قراءة في وثائق حتمية المواجهة الإسرائيلية الإيرانية
يراهن الخبراء اليهود على المحيط العربي والإسلامي بشّدة في ما يختصّ بتوفير غطاء سياسي وعسكري لأية ضربات محتملة على إيران، خصوصاً في ظل أجواء العداء السياسي - المذهبي المتزايد داخل دول الخليج تجاه إيران، وتنامي قناعة بعض الدول العربية بضرورة التطبيع مع إسرائيل، والتي يمثل تعزيز العلاقات معها فرصة مهمة في ظل أي هجوم مُحتَمل.
يرى جيورا إيلاند أن: "هناك مسألتان أساسيتان على الجيش الإسرائيلي وضعها في الحسبان في أية عملية ضد إيران: أولهما هو أننا لا نستطيع ممارسة عملية عسكرية طالما يوجد هناك نوع من الحوار الحقيقي بين الولايات المتحدة وإيران، سواء كان ذلك مباشرة أو غير مباشرة، وثانيهما هو أن إسرائيل لن تكون قادرة على القيام بعملية عسكرية ضد إيران حتى لو فشلت المفاوضات الدبلوماسية من دون بعض من الدعم الأميركي".
لا زالت تتنامى منذ سنوات إرادة إسرائيلية واضحة في ضرورة ضرب المشروع النووي الإيراني الذي يشكّل مجموعًة من المخاطرِ الكبيرةِ على إسرائيل سواء على مستوى وجودها وفي مسار بنائها لدولة أرض الميعاد الذي تشقه في أرض العرب منذ 70 سنة. في تقرير استراتيجي هام حول ضرورات الهجوم على إيران، لا يخفي البروفيسور الإسرائيلي حزقيال درور أن مواجهة المشروع النووي الإيراني تشكّل منذ سنوات هاجساً حقيقياً ومقلقاً لسادة إسرائيل.
يحاول هذا التقرير قراءة ما وراء السطور في بعض التقارير الاستراتيجية التي تتناول موضوع الضربة الإسرائيلية القادمة والعوامل المسهمة في إنضاج ظروف وقوعها، وطبيعة دورها الاستراتيجي في سياق الخطط الجديدة التي تُحضّر للمنطقة.
مواجهة حتميّة:
يرى الإسرائيليون أن طبيعة الصراع الاستراتيجي مع إيران يحرّكها وجهان أساسيان لخطورة المشروع النووي الإيراني:
1- الخطر الوجودي: يعتقد كاتب التقرير أن غياب العقلانية بما هي النظر في الخيارات الممكنة لتحقيق الأهداف وفق تسلسل منطقي لعلاقات الأسباب بالنتائج يجعل من وجود السلاح النووي في يد إيران خطراً على وجود الكيان الإسرائيلي، الذي لا يأمن قادته من إمكانية اتّخاذ قرارات استراتيجية مُدمّرة لإسرائيل والمنطقة، فالجوانب العقائدية والثقافية الإسلامية التي يجهلها الإسرائيليون، على الأقل على مستوى الرأي العام، لا تستطيع أن تتنّبأ بالسيناريوهات الممكنة في ظل عداء عقائدي ثقافي، ومناخ اقليمي ودولي متوتّر.
2- التهديدات القائمة: والتي يؤدّي وجودها وتعزّزها بامتلاك السلاح النووي إلى التأثير على معدلات الهجرة نحو إسرائيل وعلى السياحة والاستثمارات داخل الكيان.
يشير التقرير إلى أن النظرة التبسيطية لعقلية صنّاع القرار الإيراني، أنهم "مجانين" أو "عقلانيون" يغيب فيها البُعد المعقّد لطبيعة الثقافة السياسية المؤثّرة على النظام السياسي، والتي تجعل الكثير من القرارات غير مناسبة في التعامل مع هذا التحدّي.
