حكاية تالا بين الحب واللجوء

هي قصّة حب تقليدية بين شخصين، لم ولن يسمح لهما مجتمع عربي-لبناني أن يكونا معاً. قصة حب نبعت من أنقاض لجوء، مخيّمات، وحروب.                             

هي قصّة حب تقليدية بين شخصين نبعت من أنقاض لجوء ومخيّمات وحروب

ما أن اندلعت الحرب في سوريا، حتى ساد الصمت في البلاد العربية. صمت عاهدناه خلال نكبة فلسطين، فمنهم من رشى ومنهم من ارتشى ومنهم من ساهم بتسهيل الأمور للإثنين. انتشرت الأخبار عن أوضاع اللاجئين بسرعة هائلة وعمدت الدول على تسهيل نقلهم ومساعدتهم حتى بات سماع الأخبار كقراءة صفحة من كتاب تاريخ الحربين العالميتين الأولى والثانية.

"قصة تالا" ليست قصة أخرى من كتاب التاريخ، ولا هي نسخة منمقة عن تأثير الحرب على أفراد لا شأن لهم بكل ما يجري. "قصة تالا" هي قضية عربية منصوصة بأجمل وأغرب قصة حب أجنبية-عربية. نجح الكاتب "شاكر خزعل" بلفت نظر القارئ الى قضية شغلت، ولا تزال تشغل الرأي العام، لغموض أحداثها والصمت الدائر حولها.

هي قصّة تقليدية بين شخصين، لم ولن يسمح لهما مجتمع عربي-لبناني أن يكونا معاً. قصة حب نبعت من أنقاض لجوء، مخيّمات، وحروب.

فاطمة فتاة فلسطينية لجأت الى لبنان وعانت الأمرّين في المخيمات. أما بلال فهو شاب سوري لجأ الى لبنان هرباً من مصير محتّم لكلّ متعلّم في بلاده خلال الحرب. جمعهما وعد بحياة هنيّة إنطلاقتها تركيا، ونهايتها ألمانيا. هربا بعد زواجهما الى تركيا خوفاً من مصيرهما على يد أهاليهما في لبنان، ولجآ الى الشخص الذي وعدهما بهذا المستقبل. بعد أيام معدودة كزوجين في شهر العسل، أُخذ بلال من فاطمة تحت عنوان مهمة لشركة أوروبية، شأنها أن تساعدهما لينطلقا في مسيرة حياة جديدة. اختفى بلال مع ذلك الشخص حتّى ساءت أوضاع فاطمة المادّية، وأصبحت وحيدة في بلاد غريبة.

وهنا ابتدأت حياتها الجديدة، حياة محفوفة بشتّى أنواع المخاطر، لتوقظ القارئ على واقع أليم منسيّ لشعوب أقصى ما تبعد عنه بضع ساعات سفر أو حتّى قيادة.

فتاة وحيدة هائمة في بلاد غريبة لجأت الى أقرب مأوى رخيص قرب الفندق الذي جمعها بزوجها، علّها تسمع منه خبراً خلال زياراتها اليومية للمكان. انتهى بها الأمر أن عملت مع رفيقتيها بالسكن في تنظيف المنازل، علّهن يجمعن مبلغاً كافياَ للهرب مع تجار البشر الى أوروبا. عملت الفتيات الثلاث بجهد حتّى تعرّفت إحداهنّ على طبيب وعدها بمبلغ لا بأس به إن قبلت بالتبرّع بأحد أعضائها، وبرغم محاولات صديقتها بنهيها عن القبول، نكثت الأخيرة بوعدها، وذهبت ولم تعد.

نقلنا "خزعل" من روتين حياة فتاة عاملة إلى واقع لاجئة أليم ببضع صفحات. ما لبثنا أن نسينا ألم الهجرة، حتّى تعرّضت بطلتنا للإغتصاب خلال ساعات عملها. أعادتنا صدمتها إلى واقع الفكر العربيّ الذي يعاني مأزقها أصلاً. فتح الكاتب أعيننا على سخافة عاداتنا حين قرّرت فاطمة أن تتخلى عن كل ما يجمعها بزوجها لتبدأ حياةً جديدة، واضعة شرفها خلفها وتمسكها بعروبتها المرموز ببعض الحلى المتبقية ووطأت مع صديقتها سفينة الوعد.

