الإلحاد بين الحقيقة والوهم

الإلحاد ..الملاحدة ...الملحدون ... ...مجموعات وصفحات إلحادية تكاثرت بشكل فظائع في وسائط الإتصال ، فهل الإلحاد العربي هو ردة فعل لإنتشار خطاب ديني متطرف وبروز الجماعات الذابحة و القاتلة بإسم الدين ؟ ....والفرق بين الملاحدة العرب والملاحدة الغربيين أن الملاحدة العرب يسبون الله ورسوله والأنبياء والدين ، فيما الملاحدة الغربيون يقدمون تأسيسا لما يذهبون إليه على أساس جدلي و فلسفي، وهو الأمر الذي جعل بعض علماء النفس يقولون أن الملاحدة العرب ينطلقون من عقد نفسية وردات أفعال وهذا ما يجعل إلحادهم مضطربا للغاية، كما أن الثقافة الببغاوية لكثير من المشايخ والدعاة هي التي دفعت شبابنا إلى الإلحاد ، فقد عجز هؤلاء الدعاة الجدد أن يقدموا للشباب فكرا ودينا مقنعا وفكرا مؤثرا.

نص الحلقة

<p>المحور الأول:</p> <p>يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله، وبيّاكم، وجعل الجنة مثواكم.&nbsp;</p> <p>الإلحاد، والملاحِدة، والملحِدون ومجموعات وصفحات إلحادية تكاثرت بشكل فظيع في وسائط الاتصال، وما يُميّزها كثرة السبّ واللعن والقذف والاستهزاء بالأنبياء والرُسل وكُتب السماء.</p> <p>فهل الإلحاد العربي هو ردّة فعل لانتشار خطاب ديني مُتطرِّف وبروز الجماعات الذابِحة والقاتِلة باسم الدين؟ والفرق بين الملاحِدة العرب والملاحِدة الغربيين أنّ الملاحِدة العرب يسبّون الله ورسوله والأنبياء والدين، فيما الملاحِدة الغربيون يقدّمون تأسيسًا لما يذهبون إليه على أساس جدلي وفلسفي. وهو الأمر الذي جعل بعض علماء النفس يقولون إنّ الملاحِدة العرب ينطلقون من عقدٍ نفسية، وردّات أفعال، وهذا ما يجعل إلحادهم مُضطربًا للغاية. تجدر الإشارة إلى أن الإلحاد عند العرب قديمًا كان، ولم يكُ منطلقًا من الكفر بوجود خالِق، بل وكما قال عبد الرحمن بدوي في كتابه من تاريخ الإلحاد في الإسلام أنّ الالحاد بين المسلمين لم يكن أبدًا رفضًا للإله، وإنّما التركيز على جوانب النبوّة والقرآن. وقد حاولت دار الإفتاء المصرية تقديم تفسير لرواج الإلحاد في مصر والعالم العربي، فقالت إنّ أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإلحاد هي ممارسات الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تنتهج الوحشيّة والترهيب والذبح باسم الإسلام والتي صدّرت مفهومًا مشوّهًا لتعاليم الدين. كما أنّ الثقافة الببغاوية لكثير من المشايخ والدُعاة هي التي دفعت شبابنا إلى الإلحاد، فقد عجز هؤلاء الدُعاة الجُدُد أن يقدّموا للشباب فكرًا يهزّ، ودينًا مقنعًا وفكرًا مؤثرًا. هؤلاء الدُعاة يردّدون حكايا الماضي فقط، ونحن في القرن الواحد والعشرين. والذي يريد أن يتعرّف على الله، ولا يعرف شيئًا عن الدين ولا الإسلام، ويشاهد ما تفعله الأحزاب والجماعات والكتائب المنسوبة ظلمًا وعدوانًا لله يقول لا أريد أن أتعرّف على هذا الدين الإجرامي. هذا واقعنا للأسف الشديد، جماعات أساءت إلى ربّها، وادّعت أنّها تُرضيه، وبسبب حساسية هذا الموضوع أصبح من الصعب الحصول على العدد الحقيقي للمُلحدين وللادينيين في المجتمعات العربية لأسباب اجتماعية وشخصية.</p> <p>"الإلحاد بين الحقيقة والوَهم" عنوان برنامج أ ل م، ويشاركنا في النقاش من الأردن الحبيب الشيخ الفاضل مصطفى أبو رمّان، ومن الجزائر الحبيبة الباحِث الأكاديمي الدكتور بوزيد بومدين.&nbsp;</p> <p>مشاهدينا أهلًا بكم من جديد، مرحبًا بكم جميعًا.</p> <p>دكتور بوزيد مبدئيًا الإلحاد مُصطلح يختلف فيه كثيرون. هناك مَن اعتبره علمانيًا، وهناك مَن اعتبره لا دينيًا، لكن نحن نكتفي بما هو مُتعارَف عليه اليوم في المشهد الثقافي العربي. هل كان الإلحاد ظاهرة في تاريخنا الإسلامي؟ هل كان موجودًا؟ وكيف تمّ التعامل معه في سياقات ومحطات التاريخ الإسلامي؟</p> <p>بو زيد بومدين: شكرًا أخي يحيى أبو زكريا، أولًا أحيّيك، وأحيّي ضيفك الكريم من الأردن الشقيقة، وأحيّي أيضًا الفريق الذي معك والمشاهدين الكرام الذين يتابعون حصصك بشغفٍ هنا في الجزائر.</p> <p>يحيى أبو زكريا: حيّاك الله.