الأقلية اليهودية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها

كما هو معلوم؛ فإن الأقلية اليهودية في إيران تُعتَبر من أقدم الأقليات في العالم؛ فهي موجودة فيها ـ كما تذكر المصادر التاريخية ـ قبل أكثر من 3 آلاف عام، حيث وصلوا إليها بعد استيلاء الملك بخت نصر على القدس، وقيامه بسبي الآلاف من اليهود ونقلهم إلى بلاد ما بين النهرين، ومن بابل إلى إيران.

الأقلية اليهودية في إيران من أقدم الأقليات في العالم

خلال فترة إقامة اليهود في بابل، قدّمت هذه الجماعات المساعدة للفرس الذين احتلوا العراق في ذاك الوقت، ونقلوا لهم المعلومات المهمة عن الجيش والتحصينات، لتسقط المدينة عام 539 قبل الميلاد، ومقابل مساعدتهم للفرس سمح لهم الملك كورش مؤسّس الإمبراطورية الفارسية، بالمغادرة إلى أي مكان يريدونه، وجزء كبير منهم فضّل البقاء في إيران.
ولذلك يعتبر اليهود إيران (أرض كورش) الذي حرَّرهم،وهم يعتزّون بهذه الحادثة، (التي تُعبّر عن البقاء ونجاة اليهود من الموت في زمن الإمبراطورية الفارسية، وغالباً ما تُسرَد هذه الحكاية خلال احتفالاتهم تقديساً لهذا الملك الذي جعل بعض اليهود يرتبطون بإيران أكثر من ارتباطهم بإسرائيل).
وبما أنه كان لليهود علاقة طيّبة بالشاه، بحكم علاقته مع أميركا والكيان الصهيوني، وإقامته سفارة لها في طهران، فقد كان ذلك مثار رعب للجالية اليهودية، والتي تصوّرت أن الثورة الإسلامية ستقوم بإبادتها، وعمل الإعلام المغرض عمله في إشاعة ذلك، وإشاعة المعاملات السيّئة التي ستلقاها جميع الأقليات في ظلّ الحُكم الإسلامي.
ولذلك نرى قادة الثورة الإسلامية يستثمرون كل مناسبة للرد على هذه الدعايات المغرضة، ومن ذلك قول الخميني في لقاء له مع جمع من أعضاء الطائفة اليهودية في إيران عقب انتصار الثورة الإسلامية: (عندما كنا في باريس كانت سوق الدعايات رائجة في مختلف المجالات، ومن جملة تلك الدعايات كان يقال إذا انتصر المسلمون في إيران سوف يوقعون المجازر باليهود والنصارى لأن المسلمين يخططون لقتل جميع اليهود، وقد أوضحتُ مراراً في مقابلاتي التي أجريتها الحقيقة التي يؤمن بها الإسلام، وقد أتاني ممثل الطائفة اليهودية وتحدّثت معه عن منهج الإسلام). 
وبعد حديث طويل عن حقيقة الإسلام، وعلاقته بالإنسان، راح يُطمئنهم، بأنه لم يحدث أبداً وأن تعرّضت الأقليات الدينية في ظلّ الحكم للإسلام، لأية ممارسات عنف، ثم راح ينفصل بين موقف الثورة الإسلامية من اليهود في مقابل موقفها من الصهاينة؛ فيقول: (إننا نفصل بين اليهود وبين الصهاينة، فالصهيونية لا علاقة لها باليهودية، لأن تعاليم موسى سلام الله عليه تعاليم إلهية، وقد ذكر القرآن الكريم موسى أكثر من بقية الأنبياء، كانت تعاليمه قيّمة، وذكر القرآن تاريخ موسى وسيرته مع فرعون.. كان راعياً للغنم ولكن كان معه عالم من القوة والإرادة وقد نهض لمواجهة طغيان فرعون وقضى عليه، لقد كان الاعتماد على القدرة الإلهية والاهتمام بمصالح المستضعفين في مواجهة المستكبرين وعلى رأسهم فرعون والنهوض في وجه المستكرين، منهج موسى سلام الله عليه، وهذا المعنى مخالف تماماً للمشروع الصهيوني، إذ ارتبط الصهاينة بالمستكبرين، إنهم جواسيسهم وأُجراء عندهم، ويعملون ضد المستضعفين، خلافاً لتعاليم حضرة موسى عليه السلام الذي اعتمد على هؤلاء الناس العاديين، مثل بقيّة الأنبياء من أبناء السوق والأحياء الشعبية، ونهض بهم ضد فرعون وجبروت فرعون، وكان المستضعفون هم الذين‏ تصدّوا للمُستكبرين وأسقطوهم عن استكبارهم خلافاً لسلوك الصهاينة المرتبطين بالمستكبرين، ويعملون ضد المستضعفين). 
