ما هي محددات السياسة الأميركية في مكافحة الإرهاب؟
"الحرب على الإرهاب" التي غيّرت علاقة أميركا مع العالم تنبثق من كتاب بنيامين نتنياهو "كيف تحارب الإرهاب".
اتخذت الولايات المتحدة الأميركية من أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ذريعة للتدخل في شؤون الشرق الأوسط تحت شعار (مكافحة الإرهاب). وإذا كانت المنطقة العربية، وما تتفرد به من خصوصية، إن كان لناحية الموقع جيو-استراتيجي، أو لناحية مخزون الطاقة وحجم الكتلة الإستهلاكية، وكاستهداف صهيوني لإقامة "الوطن القومي اليهودي"، قد مثّلت نقطة الارتكاز في الاستهداف الاستراتيجي الأميركي، خاصة، بعد دخول الرأسمالية الأميركية في نهايات القرن العشرين مرحلة العولمة. فما العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية؟ وكيف تبدو سياستها في مكافحة الإرهاب؟ وما تداعيات القرار (1373) في إطار الحملة الدولية على الإرهاب؟ أسئلة طرحها الدكتور عماد القعقور في كتابه "سياسة أميركا في مكافحة الإرهاب" الصادر عن دار الفارابي في بيروت، محاولاً الإجابة عنها وفق خطة منهجية بحثية. إشكالية السياسة الخارجية الأميركية يرى المؤلف أن السياسة الخارجية الأميركية قد تطورت بفعل تطور مفهوم الدولة، ومع بروز عوامل كثيرة مؤثرة كالاقتصاد والتكنولوجيا، والتحول الأميركي عبر الرأسمالية المتفوقة من الإمبريالية إلى الإمبريالية المعولمة، ولا يمكن إغفال الخلفية الثقافية الدينية التي تجمع بين الصهيونية التوراتية والأصولية البروتستانية، وكذلك العامل الصهيوني الذي لعب ولا يزال، دوراً مهماً في صوغ القرار الأميركي انطلاقاً من قوة اللوبي الصهيوني ومنظمة (AIPAC) بالتحديد، وغيرها من العوامل التي فرضت معطيات جديدة في تحديد الثوابت في السياسة الخارجية الأميركية، وفي عملية اتخاذ القرار. ويرى الدكتور القعقور أن دور الرئيس الأميركي هو العامل الأكثر ثباتاً في تشكيل سياسة أميركية مستمرة ومتماسكة نسبياً، لكن هذا الثبات لا ينطبق على سياسته بالنسبة للمنطقة العربية، وخاصة، إذا تعارضت مع المصالح القومية الأميركية. العوامل المباشرة المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية في الحديث عن العوامل المباشرة المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية، يرى المؤلف أن اللوبي الصهيوني يأتي في مقدمة هذه العوامل، حيث يقوم بالضغط على المشرّعين الأميركيين لتأييد الدولة الصهيونية، عبر استخدامه قدراته المالية والاقتصادية وتمويله الحملات الانتخابية، الأمر الذي يمكّنه من مواجهة الإدارة الأميركية والضغط عليها في إصدار القرارات التي تناسب بقاء واستمرار الإحتلال الإسرائيلي في فلسطين أولاً، ومدّ تأثيره إلى كامل المنطقة العربية ثانياً، وهذا ما بدا واضحاً في استهداف سورية، وحرب تموز في لبنان، وحرب الخليج الأولى والثانية، وضرب العراق، وليس آخرها ليبيا في العام 2012. ولا يخفي المؤلف دور المحافظين الجدد في الإدارات الأميركية المتعاقبة، ففي عهد الرئيس جورج بوش الابن والصراع الإيديولوجي في منطقة الشرق الأوسط، كان لهم الدور المؤثر في ربط الدين الإسلامي بالإرهاب، وليس صحيحاً أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر-أيلول كانت الحد الفاصل في تغيير السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، ففي العام 1998 أي قبل أحداث أيلول بثلاث سنوات، وعندما كان المحافظون الجدد خارج الحكم في عهد الرئيس بيل كلينتون، بعثت مجموعة منهم ضمت أسماء بارزة مثل (فوكوياما، وبولتون، وابرامز وغيرهم) رسالة إلى الرئيس يطلبون منه مهاجمة العراق، لتغيير النظام وفق استراتيجية تؤمن مصالح أميركا وأصدقائها في المنطقة، لكن جواب الرئيس كلينتون حينها جاء بالرفض لأن اهتمامه كان في