متغيّرات مؤثّرة:
يركّز الخبراء الإسرائيليون على دراسة الدور الذي سيلعبه الأميركيون والأوروبيون والعرب في ضمان نجاح أي هجوم محتمل على إسرائيل:
1- الولايات المتحدة:
يُسهِب حزقيال درور في تعداد العوامل المؤثّرة في نكوص الأميركيين عن مواجهة إيران مباشرة. فرغم أن كبح جماح المشروع النووي الإيراني يظل ثابتاً أساسياً في السياسة الخارجية، إلا أن الأميركيين كما أثبتت ذلك تحليلاتهم ودراساتهم الإحصائية للسيناريوهات الممكنة، لا يجدون أن إيران لها الرغبة ولا القدرة على المواجهة المباشرة مع شرطي العالم، فأسلحتها لا تشكّل خطرًا وجودياً على العم سام نفسه، بقدر ما تشكّل تهديدات محتملة على مصالحه في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلّق بالنفط والغاز، والذي ستؤدّي أية ضربة أميركية إلى التأثير على أسعاره وإلى فتح الباب أمام تهديدات جدّية على المصالح الاقتصادية الأميركية.
إزاء هذه الوضعية تحاول أميركا من خلال سياسة العقوبات الاقتصادية والحصار، الضغط على النظام الإيراني لتغييره بشكلٍ يسمح ببناء مسار سلام حقيقي مع إسرائيل أولاً ومع الأميركيين ثانياً.
رغم ذلك لا يمكن لإسرائيل أن تخوض حربها هذه من دون موافقة وغطاء أميركي خصوصاً مع تزايد قناعة الشركاء الأوروبيين بضرورة الحوار مع إيران ونهج الدبلوماسية بدل الحروب. وفي انتظار "ساعة الحقيقة" لا يبدو أن الإسرائيليين قد يئسوا تماماً من الغطاء الأميركي، والذي لا يمكن أن تتحرّك إسرائيل من دونه.
2- الأوروبيون والدبلوماسية المتفائلة:
في مقابل يأس إسرائيل المعلن من رغبة الإيرانيين في السلام، يرى التقرير أن التفاؤل الأوروبي بإمكانية تحقيق تقدّم حقيقيى مع مرده "الجهل الأوروبي" بخطورة رؤية ساكني طهران لطبيعة الصراع وأبعاده المعقّدة، والتي تكاد تكون نتيجتها رغبة إيران الحقيقية في تدمير إسرائيل. ويسهب التقرير في انتقاد هذه الرؤية التفاؤلية التي تنضاف إلى عدم رغبة الأميركيين في خوض حرب جديدة بعد أفغانستان والعراق، واللتين جنتيا على صورة أميركا داخلياً وخارجياً، خصوصاً مع الشركاء الأوروبيين الذي ربما يعمق ترسيخ العلاقات الاقتصادية مع طهران تثاقلهم عن إفشال مسار المفاوضات .
3- المحيط العربي والإسلامي:
يراهن الخبراء اليهود على هذا المتغيّر بشّدة في ما يختصّ بتوفير غطاء سياسي وعسكري لأية ضربات محتملة على إيران، خصوصاً في ظل أجواء العداء السياسي - المذهبي المتزايد داخل دول الخليج تجاه إيران، وتنامي قناعة بعض الدول العربية بضرورة التطبيع مع إسرائيل، والتي يمثل تعزيز العلاقات معها فرصة مهمة في ظل أي هجوم مُحتَمل.
بالإضافة إلى ذلك يبدو أن هشاشة الأنظمة العربية سياسياً واقتصادياً قد تزيد من رغبتها في التحالف مع عنصر دولي قوي قد يوفّر حماية مُحتَملة لأنظمةٍ حاكمةٍ غير راغبة في بناء ديمقراطيات حقيقية.
سيناريوهات مُحتَملة:
لا تستطيع إسرائيل أن تخوض حرباً شاملة ضد إيران، فسيناريو الهجوم الكاسِح لا يمكن التكهّن بردودِ فعله المباشرة أو غير المباشرة على وجود الكيان وعلى استمرار توسّع نفوذه الإقليمي ولا على أسواق النفط العالمية وخارطة المنطقة.
