عن العلاقات الأميركية – الإيرانية (1950 – 2010)

حصل اختراق في الملف النووي الإيراني عندما أقر الرئيس أوباما بأحقية إيران بامتلاك طاقة نووية سلمية تفي باحتياجات شعبها من الطاقة.

كتاب "بين الشاه والفقيه"للكاتب وسام ناصيف ياسين

تتقاطع وتتضارب المصالح الإيرانية – الأميركية في مختلف أوجهها على مدى ما يزيد على نصف قرن. في وقت ازدادت الأمور حدة في الأجواء الساخنة التي هبت على مساحة الوطن العربي من محيطه إلى خليجه، فتسارعت الأحداث في ظل الصراع العربي – الصهيوني، وفي ظل اصطفاف المحاور ضمن محورين: المحور الممانع – المقاوم من جهة، والصهيوني – الإمبريالي – الرجعي العربي، مضافاً إليهما المحور الصاعد على الساحة الدولية؛ قصدنا دول البريكس.

بناء على ما تقدم جاء كتاب "بين الشاه والفقيه" حول العلاقات الخارجية بين دولتين تتمظهر فيهما المصالح بين السياسة والدبلوماسية والتداخل بين الأحلاف، لا سيما في ظل خصوصية مميزة ما بين واشنطن وطهران خلال الفترة الممتدة بين العام 1950 والعام 2010.

سعى المؤلف وسام ناصيف ياسين إلى تسليط الضوء على العلاقات الإيرانية – الأميركية خلال فترة مهمة من تاريخ التحولات الداخلية في إيران، وانعكاساتها على علاقاتها الخارجية، خاصة مع الغرب عموماً، ومع الولايات المتحدة خصوصاً، في ظل العولمة المتوحشة وانفراد الولايات المتحدة بالقيادة في ظل الأحادية القطبية. كما يعرض الكتاب للحراك الثوري الإيراني وانتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 كنقطة تحول كبرى، وكانقلاب كامل لمسار تاريخي للعلاقات الإيرانية في الخارج. فعلى امتداد ثلاثة عقود انفردت فيها الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم وفق مصالحها ومسارات تلك المصالح، وذلك بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، وصولاً إلى بداية التصدع والزلزال الكبير الذي ضرب المنطقة العربية، وعُرف بـ"الربيع العربي" بدءاً من تونس في 18 /12/ 2010، التي جاءت تجمع خيوط الصراعات على حزمة واحدة هي حزمة الملف النووي الإيراني.

حاول الكاتب إثبات أن الشعوب قادرة على الصمود إذا ما وعت ذاتها وأدركت مصالحها، "في ظل قيادة أمينة ومؤمنة وشجاعة قادرة على فرض إرادتها بالحفاظ على استقلالها، مهما قست الظروف وتضافرت الصعوبات ضدها، وهو ما يمثله دور الشعب الإيراني في هذه الفترة، علّ عدواه تنتقل إلى شعوبنا العربية والإسلامية وعلى الشعوب المستضعفة والمضطهدة".

لقد قسّم الكاتب كتابه إلى ثلاث أقسام، حيث قام باستعراض تاريخي للتطورات في إيران منذ زمن الشاه وصولاً إلى زمن الإمام الخميني. كما قام بعرض مواقف الخميني، ومتوقفاً عند مواقفه من إسرائيل، وكذلك من الولايات المتحدة الأميركية. وتطرق الكاتب إلى أزمة رهائن السفارة الأميركية، راجعاً إلى التدخلات الأميركية في الشؤون الإيرانية في خمسينيات القرن العشرين.

وقام الباحث ياسين بمراجعة مفصلة للحرب العراقية - الإيرانية، وعرض للغزو العراقي لإيران عارضاً لمواقف الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بكثير من التفاصيل، وذلك في القسم الأول من الكتاب.

أما في القسم الثاني، فد عرض للواقع اللبناني بشكل متداخل مع تطورات الحرب العراقية - الإيرانية، حيث تحدث عن لبنان كساحة موازية للصراع بين ايران والولايات المتحدة، كما تحدث عن ولادة "حزب الله" لبنان، عشية الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، والاتفاق اللبناني – الإسرائيلي الذي عُرف باتفاق 17 أيار(مايو) 1983، وتطرق إلى دخول الولايات المتحدة الحرب في لبنان، كما توقف عند تفجير مقر المارينز ومقر المظليين الفرنسيين في لبنان، وصولا إلى انتفاضة 6 شباط/فبراير 1984. كما تحدث عن فضيحة "إيران – كونترا" وعرض لأزمة الرهائن في لبنان. ووسط كل ذلك بيّن الكاتب اليد الإسرائيلية في كل هذه المسائل. ثم عاد إلى العراق، وتحدث عن دخول الإيرانيين إلى الفاو، واستعرض التدخلات الأميركية التي أدت إلى تقدم كبير للقوات العراقية، وصولاً إلى ما سماه "سنة الحسم" والتي أفضت إلى وقف إطلاق النار بين العراق وإيران. وعرض الكاتب لآثار الحرب في إيران وعلى علاقاتها مع الولايات المتحدة، كما توقف المؤلف عن تداعيات قضية الكاتب الهندي "سلمان رشدي" صاحب كتاب "آيات شيطانية".

تناول الكاتب خلافة الإمام الخميني بعيد رحيله في 3 حزيران/يونيو 1989 وما ساد إيران عشية انتقال القيادة (ولاية الفقيه) إلى السيد علي الخامنئي وصراعه الخفي مع التيار البراغماتي بقيادة هاشمي رفسنجاني، والصراع بين منطق الثورة ومنطق الدولة. ثم انتقل الكاتب إلى غزو "صدام حسين" للكويت وتداعيات ذلك على المنطقة، هذا الغزو الذي أفضى إلى "مؤتمر مدريد للسلام" في الشرق الأوسط ومضاعفاته. وتحدث الكاتب كيفية وقوف إيران والعراق بين فكّي كماشة أميركية، وسط تناغم أميركي – إسرائيلي في ظل انتهاء الحرب الباردة عشية انهيار الاتحاد السوفياتي.

وتناول الكاتب في القسم الثالث سياسة "الاحتواء المزدوج" التي قام بهندستها مارتن إنديك (السفير الأميركي في إسرائيل) وأنتوني ليك (مستشار الأمن القومي في زمن بيل كلينتون)، في ظل تباعد أكثر للمسافة بين إيران والولايات المتحدة والتي بدأت تتضح شيئاً فشيئاً بأنها تسير نحو الأسوأ. وتحدث عن الموقف الأوروبي والمتمسك بالحوار النقدي مع إيران، والذي سمح في إيجاد فجوات في الحصار الذي ضربته الولايات المتحدة عبر سياسة "الاحتواء المزدوج"، وسرعان ما تلقت عملية التسوية العربية – الإسرائيلية ضربة بمقتل إسحاق رابين، وتلقى الإسرائيليون مواقف إيران المرحبة باغتيال رابين، حيث عمدوا إلى تصوير إيران كخطر عالمي. كما توقف الكاتب عند تشابك المصالح في الخليج بين إيران من جهة، ودول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة من جهة أخرى. ولم يفت الكاتب ذكر أن "الاحتواء" أصبح ثلاثي الأبعاد، يطال العراق وإيران وليبيا.

وذهب المؤلف إلى اعتبار انهيار الاتحاد السوفياتي فرصة ذهبية لطرفي الصراع إيران والولايات المتحدة، للاستفادة من بحر قزوين وجمهوريات آسيا الوسطى، وهكذا بدأت إيران في منافسة وصراعي مع تركيا والولايات المتحدة، ثم مع الكيان الإسرائيلي في القوقاز وآسيا الوسطى.

وفي ظل هذه الصراعات، جاء التحول الإيراني مع انتخاب السيد محمد خاتمي رئيساً حيث فوجئت الولايات المتحدة بانتخابه، وسرعان ما عرفت العلاقات الأميركية – الإيرانية بعض الحلحلة، كما حصل ود سعودي – إيراني، لكن جاء تفجير "الخُبَر" في نهاية فصل الربيع عام 1999 ليخلق التوتر. لم تذهب الولايات المتحدة وإيران بعيداً في علاقاتهما، التي سرعان ما داهمتها الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أعادت الرئاسة إلى الحزب الجمهوري وجاءت بالرئيس جورج بوش – الإبن والمحافظين الجدد الذين تتحكم بهم عقيدة العلاقة الحميمة بين أميركا و"إسرائيل".

