الانتخابات البلدية: أول تجربة للحُكم المحلي في تونس

بعد شهرين سيتّجه التونسيون إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب مَن يمثلهم في المجالس البلدية بعد 7 سنوات فشلت فيها المجالس البلدية المؤقتة في تسيير الشأن البلدي، ما نتج منه تعطّل للخدمات وانتشار الفوضى، لكن المتابعين للشأن السياسي يرون أنها أول انتخابات يتم إجراؤها تحت الباب السابع من الدستور الذي ينصّ على الحُكم المحلي وتدعيم اللامركزية، إضافة إلى المصادقة العسيرة على مجلة الجماعات المحلية والتي تعطي للبلديات استقلالية تامة. وسط تباين الآراء حول جاهزيّة الشعب التونسي لمثل هذا التمشّي.

بعد شهرين سيذهب التونسيون إلى مكاتب الاقتراع لاختيار ممثّليهم في المجالس البلدية في أول انتخابات بلدية بعد الثورة

بعد أن حدّدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات  يوم السادس من مايو أيار القادِم موعداً نهائياً لأول انتخابات بلدية بعد الثورة بعد تأجيلين إثنين كان أولهما في 17 ديسمبر كانون الأول  الماضي و الثاني في 25 مارس آذار الجاري، تمكّنت في 23 فيفري الفارط أخيراً من غلق باب الترشّحات للانتخابات البلدية قبل أن تعلن عن القائمات المترشّحة . أكثر من 2173 قائمة قدّمت لهيئة الانتخابات منها 177 قائمة ائتلافية و 1099 قائمة حزبية و897 قائمة مستقلة  بنسبة تغطية تُقدّر ب100 بالمائة. و كأن المشهد السياسي في تونس قد طبع على القائمات المترشّحة حيث استأثرت حركتا نداء تونس و النهضة بتغطية كامل  الدوائر البلدية في تونس و التي تبلغ 350  دائرة، فيما يظل الفرق بينهما و بين الأحزاب الأخرى المشكّلة للمشهد السياسي شاسعاً.

 بعد شهرين سيتّجه التونسيون إلى مكاتب الاقتراع لانتخاب مَن يمثلهم في المجالس البلدية  بعد 7 سنوات فشلت فيها المجالس البلدية المؤقتة  في تسيير الشأن البلدي، ما نتج منه تعطّل للخدمات وانتشار الفوضى، لكن المتابعين للشأن السياسي يرون أنها أول  انتخابات يتم إجراؤها تحت الباب السابع من الدستور الذي ينصّ على الحُكم المحلي وتدعيم اللامركزية، إضافة إلى المصادقة العسيرة على مجلة الجماعات المحلية والتي تعطي للبلديات استقلالية تامة. وسط تباين الآراء حول جاهزيّة الشعب التونسي لمثل هذا التمشّي.

طريق عسير للانتخابات البلدية

قبل 7 أشهر من موعد الانتخابات الأولى الذي حدّد يوم 17 كانون الأول/ديسمبر  من العام المنقضي أعلن الرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات  شفيق صرصار الاستقالة من منصبه ، لتدخل الهيئة في نفق طويل من الجدل و التأويل ويضع الانتخابات البلدية في مأزق . هذه الاستقالة وضعت مجلس نواب الشعب في تونس أمام ضرورة وضع أكداس القوانين التي تنتظر المصادقة جانباً ، و النظر على عَجَل في إيجاد رئيس آخر تتوافر فيه شروط موافقة شريكي الحُكم (نداء تونس و حركة النهضة) بحُكم سيطرتهما على الأغلبية في المجلس  ويحظى برضا بقية الأحزاب.