تلك الفترة يركز على تفكيك خلايا تنظيم القاعدة، ويأتي الرئيس بوش ملخصاً صراحة استراتيجية المحافظين الجدد في المنطقة بعاملين: الأول أمن إسرائيل، والثاني السيطرة على نفط الخليج. العوامل غير المباشرة المؤثرة في السياسة الخارجية الأميركية يركز المؤلف بداية في العوامل غير المباشرة على الشركات متعددة الجنسيات، التي أصبحت المهيمن الرئيس على النظامين النقدي والمالي العالميين، وإلى تأثير مباشر في الواقع الدولي والاجتماعي والثقافي، كون هذه الشركات تمتلك مؤسسات إعلامية كبيرة تعمل وفقاً لمبدأ الربحية، وتنقسم هذه الشركات التي تعد الأكثر تأثيراً في صنع القرار السياسي إلى نوعين، شركات النفط، وشركات الأسلحة والأمن، وقد برز دور شركات النفط في الحرب على العراق، ووفقاً لرؤية بوش ونائبه ديك تشيني، ليس لإشباع الحاجة الأميركية الآنية له، بقدر ما هو أداة للسيطرة العالمية وبسط الهيمنة على واحد من أهم مصادر الطاقة في العالم، ثم لتكتمل مقدمات الإمبراطورية الأميركية المزمع بناؤها وفقاً لمشروع (القرن الأميركي) الجديد الذي يؤكد دعاته، أنه لن يتحقق دون السيطرة على النفط. ثم ينتقل المؤلف إلى الدور الذي تلعبه الشركات العسكرية الخاصة، التي أسسها الأثرياء الأميركيون، والعسكريون المتقاعدون أو المفصولون من الخدمة، وشكّلوا من خلالها ما يسمّى (لوبي الصناعات العسكرية)، وهذه الشركات ساهمت بوصول الرؤساء إلى البيت الأبيض، وتقليص حجم القوات النظامية للدول، كما لعبت دوراً كبيراً في السياسة الخارجية للدول الكبرى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وبداية تشكّل النظام الدولي الجديد. وتبقى الشركات الأمنية هي الأكثر خطراً، فمن الممكن استغلالها في قضايا أمنية وإرهابية كالاغتيالات والتصفيات، ونشر الإضطرابات الأمنية والسياسية. وبحسب المؤلف، فإن جميع هذه الأنواع من الشركات تمتلك غطاء سياسياً لها، من أجل دعمهاوتحقيق اختراق لها في المؤسسات الحكومية والدولية، فتحمي وتخدم استراتيجية وإيديولوجية معينة. ثم ينتقل المؤلف إلى البحث في السياسة الفلسفية والإنسانية للولايات المتحدة، التي سعت من خلالها إلى بث سمومها في المجتمعات -العربية بخاصة، والتفتيش باستمرار عن عدو وهمي للحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد قامت هوليوود مركز الدعاية الأميركية بتصوير هؤلاء الأعداء عبر أفلام وزّعت وعرضت في صالات عرض ومحطات فضائية، كانت المحطات الفضائية العربية ساحة مجانية لها، وبرز (الخطر الأحمر) أي الشيوعي، العدو الأول الذي استخدم من قبل الإدارة الأميركية في أثناء الحرب الباردة لاستنفار المواطن الأميركي وتأسيس السياسة الخارجية الأميركية، ثم (الخطر الأخضر) وهو الإرهاب، وكان الشرق العربي والإسلامي -حسب الرؤية الأميركية والإسرائيلية- منبعاً لهذا الإرهاب، ولتعزيز نظرية "الخطر الأخضر" ظهر كتّاب ومنظرون رسموا الخطوط العامة لإرهاب يلهمه الإسلام ضد إسرائيل وضد الولايات المتحدة على السواء. ويتساءل الكاتب عن الأهداف الكامنة وراء الحرب على الإرهاب، هل هي حرب وقائية أو دفاع عن الأمن، أم أن وراء الأكمة ما وراءها من أهداف جيو-استراتيجية وحرب السيطرة على الموارد؟ هذه التساؤلات مجتمعة تشير إلى مدى الترابط والتداخل بين القوتين العسكرية والنفطية، وبين العوامل الجيو-اقتصادية المتمحورة حول النفط من جهة، والجيو- سياسية الهادفة إلى السيطرة السياسية والأمنية من جهة ثانية. سياسة الولايات المتحدة الأميركية في إطار مكافحة الإرهاب يقارب الباحث في القسم الثاني من الكتاب سياسة الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب مستعرضاً هذه السياسة في محورين: الأول، قبل أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر 2001، والثاني، بعدها. يشير