ثقافة الخوف والعسكرة في المنهاج الدراسي الأميركي
يفحص الكتاب ظاهرة "عسكرة" المنهاج التعليمي في المدارس العامة الأميركية، بذريعة وجوب التصدي لخطر "الإرهاب العالمي"
كتاب "ثـقافة الخوف في المنهاج الدراسيّ: ’الأمن القومي‘ يغـزو المدارس العامة في الولايات المتحدة"، للكاتبة نيكول نْغويِـن؛ يطال ظاهـرة "عسكرة" المنهاج التعليميّ في المدارس العامة الأميركية؛ بذريعة وجوب التصدّي لتمرّد "الإرهاب العالميّ". وتفصّل الكاتبة مَعالمَ هذا المنهاج الذي يتمّ تنسيقه بالتعاون بين مؤسسات أمنية في القطاع الخاصّ، و"وكالة الأمن القوميّ" التابعة للحكومة الفيديرالية الأميركية. وتعرّفنا الكاتبة على تلاميذَ أميركيين، في خضمّ عملية تسخيرهم لخدمة الأهداف الاستخباريّة للسوق الأمنية الأميركية؛ وعلى الحقائق "الصادمة" التي تتجلّى في "عنصرية" التوجّه الأمنيّ الأميركي، في استهداف ذوي العِـرق غير الأبيض، والمسلمين، وذوي الأحوال الاقتصادية التعيسة في المجتمع الأميركي؛ لتجنيدهم في إطار السعي الإمبريالي الأميركيّ للهيمنة على العالم، والمستـتِـر خلف قناع "الحرب على الإرهاب".
"عسكرة" الحياة المدرسية!
يؤكّد الكتاب أنّ التكثيف المتسارع لسياسة "التعصّب وانعدام التسامح" في المدارس الأميركية، يعكس واقع "عسكرة" المجتمع الأميركي؛ وهي عمليّة تسعى لإعادة هيكلة جميع مظاهـر الحياة الاجتماعية لتخدم أجندة عسكريّة تحدّدها الإدارة الأميركية.
وينقل الكتاب تعريفًا لحالة "العسكرة"؛ بأنها "العملية الاجتماعية المتناقضة والمتوتّرة، التي في إطارها يهيِّئ المجتمعُ المدنيُّ نفسَه لإنتاج العنف"، وأنها "العملية المتعدّدة الوسائل، والتي يتـمّ في إطارها غـرسُ الذهنية العسكرية ومظاهرِ العسكرة، في صميم النسيج الاجتماعي".
و"العسكرة" كذلك تعيد ترتيب المُثُــل السائدة، والأدوارِ الاجتماعيّة (للذكور والإناث)، والمشاعـر الإنسانية؛ بنحو تسخّرها معه لإنتاج العنفَ. وبهذا؛ توجّه حالةُ "العسكرة" الطاقاتِ الثقافيةَ والسياسيةَ والاقتصاديةَ نحوَ التهيِئة المستمرة للحرب، مقـلّبة بذلك جميعَ مظاهر الحياة الاجتماعية "السلمية" الاعتياديّة.
ويشير الكتاب إلى أنّ المدارس العامة الأميركية تمثّـل ساحة مناسبة وأساسية لنشر الذهنية العسكرية، وتهيئة الشباب لتنفيذ العمليات العسكرية، وشرعنة الحروب التي تقـرّر شـنَّها الولايات المتحدة. فبالتعاون مع المؤسسة العسكرية الرسمية في الولايات المتحدة؛ تعمد المدارس إلى تبديل مناهجها التعليمية، وثقافتها الأكاديمية، وسياساتِها البيداغوجية، لتخدم إنتاج وإدارة العنف. وفي المحصّلة؛ فإنّ هذه الأطُر التعاونية، بين المدارس العامة والمؤسسة العسكرية الأميركية، تغرس العقيدة العسكرية والسلوك العسكري والميول القتالية في نفوس الأفراد (التلاميذ) في ملاكات المدارس العامة الأميركية.
ويؤكّد الكتاب أنّ المدارس الأميركية باتت تشجّع الشبابَ، بنحو متزايد، على الانخراط في برامج تـدريب عسكريّ أعـدّتها الدولة الفيديرالية بغية تسخير الطاقة الشبابية لخدمة أجندات السياسات الخارجية للدولة الأميركية (تحت شعار "الحرب على الإرهاب"). وهذه البرامج التدريبية يتمّ تمويلها من قِبل وزارة الدفاع الأميركية، وهي تهدف إلى بلوَرة شخصية عسكرية للشباب الأميركي، بغية تأهيلهم ليصبحوا ضبّاطًا في المشروع الهيمنيّ الخارجيّ للإدارة الأميركية.
