ماذا تُغيّر الانتخابات البلدية في عيون التونسيين؟

لا يمكن إسقاط نتائج انتخابات 2014 التي أفرزت فوز حركة نداء تونس وحركة النهضة من قائمة الحسابات التي ستتحكّم في نتيجة الانتخابات البلدية ، والدليل على ذلك تصدرهما لعدد القوائم

يبقى المهم ما أعلنته هيئة الانتخابات من أن نسبة 75 بالمائة من المترشّحين لا تتجاوز أعمارهم 42 سنة

لأول مرة في تاريخ تونس لم يقتصر دور الأمنيين والعسكريين على حماية الانتخابات بل تجاوز ذلك إلى الإدلاء بأصواتهم داخل مراكز الاقتراع يوم 29 من نيسان/ أبريل الماضي. لكن الجمعية  التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات "عتيد'' أصدرت تقريراً أكدت فيه أن نسبة الإقبال كانت ضعيفة، كما تم رصد عدّة إخلالات في مراكز الاقتراع . نسبة إقبال الأمنيين والعسكريين مثلّت صدمة  بالنسبة للمتابعين و السياسيين  وأيضا المترشّحين في الانتخابات البلدية التي ستُقام يوم 6 أيار/ مايو الحالي. لكن وحسب تقارير ودراسات نشرتها الهيئة العُليا المستقلة للانتخابات ، فإن نسبة المشاركة ستكون مُرتفعة رغم حال الإحباط التي يعيشها التونسيون بعدما نشرت شركة سيقما كونساي آخر سبر أراء لها أكدت فيه أن نسبة 82 بالمائة من التونسيين لا يشعرون بالرضا عن الطريقة التي تسير بها البلاد. وتُرجِع هيئة الانتخابات ارتفاع نسبة الإقبال المتوقّعة بأن الانتخابات البلدية تختلف عن الرئاسية والتشريعية بحكم قدرتها على تغيير حياة المواطنين . من جانب آخر  وخارج أروقة هيئة الانتخابات تختلف توجّهات المواطنين وآراؤهم حول الانتخابات البلدية بين مُقاطِع و مُترشّح ومُستعدّ للانتخاب. لكن يبقى المهم ما أعلنته هيئة الانتخابات من أن نسبة 75 بالمائة من المترشّحين لا تتجاوز أعمارهم 42 سنة، وهو ما يجعلنا نطرح سؤالاً حول إمكانية عودة الشباب التونسي  إلى الحياة السياسية عبر الانتخابات البلدية.

أرضية جيّدة لإجراء الانتخابات البلدية

مع اقتراب موعد الانتخابات تتراكم التفاصيل والقراءات والدراسات للمساعدة على دراسة أهميتها على المستويين الاجتماعي و الاقتصادي. و لا يمكن حصر أهمية الانتخابات فقط في كونها أول تجربة للحُكم المحلي في تونس ولكن أيضاً من خلال العدد الكبير للمرشّحين الذي يصل إلى 53668 مترشّحاً موزّعين على 2074 قائمة : منها 1055 قائمة حزبية و 159 قائمة ائتلافية  و860 قائمة مستقلة . وينصّ القانون الانتخابي على مبدأ التناصُف بين الرجال والنساء وعلى التناصُف الأفقي في القوائم الانتخابية، ويعني بذلك التناصُف في رئاسة القوائم داخل كل محافظة و هو ما حال دون تقديم بعض الأحزاب قوائم بإسمها في الانتخابات. وتجري الانتخابات البلدية  وفق أحكام الدستور الذي نصّ في فصله 14 على أن  الدولة "تلتزم دعم اللامركزية واعتمادها بكامل التراب الوطني في إطار وحدة الدولة". ومن خلال الدستور أيضاً توجّهت الدولة التونسية إلى اعتماد منحى آخر وهو الحُكم المحلي من خلال الفصل 133 من الدستور الذي يُعرِّف الجماعات المحلية كالتالي: "جماعاتٍ محليةٍ، تتكوّن من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية". كما سعى مجلس نواب الشعب إلى إنجاح هذه المناسبة من خلال المصادقة السريعة على مجلة الجماعات المحلية و التي تبرز أهدافها في الفصل الأول كالتالي "يهدف هذا القانون إلى ضبط القواعد المتعلّقة بتنظيم هياكل  السلطة المحلية و صلاحياتها وطُرق تسييرها وفقاً لآليات الديمقراطية التشاركية بما يحقّق اللامركزية والتنمية الشاملة والعادلة والمستدامة في إطار وحدة الدولة".