</p> <p>بو زيد بومدين: في الحقيقة إنّ مُصطلح الإلحاد سواء عندنا، أو في اللغات الأخرى اقترن عمومًا كما يرد في بعض المعاجم بإنكار وجود الله غير أنّ لهذا المفهوم اتّساع أحيانًا، وقد يرتبط بمفهوم الزَنْدَقة عندنا نحن العرب، كما يرتبط بالكفر ويرتبط بالبدعة. لكن عمومًا يمكننا أن نقول دعنا نتّفق على أن مشكلة الثقافة العربية أحيانًا عندما تنقل المفاهيم من مجتمعات أخرى، لا تنقلها بدقّة اصطلاحية بحيث أنها لا تشوّش على المضمون، أو المصادقة أو تشوّش على التفكير بحيث أنها اقترنت بالعلمانية. وهذا ليس صحيحًا لأنّه حتى مفهوم العلمانية انتقل إلينا بشكلٍ خاطئ، وانتقل إلينا بالرؤية الفرنسية برؤية الثورة الفرنسية، ولم نستطيع أن نفرَّق بين ما معنى اللا ديني أو الدنيوية أو العلمانية. وبالتالي جاءنا هذا المُصطلح محمّلًا بالعداء للدين، أي جاءنا بالمضامين الفرنسية والمجتمعات الكاثوليكية، وليست من المجتمعات البروتستانتية. على كلٍ دعني أقول فخَلْط مفهوم العلمانية بالإلحاد ليس صحيحاً لأن عندنا من العرب من يكون علمانياً، وهو مُتديّن ويؤمن بالله. ولكن لا يرى للدين تدخلاً في السياسة. إذا ذهبنا إلى مجال آخر وهو إنكار معلوم من الدين بالضرورة، هذا هو الإشكال الذي يختلف فيه الفُقهاء والعلماء، هل نعتبره مرتّدًا مُلحِدًا كافِرًا؟ كيف يكون التعامل معه؟</p> <p>مفهوم الإلحاد في الحقيقة يرد في القرآن الكريم أيضًا، هذا المعنى وذروا الذين يلحدون بأسمائه، بمعنى أن لله الأسماء الحُسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون بالأسماء، أي أنه أصبحت مسألة الإلحاد هي إنكار وجود الله في القرآن الكريم، أو إنكار صفة من صفات الله المعروفة عند علماء الكلام وعلماء الأصول. ولذلك أساسًا هذا هو المفهوم، ومفهوم الإلحاد موجود أيضًا عند اليونانيين، وارتبط عند سقراط ليس بإنكار وجود الآلهة، ولكن دعا إلى توحيد الآلهة وأبي قرين قالوا أن الآلهة موجودة، ولكن لا تتدخل في البشر فاعتبر بعضهم ملحدين. وبالتالي مفهوم الإلحاد هو مفهوم يمكن أن نكون في مفهومه الكلّي هو إنكار وجود الله، لكن التفاصيل في ما يتعلق بقضية مَن يثبت وجود الله ولا يرى له تدخّلاً، هل نعتبره ملحدًا؟ أم ليس ملحدًا؟ هذه مساحة فيها خلاف، وعندما نعود مثلًا إلى البصرة التي تواجد فيها بعض الملحدين كإبن عبد القدوس وبشّار إبن برد وإبن الراوندي وغيرهم، كانت التسمية الأكثر رواجًا في البصرة والكوفة في القرنين الثاني والثالث الهجري هي كلمة الزَنْدَقة.</p> <p>والزَنْدَقة ارتبطت عمومًا عند الرازي وإبن الرواندي هو إنكار كما أشرت أنت في الكتاب الذي كتبه تاريخ الإلحاد في الإسلام لعبد الرحمن بدوي هو إنكار النبوّة، أي أنّ الرازي كان يؤمِن بالله، ولكنه كان ينكر النبوّة، وإنكار النبوّة عندنا هو باب النبوّة باب أساسي في علم التوحيد بمعنى أن الذي ينكر النبوّة نعتبره ملحدًا، فقالوا يمكن للنبوّة أن تكون بالعقل ولا نحتاج إلى النبوّة ولكن آمنوا بالله. إذًا هنا مفهوم الإلحاد كلّ ما كان هذا المفهوم عامًا ندخل تحته الكثير من الحالات، ولكن كلّ ما ضيّقنا المفهوم وسّعنا المضمون. فعندما نقول إن الملحد هو الذي يقول بإنكار وجود الله نخرج هنا الذي ينكر النبوّة بمعنى لا نعتبره ملحدًا، لكن عندما نضع المفهوم هكذا مطلقًا واسعًا. فهنا بعض الفقهاء ومنهم الغزالي وغيره أدخل حتى الذين ينكرون النبوّة أو الذين يعطّلون بعض صفات الله. وبالتالي أعتقد أنّ هذا الموضوع حساس جدًا سواء بالنسبة للهيئات الدينية كالأزهر وغيرها بالتحرّي في هذه المسألة بالذات، وأيضًا للذين يشتغلون في حقول المعرفة الإنسانية والاجتماعية. وبالتالي أنّ هذا المفهوم في تطوّره في أوروبا من القرن السابع عشر إلى القرنين الثامن والتاسع عشر لأنه ارتبط بمرحلة معينة عند نيتشيه الذي أعلن موت &nbsp;الإله. ولكن عند آخرين لم يعلنوا موت الإله، ديكارت قال أنا أفكّر، إذًا أنا موجود، ولكنه عاد إلى الإيمان بالله ولكن ليس بصيغة الكاثوليكية.</p> <p>يحيى أبو زكريا: طبعًا دكتور بوزيد سوف نأتي إلى إيمان الفلاسفة بالله، ومجملهم كان مؤمنًا بالله ومُقرًّا بوجوده، ثمّ عميت عين لا تراك. هل يحتاج الله إلى دليل وكل شيء يدلّ عليه؟ وأورد أن القدامى كانوا يستخدمون مُصطلح الدهريين أيضًا الرد على الدهريين، وهذا المُصطلح الإلحاد الدهريون تنقّل كثيرًا في المشهد الثقافي الإسلامي.</p> <p>شيخنا الفاضل مصطفى أبو رمان حيّاك الله وبيّاك وجعل الجنة مثواك.</p> <p>مصطفى أبو رمان: حيّاك الله.</p> <p>يحيى أبو زكريا: مبدئيًا كيف يتعاطى العلماء في المؤسّسات الإسلامية مع ظاهرة الملاحِدة؟ وعندما تغوص في مواقعهم يعتمدون السبّ أو تمزيق القرآن. مثلًا علنًا أو مَن يقول أنا أتحدّى الله، فأين الله ليرد عليّ؟ الواضح أنهم لا يتمتّعون بأساس أيديولوجي علمي في إثبات عدم وجود المولى عزّ وجلّ. ما الذي تقوله في هذا السياق؟</p> <p>مصطفى أبو رمان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على سيّدنا ومولانا وحبيبينا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين وأصحابه المُتّقين. حيّاكم الله دكتور، وحيّا الله ضيفكم العزيز سيّدي بوزيد بومدين من الجزائر، وحيّا الله الجزائر وأهل الجزائر.