نتائج التحقيق في تجنيد إرهابيي تونس إلى سوريا

آلاف الشباب تم استقطابه ثم تدريبه ثم تسفيره إلى ليبيا والعراق وسوريا وحتى إلى اليمن وأفغانستان. اليوم بعد أن نجح الجيش العراقي في تقطيع أوصال ما يُعرف بـ داعش والنجاحات التي لا زال يحقّقها الجيش السوري، بدأت مرحلة جديدة وهي عودة هؤلاء الإرهابيين من بؤر التوتّر إلى تونس، أكثر من 3000 إرهابي مدّربين على جميع أنواع القتال بمثابة قنبلة موقوتة.

هناك أكثر من 3000 إرهابي مدّربين على جميع أنواع القتال بمثابة قنبلة موقوتة

"أدّى سقوط النظام إلى خلق فراغ سمح للمجموعات الراديكالية بنشر أفكارها وتجنيد أعضاء جُدُد في صفوف الشباب المحرومين". بهذه الكلمات لخّص مركز «كارنيغي» الأميركي للأبحاث في دراسة نشرها مؤخراً ما حصل في تونس طيلة السنوات الأربع الأولى التي تلت الثورة. هذا الفراغ فتح النار على الجميع وسمح لأكثر من 5500 جهادي تونسي تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة عبور الحدود والانضمام إلى تيارات إرهابية في دول مختلفة، حسب تقرير صادر عن «فريق عمل الأمم المتحدة حول استخدام المرتزقة في 2015. منهم من استقرّ في ليبيا ومنهم من استقلّ طائرات حملتهم إلى كل من العراق وسوريا. تغيّر في المشهد السياسي في تونس بعد انتخابات 2014 وبعض الاستقرار الأمني ساهم في خفْض وتيرة تسفير الجهاديين إلى بؤر التوتّر. لكن الضغظ الشعبي والحزبي المتمثّل في العريضة التي وقّعها 94 نائباً من مختلف الكتل النيابية من أصل 217 نائباً، دفع بمجلس نواب الشعب إلى إحداث لجنة "للتحقيق في شبكات التسفير إلى بؤر التوتّر". تأسّست هذه اللجنة بـ22 عضواً 14 منهم ينتمون إلى حركتي النهضة ونداء تونس الحاكمتين. لكن أعمال هذه اللجنة صاحبها الكثير من الجدل أبرز مظاهره إقالة النائب في نداء تونس والرئيسة السابقة للجنة ليلى لشتاوي من قِبَل رئيس الكتلة في مجلس نواب الشعب سفيان طوبال. إقالة شابها الكثير من التوجّس خاصة بعد وضوح العلاقة التي تجمع بين سفيان طوبال ورجل الأعمال الموقوف حالياً شفيق جراية في إطار ما يوصف بحرب حكومة الشاهد على الفساد، وعلاقة هذا الأخير بالجهادي السابق ورجل الأعمال الحالي الليبي عبد الحكيم بالحاج. في المقابل أصبحت النائب في نداء تونس هالة عمران رئيسة اللجنة الجديدة. أصابع اتهام كثيرة توجّهت في ملف شبكات التسفير إلى الأحزاب الحاكِمة بين 2011 و2014 بقيادة حركة النهضة، ما دفع بالكثير إلى القول بأن "التوافق بين حزبي النهضة والنداء يُعطّل مساعي كشف الحقيقة".

ظروف تكوين اللجنة

بعد ضغط شعبي وحزبي متواصل صادَقَ مجلس النواب التونسي في جلسة عامة في 31 جانفي 2017، على تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في الشبكات التي تورّطت في تجنيد وتسفير الشباب التونسي إلى ساحات القتال وبؤر التوتّر في سوريا وليبيا والعراق وإفريقيا جنوب الصحراء. هذا الضغط تعزّز بعريضة وقّعها 94 نائباً من مختلف الكتل النيابية لتشكيل هذه اللجنة بعد جدل طويل حول شبكات التسفير منذ العام 2012.