حصلت مراوحة في التفاؤل الحذر بين إيران والولايات المتحدة في الأشهر الأولى من رئاسة جورج بوش – الإبن، إلى أن جاءت هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 التي أدت إلى إدارة البوصلة الأميركية التي كانت موجهة قبل ذلك إلى إيران، كرمز "للأصولية والإرهاب"، بحسب الاتهامات الأميركية، إلى مكان آخر. ويعود الكاتب إلى عام 1993 إلى أطروحة صموئيل هنتغتون المعروفة بـ"صدام الحضارات". وعلى وقع 11 أيلول/سبتمبر تخلت أميركا عن سياسة "الاحتواء" إلى ما سمي "الحرب الوقائية" الاستباقية وتوجهت أنظار المحافظين الجدد إلى الشرق الأوسط الذي طالما كان محطّ أنظارهم، ومسرحاً لتنفيذ مخططاتهم، حيث تزخر هذه المنطقة بالعديد من العوامل والمبرّرات لتدخلات السياسة الخارجية الأميركية. وعلى رأس هذه المبررات مواضيع عدة ترفعها واشنطن مثل مكافحة الإرهاب، وتأمين النفط، ونشر الديمقراطية، ومشروع "الشرق الأوسط الكبير".

ثم يعرض المؤلف لحرب أفغانستان، متحدثا عن لقاء الضرورة بين أميركا وإيران، التي لم تكن الجمهورية الإسلامية الإيرانية على علاقة ودية مع تنظيم القاعدة، ومع نظام حركة طالبان الذي مثّل راعياً رسمياً للقاعدة في أفغانستان، وقد عُرف باضطهاده للشيعة الأفغان، كما أن ناشطين من طالبان اقتحموا القنصلية الإيرانية في مزار الشريف، ما أدى إلى مقتل عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين.

وكان الرئيس خاتمي من أوائل قادة العالم الذين شجبوا هجمات 11 سبتمبر ضد برجي التجارة العالمي علانية، ونددوا تنديداً بالغاً بتنظيم "القاعدة" وما ينطوي عليه من تطرف. وتطرق الكاتب إلى التعاون التكتيكي بين حلفاء كل من أميركا وإيران في الحرب ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان. كل ذلك جرى في ظل رقابة حذرة من "إسرائيل" لما عرّف أنذاك بـ"قناة جنيف" ، في جمود ظاهري للعلاقات بين "إسرائيل" والولايات المتحدة، الذي أعدت إسرائيل إليها الحرارة مع الكشف عن السفينة "كارين إيه" في 3 كانون الثاني/يناير 2002 في البحر الأحمر، والتي كانت تنقل السلاح إلى غزة، الأمر الذي أعاد مستوى السلبية إلى العلاقات الأميركية – الإيرانية، وجاء يوم 29 كانون الثاني/يناير 2002 ليصب الزيت على النار، عندما ألقى الرئيس جورج بوش – الابن أول خطاباته عن حال الاتحاد فجمع إيران مع العراق وكوريا الشمالية في "محور الشر". وسرعان ما جاء الرد الإيراني بقطع "قناة جنيف".

أعطت هذه التطورات دفعاً جديداً لحملة "إسرائيل" على إيران، وارتفعت وتيرة الاتهامات لإيران إذ سعت "إسرائيل" إلى تصويرها بأنها ليست خطراً على الإسرائيليين فقط، بل على المجتمع الدولي برّمته، وعليه، يجب وضع حد لها، كي لا تتمكن من اقتناء "أسلحة دمار شامل".

وفي ظل الصعود للإمبراطورية الأميركية وفقاً لـ"مشروع القرن الأميركي" الجديد، وصلت الأطماع الأميركية إلى العراق، فبدأت الولايات المتحدة غزو العراق، وفي 9 نيسان/إبريل 2003 دخلت القوات الأميركية العاصمة العراقية بغداد، مما طرح علامات استفهام حول مستوى ونوع العلاقات القادمة بين واشنطن وطهران، سواء داخل العراق، أو على مستوى العلاقات البينية الأميركية – الإيرانية، ولا سيما أن القوات الأميركية أصبحت أمراً واقعاً على الحدود مع ايران التي بدأت تشعر بأنها لأول مرة محاصرة من جميع جهاتها بقوات تحت إمرة أميركية.

يقول الكاتب إن إيران توخت السير بمسلكية هادئة في العراق، وموقف طهران لم يكن عن قصور ذات اليد، أو العجز عن فعل ذلك. وهو يرى أن "الإيرانيين وجدوا الفرصة سانحة لمدّ اليد إلى الولايات المتحدة ومطارحة الأوراق والهواجس معها، علّ في ذلك فتح ثغرة إيجابية لمسار جديد في العلاقات بين البلدين. وأعدّ الإيرانيون اقتراحاً شاملاً بين حدود صفقة ضخمة محتملة بين البلدين تعالج نقاط النزاع بينهما كافة".