</p> <p>يحيى أبو زكريا: حيّاك ربي.</p> <p>مصطفى أبو رمان: وحيّا الله المشاهدين الكرام وبارك الله فيكم. سيّدي للأسف الشديد أنه كان للعلماء دور أيضًا في ظاهرة الإلحاد لأنهم كانوا دُعاة بلا غرز لليقين في نفوس الشباب، وبلا تربية حقيقية للشباب. ولهذا قصّر العلماء تقصيرًا كبيرًا جدًا، وإذا جاء ملحِد يحاورهم قال له أنت ملحِد كافِر، اذهب عني، أغرب عني إلى غير ذلك من العبارات. ولكن القليل من الدُعاة والعلماء مَن يحاور هؤلاء، ويقف معهم موقف العقلي والنقلي الذي يثبت لهم ما أنكروه سواء كما قال الأخ بوزيد إنكار الذات الإلهية، أو إنكار الغيبيات، أو إنكار النبوّة، أو إنكار معلوم من الدين بالضرورة. كيف نقنع هؤلاء الشباب؟ هو دور العلماء أصلًا أن يعلموا هؤلاء الشباب، وهؤلاء الذين انحرفوا عن الحق وهذا من تعاريف الإلحاد هو الميل عن الحق إلى الباطل إلى الفسق، وأنت تعرف والجميع يعرف أنّ إمام الملاحِدة والكفر والفسق والاستكبار هو إبليس عندما استكبر وضلّ وانحرف عن الحق وعمّا جاء به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما جاء عن الله عزّ وجلّ أولًا. لهذا دور العلماء منوط بهم وعليهم دور كبير في تربية هؤلاء الشباب التربية الصحيحة وبناء اليقين في قلوبهم، ولعلّ سبباً من الأسباب في إلحادهم هو تناقض العلماء، مثل الدعوة إلى التطرّف والتشدّد، أو الدعوة إلى السياسة، أو الانخراط في الأحزاب السياسية الإسلامية. كثيرة هي الأسباب التي دعت هؤلاء الشباب ألا يثقوا بالعلماء، فأين بناء الثقة من جديد بين الشباب والعلماء؟ هذا يحتاج من العلماء أن يكونوا مع الشباب في إدخال المفاهيم الحقيقية عن الدين، وعن الذات الإلهية وعن النبوّة وعن الغيبيات عن الأشياء التي أنكروها. خصوصًا أنّ أسئلة الشباب محدودة كما قلتم في المقدّمة. الإلحاد هو أصبح ظاهرة غير محصورة، وليس لها إحصائية طبعًا لأن الشباب لا يريدون أن يعلنوا إلحادهم، &nbsp;أو أن يكون إلحادهم ظاهرًا.</p> <p>لهذا يا سيّدي دور العلماء أولًا في التربية والتزكية وبناء اليقين على الله عزّ وجلّ والعقيدة الصحيحة، ونحن الآن نتخبّط بين العقيدة السلفية الوهّابية المًجسّمة المُشبّهة مع عقيدة الأشاعِرة المُنزّهة، وعقائد المذاهب الإسلامية التي تنادي بتنزيه الله عزّ وجلّ، وهذا له دور كبير جدًا في انحراف بعض الشباب أنهم لم يروا اتفاقًا واحدًا على عقيدة صحيحة في تعريف الذات الإلهية، وليس كما نرى الآن في وسائل الإعلام المنتشرة التي حقيقة المسلم المؤمن صاحب العقيدة الصحيحة عندما يسمع هذا الكلام يراه إلحادًا في أسماء الله عزّ وجلّ وصفاته، فالله سبحانه وتعالى المُنزّه التنزيه الكامل، وليس كمثله شيء. نراهم الآن يصفون الله عزّ وجلّ بما لا يليق بجلال الله عزّ وجلّ، سبحان ربك رب العزّة عمّا يصفون. ولهذا في كتاب الله عزّ وجلّ عندنا الجواب الكامل، وعندنا في سنّة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وكذلك الرد على الملاحِدة، هذه الكتب التي يجب على العالم أن يقرأها وأن يقرأ هذه الحوارات التي كانت في العصر الإسلامي الأول في الرد على إبن الرواندي وإبن سينا وعلى غيرهم حتى أبي العلاء المعرّي وغيره من الفلاسفة الذين لم ينكروا وجود الله، ولكن كما قال سيّدي بوزيد هناك ليس إنكار لله عزّ وجلّ، ولكن إنكار للغيبيات، أو إنكار بعض النبوّة أو بعض النصوص التي جاءت عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم. لهذا يا سيّدي أعود فأقول إنّ للعلماء دور كبير جدًا يجب أن ينتبهوا إليه وأن يعودوا إلى الشباب ويعلمّوهم ويربّوهم. الآن المناهج المدرسية أيضًا لها دور كبير جدًا في إرساء العقيدة الصحيحة، وإبعاد هؤلاء الشباب عن الفسق أو الضلال أو الانحراف عن الحق، وعن العقيدة الصحيحة، وعن الإيمان بالله عزّ وجلّ، والإيمان بالرُسل، والإيمان بالكتب، والإيمان بالغيبيات. الآن انشغل العلماء في خطابتهم بالانقلابات بما يُسمّى الربيع العربي بالدكتاتورية والظلم، لماذا انشغلتم بذلك وتركتم المنبر فقط لهذه الناحية ولم تنتبهوا إلى ما هو أخطر وأهم؟</p> <p>يحيى أبو زكريا: صحيح شيخ مصطفى. في هذا السياق أمران أشرت إليهما مبدئيًا المنبر الإسلامي الذي كان مرادفًا للعلم وللفقه وللأصالة وللفلسفة وللإبداع الفكري والحضاري لم يعد كذلك. أنا شخصيًا عندما أذهب إلى المسجد لا أسمع إلا السياسة، الخطيب 90 بالمئة سياسة، وعشرة بالمئة دين. هذا لا شكّ أثّر على الشباب الذين لم يقدّم لهم ربًّا جميلًا حنّانًا منّانًا. من جهة أخرى الله تعالى قدّم على أنه الغليظ الجبّار القاسي الذي لا يعرف إلا البطش بالعباد، فهذا أيضًا خوَّف الناس والشباب من الله تعالى الذي سمَّى نفسه الرحمن الرحيم.