"حزب الله بين 1982 و2016.. الثابت والمتغير"
موضوع الكتاب شائك وسجالي، ويحتاج إلى دراسة أكثر شمولية، تأخذ في مقارباتها الخصوصية العقدية لحزب الله، والظروف الإقليمية التي خاض الحزب خلالها مقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1982 إلى مشاركته في الحرب السورية منذ العام 2013. فحزب الله حزب واقعي تكيّف مع التطورات والتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية فغيّر بعض خطابه حيث اقتضت الحاجة.
بدوره، أشاد الأب الدكتور فادي ضو بجهد الباحث قصير وموضوعيته في مقاربة هذا الموضوع الشديد التعقيد والحساسية حيث تتشابك فيه معايير العلوم السياسية مع الإشكاليات العقديّة والدينية، مسجلاً عدة نقاط أولها: "انطلاق الكاتب من فرضية أثبت التحليل لاحقًا عدم صحتها، وهي بأن الوثيقتين (الرسالة المفتوحة والوثيقة السياسية) تنتميان إلى فئة واحدة وتلعبان الدور ذاته في تحديد هوية الحزب وفكره واستراتيجيته. إذ لو صحّت هذه الفرضية لكان من الإمكان اعتبار الثانية ناسخة للأولى. بينما يوضح التحليل المعمّق بأنه لا يوجد مسار أدبي واحد بين النصين يعبّر عن تراكم وتطوير للأفكار، بل يشكّلان مسارين متوانيين ومتكاملين. فمن الأصح بهذه الحالة اعتبار وثيقة الـ2009 نصًا رديفًا يحدد استراتيجية الحزب بالنسبة لقضية محلية (لبنان) وظرفية (2009) للرسالة المفتوحة التي تشكّل النص التأسيسي الثابت في تحديد البنية العقدية للتنظيم".
وانتقل ضو الى النقطة الثانية "وهي أنه بناء على ما تقدّم يبدو لنا الأولى، بدل البحث عن التطوّر أو التحوّل في مسار الحزب، دراسة الأسس العقدية المؤسسة لكيانه ووجوده ومدى انسجامها أو تعارضها مع مبدأ الدولة الوطنية والمواطنة واحترام التعددية السياسية والدينية. إننا بأمس الحاجة إلى مقاربة أكاديمية لهذه المسألة تحررها من سياقها السياسي المتشنج وتضعها بتجرّد على بساط البحث، لتحديد مكامن الخلل وآفاق الحلول على المستوى السياسي العام، قبل أن تكون مادة لسجال يستغل انتخابيًّا أم شعبويًّا. فما لم ولا يجرؤ القيام به السياسيون على المفكرين أن يتصدّوا له على أن نترك للرأي العام الحكم في النتائج السياسية لذلك".
وطرح ضو تساؤلات عدة منها: "هل حزب الله حزب؟ أم أنّه جزء من منظومة عقائدية يخدم غايتها القصوى وهي التحضير لظهور الإمام المهدي وإقامة دولة الإسلام عالميًّا التي تشكل إيران اليوم نواتها"؟ وإذا سلمنا جدلًا بطبيعة التنظيم الحزبية، فالسؤال الآخر يكون هل الحزب وطنيّ؟ وهذا السؤال لا يعني مطلقًا التشكيك بلبنانية أو وطنية أعضائه الذين بذلوا الغالي والرخيص دفاعًا عن أرضه، ولكنه يعني غاية الحزب وأجندته وديناميكيته التي يصعب حصرها في سياق الدولة اللبنانية والصراع الطبيعي على السلطة ضمن المعايير المتعارف عليها ديمقراطيًّا".
أما النقطة الثالثة التي تحتاج، في رأي ضو، الى التبحّر العلمي، فهي وضع خبرة حزب الله الإسلامية في سياق الحركات الإسلامية عامة وتنوّع خبراتها، خاصة في مجال تفاعلها مع الشأن العام ومنظومة دولة المواطنة ومدنيتها، داعيا الباحث قاسم قصير الخبير في هذه الشؤون لاستكمال هذا البحث بدراسة مقارنة ومعمقة لخبرة الحزب في السياسة الوطنية وتأثيرها عليه وتأثيره فيها. أحمد جابرتركزت كلمة أحمد جابر حول عنوان "حزب الله بين الثبات الإيديولوجي والتكيف السياسي" فاعتبر أن الكاتب "قد خاض غمار محاولة شائكة، ودخل حقل المقارنة الناجزة بين وثيقتين سياسيتين لحزب لا يزال غير ناجز، وجعل لموضوع مقارنته تاريخاً ثابتاً بين العامين 1982 و2009، ولم يفته أن يربط الثابت بثابت آخر، هو العام 2016، لكأنه أراد القول إن الثبات الزمني الإفتراضي، ما زال شديد الارتباط ووثيق الصلة بالحراك الزمني الواقعي الذي يغطي الأيام الحافلة بالتطورات والمعطيات ما بين العامين 2009 و2016".
