سلطة النفط والتحول في ميزان القوى العالمية
استطاع روبرت سليتر أن يؤصل للأهمية الكبرى التي يشغلها النفط في عالمنا المعاصر، كما أنه تطرق إلى العديد من النقاط الفرعية المتعلقة بمسألة النفط وتداعياتها المحتملة في المستقبل القريب.
الكتاب: سلطة النفط والتحول في ميزان القوى العالميةالمؤلف: روبرت سليتر
ترجمة: محمد فتحي خضرالناشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة - القاهرة – 2016.
مراجعة: محمد يسري أبو هدور
حين اكتشف النفط لأول مرة منذ أكثر من مائة
وخمسين عاماً، كانت هناك كميات كبيرة منه، لكن الحاجة إليه كانت ما تزال ضئيلة
وبسيطة، أما الأن وفي عصرنا الذي يشهد ثورة تقنية وصناعية كبرى، فقد أنقلب الوضع
تماماً، فقد صار المتاح من النفط أقل بكثير من المطلوب.
بتلك الافتتاحية يبدأ روبرت سليتر كتابه الذي يبحث في جدلية العلاقة ما
بين النفط والسلطة، حيث يرى سليتر أنه دائماً ما كانت هناك جهة تعمل على فرض
سيطرتها المطلقة على سلعة النفط، وذلك بدءاً بعائلتي روكفيلر وكارنيجي، ووصولاً إلى
منظمة الأوبك في عصرنا الحالي.
بداية الأزمة النفطية
في عام 2008، ارتفع سعر النفط بدرجة شديدة إلى درجة أنه قد حدثت أزمة
كبيرة في السوق النفطية العالمية.
ويؤكد سليتر أنه وقبل تلك الفترة، لم يكن المواطن الغربي ليشتكي من أسعار
النفط، ولكن منذ مطلع الألفية الجديدة، بدأت تظهر مشكلة النفط بشكل ظاهر وواضح،
فقد بدأت اللامبالاة الغربية تتحول سريعاً إلى حالة من الذهول، ثم تطورت بعد ذلك
لتصبح حالة تسارع وهوس محموم نحو السيطرة على أكبر قدر ممكن من النفط.
ويفسّر المؤلف ذلك التغيّر بقوله، إنه وحتى نهاية القرن التاسع عشر، كان
المستهلك الأساسي للنفط هو الولايات المتحدة الأميركية، وكانت قوى العرض والطلب
داخل سوق النفط العالمية تحافظ على وضع متوازن، فقد كانت شركات النفط الأميركية
والأوروبية تملك بزمام الأمور وتتحكم في السيطرة على السوق النفطية بشكل شبه مطلق.
ومن تلك الشركات، ما عُرف باسم (الأخوات السبع الأصلية)، والتي هي إكسون، رويال
دتش شل، بريتش بتروليم، تكساكو، شيفرون، غلف أوبل، موبيل.
وقد كانت تلك الشركات وأمثالها، هي التي تسيطر على عمليات التنقيب
والانتاج، ولكن ومع مرور الوقت بدأت الدول النفطية تعمل جاهدة للحصول على فرصتها
في انتزاع صناعتها النفطية من أيدي تلك الشركات.
ويرى روبرت سليتر أنه من الممكن أن نحدد عام 1973، كتاريخ لبداية مشاركة
الدول النامية في الهيمنة والسيطرة على السوق النفطية، ففي ذلك التاريخ تحديداً
اعلنت المملكة العربية السعودية عن حظر توريد النفط للدول المساندة للكيان
الصهيوني، وساهمت بموقفها في دعم حرب أكتوبر التي قامت بها القوات المصرية
والسورية ضد العدو الإسرائيلي، وهو ما جعل النفط يبدو كسلاح قوي للمرة الأولى في
التاريخ.
كما أنه في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، استيقظ كل من النمر الصيني
والفيل الهندي من سباتهما العميق، فقد احتاجت الثورة التحديثية في كل من البلدين
للنفط من اجل دفع عملية النمو والتصنيع.