</p> <p>دكتور بوزيد طبعًا هنالك الكثير من الكتب التي عالجت ظاهرة الإلحاد سواء في الغرب في المشهد الثقافي الغربي أو في المشهد العربي، طبعًا أنا لا أستطيع أن أجلب معي كل الكتب، فأصوّر الأغلفة حتى لا أحمل أثقالًا هنا بالأستوديو. من الكتب العلم ووجود الله لجون لينوكس، هل قتل العلم الإيمان بوجود الله؟ هو لا يسبّ ولا يذمّ كما يفعل بعض الملاحِدة العرب. هو يفلسف قضية العلم، وهل الاعتقاد بالعلم تفوّق على الاعتقاد بالله؟ كتاب لمنير أديب الإلحاد بين أفكار أصحابه وهجرة أتباعه والباحث مصري بحث ظاهرة الإلحاد وحاول أن يناقش الشباب لماذا ألحدوا؟ والأسس اللاعقلية للإلحاد وهو كتاب عقلي جميل يناقش أنّ &nbsp;الإلحاد العربي يفتقد إلى الأسس المتينة، وهم الإلحاد آيات الربوبية في الكون لأحمد الحسن، البراهين العقلية على وحدانية الرب والرد على الدهريين، وأخيرًا كتاب نشره الأزهر الشريف وهم الإلحاد طبعًا يحاول الأزهر أن يصدر بين الفينة والأخرى كتباً تناقش الشباب.</p> <p>السؤال دكتور بوزيد هل فتحنا نقاشًا مع الذين قالوا إنّنا ملحدون؟ في المساجد للأسف الشديد حيث حصرت الدعوة في المسجد معظم النقاشات سياسية، كما أسلفت معظم النقاشات تتعلّق بالشأن العام هنا أو هناك كل دولة عربية ومشاكلها. نحن لم نربّ شبابنا على الروح، لم نربِّ شبابنا على الله والخوف من الله، أو مبدأ التقوى كما يقول علماؤنا الصالحون. هل هناك خلل في منظومة الإلقاء الإسلامي وبالتالي المتلقّي لم يفهم واختار أيسر وجهة وهي الإلحاد؟</p> <p>بوزيد بومدين: شكرًا لك على تزويدنا بهذه العناوين للمشاهد الكريم، فقد ذكرت في الثلاثينات وتحديدًا سنة 1937 كتب إسماعيل أدهم الذي انتهى نهاية مأساوية مُنتحِرًا يوصي أن لا يُدفَن في مقابر المسلمين، وأن يُحرَق جسده. هذا الكتاب نشره سنة 37 لماذا أنا ملحد؟ وردّ عليه محمّد فريد وجدي بكتاب لماذا أنا مؤمِن؟ كان هناك نقاش ممتع بين مؤمِن وبين ملحِد، وردّ أيضًا، وكتب مصطفى محمود بنفس الشكل لماذا أنا مؤمِن؟ يردّ فيه على الملحدين.&nbsp;</p> <p>على كلٍ، هذه النقاشات ظهرت في الثلاثينات والأربعينات في مصر في أجواء خاصة كما ظهر الكتاب الذي أشرت إليه الرد على الدهريين وهو للتسمية كما قلت في بداية الحلقة التي كانت تطلق على الملحدين من خلال الآية القرآنية "وقالوا ما يهلكنا إلا الدهر"، "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر". بناء على البيت الذي قالته العرب حياة ثم موت ثم حياة حديث خرافة أم عمرو.&nbsp;</p> <p>أعتقد أنّ الإلحاد في ثلاثة أوجه، الوجه الأول الذي أشرت إليه الإلحاد العلمي والذي برز أكثر مع داروين. وكتاب الأفغاني هو في هذا الإطار، وظهرت كتب أخرى عدّة لفلاسفة من الأوساط البروتستانتية والكاثوليكية كانت تردّ على النظرية الدارونية التي تلقّفها البعض، واعتبرها المدخل الأساس للإلحاد العلمي. وطبعًا تطوّرت المسألة في ما بعد في مجالات الفيزياء والرياضيات وغيرها.</p> <p>على كلٍ هذا الإلحاد من هذا النوع الذي يخرج من مخابر الفيزياء والكيمياء أنا شخصيًا لا يقلقني لأنّ هذا الإلحاد العلمي لا يبشرون به ولا ينشرونه ولا يواجهون به الكنائس، بل هو تأمّل علمي خاص بهم كما نجد تأمّلات علمية إيمانية عند فيزيائيين وعلماء طبيعة وفلك آخرين يؤمنون بالله. هناك إلحاد ما يتلاقى مع كتاب لماذا أنا ملحد الذي كان من أب مسلم ومن أمّ بروتستانتية، وعاش غبنًا بحيث أن الوالدة أخذته كما يحكي في كتابه إسماعيل أدهم إلى الكنيسة وأبوه في المساء يأخذه إلى المسجد، وعاش تمزّقًا دينيًا، وعاش عنفًا دينيًا. وكانت هذه الحال النفسية هي التي أودت به إلى الانتحار، وهو لا يزال شابًا صغيرًا. فأعتقد أنّ هذا النوع من الإلحاد الذي يأتي عن طريق أزمات وإحباط نفسي عند شبابنا وقد تنامى أكثر بعد ما يُسمّى بالربيع العربي من خلال المواقع الإلكترونية والسوشيل ميديا التي تنشر هذه المواقع، وتعرف أنّ هناك مواقع ظهرت في تونس والسودان وفي سوريا سنة 2014 و 2015، وأجرت هيئة الإذاعة البريطانية BBC إحصاءً بهذا الشكل، ووجدت أنّ أكثر المتابعين بين 4000 و5000 لهذه المواقع الإلحادية، ويصرّح هؤلاء الشباب في السوشيل ميديا بذلك، وغالب هؤلاء يعيشون أزمات نفسية واجتماعية، وأعتقد أنّه يمكن فَهْم هذه الأسباب. وبعضهم لا يلحد ولكنه يتحوّل دينيًا مثلما هو موجود في بعض المجتمعات المغاربية بحيث أنّ الصراع مع هؤلاء المتطرّفين دينيًا، ومع السلطة السياسية يأخذ معنى التحوّل الديني إلى الديانة المسيحية. وللأسف أحيانًا يذهبون إلى المسيحية الإنجيلية الأميركية المُتصهينة، وليس إلى المسيحية في نقائها ونظافتها. وأيضًا الطابع الثالث الذي أقصده وهو أن يكون الإلحاد مواجهة السلطة السياسية التي تحاول أن تحتمي بالدين كمصدر وهذا الصراع السياسي هو الذي يؤدّي &nbsp;ببعض السياسيين إلى الإلحاد.