وفي بداية شهر آذار/ مارس 2017 تمّ الاتفاق على التركيبة وتم اختيار النائب ليلى الشتاوي "نداء تونس" رئيساً ومنجي الرحوي "الجبهة الشعبية" نائب رئيس، وفريدة العبيدي "النهضة" مقرّراً والصحبي بن فرج "كتلة الحرة" مقرّراً مساعداً وطارق الفتيتي "الوطني الحر" مقرّراً مساعداً. حاز حزبا نداء تونس وحركة النهضة على أغلبية الأعضاء بـ 14 عضواً. ومنذ جلسة العمل الأولى التي عُقِدت لاحقاً، في 14 مارس 2017، بدأ ظهور العديد من التوتّرات داخل اللجنة.

جدل وراء إقالة ليلى الشتاوي

 في 16 آذار/مارس قرّر حزب نداء تونس تجميد عضوية ليلى الشتّاوي في الحزب، والذي يتبعه آلياً تجميدها من الكتلة النيابية للحزب، تطبيقاً للفصل 68 من النظام الداخلي، وذلك على خلفيّة اتّهامها بتسريب مُحادثات الهيئة السياسية للحزب، لكن سفيان طوبال رئيس الكتلة النيابية لم يتقدّم بطلب إقالة الشتاوي من رئاسة لجنة التحقيق إلا في 19أيار/ مايو أي بعد أكثر من شهرين، وخاصة بعد أن كشفت الشتاوي عن شُبهة تورّط عبد الحكيم بلحاج في الملف. الشتاوي أكّدت للميادين نت إن عمليات التسفير جاءت في إطار دولي "كانت هناك مراكز تدريب في مناطق كثيرة في ليبيا مثل الزنتان ودرنة وبنغازي، وكان هناك إسم تكرّر صداه كثيراً في الأبحاث التي حصلنا عليها، المجموعات التي ذهبت من تونس إلى ليبيا لتتدرّب ثم يتم توزيعها تم استقبالها من قِبَل الليبي عبد الحكيم بالحاج".

عبد الحكيم بالحاج التي تجمعه علاقة متينة برجل الأعمال الموقوف شفيق جراية والذي لم ينكرها هذا الأخير في عديد التصريحات في وسائل الإعلام. إضافة إلى العلاقة المتينة التي تجمع جراية بطوبال والتي لم ينكرها هذا الأخير قائلاً "شفيق تربطني به علاقة جيّدة، وعندما قرّرت شراء منزل من خلال قرض بنكي لم أتردّد في الاتصال به بحُكم أنه يمتلك شركة عقارات". وهو ما يُفسِّر تحرّك هذا الأخير لإقالة النائب ليلى الشتاوي حسب رأي المتابعين.

تصريحات الشتاوي لم تقف عند هذا الحد، حيث أكّدت أيضاً أن هناك جمعيات تحصّلت على تمويل لدعم الإرهاب "تحصّلت جمعية حرية وإنصاف على مبلغ مالي قدره 60 ألف دينار يوم 6 جانفي 2012 من وزارة التشغيل، وسحبت ما يُقارب 40 ألف دينار من هذا المبلغ لكنها لم تصرِّح أين تمّ صرفه". من جهة أخرى يشير تقرير لجنة التحاليل المالية الصادر  في نيسان/ أفريل 2017 إلى أن "أغلب الأموال الواردة على الحسابات المعاينة كان مصدرها دول في الشرق الأوسط وأوروبا وتراوحت الأموال الواردة بين 100 ألف دينار و3 ملايين دينار"، ما يعطي فكرة حقيقة عن حجم التمويلات التي كان يتم ضخّها من الخارج من أجل المساعدة على التجنيد والتدريب والتسفير. إضافة إلى ذلك أكّدت الشتاوي للميادين نت إن شركة سيفاكس أرلاينز والتي على ملك محمّد فريخة عضو حركة النهضة متورِّطة أيضاً في التسفير.

فريدة العبيدي المقرّر العام للجنة والنائب عن حركة النهضة أكّدت للميادين نت إن عدم التزام أعضاء اللجنة بخصوصيّة العمل يُعرِّض اللجنة للفشل، وفي معرض ردّها على الشتاوي قالت "أعتقد أن ما تفعله النائب ليلى الشتاوي خاطئ، لايحق لها التصريح، ومع ذلك فهي أكثر الأعضاء حضوراً في وسائل الإعلام، إضافة إلى أن تصريحاتها لا أساس لها من الصحّة، هم لديهم مشكلة مع حركة النهضة يرمون الاتهامات جِزافاً ثم يسعون إلى تثبيتها بشتّى الوسائل".

اتهامات جديدة لقيادات في حركة النهضة

لم يكن من السهل على الأمني عصام الدردوري ممثّل المنظمة التونسية للأمن والمواطن الوصول إلى لجنة التحقيق البرلمانية والمثول أمامها، فبعد عدّة مراسلات قبلت اللجنة الاستماع إليه. كشف الدردوري خلال الجلسة عن المعطيات التالية:

  • في وثيقة رسمية تحمل ختماً سرّياً بتاريخ 2012/12/3 إذن وزير العدل الأسبق ورئيس كتلة حركة النهضة الحالي نور الدين البحيري بما يخوّل لأحد الدُعاة بدخول المؤسّسات السجنية مع التوصية بتقديم كل التسهيلات لعمله.
  • سنة 2012 تم رفع الإجراءات الأمنية والقضائية المانِعة للسفر عن المشتبه فيهم، ما ساهم في الترفيع في عدد المسافرين إلى بؤر التوتّر عبر المعابر المشار إليها.
  • سنة 2012 تدخّل نقيب أمني لفائدة زوجة أبو بكر الحكيم حتى تحصل على جواز سفر لتلتحق بعد ذلك بزوجها في سوريا وهو المتهم الرئيس في اغتيال الشهيد شكري بلعيد.
  • أحد المقاتلين السابقين في أفغانستان عاد إلى تونس بجواز سفر صادر من قنصلية تونس في دمشق وقد تم إخلاء سبيله.
  • الإرهابي مكرم بن عياد الفندري عاد إلى تونس يوم 9 آب/أغسطس 2017 بجواز سفر تونسي مدلس مسلم من الأجهزة التركية رغم أنه يحمل جواز سفر تونسي حقيقياً لم يستعمله، كونه يحمل عديد الأختام لشرطة الحدود التركية ما يورّطه في تسفير المقاتلين تجاه سوريا وما كان ينفذّه في الواقع.
  • العميد هشام المدّب المسؤول السابق عن مكتب العلاقة مع المواطن في وزارة الداخلية قدّم للقضاء قائمة إسمية بـ 117 إرهابياً دخلوا إلى تونس على متن رحلة خاصة من تركيا والتفقدية العامة للأمن الوطني تتوافر لديها كل الملفات.
  • في نفس الفترة من سنة 2012 تم إصدار جوازات سفر لشخص واحد من دون عِلمه.

الدردوري أكّد للميادين نت إن جميع المعطيات التي تم تقديمها للجنة كانت مُرفقة بإثباتات وأدلّة تم تضمينها في ملف كامل، لكن الدردوري تفاجأ من انسحاب نواب حركة النهضة من جلسة الاستماع إضافة إلى أنه أكّد تعرّضه للتهديد.

في المقابل وردّاً على هذه الاتّهامات أكّدت النائب عن حركة النهضة فريدة العبيدي أن أغلبية الوثائق التي تقدّم بها الدردوري حَكَم فيها القضاء، إضافة إلى أن «زيارة وعّاظ ورجال دين إلى السجون هو أمر متّبع حتى من النظام السابق "وهو أمر تشرف عليه وزارة الشؤون الدينية ووزارة الداخلية ووزارة العدل، "المفروض أن نسأل كيف وصلت جميع هذه الوثائق بين يديّ الدردوري، كما إنني أعتقد أن هذا الرجل لا تُقبل شهادته لأنه تمّت محاكمته في السابق بسبب نشر أخبار زائِفة".