وهكذا راح يُطنب في المقارنة بين اليهودية الحقيقة، والصهيونية التي استعملت اليهودية وسيلة للتغرير والخداع، يقول: (إن هذا التعداد من اليهود الذي خدع وجمع من أقطار العالم في فلسطين، لعلّهم الآن نادمون، إن من كان يهودياً ولا يريد أن يتبع غير تعاليم موسى السامية، لعلّهم نادمون الآن لذهابهم إلى فلسطين، وذلك لأن من يذهب إلى هناك ويشاهد سلوك هؤلاء وكيف يقتلون الناس بلا مبرّر باسم اليهودية، لا يمكن أن يقبل بذلك؛ فهذه الممارسات تتعارض مع تعاليم موسى عليه السلام، إننا نعلم أن حساب المجتمع اليهودي غير حساب الصهاينة، وإننا معارضون لهم ومعارضتنا نابعة من كونهم يعارضون جميع الأديان إنهم ليسوا يهوداً، بل هم أناس سياسيون يقومون بأعمالهم تحت غطاء اليهودية؛ فاليهود يكرهونهم، وجميع الناس يجب أن يكرهوهم). 
وبعد هذه الأحاديث الدعوية التي أراد الخميني من خلالها أن يُعرّفهم بعظمة الإسلام، وعلاقته بموسى عليه السلام، راح يطمئنهم بأن الدولة الفتية لن تضيّع حقوقهم، وسيعيشون فيها مثل سائر المواطنين الإيرانيين الذين تجمعهم المواطنة؛ يقول: (وأما الطائفة اليهودية، وسائر الطوائف الموجودة في إيران؛ فهي من هذا الشعب، فإن الإسلام يتعامل معهم كما يتعامل مع بقيّة طوائف هذا الشعب، إن الإسلام لا يجيز الإجحاف بحقهم أبداً، ولا مُحاربتهم في معيشتهم، فهذا مخالف لأصل التربية الإسلامية، مخالف لما يريده الله تبارك وتعالى من الرفاهية لجميع الناس.. إن الإسلام يتبع الأحكام الإلهية، فكما أن الله تبارك وتعالى يفرض الاحترام لجميع طوائف الشعوب، كذلك الإسلام يفرض احترامهم. اطمئنوا لهذا، إنني قد ذكرت هذا حينما كنت في باريس للشخص الذي جاءني ممثلاً عنهم‏، وقلت له بأن الإسلام لا يرضى بإيذاء أحد، الإسلام للجميع، وينشد السعادة للجميع، فلا معنى لما يُثار من أن المسلمين سيفعلون باليهود كذا وكذا. لقد شاهدتم كيف انتصر المسلمون ومع ذلك لم يتعرَّضوا لليهود، ولم يتعرَّضوا للزردشتيين، لم يتعرَّضوا لبقية الطوائف، وقد رأيتم ذلك بأعينكم ... هل تعرَّض أحد ليهودي بعد انتصارنا؟ هل تعرَّض لنصراني؟ هل تعرَّض لزردشتي؟ لم يكن هناك تعرُّض في البين. وبعد هذا أيضاً عندما تقام وتستقر الحكومة الإسلامية- إن شاء الله- بالشكل الذي يريده الله تبارك وتعالى، فسوف ترون أن الإسلام أفضل من جميع المناهج الأخرى في ما يرتبط بمراعاة حقوق جميع فئات الشعب، وسوف يعمل بشكلٍ أفضل من الجميع). 