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور بوزيد أذكر فقط هنا حتى لا يفهم أن بعض العلماء ألحدوا، عدد العلماء الذين يؤمنون بالله 90 بالمئة، وأنا لديّ إحصاء، وعدت إلى موسوعات الملاحِدة حتى الذي كان ملحداَ جان بول سارتر الذي قاد تظاهرة الله مات في فرنسا قبل وفاته سئل مازالت عندك نفس النظرة أنّ الله مات، قال لهم معاذ الله إنني كائن تمّ تحضيره من قِبَل خالق. وألبرت إنشتاين عندما سئل عن قوّة تدير الوجود قال إنّي لا أشكّ في أنّ هنالك طاقة هائلة تدير هذا الكون، هو سمّاها طاقة نحن نسمّيها الله رب العالمين.</p> <p>مشاهدينا فاصل قصير، ثمّ نعود إليكم، فابقوا معنا.</p> <p>كتاب "وَهْم الإلحاد آيات الربوبية في الكون" أحمد الحسن.</p> <p>هل علينا أن نختار بين الإيمان بالله أو الإيمان بالعلم، من لم يسمع هذه الجمل الشهيرة والخاطئة. التطوّر يدّعي أنّ الإنسان أصله قرد، والعلم يدّعي أن الكون والحياة وكل شيء يوجد بالصدفة فقط، وهي كلّها صوَر لقول واحد يروّج له الكثير مما يمثلون الأديان أنّ هذه النظريات العلمية خاطئة. وآخرون اختاروا قولًا ثانيًا أنّ النظريات العلمية صحيحة، والدين صحيح ولكن كيف. النظريات العلمية التي ينظر لها الملحدون تمثل أطروحة متكاملة ترسم لوحة أخرى عن نشأة الكون والحياة والثقافة والدين تناقض اللوحة التي يرسمها رجال الدين لا يمكن لعاقل أن يقبل كلا القولين ما لم يحل التناقضات. التطوّر يقول بعملية عمياء غير واعية ولا هادفة على المدى البعيد، والدين يقول إنّ هناك هدف نظرية الكون من لا شيء تقول إنّ الكون أوجد نفسه تلقائيًا من لا شيء ومن دون تدخل خارجي والدين يقول أنّ هناك خالقًا للكون.</p> <p>المحور الثاني:</p> <p>"الأسس اللاعقلية للإلحاد مشكلة مبدأ العالم نموذجًا" عمرو علي بسيوني.</p> <p>تقوم كل الأديان والمذاهب والأفكار الألوهية على إثبات وجود الله عزّ وجلّ، وأنّه الحقيقة الكبرى التي تفسّر سرّ الوجود وما يتعلّق به من غايات، بل إنّ كثيرًا من الاتجاهات تعرِّف الدين على أنّه اعتراف بشري بوجود قوَّة فوق بشرية مُسيطرة، هي الإله أو الآلهة التي تستحق الطاعة والعبادة. ورغم ما في هذا التعريف من قصور بين وفق التصوّر الإسلامي بخاصة وسائر المِلل السماوية بعامة، إلا أنّ محلّ الشاهد فيه أنّ جود الله تعالى هو محور الدين ولبّه الفاعِل. وإذا انتقلنا إلى النقيض على الطرف الآخر لننظر إلى الإلحاد باعتباره في أبسط مفاهيمه إنكارًا لوجود الله عزّ وجلّ، فإنّ أغلب الدارسين للإلحاد يميّزون بين اتجاهين للإلحاد وهما بالأحرى مستويان. الإلحاد السلبي وهو عدم الإيمان بوجود الخالق، والإلحاد الإيجابي وهو نفي وجود الخالق. ولمّا كان النوع الأول من الإلحاد السلبي لا ينضبط منهجه لكونه يقوم في الغالب على تشكيكات مجرّدة، أو عدم اقتناع شخصي أو عاطفي، فإن النوع الثاني من الإلحاد الإيجابي القائم على التدليل على نفي وجود الإله يكون هو الأكثر حضورًا في مجال المعركة الفكرية بين الإيمان والإلحاد في ذلك السياق التحليلي. فالإلحاد بمفهومه الإيجابي ينبغي أن نميّز بين اتجاهين لذلك الإلحاد اتجاه فلسفي واتجاه علمي.</p> <p>يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلًا بكم من جديد، مَن أدرك حلقتنا الآن نحن نعالج موضوع الإلحاد بين الحقيقة والوَهْم في خط طنجة جاكرتا.</p> <p>شيخ مصطفى دعني قبل أن أغوص أكثر في التفاصيل أدوِّن ملاحظة أن بعض الدُعاة الذين أشكلت عليهم هم الذين حملوا لواء الإلحاد. الشيخ عبد الله القسيمي ويقينًا تعرفه كان من مشايخ السلفية، وكان من دُعاة السلفية والوهّابية، وانتهى به الأمر مُلحِدًا، وهو واحد من الذين نظّروا للإلحاد العربي عبد الله القسيمي. كما أن بعض الدُعاة المعاصرين الذين تخندقوا في الإرهاب في سوريا وفي العراق، حتى عندكم في الأردن صاروا ملحدين ويكفرون بالله ورسوله. هل هو انتقال فكري وعلمي؟ أم أنّه هكذا لم يحقّقوا في إرهابهم شيئًا، فلجأوا إلى الكفر بالله لأن الله سلبهم التوفيق، لأن الله لا يوفّق إلا المؤمنين الصالحين المتقين الذين لا يؤذون الناس.