وبدخول البلدين إلى الساحة، بدأت أسعار النفط في الزيادة والارتفاع بشكل
سريع، كما أن المنافسة لم تعد مقتصرة على الحصول على النفط فحسب، بل تعددت لتشمل
المنافسة على انتقاء أفضل أنواع النفط وأفضل خاماته كذلك، حيث جرى تفضيل خام النفط
الخفيف عن الخام الثقيل، وذلك لانخفاض تكلفة تكرير الأول وسهولة تجهيزه للاستخدام
النهائي.
كيف ساهم النفط في نمو الدول الفقيرة؟
يؤكد المؤلف أنه وبحلول العقد الأخير من القرن العشرين، صار العثور على
النفط أمراً عسيراً للغاية، وهو ما جعل الكثير من الدول الصغيرة التي تمتلك
احتياطات نفطية كبيرة، تأخذ مكاناً بسرعة على الساحة الاقتصادية العالمية.
ويعطي المؤلف مثاليين نموذجيين لتلك الحالة، وهما نموذجي دولة ساوتومي
وبرنسيب ودولة تشاد.
ساوتومي وبرنسيب
تتكون تلك الدولة الصغيرة من جزيرتين فقط، وتبتعد بمسافة 150 ميلاً عن
الساحل الغربي لإفريقيا، وكانت تعتمد في نشاطها الاقتصادي على الصيد والتقاط
الفاكهة وتصنيع الكاكاو وتصديره.
وقد عانت تلك الدولة الصغيرة من مشكلات الفقر وقلة الإمكانيات المادية،
حتى أنه وفي عام 2003 بلغت موازنتها السنوية 74 مليون دولار فقط، وكان نصيب الفرد
من الناتج المحلي الإجمالي لا يزيد عن 1200 دولار سنوياً.
وقد بدأ التغير الحقيقي في مستقبل تلك الدولة الصغيرة في عام 1997، عندما
كشفت عمليات المسح الجيولوجية عن وجود مخزون ضخم يتراوح ما بين 4 و11 مليار برميل
من النفط قبالة سواحل ساوتومي وبرنسيب مباشرة.
وفي عام 2003 بدأت عمليات الاستكشاف فعلياً، وتم العثور على النفط داخل
المياه الإقليمية لساوتومي وبرنسيب، وبعد عام واحد فقط فاز عدد من الشركات
العالمية بحق التنقيب على النفط في المنطقة.
هذا التغيّر الكبير، صاحبه تطور وتبدل في الوضع الجيوسياسي لتلك الدولة
الصغيرة، التي لم يسمع بها إلا القليلون حول العالم. فقد تنبه العالم أجمع لتلك
الدولة بعد التأكد من احتياطاتها النفطية الكبيرة، حيث أعلنت الولايات المتحدة
الأميركية عن أنها بصدد بناء قاعدة بحرية في خليج غينيا من أجل مراقبة وحراسة
منصات النفط وحركة ناقلاته، ويبدو هذا أمراً منطقياً إذا ما عرفنا أن 15% من
واردات الولايات المتحدة النفطية تأتي من تلك المنطقة تحديداً، وأن هناك احتمالية
كبيرة بأن تتزايد تلك النسبة لتصل إلى 25% في خلال السنوات القلائل المقبلة.
تشاد
في الشمال من دولة ساوتومي وبرنسيب تقع دولة تشاد في قلب القارة
الإفريقية، وهي دولة فقيرة إلى أبعد حد ممكن.
تشاد التي حصلت على استقلالها من فرنسا في عام 1960، كانت تعتمد في
اقتصادها على محصول وحيد وهو القطن. وفي عام 1985 صنف البنك الدولي تشاد كواحدة من
الدول الخمس الأشد فقراً على مستوى العالم، حيث كان نصيب الفرد التشادي الواحد 160
دولاراً فقط، وكان ثمانون بالمائة من السكان يعيشون على أقل من دولار واحد يومياً.
في ستينيات القرن العشرين، تم اكتشاف خام النفط منخفض الجودة في تشاد،
ولكن لم يتصاحب ذلك مع الإسراع في تشييد البنية التحتية اللازمة لضخه، لأن
المستثمرين خشوا من عدم استقرار السلطة السياسية واستشراء الفساد في البلاد،
واستمر ذلك الموقف على حاله على مدار ثلاثين عاماً متوالية.
وفي عام 1999 تم تدشين مشروع مشترك ما بين الحكومة التشادية من جهة وعدد
من شركات النفط العالمية التي تقودها شركة أكسون موبيل من جهة أخرى، وتم التخطيط
لإنشاء خط أنابيب بطول 650 ميلاً يمكنه نقل 225 ألف برميل نفط يومياً، وفي ضوء
توافر التمويل اللازم للمشروع، سرعان ما صارت تشاد دولة جاذبة للاستثمارات.
وفي عام 2003، بدأ الضخ الفعلي للنفط التشادي، وبعدها بعام واحد، تم تصنيف
الاقتصاد التشادي على كونه واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم.
أفريقيا: بين أميركا والصين
الأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر في
عام 2001، أجبرت الولايات المتحدة على البحث عن مناطق جديدة للاستحواذ على
احتياطاتها النفطية.
أفريقيا كانت من أهم البقاع التي توجهت إليها عيون الشركات الأجنبية، ولكن
الخلل السياسي القائم في معظم الدول الأفريقية عطّل من سرعة استغلال النفط
الأفريقي، وذلك لأن شركات النفط العملاقة لا يمكنها أن تتعامل مع أنظمة سياسية
تتغير وتتبدل كل بضعة أشهر، وهو الأمر الذي كان يصب في صالح استيراد النفط
الخليجي، لأن الأنظمة الخليجية برغم ما تواجهه من تحديات وتغيرات، لا تزال صامدة
وباستطاعتها الحفاظ على اتفاقياتها مع الجهات الاستثمارية الخارجية.
ومع أوائل تسعينيات القرن العشرين، بدأ نوع من الاستقرار السياسي في
الظهور في القارة الأفريقية، وهو ما نتجت عنه زيادة في معدلات ضخ النفط الأفريقي
للولايات المتحدة، بحيث نجد أن نسبة الواردات النفطية الأميركية من أفريقيا قد
تساوت تقريباً مع النسبة المتحصل عليها من الشرق الأوسط، مع وعود وإرهاصات بتزايد
النسبة الأفريقية في الأعوام القليلة المقبلة.
من جهة أخرى، فإن المؤلف يتطرق إلى الدور الذي تلعبه الصين في أفريقيا،
فهو يؤكد أن الصين ومنذ تسعينيات القرن العشرين، قد عرفت أن احتياطاتها النفطية لا
يمكن أن تؤمن لها حاجتها إلى النمو الصناعي الذي تسير على دربه، ولذلك ولّت وجهها
نحو منطقة غرب أفريقيا للحصول على كميات مهولة من النفط الأفريقي.
وقد أدى ذلك إلى تضخم العلاقات الاقتصادية الصينية - الأفريقية، لتبلغ
الشراكة ما بين الطرفين 55 مليار دولار في عام 2006.
ويؤكد سليتر أن أحد الأسباب المهمة في توسيع دائرة الشراكة، أن الصين قد
أغفلت التعليق عن العديد من الممارسات غير القانونية وغير الأخلاقية التي تمارسها
الأنظمة السياسية في أفريقيا، على غرار الرشوة والفساد وانتهاك حقوق الإنسان، وهي
الممارسات التي صنعت حاجزاً منيعاً ما بين الدول الأفريقية والغرب في الكثير من
الأحيان.
