الدعم النفسي لمبادئ إدارة الصراعات السياسية
العمليات النفسية هي أداة للتأثير السياسي على المُعارضين وحتى المؤيّدين في البيئة المُنافية أو المُحايدة ومع الرأي العام بشكلٍ عام، والتي تُستخدَم على نطاقٍ واسعٍ في العلاقات الدولية والنضال التنافُسي في الأعمال، ويكمن الهدف النهائي لمثل هذه العمليات في القوّة المُكتسَبة لضمان تقديم الخصوم طواعية وتوحيد وتنسيق أنشطة المؤيّدين وضمان مستوى عالٍ من الحوافز بين الحلفاء للدعم.
تتحقّق تلك النتائج عبر استهداف مُحدَّد لوعي شخص أو جمهور مُستهدَف من خلال صانعي الأخبار وقادة الرأي الموجودين، ومن خلال تكوين الرأي العام المُناسِب القادِر على ممارسة الضغط على المعارضين، ولذا فإن أهمّ عنصر في هذه العمليات هو تقنيات المعلومات والتأثير النفسي على الوعي الجماعي.
تتمّ إضافة عنصر تنظيمي بشكل خطةٍ واحدةٍ لاستخدامها وإدارة العملية والتنسيق بين القوى والوسائل في توليفة يأخذ عبرها التأثير النفسي صفة أداة فعّالة لإدارة العمليات السياسية والتجارية، وفي الوقت ذاته يمكن لها أن تكون مُدمِّرة من خلال تكنولوجيات التأثير النفسي هادِفة إلى إلحاق العدو بأكبر قدرٍ ممكنٍ من الضرَر لضمان ميزةٍ تنافسيةٍ معينةٍ وتحقيق الاستقرار للتوصّل إلى تسويةٍ سلمية، وبذلك يتّضح إن الهدف الرئيس لتطبيق تكنولوجيات المعلومات الحديثة والنفسية هي لحل الصراعات وعلاقات الصراع الناشئة، وفي مجال العلاقات الدولية تكون تلك الصراعات الإقليمية بأشكالٍ وصوَرٍ عرقيةٍ واجتماعيةٍ والتي عبرها يبذل المجتمع العالمي جهوداً مختلفة للتهدئة الدبلوماسية والقوية، وفي مجال الأعمال التجارية، فإنها تتمثّل في النزاعات التي تستخدم فيها الأطراف عمليات نفسية من أجل تصعيد النزاع ومن أجل حلّه بحملاتٍ من أجل عمليات اندماج وشراء غير ودّية والابتزاز للشركات.
من المُثير للاهتمام ملاحظة أن تقنيات المعلومات والنفسية المُستخدَمة في العمليات النفسية في العلاقات الدولية، والتكنولوجيات المُستخدَمة في عمليات المُداهمة وعمليات الهجوم المُضاد مُتطابقة تقريباً ولا تختلف إلا في الحجم وأهداف النفوذ والقوى والوسائل المعنية، ولذا يتمّ تطوير المفاهيم الحديثة والنماذج العصرية وتقنيات المعلومات والتأثير النفسي على الصراعات من أجل حلّ مهام السياسة الخارجية، فيتمّ اختبارها على المستوى الدولي، غير إن معظمها تنفّذ في برامج أبسط بدمجها في الجهد التنافسي في العمل من دون فقدان الميزات الكامِنة في العلاقات الدولية. ولربما يكون هذا هو السبب وراء تمتّع الشركات العولمية بالكثير من العمليات النفسية ولدورها في السياسة العالمية الدور البارز والمستقل، كما وتتقارب اهتماماتهم في السياسة العالمية اليوم بشكلٍ مُتزايدٍ مع مصالح المشاركين التقليديين كالدول والمنظمات الدولية، فيتم تحقيقها من خلال تطبيق ذات السُبل والوسائل المُطبّقة بالتأثير السياسي.
إن أصل معظم التقنيات الحديثة لإدارة الصراعات النفسية التي أوجدتها وشكّلتها ممارسة العلاقات الدولية، يتطلّب وحدة من النظر في العمليات النفسية التي تتمّ على مستوى المواجهة بين الدول في مجال المنافستين الإستراتيجية والسياسية، ولهذا يبدو من المنطقي النظر أولاً في العمليات النفسية التي تؤثّر على النزاعات الدولية من أجل إبراز سِماتها الوطنية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية، ثم الانتقال إلى ممارسة تطبيقها في مجال الأعمال التنافُسية أي من العام إلى الخاص. كما أنه وفي كثيرٍ من النواحي ارتبط ذلك التصرّف بين سادة الأعمال بفَهْمٍ غامضٍ لطبيعة التأثير النفسي على النزاعات، بالإضافة إلى غموض بعض المُخطّطات التكنولوجية التي يتمّ تطبيقها على تلك التأثيرات، وإن النظرة الشمولية لطبيعة العمليات النفسية والتقنيات المُستخدَمة فيها ومجموعة المقاييس المكانية لتنفيذها ومبادئ تأثير الجرعات جميعاً يمكنها أن تساعد في التخلّص من المخاوف ومن عدم فُقدان السيطرة على الأوضاع في لحظةٍ مهمة.
لربما ذلك يُعدّ بأنه كل ما هو ضروري منذ أن أصبحت تقنيات إدارة الصراع أكثر تعقيداً في كل من عوالم السياسة والأعمال، فلذا يتم استخدام تقنيات الجيل الجديد المركّزة على إدارة جميع مجالات الصراعات، وبذلك يتمّ البدء بالكثير منها على وجه التحديد بجعل البيئة مُطيعة وقابِلة للإدارة وهنا تكمُن مصادر مثل هذه الشعبية كإدارة انعكاسية وإدارة للأزمات التي يتم تطبيقها بنجاحٍ بنفس القدر في ما يتعلّق بالنزاعات الدولية وفي ما يتعلّق بالصراعات في الأعمال التجارية. ويُعدّ ذلك التطوّر بتلك التكنولوجيات وتحسينها منساقاً ومؤدّياً إلى نمو الصراعات الشبيهة بالانهيارات في كلا المجالين، وبذلك يتمّ البدء بالكثير منها على وجه التحديد حينما يكون من الضروري جعل البيئة الخارجية مُطيعة ويمكن التحكّم فيها. وعلى الرغم من نهاية عصر المواجهة العالمية إلى حدٍ ما غير أن العدد الإجمالي للصراعات الدولية في العالم لا ينخفض إنما يستمر متواصلاً في النمو وظاهراً بأشكالٍ جديدةٍ غير مُتأثرةٍ كثيراً بتأثير أدوات التنظيم السياسي التقليدية، فلذا أصبحت الصراعات الحديثة واحدة من العوامل الرئيسة لعدم الاستقرار في العالم لكونها سيّئة الإدارة ولميلها إلى النمو والتوسّع ولجذبها الآخرين للمشاركة فيها، وبكل ذلك أصبحت العلاقات الدولية وعلى نحوٍ متزايدٍ مجالاً للصراع السياسي المقيت.
إن الصراعات الإقليمية الكثيفة باستخدام واسع النطاق للعدوان المسلّح المباشر وبالقدرة على إشراك وزعزعة ولربما تدمير المناطق المجاورة لها، وتحطيم نُظُم الأمن الجماعي المُنشأة تاريخياً آخذة في الصدارة، وأن أنشطة استرضاء القوي وإكراه للديمقراطيات في مناطق مختلفة من العالم لا تقضي فقط على الأسباب الجذرية للصراعات إنما بالحقيقة ستؤدّي في حالات كثيرة إلى تصعيدها وانتقالها إلى مستوى جديد أكثر طموحاً، إذ كثيراً ما تبدأ الصراعات الإقليمية على وجه التحديد في مجالات ذات أهمية إستراتيجية اقتصادية أو عسكرية أو حتى لأسبابٍ غيرها، من أجل توفير وجود عسكري وسياسي تحت ستار حفظ السلام، وإن سياسة تشكيل السياسة الجديدة للعلاقات الدولية قد تشكّل نقطة انطلاق وأسباب ودوافع لتدخّلات إنسانية جديدة. وعلى كل حال فإن الاستخدام السائِد للقوّة في إحلال السلام في مناطق النزاع يواجه انتقادات حادّة بالدعوة لاعتبار القوّة العسكرية المُتفوّقة في أنها ليست الوسيلة الوحيدة الموثوقة لحلّ الصراعات وفرض تسوية دائمة.
إن حلّ النزاع السياسي يكون بالتوصّل إلى اتفاقٍ مقبولٍ بشكلٍ مُتبادَلٍ بين أطراف النزاع عبر توظيف الوسائل السياسية لذلك، ومن خلال المفاوضات والتكنولوجيات والإجراءات السياسية يُعدّ الحل أهم خطوة وأهم مستوى في الصراعات الحديثة وقضايا العلوم السياسية بشكلٍ عام، وإن تكنولوجيات التسوية السلمية للنزاعات لها أهمية خاصة في الظروف الحديثة، إذ أصبحت العامل الرئيس في الحفاظ على الحضارة البشرية وتنميتها وتطويرها وتحديد الأنماط الشائعة في النزاعات التي تسمح بحلّها بالوسائل السلمية. وإن إجراء التحليلات والمُقاربات لتلك الأنماط لربما من المُمكن لها إن تؤدّي بنا للتنبؤ بظهور الصراعات وتدارُك تطوّرها وتحديد الأساليب الفعّالة لحلّها ومنعها من الظهور وتحجيم تمدّدها لأشكالٍ عنيفةٍ لمزيدٍ من التطوير، وإن تلك الأنماط والتكنولوجيات العامة لتسوية الصراعات المُعاصِرة هي مستوى جديد نوعياً من المعرفة بأدوات الدعم النفسي لإدارة أشكال التنظيم السياسي للعلاقات الدولية المُعاصِرة.