خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية/ مقاربة مفاهيميّة

تفترض دارسة الباحث السوري الدكتور عقيل سعيد محفوض المعنونة "خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية/ مقاربة مفاهيميّة" الصادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات، مداد، أخيراً أن الحدث السوري كان-في جانب منه-نتيجة صدوع في المدارك النمطية حول سورية، كما كان سبباً في صدوع أخرى على صلة بها أيضاً.

دراسة "خط الصدع؟ في مدارك وسياسات الأزمة السورية/ مقاربة مفاهيميّة"
    بدأت الأزمة السورية (آذار/مارس 2011) بوصفها حدثاً، صادماً، وغير مسبوق، وحدّاً فاصلاً، ولا متوقعاً، وخلافياً، وارتيابياً، وما بعد حداثيّ. وكانت السمة الأبرز لها، أنها حدثٌ عابرٌ ومؤقتٌ، ومحكومٌ بنهاية سريعة تتمثل بإسقاط "النظام" وانتصار المعارضة، أو العكس. وفي الوقت الذي كانت المعارضة وحلفاؤها يتحدثون فيه عن أيام معدودة للسيطرة على دمشق، كان الرئيس بشار الأسد يتحدث في مرحلة مبكرة عن أزمة مديدة و"معركة غير مسبوقة في تاريخ سورية الحديث".

    وقد استخدم الرئيس بشار الأسد تعبير "خط الصدع"، لتوصيف الحدث السوري وموقعه في عالم اليوم، في بُعدٍ دلاليٍّ مركبٍ، مُستمد من الجيولوجيا وعلوم الزلازل وتاريخها في المنطقة نفسها. وقد يكونُ الرئيس الأسد أول من استخدمه في بعده الدلاليّ الرئيس (إشارة إلى الرهانات الإقليمية والدولية) حول الحدث السوري.

    تتناول الورقة "الصدوعَ" في مدارك وسياسات الأزمة السورية، من خلال مقاربة مفاهيمية تفكيكية، تقوم على ديناميتين: الأولى، هي "تفكيك" الحدث، والثانية، هي "عمارة" أو "تركيب" مفهوم "الصدع" أو "خط الصدع".  وتفترض الدارسة أن الحدث السوري كان-في جانب منه-نتيجة صدوع في المدارك النمطية حول سورية، كما كان سبباً في صدوع أخرى على صلة بها أيضاً.

    تتألف الدراسة من مقدمة وثمانية محاور، أولاً: سلطة المفاهيم والرموز؛ وثانياً: بناء/عمارة المفاهيم، وحدود المفهوم ومخاطره؛ وثالثاً: ما هو خط الصدع؟ ورابعاً: مفهوم خط الصدع؟ وأي صدوع في مدارك وسياسات الأزمة السورية؟ وخامساً: الصدوع الدولية؛ وسادساً: الصدوع الإقليمية؛ وسابعاً: صدوع المعنى؛ وثامناً: الاستخلاصات أو الإشارات والتنبيهات. والخاتمة.

    تخلص الدراسةُ إلى أن مفهومَ "خط الصدع" يحيل إلى "مبادرة لغوية" و"إدراكية"، وتعبّر عن قراءة تفاعلية ودينامية نشطة للمجال السياسي، وهي ليست وليدة "مخيال لغوي" أو "مخيال سياسي" فحسب، وإنما هي تخليق لمعانٍ وتعابير جديدة، أيضاً، وأن تعبير "خط الصدع" يكشف عن طاقة تنبؤية أو استشرافية أو كشفية. وهذا لا ينفي أن يكون التعبير صادراً عن مدارك عميقة تخص سياسات إدارة الأزمة السورية، على قاعدة "الإدارة بالأزمة" مثلاً.

    وحدثت أنماطٌ من الصدوع، مثل: صدوع "تمركُز" السياسات العالمية حول واشنطن، وصدوع أنماط المدارك والتفاعلات بين مختلف القُوى والفواعل الإقليمية والدولية، ليس فقط فيما بين التحالفات، وإنما داخل كل منها، وبين مكوّناتها، وحتى داخل بعض وحداتها وفواعلها بالذات. كما أنَّ الحدثَ صدّع سياسات "الربيع العربي" و"الثورات الملونة"، وخططَ نقل الطاقة عبر سورية، والحدود والجغرافية السياسية والخرائط والهويات والانتماءات في المنطقة.

     وقد أنتج الحدثُ السوري واقعاً سوريّاً وإقليمياً ودولياً مُختلفاً عمّا كان قبل (آذار/مارس 2011)، فقد كانت التقديرات العالمية تتحدث عن مسارات رئيسة لتطور السياسة في العالم، ومصادر التهديد المختلفة، ولم يكن بينها أي تقديرات يُعتدُّ بها حول تطورات الأمور في الشرق الأوسط، ذلك أن المنطقة كانت واقعة تحت تأثير صدوع من نوع مختلف، أو لنقل انقسامات وتحالفات متباينة بشكل متزايد، لكن لم يدر في خلد أحد أن الأمور ستتجه إلى انفجار الأوضاع على النحو الذي حدثت فيه. 

اخترنا لك