ويتجلّى هذا في إلزام الشباب المتعلّم على الحضور إلى المدارس العامّة مرتـدِينَ الزيّ العسكريّ! وفي إخضاعهم لفحص مدى التزامهم بهذا الزيّ، وفي مشاركتهم في تـدريب بدنيّ رياضيّ وفق شروط المؤسسة العسكرية، وفي تعليمهم تاريخ المؤسسة العسكرية الأميركية، والمهارات العسكرية، على أيدي مدرّبِينَ عسكريين محترفين.
ويلفت الكتاب إلى التزايد المستمر في عدد المدارس العامة الأميركية التي باتت تتبنى "الوجهة العسكرية" ضمن منهاجها التعليمي، مدعومة دائمًا من قِبل وزارة الدفاع الأميركية (تمويلًا وإشرافًا). كما يلفت الكتاب إلى أنّه غالبًا ما يعمد أهالي الكثير من الأسَر الأميركية إلى اختيار المدارس ذات "الوجهة العسكرية"، لعدم استيفاء أبنائِهم المؤهلاتِ العلميةَ المطلوبة للدخول إلى المدارس المستقلّة (غير ذات الوجهة العسكرية) في المجتمع المدنيّ.
لذا – يؤكّد الكتاب – فإنّ "الأكاديميات العسكرية" العامّة هي، غالبًا، الحلُّ الأنسبُ للأسَر التي تنتمي إلى البيئات التي تعاني من أوضاع اقتصادية متردّية، ومن اللااستقرار الماديّ، اللذينِ كثيرًا ما يترافقان مع مستوًى أكاديمي متـدنٍّ لدى الناشئة في هذه البيئات؛ حتى لو لم يكن لدى هذه الأسَر أيُّ اندفاعة أو حماسة لتعليم أبنائهم ضمن إطار عسكريّ، أو إرادة للدفع بهم إلى الانخراط في المؤسسة العسكرية والحروب الأميركية الخارجية.
ويشير الكتاب إلى حرص وزارة الدفاع الأميركية المستمرّ، على أن تُربّى أجيال الناشئة في الولايات المتحدة، على الانضباط في إطار الذهنية العسكرية؛ فأقامت برنامجًا شبابيًّا لزيادة منسوب الرغبة الشبابية في المهارات التي تتوافق مع متطلبات التكنولوجيا الحربية المتطوِّرة، لدى وزارة الدفاع الأميركية. لذا، تعمد وزارة الدفاع إلى إدراج تلاميذ الصف الرابع، في دورات تدريبيّة مكثّفة في ملاك "الحَـرَس الوطني"، والبحرية الأميركية US Navy، واحتياطيّ القوات الجوية، والجيش الأميركي؛ من أقصى الولايات المتحدة إلى أقصاها.
وفي مراكز التدريب هذه؛ يعمد متطوّعون عسكريّون إلى تطبيق المفاهيم العسكرية في حيّز الواقع المُعاش، من خلال محاضرات موجّهة إلى الناشئة. ويحصي الكتاب 545 ألفَ تلميذٍ، ممّن يتمّ إقناعُهم بأنهم في خطر من "الخارج" ما لم يُتقنوا فنونَ الحرابة؛ قد بَنوا علاقات وطيدة – في إطار البرنامج الذي ترعاه وزارة الدفاع الأميركية -- مع أساتـذتهم العسكريين، وشارَكوا في تدريبات حربية في مراكز عسكرية في مختلَف أنحاء الولايات المتحدة.
ويؤكّد الكتاب أنّ الافتراضات المسبقة، لدى المؤسسة العسكرية الأميركية، حيالَ قابليةِ ذوي العِرق غير الأبيض، وذوي الطبقة الاجتماعية الفقيرة، دون غيرهم من أفراد المجتمع، لتلقّي التدريب العسكريّ الأمنيّ؛ تُـشرعِن إجبارَ التلاميذ، من ذوي العرق غير الأبيض، والفقراء، على الانخراط في البرامج التدريبية العسكرية، بدل اندماجهم في بيئات أكاديمية تثـقيفية مدنية (على نحو ما هم عليه ذوو البشرة البيضاء، والطبقة الميسورة نسبيًّا في المجتمع الأميركيّ).
