الميسترال وما بعدها.. البحرية المصرية إلى آفاق جديدة
هذه الصفقات والتفاوضات نقلت البحرية المصرية للتصنيف السادس عالمياً من حيث عدد القطع البحرية ونوعيتها فهي تمتلك نحو 330 قطعة بحرية متنوعة. كان واضحاً من ملامح التسليح الجديد الوارد إليها سواء كصفقات أو كأنواع يتم التفاوض عليها أن العقيدة العسكرية للبحرية المصرية تطورت بشكل يواكب التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في الفترة الأخيرة.
شكلت هذه النقلة أيضاً مثالاَ آخر من أمثلة الصفقات التسليحية التي تم توقيعها فعلاً أو يتم التفاوض عليها لتطوير الجيش المصري وهي صفقات ضخمة كماً ونوعاً تترافق مع صفقات مماثلة وقعتها دول أخرى في المنطقة على رأسها إسرائيل. فهل تقع الدولة العبرية في منتصف دائرة التنشين المصرية أم أن الصفقات المصرية مترابطة أكثر مع التطور الذي طرأ على العقيدة العسكرية المصرية التي باتت تشمل عمليات مكافحة الإرهاب داخل وخارج الأراضي المصرية بجانب الحفاظ على المكتسبات الاقتصادية التي تتجسد في احتياطيات الغاز الطبيعي العملاقة التي تم الكشف عنها مؤخراً في الحدود الاقتصادية لمصر؟
الهدف والاستراتيجية
تنبع أهمية هذه الفئة من السفن في تعدد المهام التي تستطيع القيام بها. تستطيع سفن هذه الفئة التي تبلغ إزاحتها 22 ألف طن العمل كمراكز قيادة وسيطرة عائمة نظراً لإمكانية استيعابها لنحو مائتي عنصر لإشغال مساحة مركز القيادة على سطحها والتي تبلغ 850 متراً تحتوي على منظومة القيادة والتحكم "SIC21" وأنظمة للإتصال بالأقمار الصناعية ونظام للمعلومات البحرية ونظام للبحث والتوجيه الكهروبصري والتتبع بالحرارة يسمى "EOMS 3D".
يضاف إلى معدات مركز القيادة المتقدم على متن سفن هذه الفئة مجموعة من الرادارات ووسائط الإعاقة والتشويش للمعاونة والرصد منها رادار رئيسي للمسح الجوي والبحري من نوع "MRR" وهو رادار متعدد المهام ثلاثي الأبعاد يبلغ مداه 180كم وينفذ مهام الرصد والبحث والتتبع للأهداف البحرية والجوية بما فيها الصواريخ الجوالة مع مقاومة لإجراءات التشويش المضادة. يعاون هذا الرادار رادارين للملاحة البحرية ومنظومتي إجراءات مضادة للطوربيدات والصواريخ ومنظومتين للتحذير من محاولات الرصد الراداري المعادي وتنفيذ إجراءات للتشويش والإعاقة ضده.
من أهم الأدوار القتالية التي تستطيع سفن هذه الفئة تنفيذها هو العمليات البرمائية الهجومية. تمتلك الميسترال مساحة تتعدى 2500 متر مقسمة بشكل حظائر لتخزين المركبات والعتاد الحربي تستطيع استيعاب حتى 70 عربة مدرعة أو ما يقرب من 45 دبابة قتال رئيسية. ضمن هذه المساحة يتواجد قسم للأفراد يستطيع استيعاب ما بين 450 إلى 700 جندي حسب طبيعة المهمة ومداها. يتم إنزال هذه القوات إلى الشاطئ من خلال الرصيف الداخلي أسفل بدن السفينة والذي يستطيع استيعاب أربع مركبات للإنزال. العمليات الجوية تعد من المهام الحيوية التي تنفذها سفن الميسترال نظراً لإمكانية تصنيفها ضمن "حاملات المروحيات" من الفئة "LHD" فهي تستطيع حمل 16 مروحية ثقيلة أو 35 مروحية خفيفة في مساحة تخزين تقع أسفل سطح السفينة مباشرة. يحتوي السطح على ست نقاط للهبوط تستطيع إحداها استيعاب هبوط مروحيات النقل الثقيل ويربط بين السطح ومنطقة الحظائر وورش الصيانة والإصلاح مصعدان لنقل المروحيات في ما بينهما. للميسترال أيضاً دور مهم يتعلق بعمليات الإغاثة وإدارة الكوارث حيث يتواجد على متنها مستشفى تتعدى مساحته 700 متر مربع يتضمن 20 غرفة وأقساماً لأنواع الأشعة وغرفتي عمليات كاملتي التجهيز بجانب 70 سرير طبي مضافاً إليهم حوالى 50 سريراً آخر يتم تخزينهم في مخازن خاصة للاستخدام في حالات الطوارئ.
بامتلاك الميسترال أصبحت مصر الدولة العاشرة على مستوى العالم التي تمتلك حاملات للمروحيات أو الطائرات، تعدد الأدوار الذي تتميز به هذه السفن يجعلها الإضافة الأهم إلى البحرية المصرية خلال السنوات الماضية ضمن صفقة بلغت تكلفتها 950 مليون يورو اشتملت أيضاً على عقد للصيانة والدعم لمدة عامين وعقد لتدريب الضباط والأفراد العاملين عليها. تمتلك الميسترال قدرة على البقاء في أعالي البحار لمدة تصل إلى 120 يوماً بمدى أقصى يتراوح بين عشرة آلاف و19 ألف كيلو متر بإمكانيات تجعلها تجمع ما بين الأدوار القيادية والهجومية واللوجيستية والإغاثية كقاعدة بحرية متكاملة تشكل بجانب مجموعة القطع البحرية التي سترافقها قوة بحرية ضاربة يحسب لها حسابات عديدة. خاصة أن مصر تعد المالك الأول لهذا النوع من القطع البحرية في أفريقيا والشرق الأوسط.
إمكانية استخدام الميسترال في حماية الحقوق الاقتصادية المصرية بعد اكتشافات الغاز الأخيرة على سواحلها الشمالية يبدو أمراً منطقياً وبديهياً، فمصر تواجه مطامع إسرائيلية وتدخلات تركية في ما يخص حقوق استخراج الغاز في البحر المتوسط وهي لا تمتلك جزراً تستطيع اتخاذها كنقاط انطلاق للتصدي لأي هجوم أو تعد على مناطق حقول الغاز وهنا تظهر أهمية الميسترال التي ستصبح سفينة القيادة لمجموعة بحرية مصرية دائمة في البحر المتوسط مسؤولة عن حماية عمليات التنقيب في المنطقة الاقتصادية المصرية ناهيك عن إمكانية تحرك هذه المجموعة أو المجموعة المناظرة لها في البحر الأحمر والتي ستقودها سفينة الميسترال الثانية "أنور السادات" التي ستصل إلى مصر في أيلول/ سبتمبر المقبل لتنفيذ أي عمليات برمائية ضمن السواحل المصرية أو سواحل دول أخرى، وهذا ما أشار إليه الفريق بحري أسامة ربيع قائد القوات البحرية المصرية الذي تحدث عن صفقات أخرى قريبة لتدعيم البحرية المصرية مع روسيا وإيطاليا وألمانيا.
لدعم مجموعة العمل المرافقة لسفينتي الميسترال تعاقدت مصر في النصف الثاني من العام الماضي مع روسيا على 46 مروحية هجومية من نوع "KA-52" النسخة البحرية "K" للعمل على متن سفينتي الميسترال ويتوقع وصول الدفعات الأولى منها أوائل العام القادم وحتى 2019 في صفقة اشتملت ايضاً على صواريخ مضادة للدروع من نوعي "VIKHR" و"ATAKA" لاستخدامها على متن المروحيات الروسية وعشر صواريخ من نوع "MOSKIT" المضادة للقطع البحرية للعمل على متن الزورق الصاروخي "MOLNIYA" من فئة "TARANTUL" الذي أهدته روسيا لمصر وسيدخل الخدمة رسمياً هذا الشهر ليشكل إضافة مهمة تجعل من المحتمل تعاقد مصر على زورق آخر من نفس النوع. تتفاوض مصر أيضاً مع فرنسا على 24 مروحية فرنسية من نوع "-90NH" بنسختين اﻷولى خاصة بالبحث والإنقاذ "TTH" والثانية خاصة بمكافحة الغواصات "NFH" ويتوقع في حالة إتمام التعاقد عليها أن تخدم على متن كورفيتات الجاويند وفرقاطات الفريم وجزئياً على متن الميسترال.