"ليلة لشبونة" تروي تفاصيل المعتقل النازي
بعد الهروب ومضي أيام جميلة في باريس، تمّ اعتقالهما مرة أخرى، وذهب كلّ منهما إلى معتقل، ليلتقيا مجدداً في المعتقل ذاته.
باتت عبارة "الحب في زمن الحرب" من العناوين الشائعة، التي تسمّى بها المسلسلات والأفلام والقصص، إلا أنّ لكل حب قصته الخاصة، ولكل حرب درجاتها الموجعة، وبذلك تكون تلك العبارة الشائعة، تنطوي على كمّ لا يحصى من الألم.
هي حكاية من ثلاثمئة صفحة، تُروى في ليلة واحدة قبل الرحيل والسفر، يتحدّث كاتبها الألماني الشهير، "إريش ماريا ريمارك"، عن الحياة المأساوية التي عاشها الناس في ظل النازية في فترة حكم الزعيم أدولف هتلر، وهي الفترة التي حدثت خلالها هجرة كبيرة للألمانيين الهاربين من قبضة الفاشية. وككل حرب يعتبر فيها كل طرف أنه السلام بعينه، وأن الآخر يجبره على أن يشنّ حرباً فقد عدّ "هتلر" وأتباعه أنفسهم حمامات سلام.
تتحدّث الرواية عن "شفارتس" الهارب باسم مستعار وجواز سفر مزيّف من المعتقلات الألمانية، والذي عاد ودخل إلى ألمانيا مرة ثانية، لسبب لا يعرفه بالضبط، ولكنه قدّر أن تكون زوجته إحدى الأسباب الأساسية، فقررا الهروب معاً إلى خارج السجن النازي، إلى حيث لا يصنّف الناس على أساس الأبيض والأسود.
وبعد الهروب ومضي عدة أيام جميلة لم تخلُ من القلق في باريس، تمّ اعتقالهما مرة أخرى، وذهب كلّ منهما إلى معتقل، ليلتقيا مجدداً في المعتقل ذاته.
يصف الكاتب المعتقل الفرنسيّ قائلاً "بدا المعتقل مريحاً إذا ما قورن بالمعتقلات الألمانية، فكان أقصى ما نتلقاه من تعذيب هو الركل بالأرجل وبعض الصفعات".
هو ثمن دفعه كل من رفض اختيار أحد اللونين "الأبيض" أو "الأسود"، ثمن يدفعه كل من يحمل ميزة العقل في ظل الحروب، فيكون رأيه مختلفاً عما سواه، ولا يؤيّد طرف على حساب الآخر، لأنه يعي حقيقة الأمر، أن لكلّ طرف أخطاءه الفادحة التي لا بدّ أن تزيحه عن قيادة الجماهير. إلا ان تلك الجماهير تنحدر إلى مستوى القطيع، فيؤيد معظمها طرفاً، ونصفها الآخر يؤيد طرفاً ثانياً. وهكذا، يصبح للأبيض والأٍسود معنيان هما "سجين" و"سجان".
ويشير الكاتب إلى ذلك صراحة بقوله: "يتعين على المرء اختيار شريط الفيلم الذي يريد رؤيته لكن في النهاية تبقى الشاشة الخاوية القلب الجائع والسلطة الحمقاء التي تتصرف وكأنها خالدة، خاصة وأنّ الاعتقال لم يكن ليحدث لسبب أكبر من الجاسوسيّة".
يذكر أنّ "ريمارك" من الكتاب المعروفين بمعاداة النازية، وقد أُجبر على الفرار والهروب إلى أميركا عام 1943، لتقوم السلطات الألمانية بعدها بإعدام أخته بسبب هروبه، وتعدّ تلك الحادثة سبباً رئيسياً في كتابة هذه الرواية.
اليوم، وفي ظل الحروب التي تحدث في العالم، والتي هي ربما حروب لم يُسمع صدى أصواتها، بقدر ما نرى آثارها على الفكر، لا سيما بعد التشوّه الفكري الكبير الذي ترك بصماته في عالمنا العربي، من المفيد أن نستحضر "ليلة لشبونة" لعلّ ذواكر من ذهبوا تلد العِبر للحاضرين.