ما بين المغرب والجزائر.. توتّر عسكريّ مكتوم
لم تكد نيران هذا التوتر تهدأ حتى تصاعدت مرة أخرى، عقب قرار أصدره رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني في أيار/مايو الماضي، بتخصيص أرض في غابة بني علي في محافظة جرادة الحدودية مع الجزائر، لإقامة قاعدة للجيش المغربي.
على الرّغم من بروز إشارات متفرقة من حين إلى آخر حول إمكانيّة تحسّن العلاقات بين الجزائر والمغرب، لتصل إلى الشكل المرجوّ من العلاقات بين دولتين جارتين تمثلان ثقلاً أساسياً في شمال أفريقيا، فإنَّ التوترات بين البلدين، وخصوصاً على الصعيد العسكريّ، باتت من المحدّدات الأساسيّة للعلاقات بينهما خلال العقود الماضية وحتى الآن.
المناورات العسكريّة.. مباعث مستمرة للتّوتّر
تبادل كلّ من البلدين على مدار السنوات الّتي تلت وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية في العام 1991، إقامة المناورات العسكرية على الحدود بينهما، وأصبح هذا الملفّ بمرور السنوات مبعثاً دائماً للتوتر بينهما، ففي أيار/مايو 2018، نفَّذ الجيش الجزائري مناورة "طوفان 2018" الجوية والبحرية التي تعد الأضخم في تاريخه، وجرت أحداثها في منطقة وهران الواقعة غرب البلاد، وتبعد نحو 180 كيلومتراً عن الحدود المشتركة مع المغرب.
وقد استبقت الجزائر بذلك المناورات العسكرية المغربية التي تمت في الشهر التالي، تحت اسم "الأسد الأفريقي 2018"، في مناطق أغادير وتفنيت وطانطان وتزنيت وبنجرير والقنيطرة، وهي مناورات سنوية ينفّذها الجيش المغربي بمشاركة الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى. وقد تزامنت المناورتان حينها مع تبادل الاتهامات بين الجانبين، على خلفية تصريحات مغربية تتهم الجزائر بتدريب عناصر جبهة البوليساريو، وذلك عبر تمويل خارجي.
في العام التالي، تكرّر التوتر نفسه بين الجانبين، بعد أن نفَّذ الجيش المغربي سلسلة من المناورات العسكرية الواسعة، بدأها في آذار/مارس بمناورات "الأسد الأفريقي 2019"، ثم في الشهر التالي، بالمناورة الأضخم في تاريخه "جبل صاغرو"، التي جرت فعالياتها في مناطق صاغرو وفم زكيد وتاغونيت الحدودية مع الجزائر.
وفي شهر أيار/مايو، نفَّذ الجيش المغربي مناورات جوية وبرية في مدينة ورزازات جنوب البلاد. من جانبه، نفَّذ الجيش الجزائري في نيسان/أبريل من العام نفسه مناورات بالذخيرة الحية في المنطقة العسكرية الثانية المتاخمة للحدود مع المغرب. التوتر الذي نتج من مناورات ذلك العام، كان على خلفية تصاعد تهديدات جبهة "البوليساريو" التي تساندها الجزائر في الصحراء الغربية، وتلويحها بعودة المعارك بينها وبين الجيش المغربي.
هذا العام تصاعد التوتر بين البلدين، رغم تأجيل الجيش المغربي مناوراته العسكرية التي كانت مقررة في النصف الأول من العام الجاري بسبب جائحة كورونا. مباعث توتر هذا العام بدأت بتصريحات للقنصل المغربي في مدينة وهران الجزائرية، أثناء حديث له مع عدد من المواطنين المغاربة، قال فيها إن الجزائر "بلد عدو"، وهو ما أثار حفيظة الحكومة الجزائرية التي استدعت وزارة خارجيتها السفير المغربي في الجزائر، للاحتجاج على هذا التصريح الذي أدى في النهاية إلى سحب الرباط للقنصل المغربي من مدينة وهران، ضمن عدد من المواطنين الذين طلبوا العودة إلى بلادهم.
لم تكد نيران هذا التوتر تهدأ حتى تصاعدت مرة أخرى، عقب قرار أصدره رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني في أيار/مايو الماضي، بتخصيص أرض في غابة بني علي في محافظة جرادة الحدودية مع الجزائر لإقامة قاعدة للجيش المغربي في موقع يبعد نحو 50 كيلومتراً فقط عن الحدود المشتركة، وذلك ضمن خطة عامة بدأت في العام 2014، لتأمين الحدود المغربية مع الجزائر، والتي كانت أولى بنودها بناء جدار طوله 150 كيلومتراً بين البلدين.
ورغم التصريحات الرسمية المغربية التي أكَّدت أنَّ هذه القاعدة لسكن الجنود والضباط فقط، وليست قاعدة عملياتية، فإنَّ هذه الخطوة تلقّتها السلطات الجزائرية بكثير من الريبة والشك، واعتبرتها رداً مغربياً على مناورات الجيش الجزائري التي تمت أوائل آذار/مارس في منطقة تندوف القريبة من الحدود مع المغرب، وهي مدينة مهمَّة، نظراً إلى احتضانها مخيمات تضم بعض العائلات المنحدرة من الصحراء الغربية، إلى جانب مقرات لرئيس (الجمهورية الصحراوية) وحكومتها المعترف بهما من جانب الحكومة الجزائرية. هذه المناورات تمت تسميتها "الوفاء بالعهد".
النقطة الأكثر أهمية في هذا الصّدد هي تلميح بعض وسائل الإعلام الجزائرية إلى وجود خطط لإنشاء قاعدة عسكرية تابعة للجيش الجزائري في قرية بئر الحلو، شمال غرب الصحراء الغربية، وهي أحد أهم معاقل جبهة البوليساريو. هذا الأمر، إن تحقّق، سيعيد الزخم مرة أخرى إلى الصراع الممتدّ منذ عقود بين البلدين حول ملفّ الصحراء الغربية.
سباق التسلّح بين البلدين يستمرّ وبقوّة
أوضحت الأرقام التي نشرها معهد "ستوكهولم" الدولي لأبحاث السّلام والتسلّح، في تقريره السنويّ الَّذي تم إصداره في آذار/مارس الماضي، تفوّق الجزائر إجمالاً على المغرب على مستوى التسليح والصّفقات الجديدة، مع محاولات من المغرب لإدامة استيراد منظومات قتالية جديدة، والاقتراب قدر الإمكان من القدرات الجزائرية.
تشير الأرقام إلى أنَّ واردات الجزائر من الأسلحة والذخائر خلال الفترة الممتدة بين العامين 2015 و2019، مثَّلت نحو 80 في المائة من واردات دول شمال أفريقيا من الأسلحة، بزيادة قدرها 70 في المائة مقارنة بالفترة الممتدة بين العامين 2010 و2014، لتصبح بذلك سادس أكبر دولة مستوردة للأسلحة على مستوى العالم خلال السنوات الأربع الأخيرة، بنسبة 2.6 في المائة من إجمالي صادرات السلاح على مستوى العالم.
أما المغرب، ففي الفترة الممتدة بين العامين 2015 و2019، بلغت نسبة مشترياته من الأسلحة 0.8 في المائة من مجموع مشتريات الأسلحة العالمية، وهي نسبة تقل بنحو 1.5 في المائة عن نسبة مشترياته خلال الفترة الممتدة بين العامين 2010 و2014.
وفي الفترة الممتدة بين العامين 2008 و2018، تعاقد المغرب مع فرنسا على معدات عسكرية بلغت قيمتها الإجمالية ما يقارب 2 مليار يورو، ثم أبرم في العام 2019 مع الشركات الفرنسية عقوداً جديدة بقيمة 400 مليون يورو، لكن تبقى الولايات المتحدة الأميركية المورد الأساسي للأسلحة المغربية، بنسبة تقترب من 45 في المائة، حيث بلغت قيمة الصفقات العسكرية بين البلدين العام الماضي أكثر من 10 مليارات دولار.
على المستوى التسليحيّ، بدا منذ مطلع العام الماضي أن الجيش المغربي يسعى حثيثاً للحاق بالجيش الجزائري، وخصوصاً على مستوى كمّ الأسلحة الحديثة التي يمتلكها ونوعها، وذلك ضمن خطة استراتيجية تم وضعها في العام 2017، يستهدف المغرب من خلالها الوصول إلى ما يسمى "التفوق الإقليمي"، عن طريق تحديث المعدات العسكرية الحالية وشراء معدات أخرى حديثة.
في آذار/مارس 2019، وافقت وزارة الخارجية الأميركية على صفقة تعدّ الأكبر بين الولايات المتحدة والمغرب، سيتزود بموجبها سلاح الجو المغربي بنحو 25 مقاتلة من نوع "أف - 16 بلوك 72"، بقيمة تصل إلى 3 مليارات ونصف المليار دولار، إضافةً إلى ترقية 23 مقاتلة عاملة من هذا النوع في سلاح الجوّ المغربي إلى المعيار "أف -16 فايبر"، بتكلفة تصل إلى نحو مليار دولار. يُضاف إلى ذلك تعاقد سلاح الجو المغربي على شراء 4 طائرات حرب إلكترونية من نوع "جالف ستريم".
على مستوى الأسلحة البرية، ظهرت بشكل مفاجئ مؤخراً في تسليح القوات الجوية المغربية راجمة الصواريخ الصينية الصنع "أيه أر 2"، من عيار 300 ملم، وهي من أقوى وأهم منظومات المدفعية الصاروخية، وتعادل راجمات الصواريخ الروسية "سميرتش" التي يمتلكها الجيش الجزائري منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.
كذلك، تعاقد الجيش المغربي هذا العام مع شركة "نيكستر" الفرنسية، لشراء 36 مدفع "هاوتزر" ذاتي الحركة، عيار 155 ملم، من نوع "قيصر".
بحرياً، شرع المغرب في مفاوضات موسّعة مع إسبانيا لشراء عدد من القطع البحرية، من بينها زورقا دورية من فئة "أفانت"، بقيمة إجمالية تتجاوز 250 مليون يورو. مؤخراً، وتحديداً في آذار/مارس الماضي، وافق رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، على مرسوم يقر شراء طائفة واسعة من المنظومات القتالية من شركة "أم بي دي أيه" الفرنسية، وذلك بموجب قرض بلغت قيمته نحو 200 مليون يورو. وقد تم بالفعل توقيع عقود شراء هذه المنظومات التي عُرفت منها حتى الآن منظومات الدفاع الجوي قصير المدى "في أل - ميكا".