انتخاب الرئيس لم يكن المشكل الوحيد فقد دخلت على الخط ضرورات أخرى أهمها سدّ الشغور في عضويّة الهيئة بسبب استقالة عضوين آخرين إلى جانب صرصار ، وهما مراد بن مولى وولمياء الزرقوني. انتخاب الرئيس الجديد محمّد التليلي منصري جاء بعد جدل طويل اتّهمت فيه الأحزاب نداء تونس و حركة النهضة بتعطيل المسار من أجل إيجاد مرشّح يضمن لهما على الأقل مواصلة التوافق. من جانب آخر  وعلى خلفيّة الجدل الذي عاشته الهيئة فقد تقرّر تأجيل الانتخابات البلدية إلى 25 مارس آذار الجاري، لكن  عدم صدور الأمر الرئاسي المتعلّق بدعوة الناخبين ، إضافة إلى المشاورات التي أجرتها الهيئة مع عدد من الأحزاب أجبرتها على تحديد موعد جديد للانتخابات البلدية وهو يوم 6 مايو أيار القادم ، مع إعطاء الحق بالانتخاب للأمنيين و العسكريين و التي سيكون موعد انتخابهم يوم 29 أفريل القادم

نتائج تقديم الترشّحات للانتخابات البلدية

بدأت الهيئة بقبول الترشّحات بداية يوم 15 يناير كانون الثاني 2018، امتد قبول الترشّحات إلى غاية يوم 23 فبراير شباط 2018 ، حيث أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن القائمات المترشّحة و التي وصل عددها إلى ما يُقارب 2173 قائمة ، منها 177 قائمة ائتلافية و1099 قائمة حزبية ، إضافة إلى 897 قائمة مستقلة .. وبلغ عدد المترشّحين في كامل تراب الجمهورية ما يُقارب أكثر من 52 ألف مترشّح  من بينهم  1812 مترشّحاً من ذوي الاحتياجات الخصوصية ، إضافة إلى أكثر من 57 المائة من المترشّحين هم أقل من 35 سنة . في المقابل  وحزبياً احتلت النهضة و نداء تونس الصدارة في عدد القائمات المترشّحة بنسبة تغطية تساوي 100 بالمائة، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات محمّد التليلي منصري أكّد أنه يمكن القول أنه بالنظر إلى القائمات المقدّمة يمكن تقييم عمل الهيئة بملاحظة "حسن جداً" "لاتوجد أية بلدية لا تحتوي على ترشّحات و هناك بلديتان فقط تحتويان على قائمتين ، يعني أن مبدأ التنافُس موجود هذا نظرياً بشرط أن تكون جميع القائمات قد احترمت شروط الترشّح المنصوص عليها ضمن قرار الهيئة ".

للترشّح للانتخابات أصدرت الهيئة قرار اً يضبط شروط و إجراءات الترشّح للانتخابات البلدية و الجهوية يحتوي على 7 أبواب، أهمها أن تحترم القائمات مبدأ التناصُف بين النساء و الرجال في العضوية و في رئاسة القوائم  التي تترشّح في أكثر من دائرة ، يجب أن تضمّ القائمة مترشّحاً أو مترشّحة لايزيد عمرهما عن 35 سنة و ضرورة أن تتضمّن القائمة في العشرة الأوائل مترشّحاً أو مترشّحة ذات إعاقة جسدية، إضافة إلى عدّة شروط أخرى. هذا القرار لاقى العديد من الانتقادات ،حيث أكّد رفيق الحلواني المنسّق العام لشبكة مراقبون ،  أن القانون الانتخابي مُعقّد إلى درجة أنه صعب على الكثيرين الترشّح للمجالس البلدية "هذه نتيجة التصويت على قانون انتخابي مُعقّد وقد نصحنا الكثير من الأحزاب من أهمية تغيير القانون الانتخابي و لم يستمعوا لنا و اليوم نجد أنهم لم يتجاوزوا نسبة 50 بالمائة من التغطية من خلال القائمات التي قدّموها".  كما أكّدت بوراوية العقربي الكاتِبة العامة للمنظمة التونسية للدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة ، أن  أحزاباً أغرت بعض الأشخاص ذوي الإعاقة لينضموا إلى قائماتها وهو أمر مرفوض حسب تعبيرها.

