تحقيق: البنك الفرنسي التونسي ..الفساد بامتياز
أصدرت الهيئة التحكيمية الدولية CIRDI يوم 19 تموز/ يوليو الماضي حكماً يقضي بتحميل الدولة التونسية المسؤولية كاملة في قضية النزاع مع المؤسسة العربية للاستثمار ABCI والذي استمر أكثر من 34 عاماً.
فصول من النزاع والتقاضي والصراع بين المؤسّسة العربية للاستثمار ABCI
حكماً طال انتظاره من قِبَل طرف ما فيما أقضّ مضجع طرف آخر ظلّ يؤخّره لعقود.
وضعية مالية شائكة يعانيها البنك الفرنسي التونسي منذ ثمانينات القرن الماضي. هذه
الوضعية زادت صعوبة خاصة بعد اكتشاف أن أكثر من 350 مليون دينار في دفوعات البنك
تم تسجيلها كديون غير مُستخلَصة حسب ما صرّح به لموقع
الميادين نت حمودة عبودة الكاتب
العام المساعد للنقابة الأساسية للبنك ، ماجعل محافظ البنك المركزي الشاذلي
العياري يصدر أمراً إلى مدير عام البنك المذكور بتجميد جميع العمليات المالية في
البنك من ودائع وقروض ، كما يمثّل البنك التونسي الفرنسي أحد فروع الشركة التونسية
للبنك. بدأت القصة سنة 1983 عندما قرّر البنك الفرنسي التونسي الترفيع في رأس
ماله، بعد أشهر تم
الترخيص للمؤسّسة العربية للاستثمار ABCI بنسبة 50 بالمائة. لكن في 30 ديسمبر 1982 تم إلغاء العملية، ما
نتج منه تفجّر أزمة بين البنك الفرنسي التونسي والمؤسّسة العربية للاستثمار ABCI، تحوّل النزاع بعد ذلك ليصبح
وطنياً وتصبح الدولة التونسية طرفاً فيه بدلاً من البنك الفرنسي التونسي. لكن في
سنة 1991 حُكِم على مدير عام شركة ABCI
المساهمة ب 20 سنة وخطيّة مالية تُقدّر بـ30 مليون دولار سجناً ما اضطره إلى
مغادرة البلاد والالتجاء إلى التحكيم الدولي.
فصول من النزاع والتقاضي والصراع بين المؤسّسة العربية
للاستثمار ABCI سنكشفها في هذا التحقيق إلى جانب فساد تمّت
ممارسته في أعلى الدوائر المالية من قِبَل موظفين في البنك المركزي ووزارة المالية
ووزارة أملاك الدولة باسم الدولة التونسية، فساد بامتياز لم يحدث له مثيل منذ
القرن التاسع عشر.
البنك التونسي الفرنسي: الترفيع في رأس المال
البنك التونسي الفرنسي: الترفيع في رأس المال
الوثيقة التي عثرنا عليها والتي تم تسريبها من الهيئة
الدولية في فضّ نزاعات الاستثمار هي عبارة عن جلسة للنُطق بالحُكم في مدى أهليّة
الهيئة الدولية لفضّ النزاعات في قضايا الاستثمار CIRDI في القضية التي رفعها عبد المجيد بودن رئيس مجلس الإدارة السابق
للبنك الفرنسي التونسي والشريك في المؤسسة العربية للاستثمار ABCI ضد الدولة التونسية. تُعتبر هذه
الوثيقة أهم مصدر موجود حتى الآن متعلق بفصول النزاع.
الوثيقة : قضية البنك التونسي الفرنسي
تأسّست الشركة العربية للاستثمار ABCI في 18 ماي 1982 بشراكة بين الأمير السعودي بندر بن خالد بن عبد
العزيز آل سعود ورجل الأعمال التونسي عبد المجيد بودن يمتلك النصف الآخر.