التوسع الصيني في أفريقيا، لم يقتصر على شراء النفط فحسب، بل أنه امتد
ليشارك في التنقيب عن النفط في أراضي القارة السمراء أيضاً. ففي عام 2007 شارك
الصينيون في العديد من عمليات التنقيب في الجزائر وتشاد والسودان والكونغو والغابون
وأنغولا وغينيا الاستوائية، وقد استطاع الصينيون أن يجتذبوا إليهم حكومات تلك
الدول، لكونهم كانوا يرحبون بالمشاركة في التنقيب في المشاريع المتوسطة والصغيرة،
ولا يشترطون أن تكون الحقول النفطية التي سيتم التنقيب فيها كبيرة الحجم، وهو
الأمر الذي كان يقوم به الأميركيون والكنديون.
ويضرب سليتر مثالين مهمين يدللان على صدق وجهة نظره: المثال الأول هو ما
قامت به الصين في دولة أنغولا. ففي عام 2004، رفض البنك الدولي الإفراج عن قرض لأنغولا
بمبلغ مليار دولار، وذلك بسبب زيادة الفساد المالي في تلك الدولة الأفريقية، ولم
تنتظر الصين كثيراً، فقد قامت بتقديم القرض. وبعد أقل من سنتين تم رد الجميل للصين،
ففي عام 2006، تم تقديم عرض من جانب شركة ساينوبك الصينية للحكومة الأنغولية،
لإتاحة التنقيب في أراضيها، وتمت الموافقة عليه. كما أن أنغولا أصبحت المورد
النفطي الأول للصين في أفريقيا، اذ يمثل النفط الأنغولي نسبة 40% من مجموع
الواردات النفطية الأفريقية للصين.
المثال الثاني الذي يستشهد به سليتر، هو دولة زيمبابوي، التي عُرف نظامها
الحاكم بانتهاك حقوق الإنسان في فترة رئاسة الرئيس الأسبق روبرت موغابي، حيث تعرضت
لانتقادات كثيرة من الغرب. وقد انتهزت
الصين تلك الفرصة بشكل مثالي، فقدمت حزمة مساعدات مالية كبيرة لهذه الدولة
الأفريقية في مقابل الحصول على حق امتيازات تنقيب في أراضيها.
قوة الصحراء: الخليج والشرق الأوسط
في عام 1932 تم توحيد القبائل العربية في الحجاز في دولة واحدة، وهي دولة
المملكة العربية السعودية. وكانت مصادر
دخل تلك الدولة، تنحصر في العوائد المتحصلة من الحج وزيارة الأماكن الإسلامية
المقدسة. ولكن في عام 1933، ظهر مصدر دخل جديد للسعودية، بعد أن تم اكتشاف النفط في
ها.
عن طريق المفاوضات، حصلت شركة "سوكال" على امتياز التنقيب عن
النفط السعودي، وسرعان ما دعت شركة تكساكو إلى الانضمام والمشاركة في الصفقة، هذه
الشراكة هي التي تمخضت فيما بعد عن ظهور شركة النفط الأميركية - العربية المعروفة
باسم آرامكو.
في بداية الأمر لم يشعر السعوديون بأي تحسن اقتصادي، ولكن ومنذ منتصف
القرن العشرين، بدأت عوائد النفط في المساهمة في تغيير شكل المجتمع السعودي بشكل
كامل.
فالمجتمع البدوي الرعوي خطا بخطى واسعة نحو التقدم والتحضر، وتم استخدام
الأموال المتحصلة من النفط في تحقيق تنمية حقيقية في مجالات العمران والتعليم
والصحة.
في 1950 حدث الخلاف الأول ما بين الدولة السعودية من جهة وشركة أرامكو من
جهة أخرى، وكان الخلاف يتركز في نسبة السعودية من العوائد، وأمام الإصرار الذي
أبداه الملك عبد العزيز بن سعود في تلك المسألة، تم الاتفاق على رفع نصيب السعودية
ليصل إلى 50% من الأرباح.
طموحات السعودية للسيطرة على مصادرها النفطية سرعان ما تنامت باطراد، حتى
استطاع السعوديون في عام 1980 أن يستحوذوا على كامل أسهم شركة أرامكو، وتم تغيير
اسمها ليصبح شركة النفط السعودية العربية (أرامكو السعودية).