</p> <p>مصطفى أبو رمان: نعم سيّدي جزاك الله خيراً، هو عبد الله القسيمي كمثال هذا الرجل الذي كان وهّابيًا سلفيًا ودافع عن السلفية على أنها هي الإسلام، وكتب في ذلك كتبًا كثيرة مدافعًا عن الإسلام الذي يدين به ويعتقد به وهو المذهب الوهّابي السلفي. وأمضى أكثر من نصف عمره وهو في هذا المجال، لكنه بعد ذلك بعد هذا الدفاع المستميت عن المذهب الوهّابي، ونشر الكتب كأنه لم يحصل على الدرجة التي يريدها في مذهبه أو في مجتمعه أو عند سلطته، هذا رأي بعض مَن قال عنه أنّه لم يتحصّل على شيء في المذهب الوهّابي، أو في ممملكته أو في مجتمعه، فانتقل بعد ذلك إلى التشيّع وبقي في التشيّع فترة إلى أن انتقل بعد ذلك التشكيك ومن التشكيك إلى الإلحاد، وهنا له رحلات إلى السعودية، وإلى مصر وكانت آخر محطّة له في الأردن حيث توفّى هناك. لولا أننا نقرأ عن القسيمي لما عرفنا عنه شيئاً، ولا عن كتبه ولا عن ردوده ولا عن انتقاله من مرحلة إلى مرحلة، فالقسيمي أمثاله كثر ربما أحد الشباب التقيت به وكان مسجونًا لفكره السلفي، وعندما التقى في السجن مع الإخواني والتحريري والسلفي نزع وابتعد عن كل هذه المذاهب، وكل هذه الأديان وكل هذه السياسات وذهب إلى الإلحاد أو العلمانية غير الملحدة يؤمن بالله، ولكنه ابتعد عن كلّ ما يفترض عليه من فرائض وحدود، وانسلخ منها كليًا، فكانت ردّة فعل. فالقسيمي وأمثاله كثيرون هي ردّة فعل بالنسبة لهم، أو أنه لم يكن يتربّى على عقيدة صحيحة أصلًا، ولم يتربّى بين يدي العلماء علماء الربّانيون علماء التربية والتزكية الحقيقيون، ولكنه كما يدّعي بعض الذين ردّوا على القسيمي حديثًا وفي زمنه أنه كان يسرق بعض النصوص من علماء سبقوه فهي التي اشتهر بها أو الكتب التي نشرها وألّفها.</p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخ مصطفى في هذه النقطة معك لا عليك إن شاء الله أذكر القسيمي، كتب كتابًا ناريًا في الدفاع عن الوهّابية سمّاه الفصل الحاسِم بين الوهّابية ومخاليفها، ورأسًا انتقل إلى الإلحاد بعد ذلك ليكتب كتابًا "الكون يحاكم الله". ربما كان يقصد الله المشبّه المجسّم الذي ينزل إلى السماء الدنيا على ظهر حمار!</p> <p>مصطفى أبو رمان: نعم كنت سأذكر ذلك، سبقتني إليه لأنّ الوهّابية الذين يصفون ربهم بالشاب الأمرد، أو ينزل على حمار، أو أنه يجلس على كرسي، وأن له رجلين ويدين، وإلى غير ذلك من الصفات. من يصل إلى الحقيقة من خلال عقله وتفكّره بالقرآن العظيم وبالسنّة الحقيقية يقرأ للعلماء الآخرين، لكنّ علماء الوهّابية هؤلاء اعتبروا أنّ مذهبهم هو مذهب الإسلام هو الإسلام الحقيقي، وأنّ غيره زَنْدَقة وكفر وفسق وضلال وبِدَع إلى غير ذلك. لهذا القسيمي كأنّه بكتابه الكون الذي ذكرته كأنه يرد على هذا التجسيم، وهذا الإله الذي تؤمِن به مذهبه ومدرسته التي كان عليها سابقًا. ولهذا الكثير من الشباب ابتعد عن هذا السِجال، وهذا الجدال وهذا الحوار في هذه العقيدة سواء كانت عقيدة الوهّابية أو غيرها، وكذلك العقائد السياسية التي أيضًا أبعدت الشباب عن أن يلتزموا دينًا حقيقيًا ودينًا سمحًا.</p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخ مصطفى هنا الخطورة أيضًا الذهاب إلى الإلحاد هو أيضًا سياق انحدار وانهيار لأنّ الإيمان يعطي للمواطن العربي دافعًا من أجل الدفاع عن الأوطان، وعن الكرامات، وعن الأعراض، والنواميس ويجعلنا نتهيّب ونهبّ لنصرة الحق.&nbsp;</p> <p>هنا أسأل الدكتور بوزيد، &nbsp;دكتور بوزيد في خضمّ الإرهاب وردّة الفعل. الإلحاد ظهر بغياب المشروع الفكري الثقافي الحقيقي، طبعًا لا يمكننا أن نتحدّث عن السلطات العربية لأن السلطات العربية اشتهرت بالغناء والطبل فقط، المجنون هو مَن يحاسب السلطات العربية ويقول لها اهتمي بالعقل، أصلًا إذا سئِلت عن العقل لا تكاد تجيب. تأمّل معي الإعلام العربي الرسمي، لا أتكلّم عن الخاص كلّه رقص ومجون وملايين الدولارات تُصرَف على التفاهات، لا توجد حوارات إعلامية مع شبابنا، لا توجد نقاشات فكرية، مهرجانات ثقافية حتى المهرجان الثقافي صرنا ندعو مطربة ونعطيها نصف مليون دولار بدل أن نزوّج شبابنا على سبيل المثال. إذًا هذا الإضطراب اليوم في المشهد الثقافي هو الذي يولّد هذه الفوضى ومنها الذهاب إلى الإلحاد.</p> <p>بوزيد بومدين: نعم صحيح، والإلحاد بهذا الشكل الذي أشرت إليه ينبت في بيئة الكراهية والعنصرية، وإحياء العرقية الإثنية. فأعتقد أنّ الإلحاد لم يعد مسألة علمية أو مسألة انتماء لتيار سياسي، لأنك تعرف أيضًا أنّ الإلحاد يأخذ أحيانًا مُسمّيات معينة، هل نتفّق على أنه فعلًا ينكر وجود الله، أو لا ينكر وجود الله. الإلحاد أخذ معنى اتباع المادية الماركسية الستالينية والماركسية اللينينية في فترة ما، أخذ أيضًا مفهوم التنوير، مفهوم العقل الحر أخذ مفهوم الإنسانية، ولكن هذه مفاهيم نبتت أساسًا في أجواء سياسية، وتحوّلت مثلًا المادية الماركسية في اليسار العربي في بعض البلدان العربية، تحوّلت من موقف سياسي ضد الرأسمالية والبرجوازية إلى موقف عقدي، وهذا هو الانحراف الذي وقع مثلًا في الجزائر في السبعينات على مستوى النُخَب، ووقع في العراق، ووقع في سوريا أيضًا.</p> <p>فأعتقد أن الانزلاق في تحوّل الإلحاد كموقف فكري أو كموقف زَنْدَقي كما كان عند الرواندي، أو حتى بعضهم يحسب لإبن سينا أصبح موقفًا يمكن أن ندرجه ضمن التهديد بإحداث الخلل في النسيج الاجتماعي والاستقرار الاجتماعي، ومن هنا يصبح تهديدًا أمنيًا. الإلحاد يتحوّل إلى كراهية للآخر وإلغاء للآخر، وتحوّل إلى عقيدة مشابهة لعقيدة التطرّف عقيدة الداعشية والعقيدة القتالية. وبالتالي نقول هنا أنّ الإلحاد بهذا المعنى هو يعمل أيضًا على حركة الشباب، وعلى أن يكونوا مثل المهاجرين السرّيين في قوارب الموت، اللا دين، اللاعلاقة مع المجتمع لأن الإلحاد هو الخروج أيضًا من مجموعة ليس على المستوى الفكري. نحن نطالب بحرية التفكير وحرية الرأي وحرية العقيدة، لكن عندما يكون الإلحاد سلوكاً شاذاً، وفيه الكراهية للمؤسّسات الدينية، وفيه العداء لكل ما هو ديني سواء كان مسيحياً أو كاثوليكياً أو حتى العداء للطاقة الإيجابية التي أشرت إليها لأنه عندنا في مجتمعات أخرى ليسوا من أهل الأديان، ولكن يؤمنون بشيء يُسمَّى الطاقة الإيجابية عند البوذيين وعند الكونفيشيوس، وهذه الطاقة ربما لعبت دوراً كما يقول مالك بن نبي في حضارات أخرى، وليس في حضارتنا. المشكل هنا أن الإلحاد يصبح انحرافًا فكريًا وسلوكيًا وسياسيًا، وهو ما يهدّد المجموعة العربية والمجموعة الإسلامية حتى في المجتمعات الأوروبية كانت هناك بعض الدعوات الفكرية إلى مقاومة هؤلاء لأنه لا يشوّشون على الكنيسة، ولكن يشوّشون على الطمأنينة ما يُسمّى بالسكينة أيضًا.</p> <p>والقرآن الكريم والأديان تدعو إلى السكينة، فكل ملحد يحمل كراهية اتجاه الآخرين لأنه في النهاية مثل الإسلامفوبيا هناك إلحاد فوبيا يتحوّل إلى فوبيا، ويتحوّل إلى مظهر غريب وخطير يُهدِّد الأمن الاجتماعي.</p> <p>يحيى أبو زكريا: دكتور بوزيد أنت أشرت إلى الجزائر إلى العراق، والتفاصيل كثيرة لو أردنا أن نتحدَّث عنها سوف نعبِّئ الهواء لمليون حلقة فعليًا. اليوم النظام الرسمي العربي وبعض الجهات المُفكّرة في النظام الرسمي العربي وبعض الجهات الأمنية دعنا نسمّي مباشرة تقول أن ينتشر الإلحاد خير من أن ينتشر التكفير والإرهاب الذي ألحق أذى بالأمن القومي العربي، فلا بأس تساهلوا مع الإلحاد كما تساهل أنور السادات مع الإخوان لضرب الناصرية. فالإلحاد أفضل من التكفير، ولذلك لا توجد ردّة فعل حقيقية في كل المجتمعات العربية اتجاه كل هذه الظاهرة. لا تأهيل فكري، لا إرشاد فكري وحتى المؤسّسات الإسلامية غارِقة في قضايا فُقهية، أنت تعرفها لا تمتّ بصلة &nbsp;للواقع. لكن السؤال ألا يشكّل الإلحاد أيضًا خطرًا على الأمن القومي العربي؟</p> <p>بوزيد بومديان: نعم صحيح، ولاحظ معي أستاذ يحيى أنه في بعض المجتمعات ومتابعتنا اليومية العلامية والتقريرية أحيانًا لأن الأمن أيضًا يعمل بعض التقارير، نلاحظ أين يتواجد الإلحاد؟ يتواجد ومرتبط بالشذوذ الجنسي، ويرتبط أحيانًا بالخيانة الوطنية وبالخيانة الجنسية والمثلية، هذه غرابة الإلحاد. الإلحاد عند جان بول سارتر انطلق من مفهوم الحرية، قال إنّ الإيمان إذا كان يهدّد الحرية، فأنا لست مؤمنًا. الإلحاد ارتبط في مجتمعات معينة بالحقوق السياسية والتحرّر من الكثلكة وسيطرة ما هو ديني. لكن عندما يرتبط الإلحاد بظواهر الشذوذ الجنسي وبظواهر المثلية وبظواهر اللادينية أو العدمية يشكل تهديدًا أمنيًا قوميًا. ولذلك أنا قلت إنّ بعض الدساتير العربية صحيح تشير إلى حرية الأديان وحرية العقيدة، لكن ما هي القوانين العضوية التي تنظّم ذلك؟ بمعنى أنّنا ينبغي قانونيّا أنّنا لسنا ضد حرية العقائد، وليس أن تكون ملحدًا، كن ملحدًا كما تحب، لكن هذا الإلحاد لا ينبغي أن يتحوّل إلى دعاية وتشهير وإشهار، ويتحوّل إلى مجموعة. عندما يتحوّل إلى مجموعة وإلى طائفة نحن أيضًا أمام طائفة لا دينية صحيح، ولكنها طائفة قد تهدّد النسيج الاجتماعي لأن هذا المفهوم ليس مفهومًا علميًا، ولا مفهومًا فكريًا، ولكنه مفهوم اجتماعي. القَصْد منه تهديد الوحدة الاجتماعية وعندما نتابع الموقع الذي يُسمّى مجلة الملحدين العرب، نجد هذا، نجد محاولة تواجدهم في المجتمعات التي تعاني هشاشة من حيث النسيج الاجتماعي، وبالتالي يصبح العداء للإسلام هو الإلحاد، وهذا خطأ. إذا كنت تعادي الإسلام عادية علميًا قدّم ما هو البديل عندك، إذا كنت تعادي الجماعات المتطرّفة والجماعات القتالية العداء لا يكون بهذا الشكل، لا يكون بأنك تعادي الله.</p> <p>فالله بالنسبة لك موجود أو غير موجود هذه ليست مشكلة ونتعلّم من البراغماتية الأميركية، يقولون إذا كان الإيمان يؤدّي إلى العمل المثمر فهو الحقيقة. مفهوم الحقيقة لم يصبح في فلسفات البراغماتية مثل جون دويل لم تعد الحقيقة ما هو صادق أم غير صادق. الحقيقة إنها تؤدّي إلى إنتاج فعلي، واليوم فلسفة اللغة تقوم أساسًا على ما يُسمّى إنجاز، اللغة إذا كانت هذه اللغة أو الجملة تؤدّي إلى عمل فهي جملة صحيحة مهما كان فيها من أخطاء نحوية، أو غير نحوية، ولكنها جملة صحيحة لأنها تؤدّي إلى عمل.</p> <p>يحيى أبو زكريا: ما دمت دكتور بوزيد ذكرت اللغة دعني أسجّل أنّ واحدة من الكوارث التي ألمَّت بالفكر العربي في كل تفاصيله اليساري اليميني الوَسطي الترجمة المُحرّفة. نحن عندما نقلنا اليسار الشيوعية من الكتلة الشرقية أو الغربية نقلناها خطأ. كارل ماركس لم يكُ ملحدًا نهائيًا ومَن اطّلع على كتبه وعلى رأسها رأس المال، يدرك أنه لم يكُ ملحدًا، وهذه قالها زعيم الحزب الشيوعي السوري السابق خالد بكداش. اليساريون عندما نقلوا مفردات الثقافة المترجمة، نقلوها خطأ، وهكذا دواليك بالنسبة لكثير من الأفكار. ممّا طرحته أذهب إلى الشيخ مصطفى أبو رمان، شيخ مصطفى أيضًا واحدة من أسباب الانهيار غياب ثقافة الروح في مساجدنا في وسائل إعلامنا في حياتنا. بربّك عندما تفتح اليوتيوب ترى شيخاً معمّمًا يلعن شيخاً معمّمًا آخر وكلمات بذيئة يقولها الدُعاة يا كذا يا كذا. إذا ناقشت أحدهم يُسمّيك بأسماء الحيوانات، والله لما خلقك قال متباهيًا بنفسه "تبارك الله أحسن الخالقين". تباهى لما خلق الإنسان.</p> <p>هنا معي كتاب جميل عالم الأرواح العجيب، ألا يجب أن نعود إلى ثقافة الروح لأن الروح إذا صلحت يصلح العقل. الكثير من الملاحدة يتصوّرون الإسلام يمنعهم من الزينة المخدرات الفساد المثلية الجنسية كما أشار الدكتور بوزيد. فإذا نعود إلى الروح لنعيد بناء العقل والمسلكية، وأيضاً المسار المسلكي والسلوكي.</p> <p>مصطفى أبو رمان: نعم يا سيّدي وجزاك الله خيرًا. هذا المحور المهم جدًا والضروري لأنهم يفتقدون هذه الناحية الروحانية التي تصقلهم وتصقل العقل والنفس، ويصبح الإنسان بسلوكه يحبه الجميع ويحب الجميع لأنه كما قلت في حلقات سابقة وأكرّر هذا البيت، ديننا حب وودّ ما لنا في الكون ضد، أصبح اليوم لغد كأب للولد فهل تربّى المسلمون على هذه التربية الروحية التي تبنّاها أهل التصوّف، وما أحوَج أهل التصوّف الآن إلى أن يمسكوا بمنهج العلماء الربّانيين لنشر ثقافة الروحانية ولنشر ثقافة السلوك الذي سلكه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي من أجله أحبّه الناس وأحبّه المسلم وغير المسلم ووصفه بوصف الصادِق الأمين قبل الإسلام وبعد الإسلام. وكذلك إنّ غياب ثقافة الروح له سبب كبير جدًا لأننا انشغلنا بعذاب القبر والترغيب والترهيب، وانشغلنا بصفات الله عزّ وجلّ وأسمائه، ولم ننشغل بنشر ثقافة الأخلاق والسلوك والروحانيات. ولهذا حتى أتذكّر من كلام القسيمي الذي أنكر فيه عندما قال ذلك الشعر تصاعد أنفاسي إليك عتاب، وكل إشاراتي إليك خطاب. فليتك تحلو والحياة مريرة إلى أن قال في الكلمة الأخيرة، وكل ما فوق التراب تراب يستنكر من هذه الأبيات التي فيها التربية والسلوك الحقيقي استنكر من هذا الكلام كلام حتى الروحانيات. تهجّم عليه القسيمي من خلال أبيات بعض أهل التصوّف لهذا نحن أهل التصوّف مدعوون الآن أكثر من غيرهم، وأهل المنابر والخطباء أن يربّوا الناس على الثقافة التي تربط أرواحهم بربّهم سبحانه وتعالى، وتزكّي نفوسهم وتفتح مدارك عقولهم لأن الكثير من الناس الآن يُعادي الإسلاميين من هذا الباب.</p> <p>يحيى أبو زكريا: شيخ مصطفى أدركني الوقت. لله ذرّك والله ما أحوجنا إلى الروح، ما أحوجنا إلى العودة لله. والله لو أتيح لي المجال لقدّمت مليون ومليون ومليون دليل على وجوده جلّ في عُلاه. لا حول ولا قوّة إلا بالله، وهل يرحم الضعيف إلا الكبير؟ وهل يرزق الفقير إلا الرازِق؟</p> <p>سيّدي العزيز لا يدرك الكثير من الناس أن الله ما أوجده أول وهلة فقط الإنسان حتى يستمرّ موجودًا، يحتاج إلى إيجاده على مدار الثانية ففضّل إيجاده لنا مستمر على مدار الدقيقة فلو رفع عنا اللطف لسكتت أرواحنا وانتقلنا إلى عالم البرزخ والأرواح. يا شيخ مصطفى يا ليتهم يعلمون، شيخ مصطفى أبو رمان من الأردن الحبيب شكرًا جزيلًا لك.</p> <p>دكتور بوزيد بومدين من الجزائر الحبيبة وسلامنا لأهلنا جميعًا هناك. جزاك الله خير الجزاء وشكرًا جزيلًا لك.</p> <p>مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها إلى أن ألقاكم، هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع الذي لا تضيع أبدًا ودائعه.</p>

برامج أخرى

10 حزيران 2012

تصفح المزيد