وتبيّن الوثيقة أنه في 18 جوان 1981 قرّر البنك الفرنسي
التونسي الترفيع في رأس ماله من مليون دينار إلى 5 ملايين دينار بإحداث 800 ألف
سهم جديد بقيمة تقدّر ب5 دنانير للسهم الواحد، قرار الترفيع نُشر في الرائد الرسمي
بتاريخ 1 جانفي 1983 في ذلك الوقت كانت الشركة التونسية للبنك تمتلك ما يقارب 94
بالمائة من رأس مال البنك الفرنسي التونسي.
وثيقة : الترفيع في رأس المال
السمعة الجيّدة
والعراقة التي كان يتميّز بها البنك في ذلك الوقت دفعت مساهمي المؤسّسة العربية
للاستثمار ABCI للدخول في العرض ، لكن القانون التونسي يمنع
مشاركة الأجانب في الشركات الوطنية ما يتطلّب الحصول على تصريح.
الحصول على تصريح
حسب الوثيقة التي نشرتها الهيئة التحكيمية في فضّ
النزاعات المُتعلّقة بالاستثمار تمكّن رجل الأعمال التونسي عبد المجيد بودن من
الحصول على تصريح من وزير التخطيط والمالية وقتها منصور معلى يتضمّن الموافقة
للاستثمار في البنك الفرنسي التونسي بنسبة 50 بالمائة. هذه المعلومة تؤكّدها
أستاذة القانون الفرنسية برجيت ستارن في دراسة أعدّتها حول النزاع القائم بين
المؤسسة العربية للاستثمار ABCI
والبنك الفرنسي التونسي BFT من
خلال نشر رسالة الموافقة بتاريخ 23 أفريل 1982 ، والتي أرسلها وزير التخطيط
والمالية منصور معلى إلى الأمير بندر بن خالد بن عبد العزيز آل سعود بصفته شريكاً
في المؤسسة العربية للاستثمار ABCI ردّاً على رسالة بودن التي أرسلت بتاريخ 15
أفريل 1982 ، والتي أكدّ فيها الوزير موافقته على التصريح للشركة العربية
للاستثمار ABCI برأس مال 20 مليون دولار للمساهمة في رأس مال البنك الفرنسي التونسي.
وثيقة : رسالة إلى الأمير بند بن سلطان الصفحة 21
في 27 جويلية 1982 تم تحويل ما يُقارب 4.139.072.85
دولاراً وهو ما يُعادل 2.5 مليون دينار إلى حسابات البنك المركزي بعنوان مساهمة
المؤسّسة العربية للاستثمار ABCI في
رأس مال البنك الفرنسي التونسي. لكن المتاعب قد بدأت بعد ذلك مباشرة، ما لم تقله
الوثيقة أن وزير المالية والتخطيط منصور معلى رفض عملية التحويل واعتبر أن التصريح
الذي حصل عليه بودن ليس إلا موافقة مبدئية تنقصه عدّة إجراءات أخرى ، فيما تقول
بعض المصادر أن طموحات معلى ببعث بنك عملاق وذلك بدمج بنك تونس العربي الدولي
والبنك العربي (يحتوي على مساهمات فلسطينية) والبنك الفرنسي التونسي كان وراء
الأزمة التي افتعلها وزير المالية. ولتحقيق مآربه بعث برسالة في 01 مارس 1983 إلى
الرئيس المدير العام للبنك الفرنسي التونسي يطالبه فيها بتحديد حصة المؤسسة
العربية للاستثمار ABCI من
الأسهم إلى 10 بالمائة ، ما دفع بالرئيس ياسر عرفات للاتصال بوسيلة ببورقيبة من
أجل إقناع الرئيس بورقيبة للتدخّل لوقف إجراءات الدمج وهو ما حصل فعلاً.
وثيقة خفض أسهم
وفي
جويلية 1984 أصبحت رسمياً الشركة العربية للاستثمار تمتلك 53.6 بالمائة من أسهم
البنك الفرنسي التونسي إلى جانب الشركة التونسية
للبنك والتي أصبحت مساهماً صاحب أقليّة
بداية النزاع بين الشركة العربية للاستثمار ABCI والشركة التونسية للبنك
لم يدم شهر العسل طويلاً بين عبد المجيد بودن رئيس مجلس
إدارة البنك الفرنسي التونسي والشركة التونسية للبنك بعد تبادل اتهامات بين الطرفين بمحاولة السيطرة
على البنك، في هذه الأثناء انسحب الأمير بندر من المؤسّسة العربية للاستثمار ABCI. بعد أشهر اكتشف بودن وطبعاً
حسب الوثيقة التي نشرها المركز الدولي للتحكيم في القضايا المتعلّقة بالاستثمار اختفاء
مبالغ طائلة من رأس مال البنك الفرنسي التونسي تقدّر بمليون دينار من حسابات البنك
الفرنسي ، إضافة إلى تحويل ديون ثقيلة من حسابات الشركة التونسية للبنك إلى حسابات
البنك الفرنسي التونسي ، وهو ما دفعه إلى رفع دعوى على الشركة التونسية للبنك، ربح
بودن الدعوى في ما بعد لكن الشركة التونسية للبنك لم تمتثل لقرار الغرفة التجارية
العالمية.
بعد سنتين من انقلاب 7 نوفمبر 1987 تمكّنت الشركة
التونسية للبنك من استصدار قرار قضائي لم يكن صعباً وقتها الحصول عليه يقضي بوضع
البنك الفرنسي التونسي تحت تصرّف القضاء.
بداية تشكل خيوط المؤامرة وسقوط الضحايا
في مارس 1989 أصبح بودن أول ضحية لهذه القضية الشائكة
بعد الحُكم في حقّه ب6 سنوات سجناً و خطية مالية تقدّر ب 30 مليون دينار بتهمة
التلاعب بالمال العام، يقول مصدر للميادين رفض الإفصاح عن إسمه إن هذه القضايا تم
تلفيقها من أجل السيطرة على مساهمة المؤسّسة العربية للاستثمار ABCI. لكن في شهر جوان من نفس السنة
ولتفادي هذه الأحكام والخروج بأخفّ الأضرار من بيت العنكبوت ، أمضى بودن اتفاقاً
مع الدولة التونسية تم بمقتضاه تحويل جميع أسهم الشركة العربية للاستثمار ABCI لحسابات الشركة الأم ، وهي
الشركة التونسية للبنك لكن وبعد المُضايقات المتكرّرة من البوليس التونسي آنذاك أضطر إلى
مغادرة البلاد في سنة 1991. مصدر لموقع الميادين أكّد أن ظروف إمضاء هذا الاتفاق
كانت صعبة جداً حيث تم تهديده بالسجن إضافة إلى أنه مُنِع من السفر.
مغادرة بودن حدود البلاد جعلته عرضة لحكم أقصى تمثّل في
20 سنة سجناً وخطية مالية قدرها 30 مليون دولار بصفته رئيس مجلس إدارة البنك بتهمة
سوء التصرّف في المال العام. بعد ذلك طالبت الشركة العربية للاستثمار إلغاء
الاتفاق الممضى مع بودن بحجّة أن ظروف الإمضاء لم تكن ملائمة (تعرّضه للتهديد).
جون أفريك قالت في مقالها " عمر قش أحد شركاء عبد المجيد بودن سُجِن لمدة 13
سنة و8 أشهر قبل أن يتم إطلاق سراحه" فيمااإعتبرها البعض عملية انتقامية من
بودن.
تدويل القضية وبداية مُسلسل تكسير العظام
بعد النُطق بالحُكم في عدم أهلية القضاء البريطاني في
الحكم في هذه القضية سنة 2003 توجّهت المؤسّسة العربية للاستثمار ABCI إلى المركز الدولي للتحكيم في
القضايا المُتعلّقة بالاستثمار CIRDI من أجل استرجاع أموالها لتبدأ بعد ذلك مرحلة
جديدة من التقاضي إلى أن في 18 فيفري 2011 وحسب الوثائق المنشورة تم الحُكم بأهلية المركز الدولي للتحكيم في القضايا
المتعلّقة بالاستثمار CIRDI ، وقد حضر الجلسة كل من عبد المجيد
بودن الرئيس السابق للمؤسسة العربية للاستثمار ABCI والرئيس الحالي باتريك جوهان هالونن ، وفي المقابل حضر ممثلاً عن الدولة التونسية كل
من فتحي السكري رئيس ديوان بوزارة أملاك الدولة
وعبد القادر زهيوة المكلّف العام بنزاعات الدولة إلى جانب 3 محامين من مكتب
المحاماة الدولي هاربت سميث من بينهم السيّدة إمنيال كابرول.
