"عن إخواننا الجرحى": كيف التحق ضابط فرنسي بالمقاومة الجزائرية
تتحدث الرواية عن حياة المناضل الفرنسي الشيوعي فرنان إيفتون من طفولته إلى حين إنتسابه للجيش الفرنسي كضابط. كان دخوله إلى الجيش نقطة التحوّل الكبيرة في حياته.
صدر في الجزائر رواية "عن إخواننا الجرحى" للروائي الفرنسي جوزيف أندراس عن (منشورات البرزخ) ترجمة الشاعر الجزائريّ صلاح باديس.
تتحدث الرواية عن حياة المناضل الفرنسي الشيوعي فرنان إيفتون من طفولته إلى إنتسابه للجيش الفرنسي كضابط. كان دخوله إلى الجيش نقطة التحوّل الكبيرة في حياته، ذلك أنّه صُدم بما رآه من مجازر وحشية وانتهاكات مريرة يرتكبها الفرنسيون بحق الجزائريين، ما دفعه على الفور إلى الانشقاق عن الجيش، والالتحاق أولًا بالحزب الشيوعي الجزائريّ، وثانياً بالجيش التحرير الوطنيّ الجزائريّ.
نال إيفتون إعجاب ومحبّة رفاقه في جيش التحرير، لا سيما بعد قيامه بعدد من العمليات العسكرية التي استهدفت العسكريين الفرنسيين، وكان آخرها تكليفه بتدمير مصنع للغاز، حيث وضع بتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1956 قنبلة من صنع طالب عبد الرحمان لكنها لم تنفجر، وتمّ توقيفه في اليوم ذاته ليتم تعذيبه بشدة بقسم الشرطة المركزي بالجزائر العاصمة، وتمت محاكمته أمام محكمة عسكرية أصدرت حكماً بالإعدام في حقه بعد 10 أيام من توقيفه، وأصرت المحكمة على تثبيته. وتمّ إعدامه بالمقصلة بتاريخ 11 شباط/ فبراير سنة 1957 بساحة سجن باربروس. ويعد فرنان ايفتون سادس شهيد والجزائري الوحيد من أصول أوروبية الذي يتم إعدامه بالمقصلة منذ بداية سنة 1957.
ولا تكتفي الرواية بالجانب النضالي وما تعرّض له فرنان إيفتون من تعذيب وعنف داخل السجن، بل تحدثنا مراراً عن علاقة فرنان إيفتون بزوجته هيلين التي التقاها في سفره إلى فرنسا بعد مرضه، وكانت آنذاك تعمل نادلة في أحد المقاهي، قبل أن ترافقه إلى الجزائر حيث تزوجا بعد سنوات الحب التي عاشاها معًا.
وتسترجع الرواية، ما كان يقوله صديقه المناضل الأوروبي الجزائري هنري مايو (اغتالته القوات الفرنسية في 5 حزيران/يونيو 1956) الذي يَعتبره شقيقه - غير البيولوجي - بعدما عاشا في الحي ذاته وانتمى كلاهما إلى الحزب الشيوعي الجزائري. يتذكره وهو يردد «لست مسلماً، لكني جزائري من أصل أوروبي، أعتبر الجزائر وطني، أعتبر أني مُلزم تجاهها بالواجبات نفسها مثل كل أبنائها، في الوقت الذي انتفض فيه الشعب الجزائري كي يُحرر أرضه الوطنية من استعباد المستعمِر. مكاني إلى جانب أولئك الذين التزموا بالنضال التحرري». ويحاكم إيفتون ويعدم على "جريمة من دون ضحايا"، حتى تنجح فزّاعة القانون في خلق أمثولة.
يقف إيفتون في المحكمة بكل ثقة أمام القاضي وتحت عنف ومراقبة العيون الأوروبية الكثيرة التي حضرت المحاكمة لترى سحنة "الخائن"، يشرح الأسباب التي جعلته يضع القنبلة: "قررت هذا لأني أعتبر نفسي جزائرياً معنياً بالنضال الذي يقوده الشعب الجزائري، ليس من العدل، أن يبقى الفرنسيون خارج هذا الصراع. أحب فرنسا، أحبها جداً، أحبها للغاية، لكن ما لا أحبه هو المستعمِرون". ويصف الكاتب الازدواجية القيمية لفرنسا بدقّة في استرجاع بطله لمشهد أحداث 8 أيّار/مايو عام 1945 التي كانت الشرارة التي أسّست للثورة الجزائرية بعد قرابة عقد من الزمن، حيث قُتل آلاف المتظاهرين الذين طالبوا بالمساواة في الحقوق السياسية لحملهم العلم الجزائري.
ويعود فرنان لحبيبته هيلين ويخبرها بما حدث بكثير من الدهشة: "حكايات تجعلك لا تنامين، بشر أحياء يحرقون بالبنزين، محاصيل منهوبة، أجساد مرمية في الآبار، هكذا يؤخذون ويرمون، يذيبونهم في الأفران، الأطفال، النساء، الجميع، الجيش أطلق النار على كل شيء يتحرك كي يسحق الاحتجاج. ليس الجيش فقط، كان هناك مُعمرون ورجال ميليشيات أيضاً، كل هذا العالم الصغير ساند بعضه، كانت رقصة مقدسة". هكذا قابلت دولة الحرية والمساواة والأخوة مطلب الجزائريين، بل أكثر من ذلك بحسب إيفتون: "الموت شيء، لكن الذل شيء آخر، يدخل عميقاً تحت الجلد، يضع بذرات الغضب الصغيرة ويتمكّن من أجيال بكاملها. أتذكر قصة أخبروني بها، حدثت في مالبو: أجبروا العرب على الركوع أمام العلم ثلاثي الألوان وترديد نحن كلاب، فرحات عباس كلب، عباس أحد زعمائهم، وفوق هذا هو رجل مُعتدل، يلبس ربطة عنق، ولا يريد حتى الاستقلال الكامل يطلب العدالة فقط.
يُذكر أنّ جوزيف أندراس كاتب فرنسي من مواليد مدينة نورمندي سنة 1984، وصدرت روايته هذه عام 2016 في باريس وقد نالت جائزة (جائزة الغونكور الأولى)، إلا أن جوزيف أندراس رفضها، مُفسِّرًا الأمر بأنّ الكاتب يجب ألّا يُكافأ على عمله بغير القراءة.