بداية إلى عشوائية تعريف مفهوم الإرهاب، فعلى الرغم من اهتمام المجتمع الدولي بسياسييه ومفكريه بهذا المفهوم، إلا أنهم لم يتوصلوا إلى تحديد ماهية هذا المفهوم، أو إيجاد تعريف موحد له، بصورة قانونية لا تقبل الجدل سواء على الصعيد الدولي أو على الصعيد الداخلي، برغم التوقيع على عشرين اتفاقية دولية وإقليمية لمكافحته، فتعريف الإرهاب في القانون الدولي يختلف عنه في التشريعات الداخلية في غرف صناعة القرار الأميركية والغربية، وسائر الدول الأخرى. لكنه يأخذ حيزاً مهماً في السياسة الأميركية الداخلية والخارجية، فموقع الإرهاب في سياستها اختلف عما قبل أحداث 11 أيلول أولاً، وبعد هذه الأحداث ثانياً، ومع سياسة أوباما ثالثاً، ويبرهن المؤلف أن أحداث 11 أيلول لم تأتِ من الفراغ، بل هي انعكاس لأحداث سابقة، من أحداث الحرب الباردة إلى حرب الخليج، وذيول الحرب العراقية الإيرانية، بالإضافة إلى الحروب التي خاضتها أميركا تحت مظلة الدين، وهي لا تمت إلى الدين بصلة، واستنفرت جماعات دينية ودعمت الجهاد لمناهضة الإتحاد السوفييتي في أفغانستان. ومن إفرازات الإرهاب الجديد عسكرة الحياة الإنسانية، واختراق الخصوصية، وتجاوز حقوق الإنسان، والتمييز العنصري للشعوب. ويرى المؤلف أن أخطر ما نتج عن هذه السياسة، هو السماح للولايات المتحدة وحلفائها بمهاجمة الإرهابيين وتصفيتهم حيث هم قبل أن يستعدوا لمهاجمتها!! بل الأخطر من ذلك هو استثمار مكافحة الإرهاب لأغراض توسعية واستراتيجية بالاستيلاء على الموارد، ولاسيما النفط والحفاظ على أمن إسرائيل. وهكذا بدت أميركا الدولة الأولى فيما يسمّى (الحرب على الإرهاب)، هذه الحرب التي أعادت تعريف (الأمن القومي)، وغيّرت علاقة أميركا مع العالم، ونقل موضوع الإرهاب من المستوى الأميركي إلى المستوى الدولي، الأمر الذي دفع مجلس الأمن إلى تبني العديد من القرارات والسياسات في مجال الإرهاب أهمها القرار (1373). ويشير المؤلف أن هذا القرار ينبثق من كتاب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو (كيف تحارب الإرهاب)، الذي أصدره في العام 1995، عندما كان سفيراً لبلاده في الولايات المتحدة، أي قبل صدور القرار بسنوات، أكد من خلاله أن كره العرب للغرب ليس جديداً، وليس ناتجاً عن وجود إسرائيل، وإنما يكره العرب إسرائيل لأنهم يكرهون الغرب لتبيان أنهم أعداء أميركا قبل أن يكونوا أعداء لإسرائيل. وتأتي الخطورة الكبرى في كتاب نتنياهو في الفصل الأخير منه، حيث حدد التوصيات التي اقترحها لمكافحة الإرهاب، وأصبحت هذه التوصيات قراراً دولياً تلتزم به الدول جميعاً، صدر عن مجلس الأمن الدولي في 28/9/2001 . وبهذا القرار يصل نتنياهو إلى مبتغاه بمحاربة كل تهديد، أو قوة يمكن أن تشكّل خطراً على الكيان الصهيوني بوساطة وإرادة دولية تحت مظلة مكافحة الإرهاب. ويختم الدكتور القعقور كتابه بالإشارة إلى أنه لا يمكن أن نضع اللوم كله على أميركا وسياستها في المنطقة، بل يقع اللوم الأكبر على سياسات النظام الرسمي العربي الداخلية التي فشلت في تحقيق الأمن الاجتماعي والاقتصادي والحرية وحقوق الإنسان، وكذلك سياسات النظام العربي الخارجية، التي فشلت في تحقيق التوازن، والمساواة في تبادل المصالح، والاعتماد المتبادل في التعامل مع النظام الدولي، وإنما تعاملت معه على مبدأ التبعية. وفي كل مرة كان هذا النظام يقترب من الانهيار كان النظام الدولي يسارع إلى إنعاشه، ويمنحه قدراً معيناً من الحياة، حرصاً على هذه التبعية، وهو بالتأكيد لن يسمح بوجود نظام على درجة كافية من التماسك والقوة، تمكّنه من رسم سياسات خارجية تضمن مصالح شعوبه، ومصالح المنطقة.
*كاتبة سورية الكتاب: سياسة أميركا في مكافحة الإرهاب المؤلف: الدكتور عماد القعقور الناشر: دار الفارابي/ بيروت 2016