقرون الوسطى غير "القرون المظلمة" وإن كان كثيرون يطابقون بينهما، والمعوّل عليه الآن أن تطلق صفة الظلام على السني الخمسمئة الأولى، أي: من سنة 476 إلى سنة 976؛ لأنّ هذه الفترة كانت في أوروبا فترة الركود الفكري، أما بعد ذلك فإننا نجد بوادر النهضة وبواكيرها"، سلامة موسى، ما هي النهضة؟، القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2012، ص 11.
(3) الإدريسي (أبو عبد الله)، عاش خلال القرن الــ 12 الميلادي، هاجر إلى بلاط الملك النورماني روجر الثاني بصقلية بعد طرد العرب منها، وكان ذلك الملك محباً للعلم وأهله ويجيد الحديث بعدد من اللغات ومنها العربية، وقد شجّع الإدريسي على القيام بأبحاثه. شرح الإدريسي للملك موقع الأرض في الكون مستخدماً بيضة ترمز إلى الأرض وما يحيط بها. وقد استمر الوجود العربي في جزيرة صقلية ما يربو عن قــــــــرن ونصف القرن وقبل ذلك تتالت الغزوات على مدى زمني ينيف عن القرنين، ومن بين المدن التي احتلها العرب باليرومو عاصمة الجزيرة.
(4) سيغموند فرويد، صعوبات التحليل النفسي.
(5) أنظر مقدمة الياس مرقص لكتاب: ارنست بلوخ، فلسفة عصر النهضة، بيروت، دار الحقيقة، 1980 ص 9.
(6) محمد عزة دروزة، العرب والعروبة في حقبة التغلب التركي من القرن الثالث إلى القرن الــ 14 الهجري، المجلد الأول، بيروت/صيدا، المكتبة العصرية، الطبعة الثانية، من دون تاريخ، ص 208.
(7) Marx, The Russo-Turkish Difficulty. Ducking and Dodging of The British Cabinet. Nesselrode s Last Note (12 July 1853). Marx/ Engels Collected Works, vol. 12, p. 195.
(8) المصدر نفسه.
(9) يرى أنور عبد الملك أن دولة محمد علي كانت أول دولة وطنية عربية تم تأسيسها، ويقول: "يدلنا التاريخ المقارن لمختلف الدوائر التكوينية لأمتنا العربية أن تكوّن الفكر العربي بوجه عام، والفكر السياسي العربي بوجه خاص منذ مطلع عصر النهضة، أي ابتداء من إعادة تكوّن أول دولة وطنية مستقلة على أرض عربية بعد أجيال من الانحدار، وهي دولة محمد علي التي أسست في عام 1805 في قاهرة المعز، كان عليه أن يجيب عن سؤال مزدوج، عن سؤالين هما في الواقع وجهان لسؤال واحد: لِمَ الانحدار؟ وكيف النهضة؟". أنظر أنور عبد الملك، "ريح الشرق: دور التكامل الحضاري بين القومية العربية والإسلام في صياغة عالم جديد"، ضمن: القومية العربية والإسلام، بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظّمها "مركز دراسات الوحدة العربية"، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية 1982، ص 575.
(10) رفاعة رافع الطهطاوي، تخليص الابريز في تلخيص باريز، القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2010.
(11) خير الدين التونسي، أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، القاهرة، مؤسسة هنداوي، 2022.