بمواجهة التهديدات الصاروخية.. هل ينقذ الليزر "إسرائيل"؟
تحاول "إسرائيل" اللحاق بركب مجموعة من الدول، منها روسيا والولايات المتحدة الأميركية والصين في ما يتعلّق بالأسلحة الليزرية وتطبيقاتها، والهدف أن تتغلّب على التهديدات المتزايدة التي تمثلها صواريخ المقاومة، وفي ضوء الضربات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على القواعد الأميركية في العراق.
أعاد إعلان وزارة الدفاع الإسرائيلية في التاسع من كانون الثاني/يناير الجاري عن منظومة دفاعية ليزرية جديدة مُضادَّة للصواريخ، الحديث مرة أخرى عن التوجّه العسكري الجديد للعديد من الدول في اتجاه أجيال جديدة من المنظومات التسليحية الليزرية التي تنقل النزاعات العسكرية المستقبلية إلى آفاقٍ جديدةٍ بعيدة كل البُعد عن خصائص الحروب التقليدية، بعد أن كانت هذه الآفاق لعشرات السنوات ضرباً من ضروب الخيال وأفلام الخيال العِلمي.
محاولة لتفادي عيوب المنظومات الحالية
الهدف الأساس خلف التوجّه الجديد لوزارة الأمن الإسرائيلية نحو الأسلحة الليزرية، كان محاولة تقليل النزيف المالي الذي يطال الميزانية الأمنية الإسرائيلية جرّاء كل استخدام لمنظوماتها الدفاعية ضد الصواريخ التي تطلقها المقاومة الفلسطينية، وعلى رأس هذه المنظومات منظومة "القبّة الحديدية" المُضادَّة للصواريخ قصيرة ومتوسّطة المدى، والمنظومات المُماثِلة المُضادَّة للصواريخ بعيدة المدى، مثل "مقلاع داوود" و"حيتس". هذه المنظومات لا تعيبها تكلفة تشغيلها المرتفعة فحسب، بل محدودية قُدراتها أيضاً، وبخاصَّة في حال واجهت صليات كبيرة من الصواريخ في أوقات مُتزامِنة وبكثافة عالية.
المنظومة الدفاعية الجديدة سيتم اختبارها أواخر العام الجاري. وتزعم وزارة الأمن الإسرائيلية أنها قادرة على توليد شحنات عالية الطاقة من أشعة الليزر تصل قُدرتها إلى 1 ميجاوات، تستطيع إسقاط كل أنواع قذائف الهاون والصواريخ متوسّطة وبعيدة المدى، المُحلّقة على مسافات تتراوح بين 5 و40 كيلومتراً. ادّعاء الوزارة يقابله تشكيك كبير من عدَّة خبراء في هذا المجال، نظراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتمكّن خلال سنواتٍ من بحوثها في مجال الأسلحة الليزرية من الوصول حتى إلى توليد أشعة بقُدرة مائة كيلووات فقط!
وبحسب تصريحات صحافية للجنرال دوبي أوستير، رئيس قسم الإلكترونيات الضوئية في إدارة تطوير الإلكترونيات في الجيش الإسرائيلي، فإنَّ البحوث الإسرائيلية في مجال التسليح الليزري ركَّزت خلال السنوات الأخيرة بشكل أكبر على تقنيات تعتمد على توليد الليزر الكهربائي عوضاً عن الليزر الكيميائي الذي كانت البحوث السابقة مُنصبّة عليه.
وفي السّياق نفسه، صرَّح رئيس برنامج الدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب، إسحاق بن يسرائيل، أنَّ التقنية الجديدة المُستخدَمة اقتصادية مقارنة مع تكلفة استخدام المنظومات التقليدية المُضادّة للصواريخ وصيانتها. وعلى الرغم من ذلك، فإنَّ من عيوبها الأساسية ارتباط فعاليّتها بحال الطقس عند الاشتباك، لأنَّ كفاءة أشعة الليزر تتقلَّص في الأحوال الجوية السيِّئة، ولا سيما في الارتفاعات الكبيرة.
وأشارت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في هذا الصَدَد إلى أنَّ وزارة الأمن الإسرائيلية مُتعجّلة في نشر المنظومة الجديدة بعد إتمام الاختبارات عليها على منصَّات ذاتية الحركة، إضافةً إلى اختبارات مستقبلية لتثبيت هذه المنظومة على القِطَع البحرية والطائرات المُقاتِلة.
وتحاول "إسرائيل" اللحاق برَكْبِ مجموعةٍ من الدول، منها روسيا والولايات المتحدة الأميركية والصين، وهي دول حقَّقت تقدّماً ملموساً خلال السنوات الماضية في ما يتعلّق بالأسلحة الليزرية وتطبيقاتها. هدف "إسرائيل" التغلّب على التهديدات الجدية التي تمثلها صواريخ المقاومة والدول الداعِمة لها، في ضوء الضربات الصاروخية الإيرانية الأخيرة على القواعد الأميركية في العراق.
التنين الصيني.. خطا خطوته الأولى
وكانت بكين أعلنت خلال معرض الصين الدولي للطيران والفضاء الذي أُقيم في مدينة زوهاي في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، عن تطبيقها العسكريّ الأول لاستخدام الليزر في عمليات الدفاع الجوي، من خلال عرضها منظومة الدفاع الجوي الليزري قصيرة المدى "LW-30".
وتصل قوَّة شعاع الليزر الذي توفّره هذه المنظومة إلى 30 كيلووات، وتتميَّز بقُدرتها على بثّ أربعة مستويات من الأشعة؛ الأول قُدرته 5 كيلووات، والثاني قُدرته 20 كيلووات، والثالث قُدرته 20 كيلووات، والرابع قُدرته 30 كيلووات. كما تتميَّز بترشيدها الطاقة المُستخدَمة في تشغيلها. وتستطيع هذه المنظومة إصابة الطائرات والمسيّرات من مسافة تصل إلى 25 كيلومتراً، على ارتفاعات تتراوح بين 200 متر و4 كم. وتحتاج المنظومة "ف" إلى 6 ثوانٍ للتبديل بين هدف وآخر.
في نيسان/أبريل 2019، ظهر بشكل واضح أنَّ الصين باتت تمتلك برنامجاً طموحاً لاستغلال الليزر في أغراض عسكرية قتالية، إذ أظهرت صوَر الأقمار الصناعية منشأة سرّية صينية تقع في محافظة شينجيانغ، تحدَّثت الولايات المتحدة الأميركية عن أنها تحتوي على سلاح ليزري مُخصّص لاستهداف الأقمار الصناعية.
خلال هذه الفترة أيضاً، قامت البحرية الصينية بتجربة سلاح ليزري مُضاد للصواريخ على متن كاسِحات ثلوج جرى تعديلها لهذا الغرض. هذه التجارب جميعها تنضمّ إلى تجربة أولى ناجحة تمّت أواخر العام 2017، وجرى فيها استهداف هدف أرضيّ مُتحرِك بشعاع ليزر من مسافة 300 متر.
روسيا السبّاقة
مضى البرنامج التسليحي السوفياتي منذ بداية الثمانينيات، مركّزاً على تطبيقات أقلّ كلفةً وتعقيداً لاستخدام أشعة الليزر، فإضافة إلى القنابل الجوية ومنظومات الصواريخ الموجّهة بالليزر، ومنظومات التشويش على الصواريخ المُضادّة للدبابات، أنتج البرنامج السوفياتي في بداية ثمانينيات القرن الماضي أول منظومة ذاتية الحركة تعتمد في عملها على الليزر، وهي منظومة الإعماء البصري "SLK 1K11 Stilet" المُخصّصة لرصد الأهداف المُدرّعة المتحرّكة، ومن ثَمَ استهداف الأجهزة البصرية الخاصة بها.
ابتكارات سوفياتية خلال حقبة الثمانينيات
وكانت حقبة الثمانينيات شهدت نشاطاً كبيراً لأبحاث الاتحاد السوفياتي في هذا المجال، فجرى إنتاج نسخة مُماثلة من منظومة "SLK 1K11 Stilet"، مُخصَّصة للعمل ضد الأهداف الجوية، وهي المنظومة الليزرية "Sanguine" التي امتلكت القدرة على إطلاق إشعاعاتها بشكلٍ عمودي، بعد تثبيتها على متن عربات الدفاع الجوي "شيلكا"، ما يمكّنها من استهداف المنظومات البصرية للمروحيات على بُعد يصل إلى ستة كيلومترات.
وقد شهد هذا العقد أيضاً إنتاج أول منظومتين ليزريّتين بحريّتين، إذ طوَّرت البحرية السوفياتية نسخة من منظومة "Sangunie" تحت اسم "Aquilon"، ومنظومة أخرى تحت اسم "AIDAR"، للتثبيت على بعض سفن الإنزال في أسطول البحر الأسود، لغرض استهداف المنظومات الكهروبصرية التي تستخدمها وحدات الدفاع الساحلي لرَصْد حركة السفن، وبهدف تدمير الصواريخ الموجّهة مُنخفِضة الارتفاع.
وفي أواخر الثمانينيات، أنتج الاتحاد السوفياتي منظومة الرّصد الكيميائي "KDHR-1H Dal" التي كانت تستخدم راداراً مزوّداً بأشعة الليزر لتحديد الأماكن الملوّثة بعناصر كيميائية حربية، بمعدّل رَصْد يبلغ 45 ميلاً مربعاً في الدقيقة. وفي الفترة نفسها، جرى تدشين تطبيقين جويين للاستخدام العسكري لأشعة الليزر؛ الأول هو طائرة "A-60 Beriev" التي كانت مزوَّدة بقبّة دوّارة فيها عدسة ليزرية مُثبتة في مقدّمة طائرة شحن استراتيجي من نوع "أليوشن-76 أم دي"، لتدمير الأهداف الجوية والأقمار الصناعية. وكان التطبيق الثاني محطة الفضاء القتالية "Skif"، التي جرى إنتاج عدّة نسخ منها لنقلها إلى الفضاء الخارجي على متن المكوك الفضائي "بولايس"، لاستهداف الصواريخ المُضادّة للأقمار الصناعية.
تجمّد البرنامج الليزري السوفياتي منذ أواخر الثمانينيات، إلى أن بدأت شركة "ألماز أنتاي" في العام 2008 بإعادة إحياء البرنامج التسليحي الليزري للجيش الروسي، وعملت على اختبار منظومات ذاتية الحركة مثل "MLTK-5"، بهدف تدمير الطائرات والصواريخ بمختلف أنواعها، عن طريق أشعة ليزر قوية تصل إلى 50 كيلووات.
وقد أسفرت هذه الجهود عن أحدث المُنتجات العسكرية الروسية في هذا المجال، وهي منظومة "بريزيفت" الليزرية، التي جرى الإعلان عنها ضمن أسلحة استراتيجية روسية أخرى في تموز/يوليو 2018، وهي منظومة ذاتية الحركة مُضادّة للصواريخ أُدخلت بالفعل ضمن تسليح منظومة الدفاع الجوي الروسية المحيطة بالعاصمة موسكو، على الرغم من أنها ما زالت تحت التطوير، وهي عبارة عن منصّة إطلاق لأشعة الليزر مُثبّتة على متن شاحنات من نوع "كاماز"، تقوم بمعاونة وحدات للرادار وإدارة النيران في رَصْد القذائف المُعادية بأشكالها كافة واستهدافها، مثل قذائف المورتر وصواريخ المدفعية الصاروخية، وصولاً إلى الصواريخ التكتيكية قصيرة ومتوسّطة المدى والصواريخ البالستية والجوّالة.
أميركا تحاول مُجاراة روسيا
نفّذت البحريّة الأميركيّة منذ العام 2014 وحتى الآن عدَّة تجارب بحرية على استخدام المنظومات الليزرية القتالية من على متن السفن الحربية. ففي العام 2014، تمّت التجربة الأولى للمنظومة الليزرية "XN-1" على متن سفينة النقل والإنزال البرمائي من الفئة "أوستن"، المُسمّاة "باونس". وفي هذه التجربة، جرى استهداف زورق وهدف متحرّك بأشعة الليزر بنجاح. وقد أُجريت تجربة مُماثِلة في كانون الثاني/ديسمبر الماضي من على متن سفينة النقل "بورتلاند" التابعة للبحرية الأميركية.
كذلك، تعمل عدَّة شركات أميركية على تطبيقات يجري فيها استخدام أشعة الليزر في استهداف الأهداف البرية والجوية، مثل شركة "لوكهيد مارتن" التي اختبرت في آب/أغسطس 2017 منظومة الدفاع الجوي الليزري "آثينا". وتمكّنت هذه المنظومة من رَصْد طائرة مُسيَّرة صغيرة واستهدافها.
وفي الإطار نفسه، أجرت الشركة نفسها تجربة في نيسان/أبريل الماضي على نموذج تجريبي لوحدة توليد أشعة ليزر ضمن منظومة "شيلد" الجديدة. وقد تمكَّنت الوحدة من تدمير عدد من الصواريخ التي أطلقت من الجو. وتستمر التجارب حالياً لتحويل هذه الوحدة إلى وحدة جوية قابلة للتثبيت على متن المقاتلات، وهو المسعى الذي سيوفّر قدرات إضافية ضد الصواريخ بمختلف أنواعها في حال نجاحه.
دخلت شركة "بوينغ" على خطّ تطوير منظومات ليزرية للدفاع الجوي، وذلك عبر منظومتها "ليرز أفينجر" التي تمكّنت من إسقاط طائرة من دون طيّار في أيار/مايو 2010.
وجرى الإعلان عن أحدث المنظومات الأميركية الليزرية في آذار/مارس من العام الماضي، وهي منظومة "Dune Buggy"، من إنتاج شركة "رايثيون"، وتعدّ ثمرة تعاون بين هذه الشركة ومختبر أبحاث سلاح الجو الأميركي، بموجب عقد بلغت قيمته مليوني دولار، لاختبار تقنيات الموجات الليزرية المُضادّة للطائرات المُسيَّرة من دون طيّار وتطويرها.
وقد حقّقت هذه المنظومة النّجاح الأبرز والأكبر ضمن كلّ المنظومات التي تمّت تجربتها سابقاً، إذ تمكّنت خلال التجارب التي تمّت في قاعدة "فورت سيل" في ولاية أوكلاهوما الأميركية من إسقاط 45 طائرة من دون طيّار، بمعدّل طائرتين أو ثلاث طائرات في المرة الواحدة، إلى جانب عدَّة قذائف هاون.