وبعد ختام جلسته معهم راح يرفع يديه بالدُعاء كعادته مع المسلمين، ويلقي عليهم تحيّة الإسلام، ومن دعائه المختلط بخطابه لهم: (أسأل الله تبارك وتعالى أن يكون جميع الناس في رفاهية، وأن تتحقَّق لهم السعادة والهداية. هداهم الله جميعاً للصِراط المستقيم، منَّ الله على الجميع بالسعادة.. واطمئنوا إنه لا يوجد ظلم في الجمهورية الإسلامية. إننا لا نَظلم ولا نُظلم، هذا ما علّمنا الإسلام: لا تَظلِموا ولا تُظلَموا، فبمقدار ما نستطيع لا نقع تحت الظلم، ولا نَظلم في أيّ وقت أبداً، وفقّكم الله تعالى. احرصوا على مساهمتكم في هذه النهضة، كي يتسنّى لها تحقيق أهدافها. إن هذه النهضة نهضة إنسانية لذا يجب على جميع الناس تأييدها. منَّ الله تعالى عليكم بالسعادة جميعاً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏).
وقد صدّق الواقع الإيراني ما ذكره الخميني، حيث عاش اليهود كل هذه الفترة في استقرارٍ مثلهم مثل سائر المواطنين الإيرانيين.
ومن الشهادات الدّالة على ذلك ما ورد في تقرير بعنوان [قصّة يهود إيران التي لا تُصدَّق]، في موقع يهودي، جاء فيه: (وفي الحقيقة، تضاءلت الجالية اليهودية في إيران منذ الثورة الإسلامية الإيرانية، وقد هاجر نحو 70 ألف يهودي من إيران إلى إسرائيل في أعقابها. إلا أنّ وضع الجالية اليهودية اليوم في إيران يُعتَبر جيّداً.. حتى أن هناك ممثلاً دائماً للجالية اليهودية في مجلس الشورى الإيراني.. ويعيش 80 مليون نسمة في إيران، ويقدَّر عدد الجالية بنحو 20 ألف شخص على الأكثر، رغم ذلك، لديها مقعد في مجلس الشورى باعتبارها أقلية مُعترفاً بها).
ونقل الموقع بعض شهادات اليهود على ذلك، ومنها شهادة الناشِطة الاجتماعية الإسرائيلية التي وُلِدَت وترعرعت في إيران، [أورلي نوي] التي ذكرت أنه (اليوم تتعامل السلطات الإيرانية مع الجالية اليهودية من وجهة نظر مُعادية لإسرائيل جداً، ولكن ليست مُعادية للسامية).
ونقل شهادة ممثل الطائفة اليهودية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني (سيامك مره صدق)، وهو بروفيسور في الطب، وزوجته دكتورة في عِلم الوراثة، وذلك في مقابلة أجريت معه، ومما جاء فيها: (لدينا [يهود إيران] كُنس ومدارس ومقابر ومتاجر جزارة حلال ومطاعم حلال.. ويُسمح لليهود التعلّم والتعليم في الأكاديمية الإيرانية أيضا).
وعندما سُئِل عن هويته، وهل هي اليهودية أمْ الإيرانية، قال: (أنا يهودي وإيراني. أصلّي بالعبرية، ولكنني أفكّر بالفارسية).
وورد في تقرير صحفي آخر أُجري مع الطائفة اليهودية في إيران، وهو بعنوان: [كيف يعيش يهود إيران في ظلّ حُكم الجمهورية الإسلامية؟] ، جاء فيه: (لأكثر من 35 سنة واليهود في إيران يعيشون تحت ظلّ الأحكام الإسلامية، وتبدو هذه المسألة مشوِّقة لمعرفة كيف كانت أوضاعهم وأحوالهم في هذه الفترة وما حقوقهم وما العواقب التي يعيشونها داخل بلدهم الأمّ إيران؟).