عودة الشباب إلى ممارسة الحياة السياسية

حسب إحصائيات نشرها معهد تونس للسياسة تُقدّر نسبة الشباب دون سن ال30 سنة حوالى 70 بالمائة من سكان تونس الذي يُقدّر بحوالى 10.5 مليون ساكن حسب التعداد العام للسكان الذي أُجري سنة 2014. هذه القوة الهائلة داخل المجتمع التونسي أصابها الإحباط بعد فشل تحقيق الوعود الانتخابية وارتفاع معدلات البطالة ما تسبّب بابتعاده عن الحياة السياسية طوال 7 سنوات. لكن الأرقام التي نشرتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مثلّت مفاجأة خاصة في ظل التوقّعات التي تؤكّد ارتفاع نسبة العزوف، حيث بلغت نسبة مشاركة الشباب الذين تقلّ أعمارهم عن 45 سنة في الانتخابات ما يُقارب 75 بالمائة وإلى أكثر من 50% لمن تقل أعمارهم عن 35 سنة. بشير خلف الله موظّف 31 سنة .. أحد مواطني حمام الأنف الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة لم يخض أية تجربة في الحياة السياسية ، ولكنه قرّر الترشّح ضمن قائمة من المستقليّن تنضوي تحت الائتلاف المدني والذي يضم أكثر من 11 حزباً. وضعية مدينة حمام الأنف وما طالها من تخريب وعدم اهتمام في سنوات ما بعد الثورة، دفعت  بشير إلى الخروج من دائرة الأغلبية الصامتة كما يسمّيها إلى الدخول في دائرة الفاعلين "ليس لديّ أية تجربة سياسية ولا مدنية في تونس ما بعد الثورة، ولكن وضع مدينتي الحالي وما سمعته من والدي حول تاريخ حمام الأنف دفعاني للمشاركة في هذه الانتخابات ". وفي ما يتعلق بحال العزوف يعتقد بشير أن على الشباب اليوم  أن يبادر لأخذ مكانه  وأن يستغل هذه المناسبة للرجوع إلى قلب الممارسة السياسية حتى يتسنّى إنقاذ ما يمكن إنقاذه. من جانب آخر يعتبر منتصر  الطرابلسي  (طالب) ذو 26 ربيعاً  أن من حق الشباب أن يحظى بفرصة لإظهار نفسه وقدرته على فعل الأشياء. منتصر  تحدّث عن التجربة التي عاشها في المجتمع المدني التي تعتبر  هي السبب الرئيس  في دخوله  هذه المغامرة الانتخابية. ترشّح منتصر عن قائمة حركة النهضة بصفة نائب رئيس عن مدينة الجديدة من ولاية منوبة. وعن أهدافه من وراء خوض الانتخابات يقول منتصر "لقد حاولت تشخيص الوضع على مستوى وطني ووجدت الكثير  من الأخطاء ... سأحاول في حال فوزي  أن أتجاوز الأخطاء المرتكبة وكسر الحاجز الذي بُنيَ منذ عشرات السنين بين الشعب والسلطة من خلال التواصل اليومي مع المواطنين، كما أن إيماني  بالتغيير في المنطقة التي أقطن فيها يدفعني دائماً إلى الحرص ويخلق داخلي شعوراً جيداً لبذل مزيدٍ من الجهد من أجل الخروج من منطقة الخطر إلى بداية الإنتاج".