ونقل المؤلف عن فلينت ليفيريت (وهو مدير رفيع في شؤون الشرق الأوسط لدى مجلس الأمن القومي الأميركي حينها): "اعترف الإيرانيون بأن أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب قضيتان هامّتان بالنسبة إليهم، وأنهم على استعداد للتفاوض عليهما. لقد حظيت الرسالة بموافقة المستويات العليا للسلطة كافة". لكن الإدارة الأميركية انقسمت و"في النهاية، نالت العصابة السرية ما أرادته: لا مفاوضات مع طهران" بحسب ما قال ويلكرسون عن العصابة (المحافظين الجدد) برئاسة ديك تشيني ودونالد رامسفيلد.

وفي ظل الأجواء المكفهرة في واشنطن، وبتاريخ 12 أيار/مايو 2003، انفجرت ثلاث شاحنات مفخخة بشكل متزامن، في مجمعات سكنية غربية في الرياض. حصلت الاستخبارات الأميركية على أدلة أن وراء الانفجار تنظيم "القاعدة" وأن بعض المرتكبين قد ناقشوا العملية مع رؤساء لهم موجودين في إيران. ويلفت المؤلف إلى "أن هؤلاء القادة من القاعدة كانوا يعملون – كما يبدو – في شرقي إيران التي أشبه ما تكون بالغرب البرّي، فليس للحكومة سيطرة تامة على معظم الأجزاء الشرقية من البلاد، وطيلة عقود خاضت حرب عصابات ضد البلوش الذين يسكنون جزءاً من تلك المنطقة".

وينقل ياسين قول ويلكرسون حول عدم تحمّل إيران لمسؤولية أفعال قادة القاعدة مفنّداً:

"يتفق الخبراء بإيران على أنه وإن كان أعضاء القاعدة يدخلون إيران ويخرجون منها، فذلك لا يعني أن الحكومة الإيرانية متورّطة، فهناك أجزاء من إيران لا تدري الحكومة ماذا يجري فيها". لكن رامسفيلد أعلن أن العملية دبرتها "القاعدة" في إيران، وشعر الإيرانيون بعدم رغبة واشنطن بمواصلة المحادثات عشية الاجتماع الذي كان مقرراً بين جواد ظريف وخليل زلماي زاده في 25 أيار/مايو 2003، وأقفلت "قناة جنيف" وحقق صقور المحافظين الجدد انتصاراً آخر.

ما حصل قوّى الاعتقاد لدى الإيرانيين بأن التعامل مع الولايات المتحدة من موقع ضعف لن يجدي نفعاً. ورأت إيران في طبيعة الموقف الأميركي من الرد على رسالتها إهانة.

في ظل كل ما سبق، لمم يكن الوضع الداخلي الإيراني متروكاً في الهواء، فالسائرون على نهج الإمام الخميني الراحل وجدوا الفرصة سانحة للجم اندفاعة الحكومة، فكانت العودة إلى التشدد والإمساك بكل مفاصل المؤسسات الإيرانية من قبل أنصار المرشد الأعلى.

ويشرح المؤلف أن المسرح أصبح مهيأً لرئيس إيراني جديد يتلاءم مع رئاسة بوش الثانية، فنجح محمود أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية. ونسق البيت الأبيض بعناية مع وسائل الإعلام للقول إن أحمدي نجاد هو أحد مختطفي الرهائن في السفارة الأميركية في طهران في العام 1979.

تناقضت لغة خطاب أحمدي نجاد مع لهجة خطاب خاتمي. تلاقى ذلك مع دعم دبلوماسي واقتصادي صيني لإيران، إضافة إلى التعاون العسكري، وعلاقات وتعاون في القضايا التجارية والاقتصادية والصناعية والعلمية والتقنية مع روسيا. وبرزت إيران كجزء من محور "شنغهاي". وسرعان ما جاء الرد الأميركي بالتحريض ضد إيران عبر ما سمي "الهلال الشيعي" الذي يتهم إيران بالعمل على إرسائه في محيطها الإقليمي بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وما نتج عنه من وشائج إيرانية – عراقية.

ووفق "ما تقدم من نقاط تصادم بين الولايات المتحدة وإيران، تأتي منطقة الشرق الأوسط في أساس التصادم، لما تمثله من نقاط تسيل لعاب الدولتين وتتعقّد لتجعل الصراع أكثر حدّة، ولو بطرق مواربة"، كما يقول المؤلف.

في الملف النووي الإيراني، يعرض الكاتب بداية للمقاييس الدولية المعترف بها من قبل قوانين الأمم المتحدة، وذلك للإنطلاق مها لتبيان مدى التعارض، أو الإلتزام الإيراني مع فحوى ونص ما تقبله أو ترفضه تلك القوانين، بالتعامل مع إصرار إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم وامتلاك التقنية والقدرات النووية. وقام الكاتب ببحث الدوافع التي تعتبرها طهران مبررة لامتلاك معرفة وإجراء تقنيات دورة تخصيب اليورانيوم لدخول نادي الدول النووية، ثم استعرض مراحل تطور إرساء مرتكزات الإنتاج النووي. كما عمد إلى مناقشة الموقف الأميركي من كل هذا، وصولاً إلى مآلات النتائج المترتبة على الموقف الأميركي.

ويذكر الكاتب أن الأحداث أظهرت "دوامة التخبط الذي وضع الرئيس الأميركي بوش بلاده فيها أن تظهر أميركا في آخر عهد إدارته تواقة إلى موقف ما ينقذها، أو يخفف عنها أحمالها، وهو ما أدى في النهاية إلى نزعة تغييرية، أدت إلى مجيء الرئيس الجديد باراك أوباما"، الذي لقى في أوروبا ترحيباً واسع النطاق، وبخاصة وعده بإجراء محادثات أميركية – إيرانية من دون شروط مسبقة، خلافاً لإدارة بوش التي أصرّت على عدم إجراء محادثات مع إيران ما لم تعلّق أولاً برنامج تخصيب اليورانيوم.

لكن الصعوبات العربية، إضافة إلى موقف "إسرائيل" التي سعرّت الخصام مع إيران، إلى حد العداء، ولا سيما بعدما دعمت طهران مقاومة "حماس" في غزة ضد العدوان الإسرائيلي في عملية "الرصاص المصبوب" في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، وانكشاف مواقف الدول العربية، التي صمتت بالتواطؤ مع العدوان، وخاصة المملكة العربية السعودية. ونقل المؤلف قول الملك عبد الله لوزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في حوار ساخن في آذار/ مارس 2009: "أنتم الفرس لا دخل لكم في الشؤون العربية".

لكن حصل اختراق في الملف النووي الإيراني عندما أقر الرئيس أوباما بأحقية إيران بامتلاك طاقة نووية سلمية تفي باحتياجات شعبها من الطاقة. وعقد أول لقاء مباشر، وجهاً لوجه بين الولايات المتحدة وإيران في جنيف. ووقع الخلاف بين أوباما ونتنياهو وحصلت الأزمة "الأسوأ منذ 35 عاماً" كما وصفها السفير الإسرائيلي في واشنطن. ولم تنفذ الولايات المتحدة قرار العقوبات على إيران مباشرة بل أجّلته من أواخر شباط/ فبراير حتى آذار/ مارس ثم إلى نيسان/أبريل، مما أثار حنق "إسرائيل".

لكن أوباما راوغ مع تركيا والبرازيل، وعقد صفقة مع روسيا والصين، ومن ثم فُرضت عقوبات على إيران. ويخلص الكاتب إلى القول: "خيارات بعضها جُرّب واستهلك، وبعضها صعب أو مستصعب...وجميعها تسير جنباً إلى جنب، ويبقى للتبدلات محلياً وإقليمياً ودولياً أن تساهم في تغليب حلٍ على آخر، وللظروف الموضوعية حظ في التأثير، لا تنساه الدول في علاقاتها الخارجية".

وفي ملاحظة لاحقة، وبعد رضوخ الولايات المتحدة وبقيّة الـ(5+1) لإرادة الشعب الإيراني وقيادته الصلبة والشجاعة. يختم المؤلف بالسؤال: "هل يرى شعبنا ويسمع ويعي ويعتبر من هذه التجربة الإبداعية الطموحة للشعب الإيراني في البحث عن حريته وسيادته وتحريره لمقدساته من رجس الصهاينة وحلفائهم وأتباعهم؟!".

*نسيب شمس باحث لبناني.