مآلات التوافق في الانتخابات البلدية

في بداية سنة 2018 أعلنت حركة نداء تونس قراراها رسمياً بالقطع مع مرحلة التوافق التي استمرت منذ سنة 2014، و إعلان حركة النهضة كمنافس رئيس في الانتخابات البلدية القادمة، متابعون رأو أن هذا القرار مردّه محاولة نداء تونس استمالة أنصاره العلمانيين بحجّة الدفاع عن مشروعه "الحداثي الديمقراطي " في مواجهة الإسلام السياسي. برهان بسيس المكلّف بالشؤون السياسية  أكّد مرة أخرى أن نداء تونس سيدخل الانتخابات القادمة في منافسة رسمية مع حركة النهضة  ، نور الدين البحيري من جهته أكّد أيضاً ألا وجود لتوافق في الانتخابات  البلدية "ستدخل الحركة في منافسة مع جميع القائمات الانتخابية بما فيها نداء تونس ، النداء والنهضة ليسا نسختين مطابقتين للأصل كل له برامجه و مشاريعه و برنامج حركة النهضة سيكون تعبيراً عن طموحات المواطنين  ".

من جهة أخرى حصلت حركتا نداء تونس و حركة النهضة على نسبة تغطية ب100 بالمائة تليهما الجبهة الشعبية ب132 قائمة ، مشروع تونس ب84 قائمة، التيار الديمقراطي ب72 قائمة، هذه النتائج تضعنا أمام قطبية انتخابية متوزّعة بين نداء تونس و حركة النهضة . متابعون للمشهد السياسي يؤكّدون أن حركة نداء تونس  باتّخاذها لحركة النهضة كمُنافس ستسعى لإعادة إحياء معادلة انتخابات 2014 وهي منافسة بين الدولة الديمقراطية الحديثة و الإسلام السياسي ، و هو ما يتطابق مع ما قاله المكلّف بالشؤون السياسية في حزب نداء تونس برهان بسيس، فكرة يتشارك فيها معه المكلّف بمتابعة العمل الحكومي في حزب نداء تونس عبد العزيز القطي عندما قال "هناك خطر في صورة فوز حركة النهضة بحُكم أن هذا الفوز سيفتح لهم التمكين، وفق الاصطلاح المعتمد لديهم، و هو ما يجعل تونس بلداً يُحكَم بالشريعة ". على الجانب الآخر  تسعى النهضة إلى إبعاد شُبهة الإسلام السياسي و التي تضعها في حَرَج داخلياً و خارجياً خاصة بعد ما صرّح سفير الاتحاد الأوروبي مؤخراً بأن حركة النهضة هي عبارة عن "إخوان مسلمون في تونس" و هو ما سارعت حركة النهضة إلى نفيه  واعتبرته زلّة اللسان ، رغم عدم تعليق  الأخير على الموضوع. وهو ما اعتبره الخبير في الشؤون السياسة صلاح الدين الجووشي تشكيكاً صريحاً في  جديّة التحوّلات التي عاشتها الحركة في السنوات سواء في الخطاب السياسي أو الممارسات اليومية.

على صعيد آخر تمكّنت حركة النهضة من ترشيح مواطن يهودي على قائمتها في دائرة المنستير  ، وهو ما اعتبره سياسيون مناورة سياسية لإبعاد شُبهة الإسلام السياسي ،  خاصة بعد تصريحات اليهودي التونسي سيمون سلامة بأنه اختار النهضة "لأنها حزب يخاف الله" ، لكن نورالدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة في مجلس نواب الشعب استغرب الاهتمام الإعلامي بهذا الترشيح قائلاً " كل التونسيين لديهم الحق في الترشّح للانتخابات، ليس هناك فرق بين تونسي و يهودي و حركة النهضة لا يمكن أن تدقّق في قلوب المترشّحين لتعرف إيمانهم".

من جهة أخرى تبحث الأحزاب الأخرى عن تموقع جديد في المشهد السياسي في تونس من خلال تحقيق نتائج في الانتخابات البلدية المقبلة تفتح لها الطريق للانتخابات التشريعية المقبلة ،  و يرى زياد كريشان رئيس تحرير صحيفة المغرب أن خطاب الانتخابات البلدية سيختلف كثيراً عن خطاب الانتخابات التشريعية، لكن في المقابل ستستغلّ الأحزاب المعارضة فشل الائتلاف الحاكِم في حل القضايا الاقتصادية نقطة هجوم .

تحديات الحُكم المحلي

نصّ الدستور التونسي في الباب السابع على أحكام السلطة المحلية و الحُكم المحلي في تونس ضمن 12 فصلاً ، تضمّنت تفسيراً واضحاً لهذا المفهوم الجديد للحُكم و الذي يقوم على مبدأ اللامركزية و يُعطي البلديات استقلالية أكبر في ممارسة مهامها ، إضافة إلى أنه يقوم على مبدأ التدبير الحر. تفاصيل هذا  التمشّي تعرضه مجلة الجماعات المحلية التي تمّت المصادقة عليها من قِبَل لجنة شؤون الإدارة و القوات الحاملة للسلاح ،  وينتظر أن تتم المصادقة عليها من قِبَل مجلس نواب الشعب قبل الانتخابات. لكن الحُكم المحلي تعرّض إلى عديد الانتقادات آخرها ما قالته رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي "أحكام الحُكم المحلي لن تمر ولو على جثثنا"، و اعتبرت أن الحُكم المحلي يُعدّ تفكيكاً لمنظومة الدولة وضرباً لسيادتها ولمركزية القرار وتقسيمها لمجموعة من الدويلات.  من جهتها نشرت صحيفة لوبوان الفرنسية مقالاً بعنوان "تونس و البلديات : الانفجار العظيم " أكّدت فيه أن "مجلة الجماعات المحلية " حتى و إن تمت المصادقة عليها لن تكون نافِذة المفعول إلا بعد سنتين من تاريخ إصدارها ، و عليه يمكن للوالي أن يُبطل قرارات المجلس البلدي بجرّة قلم و هذا ما اعتبرته الصحيفة وجهاً من وجوه الصراع بين المركز و الأقاليم  حيث تتلكأ السلطة في تطبيق الحُكم المحلي خوفاً من انحسار صلاحياتها.

لكن على الجانب الآخر يرى خبراء أن تجربة الحُكم المحلي في تونس ستُعطي أكثر استقلالية للأقاليم و للمجالس الجهوية ، و ستعطي البلديات حرية إقرار الأولويات من دون الرجوع إلى مراكز القرار ، كما أن مجلة الجماعات المحلية أعطت الحق للسلطات المركزية للتدخّل من أجل إقرار مبدأ العدالة بين االبلديات في حال انحسار موارد بعضها. هذا الموقف أيّده بعض الأحزاب مثل التيار الديمقراطي الذي أكّد من خلال نائبه غازي الشواشي أن الباب السابع من الدستور يُعتَبر من أهم إنجازات ثورة 14 جانفي ، كما أكّد الناطق الرسمي باسم نداء تونس المنجي الحرباوي أن  الحكم المحلي لا يبعث على القلق باعتباره تكملة للحُكم الديمقراطي .

بعد شهرين سيذهب التونسيون إلى مكاتب الاقتراع لاختيار ممثّليهم في المجالس البلدية في أول انتخابات بلدية بعد الثورة ، يُعلّق عليها كثيرون آمالاً كبيرة من أجل القضاء على الظواهر التي انتشرت بعد الثورة مثل الفوضى و تجاهُل القانون. تساؤلات كثيرة يطرحها المتابعون خاصة بعد رؤية مُعمّقة للانتخابات الجزئية في ألمانيا و التي نجح فيها مستقل بالظفر بمقعد في مجلس نواب الشعب، فهل ستلقي نتائج انتخابات ألمانيا بظلالها على الانتخابات البلدية؟  وهل ستنجح تونس في تكريس مبدأ اللامركزية من خلال تبطيق الحُكم المحلي؟