التونسيون في الانتخابات البلدية بين مُقاطِع و مؤيّد

رغم ما أعلنته الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن ارتفاع نسبة الشباب المترشّحين في الانتخابات إلا أن هذا لا يعني أن نسبة  المشاركة ستكون مرتفعة خاصة بالنظر  إلى نتيجة الإقبال التي سجّلتها انتخابات الأمنيين  والعسكريين الضعيفة، حيث يؤكد نورالدين (إسم مستعار) عون أمن في الحرس الوطني أن سبب مقاطعته لصناديق الاقتراع يعود إلى رفضه لمشاركة الأمنيين والعسكريين في الانتخابات ، كما يؤكّد وجوب أن تبقى هذه الفئة مُحايدة. لم يختلف موقف عاطف (صاحب مقهى في منطقة المنزه الخامس) عن موقف عون الأمن نورالدين لكن أسباب عزوفه  تعود إلى حال اليأس التي يعيشها من المشهد السياسي في تونس، وفقدانه الثقة في جميع الأحزاب السياسية ، كما  أن له منهجية خاصة في  تفسير أسباب عزوفه يقول "العاملون في البلديات من عمال نظافة و موظفين لا يقومون بواجبهم قبل الانتخابات ما الذي سيتغيرّ بعد الانتخابات ليدفعهم للعمل والقيام بواجبهم ، هل الانتخابات البلدية ستغيّر طريقة التفكير، هل  ستزرع ثقافة العمل ، إذن المشكلة ليست في الانتخابات، المشكلة في الشعب الذي يفتقد إلى ثقافة العمل والتغيير وهذا ما يمنعني من الذهاب إلى مراكز الاقتراع يوم 06 ماي". تعتبر  حركتا النهضة و نداء أكبر الأحزاب المتنافسة في الانتخابات البلدية ، حيث تمكّنت حركة النهضة  من تغطية جميع الدوائر و عددها 350 دائرة يليها نداء تونس 345 دائرة، تبذل هذه الاحزاب جهوداً كبيرة في الفوز بأكبر عدد من المقاعد بالنظر إلى الحملات التي يقومون بها من أجل حثّ المواطنين على الذهاب إلى مراكز الاقتراع و الخروج من حال  العزوف. عزوف تمكّن منير القماطي ذو 30 ربيعا (موظف في شركة اتصالات)  من الخروج منه مؤخراً ، قبل أيام كان منير من مقاطعي الانتخابات البلدية بسبب عدم اهتمامه بالحياة السياسية ، كما يعتقد أنها لن تقدّم إية إضافة للوضع الصعب الذي تعيشه تونس، وعن سبب تغيير موقفه يقول منير "سبب عزوفي أنه لم تعد لي ثقة بكل ما يتعلق بالصندوق  والانتخابات، ولكن قبل يوم اكتشفت أن صديقاً لي ترشّح قي قائمة بمدينة سكرة ، شخص مُحتَرم يؤدّي عمله الحالي بكل أمانة و له مستوى تعليمي جيّد جداً، وهذا ما غيّر من موقفي وأصبحت مُصرّاً على الانتخاب من أجل المساعدة على الأقل في وصول شخص جيّد إلى مركز  قرار في تونس". زينب بربدوس تجاوزت حال العزوف التي كانت تعيشها وأكّدت أنها ستشارك في الانتخابات. تعتقد زينب أنه من غير المعقول الجلوس في البيت  وانتظار التغيير، فإذا لم نستطع فعل شيء على الأقل نساعد الأشخاص الذين يستطعون فعل شيء على الوصول. لكن تمشياً آخر تبناه كل من أحمد (فلاح) ورفيق  (عاطل عن العمل ) يقول إن إنجاح الانتخابات واجب ولذلك يجب على الجميع المشاركة.