كما تؤمّن وزارة الدفاع الأميركية أطُـرًا وظيفيّة للجنود الأميركيين العائدين من حروب الولايات المتحدة في الخارج، فتخصّص لهم وظائفَ في مجال التعليم في المدراس العامّة حيث تريد الإدارة الأميركية للناشئة تلقّي المهارات والثقافة والخبرات العسكرية.
وقد أحصى أحدُ المواقع الإلكترونية التابعة لأحد البرامج العسكرية التدريبية، أكثـرَ من ستة آلاف عضوٍ من المؤسسة العسكرية، تـمّ اعتمادُهم في مجال التعليم في المدارس العامة الأميركية، لدى عودتهم من المعارك التي خاضتها الولايات المتحدة في الخارج. فيما تَعتبِر إدارات المدارس العامة أنّ اعتمادَ هؤلاء العسكريين المحترفين، إجراءٌ ضروريّ لغرس ثـقافة الانضباط في نفوس التلاميذ الجامحين أخلاقـيًّا، ولتعزيز الانخراط في المؤسسة العسكريّة على نحو ضمان الاكتفاء الماديّ لهؤلاء التلاميذ مستقبَلًا.
ويضيف الكتاب أنّ القيّمين على عمليات التجنيد في الجيش الأميركي، يقدّمون الهدايا إغراءً للتلاميذ (في إطار برامج التـدريب)، ويجهدون في التقـليل من مدى خطورة الانخراط في أهداف المؤسسة العسكرية، ويجمّلون التجربة الحربية في مخيّلة الناشئة، ويركّـزون على أنّ الخدمة العسكرية توفّـر الاستقرار الماديّ. حتّى أنّ هؤلاء القيّمين على عمليات التجنيد يلجؤون إلى التركيز على إقناع التلاميذ ذوي الشعبية – والمحبوبينَ بين أقرانهم في المدرسة -- بالانضمام إلى المؤسسة العسكرية، لجذب باقي التلاميذ إلى الانخراط في التجربة العسكرية.
إنّ القيَم والأجندات العسكرية، المملوءة بالافتراضات السلبية المسبقة تجاه ذوي العِرق غير الأبيض، وتجاه ذوي الطبقات غير الميسورة في المجتمع؛ تتغلغل في صميم النسيج الاجتماعي في المدارس والمجتمع الأوسع في الولايات المتحدة، واسمةً الوعي اليوميّ لأفراد الشعب بالتعلّق بالحرابة والعمل من أجلها!
ويشير الكتاب إلى أنّ الكثير من العناصر الفاعلة في المجتمع الأميركي، تشارك في تزخيم شنّ الحروب، وإعادة هيكلة النسق البيداغـوجيّ داخل المدارس العامّة في الولايات المتحدة، لخدمة أهداف وزارة الدفاع. فإنّ "مقاولي الدفاع"، ومؤسسات الأمن القومي، والمنظمات الحكومية، ومورّدي الأسلحة؛ كلّها تساهم في الحروب التي تشنّها الولايات المتّحدة على أكثر من جبهة، من الفلّوجة (في العراق) إلى المنطقة الحدودية بين الولايات المتحدة والمكسيك، والموانئ الجوية الأميركية، والحيّز الإلكتروني الافتراضي الشامل لأرجاء المعمورة.
ويضيف الكتاب أنّ تحويلَ طابع المنهاج التعليمي في المدارس العامة إلى "الطابع الأمني" (الذي يخدم مآرب السياسة الخارجية للولايات المتّحدة)، يعزّز الحاجة إلى إعادة بلوَرة أطُر التعليم بنمط يخدم الذهنية الحربية. ويتمّ ذلك من خلال ترتيبات مؤسسيّة يتشارك فيها كلّ من "وكالة الأمن القومي" (NSA)، و"مقاولو الدفاع" في القطاع الخاص، والشركات الأمنية المتنوّعة.