فترة التقاضي والتي خلالها توجّهت الشركة العربية للاستثمار
ABCI لمركز التحكيم الدولي CIRDI كانت فترة مناسبة جداً للقضاء على النظام
المالي للبنك وإغراقه شيئاً فشيئاً في الديون بالاعتماد على استراتيجيتين:
القروض الكريهة: وهي عبارة عن ديون لم يتم استخلاصها من
الحرفاء وفيها خسر البنك قضايا ضدّ الحرفاء من أجل الخلاص وذلك بالتواطؤ مع أعوان
البنك.
القروض الهالكة: إعطاء قروض من دون ضمانات مع مشاكل في
الخلاص إلى أن تتم تصفية القروض
هكذا أمكن للكثير من المستفدين الحصول على قروض من دون
ضمانات ومن دون حتى أن يضطروا إلى سداد نسبة صغيرة منها، تردّدت هذه العمليات
كثيراً في الفترة الممتدة بين سنتي 2003 و2011، حتى أصبح البنك يعاني من عجز قارب
350 مليون دينار، حتى أن بعض التسريبات تقول أن شركات رجل الأعمال المعروف كمال
اللطيف تدين بقيمة 81 مليون دينار إلى حدود 28 فيفري 2013 لمجموعة من البنوك.
وثيقة ديون
اللطيف
حمودة عبودة الكاتب العام المساعد للنقابة الأساسية
للبنك الفرنسي التونسي قال في تصريح لموقع الميادين "
لقد كانت الفترة الممتدة
بين 2008 و 2011 أقسى فترة يتعرّض لها البنك ، نسبة القروض الهالكة أصبحت مثل كرة
الثلج تكبر شيئاً فشيئاً إلى أن في سنة 2016 أصدر محافظ البنك المركزي قراراً بوقف
جميع العمليات المالية للبنك" ، كما
أكّد عبودة أن مشكلة البنك الفرنسي لا تكمن فقط في عدم خلاص القروض وإنما أيضاً في
سوء التسيير للمدراء الذين تعاقبوا على البنك ، كما أن البنك المركزي يتعمّد تعيين
مديرين من غير أهل الاختصاص وهو ما عمّق أزمة البنك وأزمة موظفيه. كما أكّد محمّد
الباجي (صحافي قام بتحقيق في الموضوع) أن عدم جدية الدولة في التعامل مع النزاع
القائم من خلال الوثائق التي أطّلع عليها جعلت البنك عرضة للإهمال والسطو، كما أكّد
أيضاً أن الدولة تتحمّل المسؤولية كاملة في هذا الموضوع.
وثيقة : الهيئة
التحكيمية لفضّ نزاعات الاستثمار
أتعاب مكتب المُحاماة المُكلّف من طرف الدولة تُقدّر بملايين الدينارات
لمتابعة هذه القضية كلّفت الدولة التونسية مكتب المُحاماة
الدولية "هاربت سميث" لإنابتها أمام الهيئة الدولية للتحكيم CIRDI، تحوم شكوك كثيرة حول تعيين
هذا المكتب خاصة بعد اعتراف المستشار المُقرّر العام بمتابعة هذا الملف بأنه لم
يعثر على أية وثيقة تحدّد طريقة خلاص مكتب المُحاماة المذكور ، فيما يؤكّد تقرير نُشِر
في جوان 2013 صادر عن وزارة أملاك الدولة أن المكتب احتسب تعريفة بالساعة غير
التعريفة المتفّق عليها ، وحسب الوثيقة دائماً فقد بلغت أتعاب المكتب في الفترة
الممتدة بين 01 ماي 2010 و 26 جوان 2010 ما يُقارب 636 مليون دينار وهو يُعتَبر
رقماً هائلاً .