ما مدى أهمية الانتخابات البلدية في عيون التونسيين؟

إلى جانب كونها أول انتخابات بلدية بعد الثورة تكمن أهميتها في أنها أيضا أول تجربة للحُكم المحلي في تونس وتجسيد اللامركزية التي أقرّها الدستور هذا  على المستوى السياسي. أما على  المستوى الشعبي فقد عاشت تونس منذ 14 جانفي حالة من الفوضى وإنعدام النظام بسبب كثرة المطالب وتواتر الاضرابات ما جعل  البنية التحتية في تراجع متواصل، إضافة إلى تكدس الفضلات و البناء الفوضوي التي لم تقدر النيابات الخصوصية على مقاومته في المدن الكبرى . أما في المناطق الحدودية والداخلية فالوضع أسوأ بكثير ما دفع ببديع قالت 37 سنة (مهندس معماري ) إلى ترشيح نفسه على رأس قائمة من المستقلين في مدينة بنقردان. يعتبر بديع أن غياب الدولة وتعقّد الإجراءات جعل المدينة في حال يُرثى لها، فانعدم الاستثمار و تراجعت قيمة العمل كما انتشرت المظاهر السلبية كرمي الفضلات في الأماكن العامة ما تسبّب في تدمير المناطق الخضراء، ومن هنا تنبع الأهمية الحقيقة للانتخابات البلدية حسب رأيه التي ستساعد في تأسيس مستقبل أفضل لبنقردان. فيما لا ترى زينب بن عثمان 28 سنة (صاحبة دار نشر) سبباً لحال العزوف وتقول "الفرق بين الانتخابات التشريعية والبلدية هي أن الاولى ستنتخب أشخاصاً ومن ثم لن تراهم أبداً، والثانية أنك ستنتخب أشخاصاً ينتمون  إليك وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون حتى جيرانك وستقابلهم في كل يوم ، وهذا ما يجعل أمر محاسبتهم سهلا"، وتضيف "أعتقد إن أهم مرحلة ستمر بها تونس هي مرحلة الانتخابات المحلية لأنها هي التي ستُصلح الطرقات المدمّرة وقنوات الصرف الصحي المهترئة، وستجعل الأحياء نظيفة وتقيم المناطق الخضراء كما أنه يمكن اعتبار أول مرحلة لإعادة دفّة الثورة في الاتجاه الصحيح".

رغم الأهمية الكبرى التي يتحدّث عنها بديع وزينب للانتخابات البلدية إلا أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عبّرت عن مخاوفها من ضعف نسبة الإقبال. أنور بن حسن عضو هيئة الانتخابات  أكّد للميادين نت أن ما يحصل اليوم في المحيط الانتخابي لن يساعد على تحقيق نِسَب إقبال محترمة. كما أكد أن الهيئة ليست الجهة الوحيدة المسؤولة على تشجيع المواطنين للذهاب لمكاتب الاقتراع"، المحيط الانتخابي يعيش حالة من اللاوعي بأهمية هذا الحدث ، ليست هناك تغطية إعلامية كافية نابعة من الشعور بأهمية الانتخابات البلدية كما أننا لا نستطيع إقناع المواطنين بالذهاب لمكاتب الاقتراع وهم يرون برامج انتخابية غير واقعية".

لا يمكن إسقاط نتائج انتخابات 2014  التي أفرزت فوز حركة نداء تونس وحركة النهضة من قائمة الحسابات التي ستتحكّم في نتيجة الانتخابات البلدية ، والدليل على ذلك تصدرهما لعدد القوائم . ولكن إلى جانب ذلك لا يمكننا أيضا إهمال عنصرين رئيسيين وهما حال التشظي التي حصلت لحزب نداء تونس منذ 2014 والذي بسببها فقد الحزب عدداً من قواعده و مناصريه، والوضعية الاقتصادية للبلاد التي تسبّبت في انتشار حال الإحباط و فقدان الثقة في الأحزاب الحاكمة، هذان العاملان وحسب خبراء ستعوّل عليهما  القوائم المستقلة كثيراً  للفوز بأكبر عدد من الدوائر البلدية. لكن في المقابل و حسب المتابعين تهدّد حال العزوف المنتشرة وتخوفات من ضعف نسبة الإقبال جميع الأطراف المشارِكة في الانتخابات البلدية والتي يتوقع خبراء أن تنعكس نتائجها على الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة.