حكاية ماتركس ومضار النفط الصخري في الجزائر

كيف يمكن التطرّق لمسألة الغاز الصخري في الجزائر وسط الوضع المتفجّر الذي نعيشه حالياً: الأزمة الاقتصادية، طيف ولاية خامسة تلوح في الأفق، تجريم وسجن المعارضين، يأس الأغلبية الساحقة من المواطنين... من أين نبدأ، وقبل كل شيء، هل هذه أولوية حقاً في خضمّ هذه الفوضى المُعمّمة؟

كيانو ريفز بطل فيلم ماتركس

"أنتم لستم في الواقع "ثدييات". كل كائن ثدي في هذا الكوكب يطوّر توازناً مع بيئته، لكن هذا ليس حال البشر. أنتم تستقرّون في مكان واحد وتتكاثرون حتى تنفذ كل الموارد الطبيعية، وطريقتكم الوحيدة للبقاء هي الانتشار إلى مكان آخر. هناك كائن آخر على هذا الكوكب يتبع نفس النمط، هل تعرفون ما هو؟ الفيروس"، مقطع من الفيلم الشهير "ماتركس".

كيف يمكن التطرّق لمسألة الغاز الصخري في الجزائر وسط الوضع المتفجّر الذي نعيشه حالياً: الأزمة الاقتصادية، طيف ولاية خامسة تلوح في الأفق، تجريم وسجن المعارضين، يأس الأغلبية الساحقة من المواطنين... من أين نبدأ، وقبل كل شيء، هل هذه أولوية حقاً في خضمّ هذه الفوضى المُعمّمة؟

نعم هذه أولوية وزد على ذلك كل شيء مُترابط. لإثبات هذا، دعوني أوضح الإشارة إلى"Matrix". تصوّر مؤلّفا الفيلم (Washowski الإخوة واشوفسكي) عالماً  يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي بحدود سنة 2100. اعتقد البشر في البداية أن السيطرة على هذه الآلات ممكنة من خلال حظر الطاقة الشمسية اللازمة لتشغيلها. خطأ، لأن هذه الأجهزة نفسها تفّوقت وحوّلت الإنسان إلى مولّد للطاقة الحيوية. نرى في الفيلم تحوّل الأرض إلى صحراء واسعة مسوّدة، وكأنها مطلية بالكربون، يعمّرها بشر من  المحفوضين في الماتركس، وهي عبارة عن أرحام إصطناعية لا متناهية  لها القدرة على توليد عالم خيالي. بحيث كل ما يتصوّره الإنسان "حقيقة" ليس إلا إشارات كهربائية يفسّرها الدماغ.

ما يهّمني أكثر الآن هو المقطع المذكور أعلاه لل "العميل سميث". سميث برنامج كمبيوتر مدمّج في عالم ماتركس الافتراضي مهمته تعقّب أيّ تهديد "إرهابي". نعم هو على حق لما يقول إن الأرض دمّرت، ولكن ليس من قبل أي إنسان. إذا نظرنا جيداً، العميل سميث ليس إلا يردّد الأساطير النيوليبرالية التي تريد إقناعنا أن التأثيرات الضارّة للمرحلة الأكثر تطوّراً للرأسمالية، وهيمنة الاقتصاد المعولم والشركات المتعدّدة  الجنسيات، متأصّلة في فطرة الإنسان. كما يلمّح أن الديموغرافيا هي السبب الرئيسي لاستنفاد الموارد الطبيعية، وبالتالي فهو يحجب الأسباب الحقيقية المتعلّقة بالإنتاج المفرط، الإهدار ، "النمو اللانهائي" والديناميكيات الاستهلاكية التي ترافقهم.

الرأسمالية المتوحّشة

منذ نهاية الإقطاعية واختراع جيمس واط للمحرّك البخاري في مكان ما في إنكلترا، لم تتوقّف الأنشطة البشرية الصناعية من التزايد. استغلال الإنسان (وخاصة النُخب الاقتصادية للقوى الصناعية الأولى)  للموارد الطبيعية بشكل محموم  قد كسر الدورات الحيوية والتجددية للأرض، ما أدّى بنا إلى الدخول في عصر جديد، ألا وهو الأنثروبوسين. عصر يتميّز بتأثير بشري كبير على الجيولوجيا والنظم البيئية في الأرض.

لعلّ البعض لازال يتساءل كيف هذا؟

يكمن السبب في المنظومة الإقتصادية الرأسمالية المتوحّشة القائمة على الطاقات الأحفورية: الانسكابات النفطية الناتجة من الصناعات البترولية، القارات البلاستيكية في المحيطات (صناعة البتروكيماويات)، اختفاء الجبال (صناعة الفحم)، إزالة الغابات (الصناعات الغذائية)، تلوّث المحاصيل والأراضي عن طريق المبيدات والأسمدة الكيماوية (الزراعة المكثفة)  هي الآثار المرئية لهذا النظام . مع أن الإجماع العلمي يقول: إذا زاد معدّل درجات الحرارة العالمي بدرجتين مئويتين ، كل هذه الصناعات الاستخراجية تلقي الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، والتي بتراكمها تخزن المزيد والمزيد من الحرارة.

إذا استمرينا هكذا، فإن كوكب الأرض سيكون في خطر لا رجعة فيه للأجيال القادمة. ستؤدّي حتماً نقطة اللا عودة المناخية هذه إلى نهاية الحضارة الإنسانية كما نعرفها اليوم.

يدرك القادة في جميع أنحاء العالم حجم الكارثة، وقد اعتمدت البلدان بالإجماع في ديسمبر 2015 نصّ اتفاقية COP21 للحد من الزيادة في متوسّط ​​درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة بحلول عام 2020. مشكل هذه الاتفاقية أنها تقوم على أساس طوعي ووفقاً لكيفن أندرسون، نائب مدير "مركز تيندال للبحوث حول تغيّر المناخ" في جامعة مانشستر في بريطانيا، فدراسة التزامات مختلف البلدان لن تصل إلى الحد المذكور بل ستؤدّي بدلاً من ذلك إلى زيادة بين 3-4 درجات مئوية . كما توقّعت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في تقرير حديث لها، زيادة قدرها 3-4 درجات مئوية بحلول عام 2100.

ونتيجة لذلك، تتكشّف أمام أعيننا إبادة مناخية واسعة النطاق، كانت تعتبر في الماضي تهديداً بعيد المنال. تستمر الظواهر الجوية المتطرّفة في الزيادة تردداً وقوة. على سبيل المثال، إعصار باتريسيا هو أشدّ الأعاصير التي شهدناها في نصف الكرة الغربي. كما أظهر تقرير صادر عن منظمة "World Wide Fund for Nature" ، شارك فيه 59 عالماً، أن عدد الحيوانات البرية، الثدييات، الزواحف، البرمائيات، الطيور والأسماك قد انخفض بنسبة 60٪، بين 1970و 2014.

ضف إلى ذلك مستوى المحيطات الذي ظلّ مستقراً لملايين السنين والذي يتزايد باطراد منذ القرن العشرين. إذا لم يتم القيام بأي شيء، فإن جزر المحيط الهادئ والأطلسي والمدن الساحلية الكبيرة الأخرى قد تغمرها المياه؛ كميامي وأوساكا وشنغهاي والإسكندرية... وسوف تؤدّي درجات الحرارة المرتفعة إلى تحويل مناطق واسعة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى مناطق جافة غير صالحة للسكن مما سيحوّل أطفالنا إلة لاجئي مناخ.

الجزائر بلد شديد التأثّر بآثار تغيّر المناخ

تستهدف سوناطراك، الشركة الوطنية للبترول، لأن تكون أحد أفضل 5 شركات عالمية بحلول عام 2030. لذا، لا محالة، سنتجه إلى المزيد من "الإنتاج والاستغلال". بإعلانهم عن توقيع اتفاقية في أواخر تشرين الأول عام 2018، مع شركة البترول البريطانية (BP / بريطانيا) وEquinor (النرويج) لاستغلال الغاز الصخري في الصحراء، لا يشارك القادة الجزائريون في إنكار ظاهرة تغيّر المناخ لكنهم يقودوننا لامحالة نحو إبادة بيئية.

بصرف النظر عن الفوائد الاقتصادية غير المؤكدة، فإن التكسير الهيدروليكي له مخاطر لا تُعد ولا ُتحصى: هي تقنية جد شرهة للماء، ضارة بالبيئة وبالحياة؛ لها نتائج سلبية على صحة الإنسان، تعطل النظم الإيكولوجية، تسبّب الزلازل ، وتلوّث المياه الجوفية. بدلاً من تحويل الصحراء الجزائرية إلى مكب نفايات مفتوح، لما لا تسعى السلطات لاستكمال المفاوضات مع فرنسا لإزالة التلوّث من موقع  "ناموسB2" (موقع اختبار الأسلحة الكيميائية والجرثومية) و"رقان" (التجارب النووية)؟

والأسوأ من ذلك أنه في ظلّ المناخ القاحل، تنتظرنا سيناريوهات مقلقة في حدود 2020. يتوقع ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة وانخفاضاً كبيراً في معدل هطول الأمطار في آن واحد، ما سيؤثر على الحق الطبيعي في الحصول على المياه للسكان ولأجيال المستقبل.

يتخفّى أصحاب القرار وراء التجربة الأميركية ويعتبرونها معياراً ذهبياً في هذا المجال، لكن المعطيات توحي بالعكس على فشلها. التكنولوجيا الحالية باهظة الثمن، وهي مربحة فقط إذا كانت أسعار النفط العالمية مرتفعة. بما أن الأسعار منخفضة، فمنذ عام 2015، في تكساس وحدها ، أفلست 71 شركة للتنقيب والإنتاج.

كما تشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أن أنشطة أكبر 60 شركة استكشافية وإنتاجية لا تربح أموالاً كافية لتغطية نفقات التشغيل ورأس المال. مرة أخرى لعلّ البعض يتساءل عن الوصفة السحرية التي تمكّن البعض من الإستمرار في العمل وحفر آبار جديدة؟

صناعات الغاز والبترول الصخري هي صناعات قائمة على الديون وترتكز على "مخطّط بونزي" ضخم. بعبارة أخرى، السوق مبنية على فقاعة المضاربة التي تسمح لعمالقة المجال بتحقيق الربح في الأسواق المالية، مادامت أموال مستثمري وول ستريت ولاسيتي تتدفّق. هذا المال في حد ذاته يأتي من سياسات تسمّى ـ"QE؛ quantitative easing - التيسير الكمّي"، حيث تقرض أموال  البنوك المركزية (بما في ذلك الاحتياطي الفيديرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي) للبنوك بفوائد تجاور الصفر.

يتم بعد ذلك استخدام هذه الأموال، التي من المفترض أن تعزّز الاقتصاد الحقيقي، لتمويل مشاريع مجازفة، حيث من المرجّح أن تنفجر هذه الفقاعة في أي وقت حينما يسحب المستثمرون ثقتهم بهذه الاستثمارات كما كانت الحال مع الرهون العقارية التي أدّت إلى الأزمة الرأسمالية عام 2008.

أما بالنسبة للمخاطر الأخرى، فقد أكّدت دراسة حديثة لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وهي وكالة علمية حكومية، أن أقوى زلزال سجل في كنساس سببه حقن السوائل (النفايات السائلة الناتجة من التكسير الهيدروليكي). كما هو معلوم من زمن طويل أن استخراج الغاز الصخري يسبّب تلوّث المياه الجوفية، فعلى سبيل المثال، في ولاية كارولينا الشمالية ، وجد الباحثون أن معدلات التلوّث تتزايد بالقرب من الآبار. وأخيراً، صحّة الإنسان مهدّدة من خلال تلوّث الهواء عن طريق المركبات العضوية المتطايرة المسبّبة للسرطان (البنزين وإيثيل بنزين، كبريتيد الهيدروجين).

لكل هذه الأسباب، أطلقت عريضة ضد الغاز الصخري (https://chn.ge/2zOe88N) والتي نرجو من كل المواطنين الجزائريين مساندتها.

ماتركس الجزائر هي الثلّة في أعلى الهرم التي أقفلت اللعبة السياسية، وسطت على المؤسّسات والإقتصاد. هل ترون حلاً آخر سوى التخلّي عن هذا النموذج الإقتصادي القائم على الهايدروكاربونات؟