واعتبر جابر أن الجمل الأخيرة التي كتبها قصير في خاتمة بحثه "تشكل مقدمةً لكل بحث يروم الخوض في مسألة الثابت والمتغير لدى حزب الله، فإذ يقول الكاتب (أن التغيير الحاصل في خطاب وأداء حزب الله ما بين العام 1985 و2009، كان تغييراً تكتيكياً وشكلياً وخارجياً وليس تغييراً في المشروع الأساسي للحزب، وأن هذا التغيير اقتضته الظروف والمتغيرات والتطورات السياسية والأمنية والعسكرية داخلياً)، إذ يقول الكاتب ذلك، فإنه يجيب عن السؤال الأولي الذي طرحه حول فحوى التغيير، وفي الوقت ذاته يطرح السؤال التحدي على حزب الله، وعلى التركيبة اللبنانية، وعلى الباحثين، لكي يدلي كلٌّ بدلوه حول الشروط الذاتية المساعدة التي تجعل التكتيكي لدى الحزب ثابتاً ونهائياً".
وأضاف جابر أنه على هذه الخلفية، "تستوي قراءة حزب الله على أسس موضوعية، أي على أسس واقعية، بحيث تقوم المقارنة بين مواقفه ومواقف سواه من القوى الأهلية الطائفية، على أساس ملموس، أي على أساس المواضيع الخلافية اللبنانية المطروحة، وعلى أساس تقابل الرؤى والنظريات والممارسات حيال كل موضوع من هذه المواضيع، لينتقل بعدها لتقديم أمثلة من متن الكتاب مثل سؤال الهوية الذي وقف ويقف أمامه حزب الله، وسائر الاجتهاد الشيعي الإثني عشري، هو سؤال عام. نعم ماذا عن الهوية الذاتية والهوية الوطنية؟ .... حزب الله والدولة، ولنكمل على ذات الطريق، الشيعية السياسية والدولة، هو سؤال عام ومشترك، وبوسعنا أن نقول أن إجابة حزب الله عن السؤال إجابة ناقصة، وأن شروط اكتمالها عرضة للتناقض، فبين المطالبة بدولة قوية قادرة عادلة، وبين البقاء على هامش قيامها... موضوع المقاومة والعقيدة الجهادية، على خلفية وطنية لبنانية، وتأسيساً على أفكار قومية عربية، نرى أن العنوان الأصل هو عنوان الصراع العربي الصهيوني، الذي تراجع فصار الصراع العربي الإسرائيلي، وتراجع أكثر فصار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ذلك هو واقع الحال... دور الداخل والخارج الذي يتناول على الأخص علاقة حزب الله بالجمهورية الإسلامية الإيرانية..". قاسم قصيروفي ختام الندوة تحدث الكاتب قصير عن كتابه فقال إنه قام بتطوير رسالته للماجستير وتحويلها الى كتاب من أجل هدفين أساسيين، الأول إبراز العلاقة بين أية حركة سياسية أو فكرية وبين الواقع السياسي والتطورات المختلفة، وخصوصاً في المجتمع الذي تنشط فيه هذه الحركة وتأثير ذلك على خطابها وأدائها. والثاني: دراسة حالة حزب الله في لبنان وكيف تطور خطابه منذ تأسيسه وحتى اليوم وهل هذا التغيير والتطور تكتيكي أم ثابت، وما هي علاقة حزب الله بالدولة اللبنانية وكيف يمكن لحزب الله أن يندرج اندراجاً كاملاً في إطار الدولة ويتخلى عن خصوصياته التنظيمية والعسكرية والفكرية." وختم بالقول: "إن التغيير الشامل في خطاب الحزب وأدائه يتطلب ظروفاً أخرى داخلية وخارجية غير متوفرة حالياً، لكن لا يمكن للحزب الاستمرار في نهجه الحالي الى أبد الأبدين نظراً لتضارب هذا النهج مع متطلبات قيام الدولة وفي ظل المتغيرات المتوقعة في المنطقة في المرحلة المقبلة".واعتبر قاسم أنه لم يضع أجوبة في استنتاجات الكتاب بل طرح أسئلة أكثر.
لكن السؤال المطروح هنا: أليست مسألة حزب الله وخطابه ودوره وسلاحه وعلاقته بإيران والثابت والمتغير في خطابه من المسائل المطروحة منذ أكثر من 20 عاماً؟ طبعاً، هناك إجابات حول هذه الأسئلة من حزب الله ومؤيديه وخصومه ونقاده والمراقبين. لكن لا يزال الموضوع سجالياً ويخضع لرؤية كل طرف ومصالحه السياسية.
لا شك أن موضوع الكتاب شائك يحتاج إلى دراسة أعمق وأكثر شمولية، تأخذ في مقارباتها الخصوصية العقدية لحزب الله، والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي خاض الحزب خلالها مقاومته ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1982 وحتى تحرير معظم الأراضي اللبنانية في أيار مايو 2000، وعدوان تموز – يوليو 2006 وصمود الحزب التاريخي في وجه عدوان إسرائيلي، بقرار أميركي، دام 33 يوماً، وصولاً إلى اضطراره للمشاركة في الحرب السورية منذ العام 2013.