هل هناك أمل في كشف الحقيقة؟

لا يزال الكثيرون يعلّقون آمالاً كبيرة على اللجنة لكشف ولو جزء بسيط من الحقيقة، النائب عن حركة النهضة والمقرّر العام للجنة فريدة العبيدي، قالت إن لجنة التحقيق في شبكات التسفير تعاني عديد الصعوبات أهمها عدم وجود قانون ينظّم عمل لجان التحقيق، ما دفع بالنواب إلى تقديم مشروع قانون لتنظيم عمل لجان التحقيق معروض على الجلسة العامة، هذا إضافة إلى إرباك عمل اللجنة من خلال التصريحات المسبقة للنتائج لبعض الأعضاء مثل النائب ليلى الشتاوي.

تركيبة اللجنة أيضاً دفعت الكثيرين إلى التساؤل: كيف يمكن لحركة النهضة التحقيق في موضوع هي متّهمة بارتكابه؟ رئيسة اللجنة الحالية النائب هالة عمران قالت للميادين نت أنه "لايمكن إجراء أي تحقيق من خلال أحكام مسبقة" ، و"ماهي وظيفة لجنة التحقيق إذا كنا نعرف الحقيقة، كما أن حركة النهضة صاحبة الأغلبية في المجلس ولها أحقيّة بأن تكون ممثّلة بنسبة كبيرة في لجنة التحقيق، كما أن اللجنة محايدة وأية اتّهمات مُثبتة ضدّ أي طرف سياسي سيتم تبنّيها من اللجنة". لكن في المقابل يرى أحمد نظيف كاتب وصحافي عمل على الموضوع أنه من غير الممكن الوصول إلى شيء من خلال التركيبة الحالية للجنة «ما حدث كالتالي: الحكومة التي تقودها حركة النهضة يومذاك كانت تعتقد أن هؤلاء الشباب السلفي الجهادي يشكّل عبئاً لها كي تحكم وتوطّد أركان حكمها. خاصة بعد أحداث السفارة الأميركية وقبل أحداث عنف عديدة استهدفت قوى علمانية ومثقّفين، وأحرجت النهضة أمام الرأي العام الداخلي وخاصة الدولي. هذه الرغبة في التخلّص من هؤلاء التقت مع رغبة حلفاء النهضة وهما قطر وتركيا أساساً في إسقاط نظام الرئيس الأسد في دمشق، من خلال التعويل على جماعات إسلامية متطرّفة، وهذا لم يعد اليوم سراً. وقد وفّر سقوط النظام في ليبيا وسيطرة الجماعات الإسلامية على السلطة الفعلية مجالاً واسعاً ومريحاً للعمل على نقل وإيصال الآلاف من الشباب". كما يعتقد نظيف أن اليوم لا يُراد لكل هذه الحقائق أن تُوضّح أو أن تُفسّر ولا يُراد تحميل المسؤولية للنهضة ومسؤوليها بحكم وجود الحركة في ائتلاف حاكم مع حركة نداء تونس. كما أكّد أنه يوجد نوع من اتفاق الصمت وإغلاق الملفات القديمة، لأن تحميل النهضة للمسؤولية في هذا الملف وغيرها من ملفات حقبة حُكمها سيؤثّر على تماسُك الائتلاف الحاكِم وربما يعصف بالحكومة حسب رأيه.

آلاف الشباب تم استقطابه ثم تدريبه ثم تسفيره إلى ليبيا والعراق وسوريا وحتى إلى اليمن وأفغانستان. اليوم بعد أن نجح الجيش العراقي في تقطيع أوصال ما يُعرف بـ داعش والنجاحات التي لا زال يحقّقها الجيش السوري، بدأت مرحلة جديدة وهي عودة هؤلاء الإرهابيين من بؤر التوتّر إلى تونس، أكثر من 3000 إرهابي مدّربين على جميع أنواع القتال بمثابة قنبلة موقوتة. لكن تحقيقاً نُشِر في مجلة "أنترسبت" الأميركية في أكتوبر 2017، توقّع حرباً طاحنة تدور رحاها في المغرب العربي سنة 2023 بين تحالف عسكري تقوده واشنطن ضد جماعات جهادية في المنطقة رداً على هجمات "ستنفّذها هذه الجماعات داخل الولايات المتحدة" أكّد وقوف جهات دولية وراء الإرهابيين ووجود مخطّط لبداية مرحلة جديدة بعد انتهاء مرحلة سوريا والعراق.