تمسكت بطلتنا بحجابها برغم تخبط الأمواج، ولم يكن مفاجئاً أن حضّرت لها سفرتها خيبة أخرى. وصلت سابحة لاهثة لتجد أن صديقتها الجديدة لم تنجُ. وصلت وحيدة، مكشوفة الرأس، مصدومة بما آلت إليه الأمور، لكن ممتنة لنجاتها. هرعت مجموعات الدعم لمساعدتها على الهرب من السلطات وإرشادها إلى كيفية الوصول إلى مكاتب الأمم المتحدة للتسجيل. بعد عناء ومشي، وعند شباك تذاكر الهويات الجديدة، أصبحت بطلتنا فاطمة، تالا. تالا فتاة متحررة من مجتمع ما تمسك بها يوماً، جاهزة لخيبات جديدة، وحاضرة لتفعل ما بوسعها للحصول على حياة أفضل، وربما، من يدري، أن تعود للبحث عن زوجها.

القطار الذي كان من شأنه أن يوصل تالا إلى ألمانيا، توقف في سلوفينيا وجعل جميلتنا ضحية شبكات الدعارة المحمية في مقابل هوية جديدة. ومنها إلى غرفة الفندق، عند الكاتب الشهير، هنري.

هنري رجل ورث والديه، تعود على النجاح، إلى أن فشل آخر كتاب أصدره. شاء به القدر أن يذهب لإلى هذا البلد للتنفيس عن غضبه لخساراته المتتالية. وبحكم نظرته الفلسفية، إن صحّ التعبير، للأمور، لاحظ القصة المخبأة بلمعة عيون تاجرة الشرف أمامه. بعد أن سمع قصتها، وبحكم إعجابه بشجاعتها وقوة تحملها، وعد هنري أن يساعد تالا في إيجاد زوجها، وهنا بدأت مغامرته في الشرق الأوسط. إشترى هنري حريتها وهويتها الجديدة مع جنسية، وقع بحبها خلال الوقت الذي قضياه معاً.

يظهر الكاتب خلال الرحلة في الشرق الأوسط، كمية الفساد المستشري في البلاد وكم أن المال يمكن أن يشتري حياة، أو موتاً، الأفراد. شق بطلنا طريقه في لبنان، وسحب معلومات بكل ما يمكن للمال أن يشتري من أساليب، وترك أسيره متوجهاً إلى تركيا للقاء العميل الثاني. وضع هنري الماديكان سبيله لإيجاد زوج تالا، فاطمة، حياً يرزق أمامه.

بلال وقع ضحية مكيدة نصبها له من كان من المفروض أن يساعده. باعه إلى تنظيم "داعش" في سوريا حيث كانت حياته في خطر عدد الثواني. إضطر بلال أن يفعل ما طلب منه من مشاهدة الذبح إلى الإغتصاب، خوفاً على حياته، وكانت مكافأته يوماً جديداً يزاد على سنينه.

هنري الذي وضع حياته في خطر لإيجاد من يأخذ حب حياته منه، وقف أمام خيارين: أيعيد لتالا زوجها ويتمنى الأفضل لهما؟ أم يبحث عن حل آخر يبقي تالا له بقية حياته؟

نهاية القصة صادمة من حيث القرار الذي اتخذه شخص ما بدر عنه إلاّ كلّ خير، وهو ما إضطرت تالا أن تنصب مكيدة؟

إن عناصر المفاجأة بالقصة صدمة خلف صدمة، تجلّت بنهايتها وكان متوقعاً من "خزعل" أن يعيد القارئ إلى عالم الواقع رغم جمال قصة حب صعُب علينا أن نأخذ طرفاً فيها. ففي النهاية، لا يوجد ربح مطلق من دون خسارة، ولا يمكن للفرح أن يسيطر من دون غصّة حزن.