وقد نقل هذا التقرير بعض شهادات رجال الدين من اليهود الإيرانيين، ومنهم (روبرت خالدر)، وهو أحد أعضاء مجلس إدارة المعبد اليهودي، الذي قال: (الثورة الإسلامية عام 1979 كانت خطوة مهمة في حياة يهود إيران، لأن هذه الثورة منحتنا حقوقنا الكاملة في ممارسة عقائدنا وشعائرنا، كما أنها جعلت الشعب اليهودي في إيران أكثر تديّناً وتمسّكاً بعقائدهم بسبب الحرية الدينية والثقافية التي مُنِحت لهم).
ومنها شهادة مسؤولة إدارة مستشفى خيري في جنوب طهران ـ يُعتَبر واحداً من أربع مستشفيات خيرية لليهود في العالم ـ [فارنغيس حاسيدم]، والتي قالت فيها: (عندما يأتي مريض للمُعالجة فإننا نسأله بماذا يشعر وما الذي يؤلمه، ولا نسأله ما دينه وما عقيدته، 95 بالمائة من مرضانا وطاقمنا الطبي غير يهود). 
وذكرت أن هذه المستشفى تعتمد بشكلٍ أساسي على التبرّعات التي يُقدِّمها يهود إيران أو الخارج، لكن في السنوات الأخيرة قام الرئيس أحمدي نجاد بتقديم تمويل مادي لهذه المستشفى بمبلغ 32 ألف دولار أسترالي، (والذي اعتُبِر رسالة إيجابية جداً من الحكومة لليهود والتي كان لها مكانة وأهمية معنوية عظيمة، هذا بحسب ما قاله المدير العام للمستشفى سياماك مورسيديغ).
ومن الأمثلة على حرية إبداء الرأي لليهود الإيرانيين موقفهم مما ذكره الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد من المحرقة اليهودية واعتباره إياها خُرافة، مما أثار غضب الجالية اليهودية في إيران، وقد عبَّر ممّثل اليهود في البرلمان الإيراني [موريس معتمد] في فيلم وثائقي عن يهود إيران، عن رأيه في ذلك قائلاً: (عندما نفى السيّد نجاد حقيقة الهولوكوست في فترة استلامه الحُكم، قمت أنا بإصدار تصريح مُعترِضاً على خطابه، ولقد لقي هذا الاعتراض صدى كبيراً في دول العالم المختلفة، والتي زاد تعاطفها مع الشعب اليهودي الذي شعر بالإهانة بسبب وجهة نظر الرئيس).
وعندما سُئِلَ هذا النائب عن شعور المجتمع اليهودي في إيران بالتهديد بسبب هذا التصريح المعادي للسامية قال معتمد: (لحُسن الحظ، لم نشعر بأيّ تهديد، فالسياسية العامة للحكومة الإيرانية لم تكن معادية للسامية).
وأشار إلى أن التميّز الوحيد الذي يُطبَّق ضدّهم هو وجود قانون يذكر أنه في (حال اعتنق اليهود الدين الإسلامي؛ فإن أملاكه تورث للحكومة وليس لعائلته اليهودية إلا إذا أسلمت).
وهذا مبني طبعاً على حُكمٍ فُقهي تبنَّته الجمهورية الإسلامية، وهو في حقيقته في صالح اليهود، لأنه يجعلهم يمنعون أتباعهم من اعتناق الإسلام، ونتمنَّى أن يُعيد فُقهاء الجمهورية الإسلامية النظر في هذا القانون، لأن هناك أقوالاً أخرى في المسألة، بالإضافة إلى عدم وجود نص صريح في القرآن الكريم يمنع ذلك، ونجد نفس القول في كتب الفقه السنّي، بل تعتبره قولاً راجحاً.