وزير أملاك الدولة الحالي مبروك كروشيد قال في خصوص
مسألة النزاع " إن ملف البنك الفرنسي التونسي هو ملف فساد بامتياز، وهو
خطأ يرتقي إلى مستوى الجريمة، ولم تشهد تونس خطأ مثله منذ القرن التاسع عشر".
كما أكّد أن أتعاب مكتب المُحاماة قد تجاوزت 35 مليون يورو وهو ما يقدّر ب 100
مليون دينار.
للتأكّد من هذا المبلغ ومن عدّة أمور أخرى راسلنا السيّد
فريديريك بوفاي رئيس فرع المكتب في باريس والمحامية إيمانيال كابرول والتي حضرت في
جلسة النُطق بالحُكم في مدى أهلية المركز الدولي للتحكيم في القضايا المتعلقة
بالاستثمار CIRDI ، ولكن لم تتم إجابتنا إلى حد
كتابة هذه السطور.
وثيقة : رسالة
إلى مكتب المُحاماة
تعطيل مساعي الصُلح رغم نتائجه الإيجابية للدولة
التصريحات المُرعبة لوزير أملاك الدولة الحالي تعطي صورة
واضحة على قتامة الوضع في الدوائر المالية في تونس. في آخر فصول النزاع برزت بوادر
لمساعٍ صلحية بين الدولة التونسية والشركة العربية ABCI إبان فترة حُكم الترويكا تظهر جيّداً من خلال محضر جلسة العمل
الوزارية بتاريخ 13 ديسمبر 2012 والتي أشرف عليها الوزير المُكلّف بالشؤون
الاقتصادية والاجتماعية رضا السعيدي ، إلى جانب مستشار وزير أملاك الدولة المنجي
صفر إلى جانب مستشار مُقرّر بوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية حامد النقعاوي.
المُتأمّل جيّداً في محضر الجلسة يلاحظ أن خيار الصُلح يُعتبر الأصلح للدولة
التونسية من خلال تجنيبها خسائر كبيرة ، كما تم خلال الجلسة طرح عدّة فرضيات لإخراج
البنك الفرنسي التونسي من أزمته من بينها التصفية التدريجية والتصفية الآنية.
قبل إمضاء الاتفاق اشترطت المؤسّسة العربية للاستثمار ABCI القيام بعملية تدقيق كامل
للبنك لمعرفة وضعيته الحالية، وهوما يظهر جلياً في الرسالة التي بعث بها وزير
أملاك الدولة الأسبق سليم بن حميدان إلى الخبيرالمحاسب لطفي بن زكري يكلّفه فيها
بمهمة التدقيق إلى جانب 3خبراء آخرين.
وثيقة : تكليف
بمهمة
مصدر لموقع الميادين رفض ذكر إسمه قال إن الدولة
التونسية ممثّلة في وزارة أملاك الدولة لم تكن جادّة في مسألة الصُلح ، وذلك بعد
أن تم إلغاء الاتفاق الذي تم إمضاؤه مع الشركة العربية للاستثمار ABCI. طريقة الإلغاء كانت ببساطة
التضحية بالمستشار حامد النقعاوي والادّعاء بأنه أمضى الاتفاق من دون إعلام الوزير
سليم بن حميدان الذي بدوره أعدم كل الرسائل الألكترونية التي وصلته في الغرض ، لكن
نسي أن الشركة العربية للاستثمار كانت لا تزال تحتفظ بدليل مادي. هذه الحيلة أسقطت
جميع مساعي الصُلح والتي كانت ستجنّب الدولة خسائر مالية كبيرة.
وثيقة : إقتراح
أسماء
بعد هذه العملية يمكن لنا أن نطرح سؤالاً في غاية
الأهمية "لماذا غادر المستشار منجي صفر عمله في ذلك الوقت واتّجه إلى فرنسا
ولم يعد إلى تونس إلى حد هذه اللحظة؟ كيف لموظف عمومي أن يغادر منصب مستشار لدى
وزير ويتجّه إلى بلد أجنبي ولايعود إلى حد هذه اللحظة.
الدكتور معز الجودي رئيس الجمعية التونسية للحوكمة قال
لموقع الميادين " هذا النزاع متواصل منذ الثمانيات لا نظام بورقيبة ولا
نظام بن علي اعترف بمسؤولية الدولة التونسية في هذه القضية ، لكن بعد 14 جانفي و
في فترة حُكم الترويكا هناك اعتراف بمسؤولية الدولة في هضم حق الطرف المساهم في
البنك الفرنسي التونسي، أنا أحمّل كل مَن تعهّد بهذا الملف ولم يتعامل معه بجديّة
المسؤولية والذي سيكلّف الدولة ما يُقارب 400 مليون دولار وهو رقم خيالي يمثّل
أكثر من 3 بالمائة من ميزانية الدولة".
المجلس الدولي للتحكيم CIRDI ينطق بالحُكم بعد 8 سنوات من التقاضي
أصدرت الهيئة التحكيمية الدولية CIRDI حكمها الأول في قضية النزاع بين الدولة التونسية والمؤسسة العربية للاستثمار ABCI، وحسب مصدر لموقع الميادين فإن
الهيئة التحكيمية قد حكمت بمسؤولية الدولة التونسية في قضية الحال ، إضافة إلى
تأكيد خرق الدولة للنظام العام الدولي وللقانون الدولي في عدم حماية أموال
مستثمرين أجانب داخل البلاد إضافة إلى تجميدها، كما أيّدت الهيئة فرضية تعرّض السيّد
عبد المجيد بودن رئيس مجلس إدارة المؤسّسة العربية للاستثمار السابق للتهديد الذي
أجبره على الإمضاء من خلال الملاحقات البوليسية ، التهديد بالسجن وأيضاً المنع من
السفر. كما أكّد لنا المصدر ذاته أن الهيئة التحكيمية الدولية ستتناول في جلسة
أخرى مسألة التعويضات، وأنه لا يوجد حتى الآن رقم واضح للتعويضات. الدكتور معز
الجودي قال إن التعويضات لن تنزل تحت مستوى 400 مليون دولار سيتحمّلها دافعو
الضرائب.
بعد أسابيع من الآن تنظر الهيئة التحكيمية في موضوع
التعويضات، وبعد الحكم سيتم تحويل هذه التعويضات من خزينة الدولة إلى الشركة
العربية للاستثمار ABCI .
مبلغ التعويضات سيتحمّله دافعو الضرائب ، طبعاً إضافة إلى ذلك هناك خسائر وصلت إلى
حدود 350 مليون دينار بعنوان قروض هالكة كما أكّد مصدر مطلع للميادين ، أكّد أن
موظفي البنك قد حصلوا على قروض تُقدّر ب15 مليون دينار وهو مبلغ ضخم جداً مقارنة
برأس مال البنك والذي يُقدّر ب5 ملايين دينار وإن القيمة الحقيقة للخسائر قد وصلت
إلى 900 مليون دينار. في مقابل هذا الانهيار السريع لم تفتح الدولة التونسية منذ
1983 تحقيقاً واحداً في وضعيّة البنك.
هذا التحقيق يُنشر في وقت تشنّ فيه حكومة الشاهد حرباً
على الفساد، هذه زاوية أخرى من الفساد الذي يمارسه الأفرد باسم الدولة والذين تسبّبوا
في خسائر ضخمة، من جهة تركوا بنكاً مفلساً ينتظر تصفيته بين لحظة وأخرى بفعل ما يُسمّى
بالديون الكريهة ، إضافة إلى تهديدهم لأكثر من 210 موطن شغل، ومن جهة أخرى وبسبب
عدم تعاملهم بجدية مع ملف النزاع ستتكبّد الدولة خسائر هي في غنى عنها.
فإذ تركت الدولة كل هؤلاء المسؤولين الذين لا يزالون
يمارسون مهاهم في أعلى مراكز القرار بكل حرية من دون محاسبة ، واتّجهت لقمع مجموعة
من الشباب بسبب حراك اجتماعي للمطالبة بالتنمية والتشغيل فلا يمكن الحديث عندئذ عن
المساواة ومُحاربة الفساد والكرامة الوطنية.