إنّ مفهوم "عسكرة التعليم"، يتـمّ تدريجيًّا توسعتُه ليصيرَ مفهومَ "أَمنـيّة التعليم" (فيتّخذ التعليم الطابع "الأمنيّ" الذي يستـلزم – من ضمن ما يستلزم – "عسكرة" عملية تـنشئة الشباب في المدارس العامّة). وعملية "اجترار" المفاهيم العسكرية في قوالب جديدة ومتناسقة، تخدم مصلحة المؤسسات والشركات والمنظمات الأمنيّة، العامّة والخاصّة، في تسخير الطاقة الناشئة في المجتمع الأميركي لتحقيق مآرب "الحرب العالمية ضدّ الإرهاب" التي تقودها الولايات المتحدة، لا على الخطوط الأمامية الحربية في الميدان فحسب، بل على نطاقات جديدة يطالها السعي الأميركي في إطار عملية هيمنته على دول العالم.
"التعليم" لخدمة التكنولوجيا الحربية الأميركية!
في العام 2012؛ حذّرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس، ومعها مستشار قسم التربية والتعليم في مدينة نيويورك، جول كلاين؛ من أنّ "كثيرًا من مدارس الولايات المتحدة تخفق في تدريس التلاميذ المهاراتِ الأكاديميةَ التي تؤهّلهم للنجاح... وهذا يؤثّر سلبًا على الأمن القومي الأميركي". ودعا تقريرٌ أصدراهُ، في هذا الخصوص، إلى التركيز بقوّة على التدريب المهنيّ للناشئة، لا سيّما في موادّ الرياضيات والعلوم، من أجل ضمان استمرار حماية الداخل الأميركي (من خطر الإرهاب الخارجيّ) وحماية الاقتصاد الأميركي.
وشدّدت رايس، ومعها كلاين، على أنّ الإخفاق في هذه المهمة سيجعل الولايات المتحدة عرضةً لخطر الهجمات الإرهابية الكارثية، وسيحوّل الاقتصاد الأميركي إلى اقتصاد هـشّ وضعيف.
وعلى نحو تحذيرات رايس وكلاين، المملوءة تخويفًا ورعبًا؛ أعلن تقرير للجنة الأمن القومي الأميركية، للقرن الحادي والعشرين، أنّ التعليمَ "ضرورة لحماية الأمن القومي"، إذ إنّ "التعليم في مجال العلوم والرياضيات والهندسة، يمتّ بصِلة وثيقة إلى مستقبل الأمن القومي الأميركي، وإلى قدرة الولايات المتحدة على سيادة العالم".
ويشير الكتاب، بعد هذا، إلى أنّه "يبدو أنّ الحرب العالمية على الإرهاب تتطلب إعادة هيكلة نمط التعليم في المدراس العامّة في الولايات المتحدة، بنحوٍ يجعلها تتلاءم مع أولويّات الأمن القوميّ للإدارة الأميركية".
وكانت لجنة الاستخبارات الوطنية قد أبدت حاجة ملحّة لاستقطاب شباب تحديدًا من ذوي البشرة غير البيضاء، إلى صفوفها. وينقل الكتاب عن رئيسة لجنة الاستخبارات، والعضو في الكونغرس الأميركي، جاين هارمن، قولَها لدى تمرير قانون "الإصلاحات الاستخبارية وتجنّب الإرهاب" في العام 2004؛ إنه "لا يمكننا، بعد الآن، أن نتوقّع أن تكون لجنة الاستخبارات المكوَّنة، بمعظمها، من رجالٍ، ومن ذوي البشرة البيضاء؛ قادرةً على مراقبة واختراق منظّمات مشبوهة ومجموعات إرهابية. فنحن في حاجة إلى جواسيس يكونون شبيهينَ بالأشخاص (الإرهابيينَ) الذين يقعون تحت مراقبتهم، وإلى ضبّاط استخبارات في وكالة الاستخبارات المركزية CIA قادرين على التكلّم باللّكنات التي يستعملها الإرهابيون، وإلى عميلات مكتب التحقيقات الفدرالي FBI يمكنهنَّ أن يتكلَّمْنَ مع النساء المسلِمات (في البيئات "الإرهابية" حول العالم) اللواتي قد يَخَـفْـنَ من التحـدّث إلى الرجال".
وقد أبرمت لجنة الاستخبارات هذه، اتفاقياتِ شراكةٍ مع معاهـد تعليم عالٍ، واستحدثت مبادراتٍ عملانيّةً لاستقطاب شباب من ذوي البشرة غير البيضاء.
تـلقيح الناشئة بـ"الخوف الذكيّ"
لقد أَولى علماءُ اهتمامًا شديدًا بكيفية رسم الهواجسِ، حيال هجمات إرهابية وشيكة، لمعالمِ السياسات والممارسات والثقافة في الولايات المتحدة. إلّا أنّ دراساتِهم غالبًا ما تغفل عن أهمية العمليات الاجتماعية التي تولّد الخوف في نفوس الناس، وعن كيفية تداول الناس لمخاوفهم في حياتهم اليومية.
وينقل الكتاب عن شابة أميركية مسلمة، اسمُها سارة أحمد، طلبَها أن يتـمّ الاستفسار حيال سبب شعور ولدٍ صغير بالخوف الشديد من دُبٍّ أمامَه، وبالتالي يركض هربًا منه. إنّ تحليلًا وظيفيًّا لظاهرة الخوف هذه، يحـدّد أن الخوفَ يتحرّك في نفس الولد، كي يحميه من خطر الدُّبِّ الذي أمامَه. إلّا أنّ هذه القراءة التحليلية تفشل في تحديد سبب خوف الولد من الدب... فما هو الشيء الذي يستثير الخوف تحديدًا في نفْس الولد تجاه الدب؟! ما هي القوى الاجتماعية (التربوية) والوراثية (الجينية) التي حَـدَتْ بالولد فورًا على اعتبار الدّبّ محطّ خطر فيخاف منه؟!
فالولد إذن، يحمل، فكرةً مُسبَـقة حيال الدب، مفادُها أنّ الدّبّ ينبغي الخوف منه؛ وهذا ظنٌّ ترسِمه الثقافة المتـداولة في البيئة التي يتربّى وسطَها الولدُ. وبهذا؛ فإنّ الخوفَ ليس، ببساطة، مجرّد نتيجة حسابية موضوعية للمخاطر، بل هو "عاطفة اجتماعية" وثـيقة العلاقة بسياسة التماثـل. فالممارسات والعادات الاجتماعية والثقافية تحدّد، مسبقًا، أشياءَ على أنها مخيفة وخطرة، بمعزل عن التقييم الفعليّ لمخاطرها.
كذلك؛ يقول المتخصّص في العلوم السياسية، ديفيد كامبل، إنّ "القدرة على تمثيل الأشياء على نحو كونها غريبة أو مخرّبة أو قـذرة أو مجنونة" – كما يتـمّ تصنيف المسلمين، وفقراء الأحياء الشعبية الأميركية التعيسة، والشباب من غير ذوي البشرة البيضاء، والمهاجرين الأجانب -- "لطالما كانت محوَريّة في بلورة فكرة ’الخطر‘ في الساحة الاجتماعية الأميركية". إذن؛ فالخوف، بهذا المعنى، ليس متأصّلًا فِطريًّا في نفْس الشخص الخائف، بل هو نتاج أفكار مسبَقة، متوارَثة وسائِدة، يفهم الناسُ عن طريقها أشياءَ وسلوكياتٍ على أنها خطرة ومحطّ خوف.
فمن خلال "برامج الأمن القومي"، التي تـزرعها الإدارة الأميركية في الساحات البيداغوجية للمدارس العامّة في الولايات المتحدة؛ يتعلّم التلاميذ كيف يحدّدون مواضِعَ خطر معيّنة وبواعث للإرهاب، فيخافون منها ويعملون على مجابهتها. وقـد أكّد الكتاب أنّ هؤلاء التلاميذ يرون جدوى كبيرة في هذا الحيّز الشعوري المليء بالـ"خوف"؛ إذ يعتبرون أنهم باتوا "خبراء أذكياء" في مجال الأمن القومي، قادرين على تحديد موضع الخطر الإرهابي وَثَــنْيِهِ عن إحداث "أذى" في المجتمع الأميركي. فالتلاميذ باتوا يتفاخرون بأنّهم أصبحوا مواطنين "حذِرينَ" و"يقظِينَ" دائمًا، عازمين على رصد أية بادرة إرهاب مِن حولِهم!
بتعلُّم تلاميذ المدارس العامة في الولايات المتّحدة، مجالاتِ ومتعلَّـقاتِ "الإرهاب"، على أيدي أفراد مؤسسة الأمن القومي (ووفق منظار هذه المؤسسة تجاه مفهوم الإرهاب)؛ باتوا يفحصون الخطر من منظار عصبيّ عنصريّ، ليحددوا "مَن" و"ماذا" يخافون!.