مراكز التفكير: في المحددات، والكيفيات، والتحديات
صدر عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات، مداد، دراسة بعنوان /مراكز التفكير: في المحددات، والكيفيات، والتحديات/ للكاتب الدكتور عقيل سعيد محفوض.
تمثل مراكز التفكير ظاهرة مُحيّرة أو غامِضَة، وعلى الرغم من انتشارها والحديث المتزايد عنها، إلا أن ذلك لم يساعد كثيراً في موضعتها بشكل مستقر أو قابل للتعيين في فضاء العلم والسياسة في عالم اليوم. ولا يزال السجال حول طبيعتها وبواعثها وهويتها قائماً، ولو أن انتشارها وعلو شأنها شغل الدارسين بأدوارها أكثر من انشغالهم بهوياتها ودينامياتها العميقة.
يمكن الانطلاق في تحليل ظاهرة مراكز التفكير من فكرة "تدبير السياسة" من خلال العلم، والعكس أيضاً، أي "تدبير الواقع" من خلال السياسة، إذ على الرغم من التطور الكبير في العلوم الاجتماعية وغيرها إلا أنها تواجه اتهامات متزايدة بفشلها في الاستجابة الفعالة لمشكلات العالم، وفي التنبؤء بها، أو في تخيّر أفضل السبل العملية والواقعية لمواجهتها، بل كان ثمة على الدوام توظيف للعلوم والمعارف في سياسات هيمنة واحتلال ومواجهات ما أدى إلى المزيد من المخاطر على الإنسان.
إن طبيعة العلوم لا تؤهلها للانخراط بفعالية في طبيعة السياسات، وراهنيتها وحساسيتها وسيولة أحداثها، ولم تتمكن من تطوير أدوات نظر وفعل تساعد في تحليل وفهم وتدبير السياسات. وثمة عوامل أخرى مثل ارتفاع الجُدران بين فواعل السياسة وبين فواعل المعرفة، وخاصةً في المجتمعات أو الدول ذات النظم غير الديمقراطية. تنطلق الدراسة من مقولة رئيسة وهي أن مراكز التفكير تمثل فاعلاً متعدد الأنماط والتأثيرات في السياسات اليوم، من خلال علاقة تبادلية (الباب الدوار) بين السياسة والتفكير، أو بين منتجي الأفكار وصانعي السياسات.
يحيل تحديد ما هي مراكز التفكير إلى أسئلة عميقة تتمثل بمن بدأ في تشكيها ولماذا، وما هي القوة المحركة لذلك وما هي المقاصد؟ وهذا من الأسئلة الصعبة والمعقدة، ربما يحيل بدوره إلى أسئلة إحداث الجامعات مثلاً.
وتثير مراكز التفكير وديناميات عملها وأدوارها أسئلة حول هل بإمكان العلم أن يبقى قوة مستقلة، ومن دون أن ينساق وراء منافع وتحيزات وتحزبات. وهل يجوز أن يبحث العلم أو الجماعة العلمية عن مصالحها هي، وهل تقوم المراكز بدور المستشار والناصح، أم دور الخبير ، أم الفاعل الضاغط أم المُروّج الخ
تتألف الدراسة من مقدمة، وثمانية محاور، هي: أولاً: ما هي مراكز التفكير؛ وثانياً: في خريطة مراكز التفكير، وتصنيفها؛ ويكون التصنيف حسب: الأدوار، الأدوات، التخصص، المستهدف، النطاق الجغرافي، النطاق الزمني، الاستقلال-التابعية، المرجعية، الاستهداف؛ وثالثاً: في سيرة مراك زالتفكير، ورابعاً: لماذا مراكز التفكير؛ وخامساً: المحددات: الذات، البيئة، الشبكات/التفاعلات، وتتضمن سياسات الباب الخلفي، والمسار الثاني أو الدبلوماسية الموازية، وسياسات الأبواب الدوّارة؛ وسادساً: الكيفيات؛ وسابعاً: التحديات: الذات، البيئة، الشبكة/التفاعلات؛ وثامناً: في مؤشرات الفعالية، وأخيراً خاتمة.
تخلص الدراسة إلى مراكز التفكير تعمل لـ "السياسة" وبـ "السياسة"، بمعنى أن السياسة هي موضوعها وأداتها في آن، وللسياسة بالسياسة تعبير مستعار من ماكس فيبر الذي تناول الموضوع في كتابه الشهير "العلم والسياسة بوصفهما حرفة"، ويهمنا هنا جزئية محددة في ذلك ذلك أن مراكز التفكير تحاول أن تقف بين "العلم" و"السياسة" بوصفهما "حرفة" تلك المراكز.
أن من يستطيع التدخل في تحديد المفردات المتداولة وكيفية طرحها والخيارات الممكنة أو المرجحة بشأنها هو الفاعل الذي يستطيع تحقيق ثقة واعتمادية وصورة متوازنة لدى مختلف أنماط المتلقين. ولكن بشرط أن يقوم بذلك بشكل مناسب من حيث الكيفية ومن حيث الزمن (الوقت المناسب) الخ .