بمقابل ذلك يفضّل الخبراء الإسرائيليون البحث عن خيارات مُتعدّدة ومُتكامِلة في مواجهة الخطر الإيراني من خلال ساحات الصراع المتعدّدة مازجين في ذلك وسائل القوّة الناعمة والصلبة:
1- دبلوماسياً: عن طريق التحرّك عن طريق الأميركيين في نقض مصداقية خطاب السياسة الخارجية الإيرانية، ومن خلال الضغط عن طريق الأوروبيين لكبح عملية تعزيز العلاقات الأوربية الإيرانية التي قد تسهم في انقسام حقيقي تجاه الملف الإيراني دولياً، خصوصاً مع تطوّر علاقات إيران مع مجموعة من الدول القوية كالصين وروسيا.
2- إعلامياً: استغلال خلاف دول الخليج مع إيران في محاولة عزل إيران عن محيطها الإقليمي وتبرير أية أعمال عسكرية ضد إيران خصوصاً مع التوجّهات الجديدة التي أصبحت تقودها اليهودية في المنطقة.
3- سياسياً: الضغط على إيران داخلياً من خلال سياسة الحصار المالي والإقتصادي والدبلوماسي الذي قد يُسهم حسب تحليلات الأميركيين خصوصاً في تغيير النظام السياسي أو على الأقل التأثير على طبيعة القرارات المتصلّبة من إسرائيل ووجودها.
4- عسكرياً: ستُسهم الضربات المتوقّعة ضد إيران في تحقيق مآرب إسرائيل إذا كانت موضعية واستطاعت شلّ المشروع النووي الإيراني من دون استعداء مبالغ فيه للشعب الإيراني.
التصوّر الإسرائيلي للحرب ضد إيران يجب أن يكون عنوانه على مستوى البروبغندا السياسية هو دفع الشعب ضريبة اختياره لحكاّمه.
وفي الوقت الذي تشكو فيه الدولة العبرية من فساد قادتها السياسيين وضعف إيمانهم العقدي بالمشروع الصهيوني، تتم محاسبة الإيرانيين على عدم مصلحية قادتهم تجاه القضية الفلسطينية.
5- فلسطينياً: لا تأمل إسرائيل في إمكانية تحقيق سلام دائم مع الفلسطينيين بسبب عدم قدرة السلطة في رام الله على توحيد الصف، وعدم رغبة الشعب نفسه في القبول بالاعتراف بالهزيمة، لذلك تفضّل إسرائيل التعاُمل مع العرب الذين أقرّوا بهزيمتهم (السعودية الإمارات ..) بدل أولئك الذين لا زالوا يرفضون الاعتراف بها.
في هذا السياق ستكون الضربات الموضعية ضد إيران سواء داخل إيران أو خارجها نوعاً جديداً من استعراض القوة الذي تطمئن به إسرائيل حلفاءها وتشجّعهم على الإنضواء تحت جناحها بشكلٍ مباشر من دون الحاجة للوساطة الأميركية.
الضربات العسكرية ربما تعلن كما يريد لها اليهود عن مرحلة جديدة ينقسم فيها العالم العربي والمنطقة إلى حلفاء ظاهرين لإسرائيل تحميهم ترسانتها العسكرية ومعسكر خصم لا يخفي عداءه الوجودي للكيان الغاصِب.
إرادات مُتصارِعة:
يتصوّر الإسرائيليون مستقبل المنطقة العربية من خلال دراسة المتغيّرات المختلفة التي تسهم في تقوية احتمال حصول سيناريوهات من دون غيرها والتي يمكن تحديد أهمها في:
1- المتغيّرات الدولية التي تشهد صعود أقطاب اقتصادية وسياسية جديدة تنافس ريادة وإرادة الولايات المتحدة اقليمياً ودولياَ كالصين وروسيا والهند.
2- المتغيّرات الاقليمية التي تشهد بروز قطبين اقليميين من المنطقة هما إيران وتركيا، حيث أصبحت إسرائيل تتحرّك شيئاً فشيئاً كمنافس لهذين القطبين على مناطق النفوذ داخل الوطن العربي.