يؤكد سليتر أن تصرف السعودية في هذا الوقت كان مخالفاً للتوجهات العمومية
التي تنتهجها دول العالم الثالث النفطية، ذلك أن تلك الدول قد اعتادت أن تكون
حريصة في معاملتها مع الدول العظمى المسيطرة على تقنيات التنقيب واستخراج النفط.
خطوة السعودية، اكتملت بعدما لعبت المملكة دوراً في غاية الأهمية في تأسيس
منظمة الأوبك، والتي كان هدفها الرئيس هو دعم دول العالم الثالث النفطية في مواجهة
القوى العظمى.
قوة السعودية ظهرت بشكل واضح خلال حرب أكتوبر 1973، عندما رفضت تصدير
النفط إلى الدول الموالية لإسرائيل، مما أسهم في الضغط على الولايات المتحدة الأميركية
وحلفائها الغربيين، وهو الأمر الذي يعتقد سليتر أنه من الممكن أن يتكرر في السنوات
المقبلة، خصوصاً في ظل الاضطرابات السياسية الحادثة في الشرق الأوسط.
كيف يؤثر النفط في تحقيق الحلم الأميركي؟
في 27 آب أغسطس من عام 1859، تم اكتشاف أول بئر نفط في أميركا في ولاية
بنسلفانيا، ومنذ ذلك الوقت ارتبط مصير الولايات المتحدة الأميركية وحلمها بمصير
النفط. فمن بين جميع دول العالم كانت الولايات المتحدة هي الدولة الأعظم استفادة
من هذا الزيت الأسود، حيث أقامت قواعدها الاقتصادية والصناعية جميعها على أساس
القوة المحركة الناتجة عن هذه السلعة النفيسة.
ليس ذلك فحسب، بل مع ظهور واكتشاف الآبار النفطية في أميركا، بدأ تأسيس
عدد من الكيانات الاقتصادية الهائلة، التي استطاعت أن تناطح بعض الدول الكبرى في
بعض الأحيان.
ففي عام 1870، أسس جون دي روكفلر شركة "ستاندرد أويل"، وفي عام
1911 أصبحت تلك الشركة تسيطر على نسبة كبيرة للغاية من صناعة النفط، وهو ما دعا
الحكومة الأميركية حينها إلى إجبارها على التفتت إلى كيانات اقتصادية أصغر حجماً،
مما أدى إلى ظهور 34 شركة صغيرة، ثم تمت إعادة دمج بعض تلك الشركات مع بعضها البعض.
وجرت الاستعانة ببعض التمويلات البريطانية والأميركية حتى تمخض الأمر في نهايته عن
ظهور سبع شركات نفطية كبرى تحكمت تماماً في السوق النفطية العالمية، وقد عرفت تلك
الشركات باسم الأخوات السبع.
ومع مرور الوقت واتساع رقعة الكشوفات والتنقيبات النفطية في شتى أنحاء
العالم، بدأت الأخوات السبع في تقديم خدماتها لعدد من الدول النامية التي لا تمتلك
التقنيات المناسبة لاستخراج النفط المختزن في أراضيها.
حاجة أميركا للنفط زادت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد شهد
المجتمع الأميركي تغيراً ملحوظاً في تركيبته السكانية والحضرية، وذلك عندما رجع آلاف
الجنود من ميادين المعارك إلى الولايات المتحدة، وانتقلوا للسكن في المدن وتركوا
الريف، وسعوا إلى تكوين أسر وعائلات والتمتع بمظاهر الرفاهية الأميركية. كل ذلك
أدى إلى زيادة الطلب على النفط لتسيير الحياة الأميركية في طريقها التقليدي، فتمت
مضاعفة الطلب على السولار ثلاث مرات، في الفترة ما بين عامي 1948 و1972.
النهم المتزايد للنفط من جانب الولايات المتحدة الأميركية، جعلها تعارض
بشدة أي محاولة لتأميم صناعة النفط في أي دولة من دول العالم الثالث، وظهر ذلك
بشكل واضح في موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة من حركات التأميم في فنزويلا عام
1968، وليبيا عام 1970، والجزائر عام 1971، والعراق عام 1972.
إيران: القوة المستمدة من النفط
كانت إيران في الفترة الأخيرة من حكم الشاه محمد رضا بهلوي، من أبرز الدول
النفطية في العالم، حيث كان إنتاجها من النفط في عام 1979 يصل إلى أربعة ملايين
برميل يومياً، ولكن سرعان ما تناقص ذلك الإنتاج بعد الثورة ليصل في عام 1980 إلى
أقل من مليون برميل.
في عام 2007 استردت إيران بعضاً من عافيتها الإنتاجية، فوصل عدد براميل
النفط المستخرجة يومياً من أراضيها إلى نحو 1.6 مليون برميل.
إيران التي كانت خلال الحقبة الشاهنشاهية ترتبط بعلاقات وثيقة بالغرب
عموماً وبالولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، دخلت في صدام إيديولوجي مع
الأخيرة بعد ثورة عام 1979. وبالتبعية خسرت المزايا التقنية المقدمة من أميركا
لتطوير المنشآت النووية الإيرانية واستخدامها في الأغراض السلمية، فبدأت تولي
وجهها شرقاً للبحث عن تحالفات جديدة مع القوى الآسيوية، مثل الصين وروسيا.
إحدى الظواهر النفطية التي نتجت عن الخلاف الإيراني- الأميركي العميق، هي أن
طهران قد بدأت في دراسة بعض السبل لتعظيم فوائدها من النفط من جهة، والإضرار
بمصالح واشنطن من جهة أخرى. ولذلك تم التفكير في أن تطرح إيران سلعتها النفطية على
المشترين باليورو وليس بالدولار الأميركي كما هو معمول به حالياً.
ويشرح سليتر هذه الفكرة قائلاً: "ستكون الفكرة أن يعرض على المشترين
الدوليين للنفط خيار إما شراء البرميل مقابل 50 دولاراً في بورصة نايمكس أو آي بي
إي، وإما شراؤه مقابل 37 جنيهاً استرلينياً أو 40 يورو مثلاً في البورصة الإيرانية".
إذا ما اقدمت طهران على تلك الخطوة، فمن المؤكد أن الاقتصاد الأميركي سوف
يتعرض إلى نكسة كبرى، وسيحدث انخفاض شديد في العملة الأميركية، وستتعرض الولايات
المتحدة لأكبر أزمة اقتصادية في تاريخها بعد الكساد الكبير الذي شهدته في
ثلاثينيات القرن العشرين.
ولهذا فإن المؤلف، لا يستبعد أنه في حالة إقدام طهران على ذلك الأمر، أن
تلجأ واشنطن إلى الخيار العسكري وأن يشهد الشرق الأوسط حرباً ضروس ما بين الغريمين
اللدودين.
خاتمة
استطاع روبرت سليتر في كتابه أن يؤصل للأهمية الكبرى التي يشغلها النفط في
عالمنا المعاصر، كما أنه تطرق إلى العديد من النقاط الفرعية المتعلقة بمسألة النفط
وتداعياتها المحتملة في المستقبل القريب. وفي الوقت ذاته تنبه سليتر إلى الآثار
والنتائج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي صاحبت تطور اكتشاف واستخراج تلك
السلعة الاستراتيجية المهمة.
ويُحسب للكاتب أنه لم يتحيز إلى الأفكار والآراء الغربية، ولم يقصر أهمية
الدول النفطية في العالم الثالث، على كونها مصدراً للنفط إلى الدول المتقدمة
الغربية ليس إلا، بل أنه حاول - قدر الإمكان - أن يفسّر إجراءات وتصرفات تلك الدول
وفق الأطر السياسية والفكرية والظروف المجتمعية السائدة فيها.