3- المتغيّر الفلسطيني الداخلي: الذي لا تنظر فيه إسرائيل إلا إلى تصاعد قوّة حركات المقاومة وخصوصاً الإسلامية منها مع تقلّص ملحوظ لمكانة القوى السياسية التي كانت مُهيمنة إبان اتفاق أوسلو.
في علاقة هذه المتغيّرات بعضها ببعض ترى إسرائيل أن الثابت الأساسي في علاقتها بإيران هو العداء الوجودي المستحكم، والذي لا يسمح لها باعتبار الزمن عاملاً لصالحها في حربها ضد إيران.
في نفس الوقت الذي ترى فيه الدولة العبرية ضرورة مواجهة إيران عسكرياً يتخوّف خبراؤها الاستراتيجيون من ردود فعل إيران التي أصبح لها حلفاء مهمون في المنطقة حيث تؤدّي هزيمة مُحتملة إلى رد فعل عكسي خطير على صورة إسرائيل وعلى مشروع دولة الميعاد.
يسعى اليهود من خلال هذه الرؤية إلى إنضاج الظروف المناسبة لضرب إيران حيث تنخرط نتائج صفقة القرن في هذا السياق والتي تزامن إعلانها مع تصريحات ترامب التصعيدية وموقفه الحاد من المفاوضات النووية.
من جهةٍ أخرى تزايدت في الآونة الأخيرة لهجة التصعيد العسكري ضد إيران عربياً والتي قد تستبطن تمهيداً مضمراً لتحالفات استراتيجية غير مُعلنة مع الكيان الصهيوني. فالحرب على إيران لن تتم من دون غطاء جوّي عربي في ظلّ موازين القوى القائمة.
يتّجه الإيرانيون نحو التحرّك على مستوى المتغيّرات نفسها لكن لأجل تعزيز حدوث سيناريوهات مُضادّة من خلال:
- تقوية الشراكات الاستراتجية الاقتصادية مع الأوروبيين خصوصاً ومع روسيا والصين.
- دعم المقاومة الفلسطينية وخصوصاً حماس، حيث أبدى الإسرائيليون تخوّفهم الشديد من تصريحات يحيى السنوار الصادِمة لكثيرٍ من عرب التطبيع والتي كانت أحد أسباب التصعيد الأخير ضد غزّة، حيث يُعاقَب الفلسطينيون على تعزيز خيارات المقاومة.
- التركيز على دعم الحلفاء الاقليميين الواضح خصوصا أعداء إسرائيل الحقيقيين.
- متغيّر الُبعد الداخلي الإيراني الذي يعتبر الخاصرة الأضعف، فالتناقضات السياسية والإقتصادية الداخلية تعتبر رهاناً حقيقياً للصراع مع الإرادة الإيرانية والذي تجتهد الولايات المتحدة اليوم في التركيز عليه لإضعاف التصلّب الإيراني في مواقفه الواضحة من إسرائيل.
الحرب مع إيران والسلام مع العرب. وجهان لخطة واحدة تقاد إليها المنطقة اليوم لإعلان إسرائيل نفسها قطباً جديداً وللخروج من ثوب المستضعف ومن صورة الضحية Victimism التي أسّست لشخصية دولة إسرائيل منذ مذابح الهولوكوست وأسطورة يهود الشتات.
إسرائيل تبحث عن الظهور بمظهر قطب اقليمي منافس لكل من إيران وتركيا في السيطرة على مناطق النفوذ العربية، كحامٍ لعرب صفقة القرن، وكلاعبٍ اقليمي مُعتَرف به من الجميع.
إعلان الخروج هذا لا بد من أن يتم من خلال معارك عسكرية وسياسية رابحة تجتهد إسرائيل في التسويق والتحضير لها. لكن بالمقابل تتحرّك إيران بقوّة في المنطقة لتُنافِس عدوها اللدود فيما لا زال النظام السياسي التركي يحاول جمع شتات جمهوريته الحائرة.
[1] Giora Eiland, Facing the Iranian Challenge:The Israeli Options, p59 see:
http://www.inss.org.il/publication/facing-iranian-challenge-israeli-options
[1] Yehezkel Dror, An integrated imperative: attack iran and launch a regional peace initiative see: